سهيل زكـّار باحث و مؤرّخ و محقـّق و مترجم معروف من سوريا
فهرس |
وُلـِد في مدينةِ حماة / سورية عام /1936/ منَ أسرةٍ متوسـّطةُ الحالِ عمل والده في أعمالٍ تجاريّـة، ولحقت به خسائر كبيرة نتيجة ما جرى في حماة أيـّام الاِنتداب الفرِنسي على سورية، وتعرّض والِده لنكبات ماديّـة، وأدّى الأمر إلى سوء الأحوال الماديّـة فاضطر لترك المدرسة والاِنقطاع من أجل العمل وتـأمين لقمة العيش والتـّعاون مع الأسرة.
في الوقت نفسه كان يواصل القراءة في مختلفِ أنواع الكتب، قرأ كثيراً عن الوجودية و القومية، وكان يميلُ إلى قراءة كتب التـّاريخ.
حصل بدراسةٍ خاصـّة عام /1952/ على الشـّهادة الإعداديّـة وبعد ذلك عمِـل معلـّماً وكيلاً في ريفِ حماة. وتابع أثناء عمله بالتـّدريس القراءة والـدّراسة ففـكّـر بنيلِ الشـّهادةِ الثـّانويّـة، ولم تكن الأمور سهلة..
في عام /1956/ وصل إلى سنّ أداءِ خدمةِ العلم وأثناء ذلك كان العدوان الثـّلاثي على مصر وكان موجوداً وقتها في منطقة الشـّيخ مسكين..
أثناء أداءِه الخدمة الإلزاميـّة سجـّل من أجل الحصولِ على الشّـهادةِ الثـّانويـّة وطبعاً كانت الظـّروف قاسية وصعبة وشعر بمرارة الحياةِ وشظفِ العيشِ، إذ كان ينتقل من الشـّيخ مسكين إلى دمشقَ ليلاً للوصولِ صباحاً من أجلِ تـأديةِ الاِمتحانات والعودة ولا سيّـما أنّ سُبل المواصلات ذهاباً وإيّـاباً كانت صعبة جـدّاً، ولم يكن ينعم أثناء تلك الفترة بالنـّومِ الجيـّد.
وأخيراً، علِـم وهو في الخدمة أنّـه قد نجح وبتفـوّق وأخذ بمقرّر التـّاريخِ أكثر من /190/درجة من /200/ . إثر هذا وما أن انتهت الخدمة الإلزاميّـة حتّـى طُـلِب منه الاِلتحاق بالكليّـة العسكريّـة.
تقـدّم للتـّسجيل في الجامعة وكانت لديه اِمكانيّـة الاِلتحاق بأيّ كلـّيّـة موجودة آنئذٍ، وبما أنـّه كان مفطوراً على حـبّ التـّاريخِ دخل هذا القسم، ومع أنّـه لم يكن مداوماً على المحاضرات في الجامعة لكنـّه اجتاز الاِمتحانات كلّـها بنجـاح وكان المتخرّج الأوّل في الجامعة. بعد التـّخرّج عام /1963 م/ تقـدّم لمسابقة المدرّسين في وزارة التّـربية ولمسابقة أخرى ليكون مُعيداً في كلّـيّـة الآداب، نجح في مُسابقة المدرّسين وكان الأوّل على سورية ويحق له أن يُعيـّن في دمشق ولكنـّه عُيـّن في حماة، وقال له مديرُ التّـربيـة آنئذٍ في حماة: لأنّـك ستترك التـّدريسَ وتذهب الجامعة لن أعيّـنك في المدينة، وبالفعل تمّ تعيينه في السلمية وهناك درّس ثلاثة أشهر بعد ذلك كانت قد صدرت نتائج القبول في المعيدين ونجح، وقرّرت الجامعة إلحاقه بها كمعيد مع اِتّخاذ قرار بإيفاده إلى اِنكلترا وفي هذه الفترة أقدم على تحقيق كتابين هامّين هما: طبقات خليفة بن خياط، وتاريخ خليفة بن خيّاط المتوفّـى /240 هـ/ وصدرا له فيما بعد عن وزارة الثقافة في دمشق.
أواخر عام / 1964م/ سافر إلى لندن، وصلها وهو لا يعرف اللّغة الإنكليزيّـة كانت معلوماته متدنّـية في الإنكليزيّـة ولم يكن يعرف أحداً هناك على الإطلاق ومرّت أيّـام صعبة عليه، وأخيراً وجد غرفة عند الجيران وبالوقت نفسه اِنتسب إلى مدرسة "ديفيز سكول" ليتعلّم الإنكليزيّـة وذهب إلى الجامعة والتقى رئيسَ قسمِ التّـاريخ المستشرق برنارد لويس. قال له: عليكَ أن تتعلّـمَ الإنكليزيّـة وعاد من الجامعة من أجل اللّغة الإنكليزيّـة، أثناء ذلك تعرّف على شـاب سعودي دلّـه على بعض الخطوات، ثمّ بدأت رحلة العمل الـدّؤوب، أصبح يداوم صباحاً في المدرسة الخاصّـة وفي المساء يذهب إلى مدرسة تابعة للبلديّـة، وخلال شهر أصبح يقرأ ويتكلّـم بالإنكليزيّـة، وكان قد قـرّر أن يحفظ "معجم إنكليزي-إنكليزي" واستفاد من ذلك كثيراً، كما اِستفاد من قراءة ترجمة القرآن الكريم إلى اللّغة الإنكليزيّـة، بعد هذا الشّـهر ذهب إلى الجامعة والتقى ثانيةً "لويس" الذي اِندهش لذلك وطلب منه أن يخطو الخطوة الثّـانية.
طلب منه "لويس" أن يعمل على معادلة شهادته وكانوا عدداً من الطّـلبة تحت إشرافِ موجـّه بريطاني، وقد خضعوا للتدريبات واصطدم بهذا الموجـّه مراراً لأنـّه كان يُـقدّم لهم معلومات غير صحيحة فشكاه إلى رئيس القسم فاستدعاه وسأله لماذا حصل هذا؟ فقال له بهدوء: يحاول أن يعلّـمنا خطأ وأوضح له بعض الأمور وسأله: ما هو عملك؟ فقال له: معيد موفد. وسأله هل لك كُـتب؟ فقال له: أكتب بعض الدّراسات وقد حقّـقتُ كتابَي خليفة بن خيّـاط. فردّ مندهشاً: وهل تمّ العثور عليهما؟!! فأجاب: واحدٌ في دمشق والآخر في المغرب، ولديّ بعض الملازم ممّـا طُبع وسأعرضها عليك. أتى بها في اليوم التّـالي، وطلب منه أن يكتبَ مقالاً عن خليفة بن خيّـاط للموسوعة الإسلاميّـة وخلال ثلاثة أيّـام كتب المقال، وبعد ذلك طلب منه أن يراه بعد المحاضرات وقال " أنت لديك إعفاء، سأله: ممَ؟ فأجاب: أنت لا تحتاج إلى فحص المعادلة وهذا قرار مجلس الجامعة. بعد ذلك عرض عليه "لويس" البقاء والتعاقد معه فاعتذر عن ذلك لأنّـه آتٍ للدراسة من أجل وطنه، ومنذ ذلك الحين يعمل و هو في التدريس.
كان موضوع الماجستير حول إمارة حلب في القرن الحادي عشر للميلاد أي الموافق للقرن الخامس الهجري، وأثناء المتابعة للدراسة بدأ رحلة قادته إلى تركيّـا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا للحصولِ على المخطوطات ثمّ تابع الدكتوراه.
درّس في لبنان و المغرب لمدة 3 سنوات ثم عاد لبلده سوريا و استقر فيها مدرسا و مؤلفا و محاضرا و باحثا.
يرى الدكتور سهيل أن من يعمل في تاريخ العرب والإسلام عليه أن يُتقن ثلاثة فنونٍ أساسيّـة هي: التّـحقيق - التّـرجمة - التّـأليف. التحقيق لتاريخِ العربِ والإسلام يتخرّج بشكلٍ علمي من مدارس المؤرّخين العرب وخاصة: ابن إسحاق، ابن الجوزي، الزهري، خليفة بن خيّـاط، البلاذي، ابن حبيش وآخرهم ابن كثير.
كما يؤكد أن التّرجمة أساسيّـة في عمل المؤرّخ، ولا بدّ من الاِطّـلاع على مصادر بغير العربيّـة، إذ منذ قيامِ الإسلام صار هناك بغير العربيّـة مصادر مفيدة جداً كُـتبت بالسريانية و الأرمنية و الإغريقية وفي حقب أخرى تزداد أهمّـيّـة المصادر غير العربيّـة.
وهذا بنظره بدهي لأنّ ما من حدث في التاريخ اقتصرت فعالياته على رقعةٍ محدودة من الأرض، بل امتدت إلى العالم أجمع.
في عام 1991 م وافق على مشروع ضخم وهو اخراج كتاب كبير في تاريخ الحروب الصليبية. ومنذ ذلك الحين و هو يعمل على هذه الموسوعة بالتعاون مع طلابه. و يذكر عنه أنه سيكون أوسع واشمل كتاب من نوعه في أي لغة في العالم اذ سيضم 45 الف صفحة وقد تأتي هذه الصفحات ما بين 90 إلى 95 مجلداً.
نقلاً عن مقابلة أجريت معه في جريدة الثورة السورية العدد: 3 آب 2006/ 9 رجب 1427