الرئيسيةبحث

سفسطة

يحيل مصطلح السفسطة على الاستدلال الصحيح في ظاهره المعتل في حقيقته، والذي تكون غايته المغالطة والتمويه على الخصم في المبارزات الحوارية أو المخاطبات العامة، إنها إذن نوع من العمليات الاستدلالية التي يقوم بها المتكلم وتكون منطوية على فساد في المضمون أو الصورة قد لا ينتبه إليه المخاطب فيقع ضحية هذه الحيل السفسطية فيعتقد في الكذب صدقا وفي الباطل حقا. وإذا عدنا إلى الأصل اللغوي اليوناني للفظة sophia نجدها تدل على "الحكمة" و"المعرفة"، وبالتالي يكون السوفسطائي sophiste هو الحكيم المنتسب للسفسطة. غير أن حكمة السوفسطائي كانت دائما محط اعتراض من طرف الفلاسفة(الفيلسوف هو محب الحكمة: فيليا + صوفيا) الذين كانوا يؤكدون أن السوفسطائي هو مجرد مدع للحكمة ومتشبه بالفيلسوف دون أن يكون فيلسوفا بالفعل، لأن الفيلسوف الحقيقي هو الناظر في حقيقة الوجود نظرا شموليا غايته الإحاطة بمبادئه الأولى كما هي فعلا، وهذا ما يفتقده السوفسطائي كلية.

لمحة تاريخية

لقد ارتبط مفهوم السفسطة بالحركة السوفسطائية وهي حركة فكرية واجتماعية نشأت وترعرعت في اليونان القديمة خلال القرن الخامس قبل الميلاد ورفعت شعار "الإنسان مقياس كل شيء"، ودافعت عن نسبية الحقيقة وارتباطها بالظروف المتغيرة، فانتهت إلى التأكيد على أهمية اللجوء للحيل الخطابية والألاعيب القولية لتحقيق المصالح الشخصية، وعلى رأسها التأييد الجماهيري في المعارك السياسية التي كانت أثينا مسرحا لها خلال هذه الفترة. ولم يكتف السوفسطائيون بممارسة السفسطة وحدهم، بل تمكنوا من إقناع صفوة المجتمع آنذاك بضرورة تلقي دروس في هذا المجال إن كانوا يرغبون في تحقيق مصالح اجتماعية وسياسية واقتصادية، فتمكنوا بفضل ذلك من جمع ثروات عظيمة. غير أن هذه الحركة ستتعرض لنقد لاذع من طرف المدرسة العقلانية في الفلسفة اليونانية ممثلة بشكل أساسي في سقراط وأفلاطون وأرسطو، فقد حاول هؤلاء الكشف عن مظاهر التمويه والخداع في أساليب الحجاج والنظر والمناظرة عند السوفسطائيين، مما أدى إلى انحسار نفوذ هذه الحركة تدريجيا لتفسح المجال أمام التصور العقلاني المؤمن بالقيمة المطلقة للحقيقة، والذي سيغدو علامة مميزة للفكر اليوناني ولمختلف المدارس التي تأثرت به لاحقا، وهذا التصور تمثله الفلسفة باعتبارها نظرا عقليا غايته السير في طريق الحقيقة، أما السفسطة فستصبح ابتداء من هذه اللحظة مرادفة لكل ممارسة فكرية باطلة ومخادعة، كما ستغدو شخصية السوفسطائي معادلا لشخصية المخادع الذي يتحايل بالكلام والخطاب قصد الوصول إلى أغراضه السيئة في الغالب، ولا تزال آثار هذه النظرة القدحية حاضرة إلى يومنا هذا، فالناس عموما لا ينظرون إلى محترف الكلام والخطابة إلا بنوع من التوجس والريبة، ويعتقدون أن خلف هذا الكلام المنمق تتخفى غايات ومصالح شخصية (خصوصا إذا تعلق الأمر بالمجال السياسي).