سعيد حوى..
لم تمض سنوات قليلة على قيام حسن البنا بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين حتى كانت الجماعة قد ملأت الدنيا وشغلت الناس، وانطوى تحت لوائها ألوان مختلفة من البشر.
وقد حمل دعوة الجماعة إلى سورية عدد من علماء الدين السوريين الذين درسوا في القاهرة وتتلمذوا على يد حسن البنا، فتأثروا بمنهجه في التفكير ورؤيته للإصلاح، وكان في مقدمتهم مصطفى السباعي، وعبد الفتاح أبو غدة، وغيرهما من الرعيل الأول الذين قاموا بإكمال مسيرة الإخوان في ظروف سياسية استثنائية.
وكان سعيد حوى من أهم من حمل هذا اللواء من بعدهم حيث تميز بغزارة الإنتاج وكثرة النشاط.
فهرس |
ولد سعيد بن محمد ديب بن محمود حوَّى النعيمي - المعروف بسعيد حَّوى- في مدية حماة بسورية في (28 من جمادى الآخر سنة 1354هـ = 27 من سبتمبر 1935م)، ونشأ في حماة لعائلة معروفة، فكان والده من رجال حماة، وله مشاركات واسعة في مواجهة الاحتلال الفرنسي لسوريا. وقد توفيت والدة سعيد حوى وهو في الثانية من عمره، فتعهدته جدّته بالتربية والتهذيب. وإلى جانب دراسته عمل مع والده منذ صغره على بيع الحبوب والخضار والفاكهة، وكان من صغره مولعاً بالمطالعة والقراءة، وحفظ القرآن، وكانت تتولى تحفيظه سيدة كفيفة من أقربائه.
التحق سعيد حوى بمدرسة ابن رشد الثانوية،وبدا عليه التميز في عدة مجالات أبرزها تمكنه من الخطابة. وفي هذه الفترة المبكرة من حياته كانت سورية تموج فيها أفكار كثيرة وتيارات فكرية متعددة للقوميين والاشتراكين والبعثيين والإخوان المسلمين،لكن بحكم تكوينه الفكري الدينيفقد انضم إلى جماعةالإخوان المسلمين سنة (1372هـ = 1952م) وهو لا يزال في الصف الأول الثانوي.
التحق سعيد حوى بجامعة دمشق سنة (1376هـ = 1956م)، ودخل كلية الشريعة بها، وتتلمذ على عدد من أهم أستاذة الشريعة و في مقدمتهم الدكتور مصطفى السباعي أول مراقب لجماعة الإخوان بسورية، والفقيه مصطفى الزرقا، وفوزي فيض الله، ومعروف الدواليبي. كما درس على يد عدد كبير من الأساتذة، منهم الشيخ محمد الحامد، والشيخ محمد الهاشمي، والشيخ عبد الوهاب دبس، والشيخ عبد الكريم الرفاعي . وتخرج سعيد حوى في الجامعة سنة (1381هـ = 1961م)، وبعد عامين التحق بالخدمة العسكرية ضابطًا في كلية الاحتياط، وتزوج في هذه الفترة، وأصبح له أربعة أولاد.
بعد خروجه من الجيش سافر إلى المملكة العربية السعودية سنة (1386هـ = 1966م) وعمل مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية، ومكث هناك أربع سنوات عاد بعدها إلى سورية، حيث اشتغل بالتدريس في مدارسها لمدة ثلاث سنوات حتى تعرض للاعتقال والسجن لمدة خمس سنوات وذلك بسبب مشاركته في البيان الذي صدر في سنة (1993= 1973م) مطالبًا بإسلاميّة سورية ودستورها.
واستغل سعيد حوى هذه الفترة التي قضاها في السجن، فألف عددًا من الكتب، أهمها "الأساس في التفسير" الذي طبع في أحد عشر مجلدًا،
وبعد خروجه من المعتقل، تولى مسؤولية قيادة جماعة الإخوان في ظروف بالغة الحرج، حيث المراقبة والتقييد من السلطات هناك في الفترة من سنة (1400هـ = 1979م) إلى سنة(1403هـ = 1982م)، ثم ترك ذلك إلى المشاركة في قيادة التنظيم العالمي لقيادة جماعة الإخوان من سنة (1403هـ = 1982م) إلى سنة (1405هـ = 1984م)، ثم عاد إلى المشاركة في قيادة الإخوان في سورية من سنة (1406هـ = 1985م) حتى سنة (1408هـ = 1987م)، حيث أجبرته ظروفه الصحية على اعتزال العمل القيادي، بسبب إصابته بشلل جزئي، بالإضافة إلى أمراضه التي تكالبت عليه، كالسكر والضغط وتصلب الشرايين، والكلى، وضعف البصر، ثم لم يلبث أن دخل في غيبوبة الموت من (5 من جمادي الأول 1409هـ =ديسمبر 1988م) حتى (1 من شعبان 1409 هـ = 9 من مارس 1989م) حيث توفي بعد معاناة وصراع مع المرض.
تميز سعيد حوى بفهم عال يجمع إلى جانب الدعوة الإسلاميةالتحرك السياسي المعتدل، والتصوف السني المتقيد بالقرآن والسنة النبوية، مع فقه الواقع وترتيب الأولويات، وقد عني الشيخ أيضاً بالدعوة إلى توحد الأمة الإسلامية وإقامة "دولة الإسلام العالمية"، وصياغة الشخصية الإسلامية صياغةً صحيحةً.
وكانت وسيلة سعيد حوى في نقل أفكاره هي الخطب وإلقاء المحاضرات، وكان كثير الحركة والتنقل في البلاد العربية والإسلامية والأوروبية، بالإضافة إلى طول باعه في التأليف، وحيويته المتدفقة، وكان يميل في عرض موضوعاته وأفكاره إلى السهولة والسلاسة بلا تزيُّد أو تعقيد أو ميل إلى تنميق العبارة، فهو يكتب كما يحاضر ويتكلم، وبلغ من حرصه على ذلك أنه لم كن يهتم أحيانًا بصياغة الموضوع بأسلوبه إذا وجد من سبقه إلى بيانه، ولا يتردد في أن يقتبس ممن سبقه مبيَّنًا سبقه وفضله.
كان لسعيد حوى قبول عام بين المسلمين، ويكاد يجمع كل من اتصل بالشيخ على تواضعه وزهده، وبساطته في المظهر وتدينه وحرصه على التعبد وتلاوة القرآن، كما كان واضحاً انشغاله بالقضايا العامة للمسلمين، والعمل على إيجاد الحلول لها. وقد عرف الشيخ بجرأته في ما يقول ويكتب، وبروحه المتسامحة وأخلاقه الطيبة، ونفسه الزاهدة، فقد توالت طبع كتبه ومؤلفاته دون إذن منه، وتربَّح من ورائها الناشرون فما جعل من ذلك مشكلةً مع أحد، وكأنه يسعى إلى أن ينتشر فكره بين أوسع قطاع ممكن من الناس.
وكان سعيد حوى - في ما يفال عنه - قريبا من الناس وذا شعبية كبيرة، يأسر الناس بخطابه ويشدهم بحديثه ومنطقه الدقيق وثقافته العالية. كما كان رقيق القلب، مرهف الشعور، يغلبه البكاء حين يسمع قضيةً إنسانيةً مؤلمةً خاصة تلك التي تتصل بالشعوب الإسلامية.
وبعد معاناة طويلة مع المرض توفى سعيد حوى في المستشفى الإسلامي بعمان في أول شعبان 1409هـ = 1989م)، ودفن في مقبرة سحاب جنوب عمان بالأردن. وقد رثاه زهير الشاويش بقوله: "إن سعيد حوى كان من أنجح الدعاة الذين عرفتهم أو قرأت عنهم، حيث استطاع إيصال ما عنده من رأي ومعرفة إلى العدد الكبير من الناس، وقد مات وعمره لم يتجاوز الثالثة والخمسين، وهو عمر قصير، وترك من المؤلفات العدد الكبير، مما يلحقه بالمكثرين من المؤلفين في عصرنا الحاضر". وقد نالت مؤلفات سعيد حوى تقدير الباحثين، فحصل الباحث سعدي زيدان على رسالةً للماجستير من جامعة بغداد تحت عنوان "سعيد حوى ومنهجه في التفسير"، وتوجد دراسة لسليم الهلالي نشرت سنة (1403هـ = 1983م) بعنوان مؤلفات سعيد حوى دراسة وتقويم.
ترك الشيخ مؤلفات كثيرةً، نال معظمها الذيوع والانتشار والقبول بين الناس فأقبلوا عليها، وكان أمراً ملفتاً أن الرجل المشغول بالحركة والتنقل بين الناس، والممتلئ بإلقاء الخطب والمحاضرات قداتسع وقته للتأليف بهذه الغزارة، وأخرج للناس عشرات الكتب االمهمة، ومن أشهر هذه الكتب:
1– الله جل جلاله.
2– كتاب الرسول.
3– كتاب الإسلام.
4– الأساس في التفسير في 11 مجلدًا.
5– الأساس في السنة وفقهها في 14 مجلدًا.
6– الأساس في قواعد المعرفة وضوابط الفهم للنصوص.
7– تربيتنا الروحية.
8– المستخلص في تزكية الأنفس.
9– جند الله ثقافة وأخلاقاً.
10– من أجل خطوة إلى الأمام على طريق الجهاد المبارك.
11– المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين.
12– في آفاق التعليم: دراسة في آفاق دعوة الأستاذ البناء ونظرية الحركة فيها.
13– هذه تجربتي.. وهذه شهادتي.
14– عقد القرن الخام عشر الهجري.
عبد الله العقيل – من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة. مكتبة المنار الإسلامية – الكويت – 1422هـ = 2001م.
محمد خير يوسف رمضان – تتمة الأعلام – دار ابن حزم – بيروت – 1418هـ = 1998م.
سعيد حوى – هذه تجربتي.. وهذه شخصيتي – مكتبة وهبة – القاهرة – 1407هـ.