سركون بولص(1944 - 2007) شاعر عراقي ولد عام1944 في بلدة الحبانية (800 كلم غرب بغداد)
في سن الثالثة عشرة، انتقل مع عائلته إلى كركوك، وبدأ كتابة الشعر، وشكل مع الشعراء فاضل العزاوي ومؤيد الراوي وجان دمو وصلاح فائق "جماعة كركوك". في العام 1961 نشر يوسف الخال بعضاً من قصائده في مجلة «شعر». عام 1966 توجه إلى بيروت سيراً على الأقدام، عبر الصحراء . قصد المكتبة الأميركية، طالباً أعمال آلن غينسبرغ وجاك كرواك وآخرين، وأعد ملفاً عنهم في مجلة «شعر». في بيروت التي كانت تعرف نهضة ثقافية، انكبّ على الترجمة.عام 1969 غادر إلى الولايات المتحدة ، وفي سان فرانسيسكوالتقى جماعة الـ«بيتنيكس» أمثال ألن غينسبرغ، كرواك، غريغوري كورسو، بوب كوفمن، لورنس فيرلينغيتي، غاري سنايدر ، وعقد صداقات معهم .أسهم برفد المكتبة العربية بترجمات مهمة وأمينة لشعراء كثر. أمضى السنوات الأخيرة متنقلاً بين أوربا وأمريكا ، وخصوصاً في ألمانيا حيث حصل على عدّة مُنَح للتفرّغ الأدبي. بعد صراع مع مرض السرطان، توفي في برلين صباح الاثنين الواقع في 22 أكتوبر 2007.
- ديوانه الأول «الوصول إلى مدينة أين» (1985)
- «الحياة قرب الأكروبول» (1988)
- «الأول والتالي» (1992)
- «حامل الفانوس في ليل الذئاب» (1996)
- «إذا كنت نائماً في مركب نوح» (1998)
--"العقرب في البُستان"
-ترجمة لكتاب إيتيل عدنان "هناك في ضياء وظلمة النفس والآخر"
- مختارات شعرية مترجمة إلى الألمانية بعنوان «رقائم لروح الكون»
- سيرة ذاتية بالألمانية بعنوان «شهود على الضفاف»
- مختارات قصصية نُشرت بالعربية والألمانية بعنوان «غرفة مهجورة».
-يصدر له قريباً:ديوان بالانجليزية بعنوان «شاحذ السكاكين» مع مقدمة للشاعر أدونيس،عن مجلة " بانيبال"/«عظمة أخرى لكلب القبيلة» الذي يصدر قريبا لدى «دار الجمل». .
*مختارات من قصائده:
تحولات الرجل العادي
أنا في النهار رجل عادي
يؤدي واجباته العادية دون أن يشتكي
كأي خروف في القطيع لكنني في الليل
نسر يعتلي الهضبة
وفريستي ترتاح تحت مخالبي.
حمامة مسافرة.. إليك
لك كل الدفء،
هذه الساعة التي ستدنينا
أو تفرقنا، أو تذكرنا بأن ليلتنا هذه
قد تكون الأخيرة، وتعرف أنها خسارة أخرى
سيعتاد عليها القلب مع الوقت
فالوقت ذلك المبضع
في يد جراح مخبول سيعلمنا ألا ننخدع
بوهم الثبات:
أقل مما يكفي، أكثر مما نحتاج.
أقل مما يكفي هذا الأرث الفائض من مكمنه
في صيحة الحب الأولى
أولى في كل مرة.
أكثر مما نحتاج طعم الرغبة هذا
كما لم نذقه من قبل
لم نذقه من قبل.
بورتريه للشخص العراقي في آخر الزمن ..
أراه هنا، أو هناك:
عينهُ الزائغة في نهر
النكبات، منخراه المتجذّران
في تُربة
المجازر، بطنه التي طحنتْ
قمحَ
الجنون في طواحين بابل
لعشرة آلاف عام…
أرى صورتَهُ
التي فقدت إطارها
في انفجارات التاريخ
المستعادة
تستعيد ملامحها كمرآةٍ
لتدهشنا في كل مرة
بمقدرتها الباذخة على التبذير.
وفي جبينه الناصع
يمكنك أن ترى
كأنما على صفحات كتابٍ
طابورَ الغزاة يمرُّ
كما في فيلم بالأبيض والأسود:
أعطه أيَّ سجن ومقبرة
أعطه أي منفى
أي هنا، أو هناك
ورغم ذلك يمكنك أن ترى
المنجنيقات تدكُّ الأسوار
لتعلو مرّة أخرى.
وتصعد أوروك من جديد.
المرأة الجانحة مع الريح ..
لو رأيتَها، تلك المرأة
الجانحةَ مع الريح
وفي عينيها علائمُ زوبعة قادمة
وشعرها، منذ الآن، ينتفش في دواماتها،
لا
تترددْ
وخبّرني، فهي قد تكون ضالتي
قد تكون من ذهبتُ أبحث عنها في القرى
والأرياف البعيدة
حالماً أن أجدها في زقاق
مقفر، ذات يوم، تحمل طفلا بين
ذراعيها أو تطل من نافذة
أو حتى أن أعرف أنها هي
في ثمّة صوت، في ثمة أغنيةٍ على
الراديو
أغنية تقول أشياء جميلة
عن الحزن
أو الهجرة
وقد لا تراها
سوى في جناحي فراشة
ترفرف لازقةً في قار الطريق
عينيها الملطختين بمكحلة التاريخ العابثة
نهديها المثقلين بأنداءِ حزن أمة
وفاكهتها اليتيمة
كبضعة أحجار في سلة
تعود بها من سوق أقفلت دكاكينُها تصفر في أخشابها الريح
على أطراف بلدة
ولدنا فيها، وحلمنا أحلامنا الصغيرة
ثم هجرناها.
* قالوا عنه :
- الشاعر العراقي سعدي يوسف - لندن: "سركون بولص...شاعر العراق الوحيد!"
-الشاعر أنسي الحاج - لبنان:"جاء سركون بولص هارباً من العراق إلى لبنان. ومن لبنان طار إلى كاليفورنيا، ومن كاليفورنيا غرّد أينما كان، إلى أن حطّ في أحد المستشفيات الألمانيّة. الآشوري التائه. لا يُعطى لأيٍّ كان أن يكون آشوريّاً، ولا أن يكون شاعراً، ولا عراقيّاً، ولا تائهاً. لا يُعطى لأيٍّ كان، ولا لأحد، إلاّ لهذا السطر: أن «يجرّ الموت معه». والأصحّ، أن يجرّ الحياةَ وراءه."
-الشاعر عقل العويط -لبنان- صحيفة النهار:"وفي هذا الليل، سيستيقظ الشاعر في هذا الليل، ليعتلي هضبة الليل، وكنسرٍ سيعتلي هذا الليل، جوعُه حياتُه، فريستُه حياتُه، وتحت المخالب. هذا الرجل الجائع، هو سركون بولص، وهو شاعر، وكبير، وقد "سرقتُ" أقواله هذه، لأقولها له، وعنه، وهو جائعٌ إلى حياته، وهو الآن يلتهمها، ولن يشبع. وسيظل جائعاً إلى حياته هذه، وهي لن تنتهي، لأنها مدينة، وليس ثمة مكان، ولا جسد، لنسأل أين. أو لنسأل إلى أين. هي حياةٌ، هي حياةٌ، ولن تنتهي، لأن سركون شاعرٌ كبير، ولأن حياته قصيدة."
- الشاعر المغربي محمد بنيس: "حضور قصيدته لا يقل عن حضوره هو شخصياً، بتأنيه في النطق بالكلمات وفي اختيار مناسبة الكلام. لكنها القصيدة التي أبعدته عن سواها. ترحاله الدائم، بين سان فرنسيسكو وأروبا، أو لندن ثم برلين تحديدا، كان وجهاً للاستقرار الذي طبع حياته. وجه يثبت أمامي. سركون، الذي يمكن أن يقضي نهاره في مكان وليله في مكان آخر. لأن المكان الحقيقي، بالنسبة له، هو القصيدة."
- الشاعر البحريني قاسم حداد: "أخشي أننا سنفقد نكهة كاملة في حركتنا الشعرية بوفاة الصديق الشاعر سركون بولص. ليس ثمة كهولة ولا شيخوخة، سركون بولص من الفتوة إلى الرحيل، كأن حياته هي الشعر الذي يكتبه، وليست الزمن الفيزيائي الذي يستغرقه، وهي ميزة لا تحدث كثيراً في الواقع، الشعراء فقط قادرون على ذلك. سركون ظل الفتى الذي لا يكتهل ولا يشيخ. قصيدته حصّنته ضد الزمن."
-الشاعر محمد علي شمس الدين - لبنان: " سركون بولص المتطوح في الآفاق كان يحمل في داخله صبايا عراق ما في أي مكان حل فيه، في الولايات المتحدة الأميركية حيث يموت الشجر ويزدهر الحجر. سركون بولص من الأساس حمل أشلاءه، مِزق يديه وعينيه ومشى، ولكن ليصــل إلى مدينة ليس ثمة ما هو أكثر غموضا منها، لا هي بغداد ولا سامراء ولا نيــويورك ولا واشنطن، ولا حتى ما أوحى لنا به من اقامة إلى جانـب الأكروبــول. انها مدينة سركون الغامضة الصعبة التي سماها «مدينة أين»، لأنها تقيم في اللامكان، تقيم في لغة سركون بولص التي هي مزيج من أشلاء وحرية، دم وبلاد. عاد بولص إلى أصله."
-عناية جابر - لبنان - صحيفة السفير: "ان ثقافة الآلام والاحزان التي غرف منها الشعراء قليلو الشعر، احتاجت إلى كبرياء سركون، لرفع الابيات عالياً في فضيلة الشجاعة، فضيلة الصمت والعض على النواجذ، وفي الرأس كالصخرة، يفتت العويل ورثاء الذات، يفجرهما. انغماس سركون بالحياة، رفع القبعة لاغوائها، قوي كبريائه وشعره، وخلّصه من جذام العلاقات النفعية، وعصابات التكسب، والميديا البراقة الخادعة، ورحل رحيله المنتظر مجللا بالغياب الجمالي والاخلاقي في الوقت ذاته!"
-د.هدية الأيوبي - فرنسا - دار الكشكول: "سركون بولص ..المبدع الخَفِر .. خفيرُ الحداثة العربية... كان في قلب المعمعة .. كتابة وابداعاً.. لكن دون ضجيج . لم يبحث عن الأضواء لأنه ترك أصابعه مضاءة طيلة الوقت، فلم يتورع عن الدخول إلى الغابة المسحورة. لم يكن من أهل الكهف .. ظل طليقاً .. محلقاً .. حتى طار صوب الشمس وذابت أجنحته..فسقط . سقط سركون.. في عز الكتابة .تعبت قدماه ويداه .. تعبت روحه . ليس العراق وحده هو السبب ..إنما هي روحه القلقة التي ناء بها الجسد الضعيف فسقط . من العراق..إلى سوريا..إلى بيروت..حيث قطف أزهار الحداثة بشغف الأطفال وهدوء الفلاسفة.. ثم إلى سان فرانسيسكو حيث تذوق عطوراً وأزهاراً جديدة .. هو الطفل الباحث عن قصبة الدهشة ليمتطيها مسابقاً أفراس النهر... وفي برلين كانت الرحلة الأخيرة للعلاج...تعب الفارس الخجول من حمل أسفار الكلام.. فرحل إلى موت غير مفاجئ،ليرتاح قليلاً .. قبل أن يوقظ عصافيرَ خبّأها في سطوره..بعيداً عن ذاكرتنا المشوّشة بهموم العصر. سركون بولص..هل وصلتَ إلى مدينة " أين"؟"