فهرس |
المجتمع في أية دولة، هو مجموعة الأفراد (رجال و نساء) التي تختار العيش في دولة واحدة، ترعاها قوانين تنتخبها و تصادق عليها.
بشكل متقارب، الشعب الجزائري، كالشعوب المغاربية لها تاريخ مشترك، فروق داخل المجتمع الجزائري، نتيجة تاريخية لإحتكاك الأجناس التي عاشت على الأرض، العزلة التي أختارتها فئات، كذلك أنواع التواصل التي شهدتها فئات أخرى.
سيطر العثمانيون على المدن الكبيرة، طالبين خراجها، كما مثلوا سياسة البلاد الخارجية، و لم يتدخلوا في حياة السكان داخليا [1]. تشكل المجتمع الحضري في المدن، على أساس ما يسمى الَربع، حول العائلة الكبيرة. نوع من الطبقية الحديثة، تقسيم المدن لربوع، كل ربع مستقل بذاته. و للأمن، يمكنها أن تقفل بشكل منفرد أو جماعي زمن الخطر أو في الليل، و كان لممثلي هذه الربوع، تسييرها الداخلي بأنفسهم نيابة عن العثمانيين.
عاشت خلالها أيضا بين السكان العرب الحضر، خليط من العرب و الأتراك، الكراغلة. اللاجؤون الأندلسيون، كذلك المسيحيون العبيد (تجارة مزدهرة) من المتوسط، المشبوكة من القرصنة الجزائرية . نجد أيضا العبيد الأفارقة كخدم. كان في العديد من المدن، جاليات يهودية، برزت أهميتها مع دخول الفرنسيين. بنو ميزاب، عاشوا بأعداد قليلة، تملكوا التجارة خلالها، كما أداروا الحمامات العامة، زار القبائل هذه المدن، قبل خيار العودة لموطنهم الأصلي.
أما في الريف، نجد أن قرابة النسل هي الطاغية، مبدأها: العائلة، نسب صغير، يقر بوجود جد واحد. تربطها أواصر التعاون، الحمية العصبية، و هيمنة قرار الشيوخ. عدد العائلات المتقاربة شكل: النسب، لأقدم جد معروف. فوقها نجد الفرقة عند العرب، أين تتواصل الأنساب مع بعضها بشكل أكثر قربا، محددين مجال النفوذ، اسم الفرقة، و طريقة العيش. كان اتحاد القبائل شائعا قبل القرن 20.
كان التمايز بين الأعراب في فرقها بدرجات الهيبة، و الحميّة، قوة الفرد من قوة قبيلته و عشيرته. الشرفة (الشرفاء) نبلاء زعموا أنهم من نسل الرسول محمد، زعماء الحرب (الجواد) و الأولياء المرابطية (صوفية) بتأثيرهم الروحي على السكان و ادارتهم للزوايا العلمية، تمسكوا الحل و العقد. القايد (القائد) هو مندوب القبيلة في مسائلها مع غيرها، كذلك رئيسها السلطوي.
كان شائعا أيضا أن تظهر الحمية و التنازع، لقد تعاقدت مثلا بعض قبائل المدية مع الفرنسيس ضد الأمير عبد القادر [2]، فقط لأنها شعرت باستقوائه عليها، لا لأنها شاهدت ميلا منه عنها أو لصالح فرنسا.
كانت البربر القبائل أكثر ديموقراطية، و مساواة. منظومة تحكمها قوانين و أعراف شفهية، هي الجماعة (العروش). الطبقية لم توجد في قرى القبائل مثلما كانت عند العرب، كما شجعت الفردية من داخلها.
دخل الأوروبيون البلد، و أخذوا أحسنها موطنا، محتكرين قطاع العمل، التجارة، الإدارة، و التمثيل السياسي، بلا مراعاة لحالة الأهالي الأصليين. الجزائريون الحضر تقلصوا، و حرفيو المدينة هجروها، و تمت تصفية ملاك الأرض العرب.
تطور منحى نمو المستوطنين الأوربيين سريعا، ابتداء من القرن 19، أكثر من 27 ألف شخص خلال 1840 إلى حوالي 126 ألفا عشريّة بعدها، إلى أن وصلت 2 مليون في مدخل القرن العشرين. نموها، مع الإستغلال الجيد للأرض، رافقه زحف ريفي من الأعراب، مشكلين عمالة رخيصة، غير كفؤة في المجال الصناعي. محتقرين من الأوروبيين، و معزولين عن قبيلتهم و أعرافها السابقة، التي أعطتهم الحماية و حس التضامن. زاد الزحف بعد الحرب العالمية الأولى و بشدة بعد الثانية. في الوقت نفسه، هاجر منهم الكثير لفرنسا ذاتها بحثا عن العمل. القبائل كانوا أهم المهاجرين، خلال الخمسينات.
شكل الأوربيون فئة لوحدهم، فكان القسمين، أوروبي و جزائري كالبديهية. المستوطنون دخلوا بعد ان استقرت أمور الحملة الفرنسية، قادمين ليس من فرنسا وحدها، بل أعدادا كبيرة من إسبانيا و ايطاليا، بحثا عن فرص جديدة. الأقدام السوداء اسم عرفوا به، كدليل لأقدامهم الحافية المتسخة، فقرهم الشديد كان معروفا.
الطبقة الغنية الجزائرية مثلت الرتبة الأعلى في هذه الطبقية، محافظة على مركزها بفضل أراضيها الممتلكة. غير هذا، كان الأهالي عموما معدمين، معزولين، أغلبيتهم أميون، و لم ترغب الطبقة الوسطى (البرجوازية) الفرنسية في منافس آخر لها.
مع هذا، و في بدايات القرن العشرين، ظهر تزاوج بين تجار الجزائر و البرجوازية الفرنسية. تعلم أولادهم في المدارس الفرنسية، في منازلها أو في فرنسا، للظهور بميزة أوربية، مكونة من المحامين و الأطباء، الصيادلة، المعلمين، و الإداريين، و حتى سياسيين. الفرص الإجتماعية لهذه الطبقة (سميّت: المتطورة) كانت رغم هذا محدودة، كما أعيق تطورها السياسي أيضا.
تجمعت هجرة الريفين لداخل البلاد (الأحياء) حسب عرقهم، كما ظهر شبه تخصص في الأعمال لكل عرق،. لكن الإزدحام و نقص السكن، دفع بالفرد أيا كان محيطه للشتات، و درجات نزل التضامن بين الأعراق نفسها. مع هذا، بقي التواصل بين أفراد العائلات.
كانت الأعراب الطوافة التي لم يكن لها لا ملك و لا زريعة، مجبرة على تقبل مذلة العيش الحضري. بدأ هذا عبر الإستيطان قرب المراكز التجارية، مشكلة بعدها نوعا من الحامية الخاصة بها، لكنها احتقرت دائما الفلاحة.
بعد مشاركة الكثير من الجزائريين في الحرب العالمية الأولى، تحريرا لفرنسا، و بعد وعدها بمنح الجزائريين الاستقلال، ورجوعهم محملين بالفكر الثوري. استغل الجزائريون الفرصة لمطالبة فرنسا بتحقيق وعدها، فردت بمجازر 8 ماي، التي بلغ ضحاياها 45000 قتيل في يوم واحد.
ضربت الثورة بكل قوتها سنة 1954. تأثير الثورة لمس كل فئات و أطياف المجتمع، في الأرياف كما المدن، فرديا، أسريا، و على المستوى المحلي.
كاستجابة لمتطلبات النزاع، ظهرت النزعة الفردية، القدرة الشخصية، الزعامة الحربية. النساء، و اللاتي كان دورهن التحجب و رعاية البيوت، وجدن أنفسهن في أتون الحرب فجأة. كانت الحرب بالنسبة للكثيرين، تغيرا جذريا لذهنية القبيلة و العالم وراء القبيلة.
كان الشباب دوما بحماسه، الظاهرة الفردية الواضحة، واضعا قادته الثوريين الجدد في المقدمة، بميول شخصية أكثر منها قبلية.
معارك ضارية، أخذت حوالي 7 سنين في أنحاء البلاد. سياسة فرنسا وقتها حملت على ما بقي فيها و عزلتها في المحتشدات الجبرية، أكثر من 2 مليون قروي جمعوا أفرادا. عدد المبعدين الجزائريين عن أرضهم غير معروف بالتحديد، 3 ملايين هو الرقم الذي تعطيه السلطات الجزائرية، للمبعدين مؤقتا أو بشكل نهائي. إلى غاية 1965، كان هنالك تمركز ل 2 مليون شخص وسط البلاد في هذه المحتشدات.
زوال القبائل الصغيرة، عفا عن التحكم الإجتماعي بالفخر و الشهامة الذي كان شائعا. عوضا عن هذا، شارك الفرنسيون الذين شاهدوا آثار هذه المحتشدات، التضامن مع الغرباء المساكين. تدمير أواصر المجتمع القديم، قاس النساء، في نواحي مختلفة. على الرغم من هجرة تقاليد العائلة، نساء القرى، أين كان ارتداء الحجاب نادرا، عدن إليه طوعا، رغبة في الستر.
كنتيجة لهذا التشريد الفرنسي، فقدت النسبة الكبيرة من الأهالي الرباط بينها و بين أرض الأجداد. عائلات وجدت نفسها مفصولة عن غيرها، أسامي و ألقاب مشوشة متداخلة، و القبيلة المحطمة. النظام الفرنسي كان قائما على الخلية العائلية، عكس القبلية العربية، فتغير نمط عيش الأهالي، من الزراعة إلى اقتصاد المال.
حتى العلاقات بين الأجيال انقلبت، و الطبقية التقليدية ماتت. الشباب كان مستعدا لتقبل الأفكار الجديدة، الشيوخ تاركة أمور الدنيا، و فخرها، انعزلت بحسرة للآخرة. زيادة على هذا، أصبح الريفي محبا لحياة الاستيطان و الرخاء، مغيرا تقشفه في الأرياف سابقا.
بعد الإستقلال، تغير المجتمع كله عن ذي قبل، نزوح الأوروبيين بين 62-63، تركه المجتمع الفلاحي الأمي، و عددا من عمالة المدن. قدرت نسبة الطبقة الوسطى ب1% في 1964 من الجزائريين. المتعلمون الجزائريون بقوا في البلد، لكنهم كانوا العدد الأقل في كل المجالات التقنية. خصصت مميزات عديدة للمجاهدين، الطبقة المميزة، المكونة من رجال الثورة.
أبناء الشهداء أيضا، كانت لهم جمعياتهم، و دعم الدولة الدائم و الراعي لشؤونهم.
خلال الإستعمار، كان وجه الفرق الواضح في المجتمع طبقتان: الأوروبيون و الجزائريون. أوربيون بصناعية الطبقة الوسطى، ملاك أراضي كبار، و حتى عمالة بسيطة. الجزائريون كذلك كما كتبنا أعلاه، كانوا طبقات متعلمة، تجارية، و حرفية، و فلاحية. ذهب كل هذا مع الإستقلال، بمقولة الجزائر للجزائريين.
تشريد الأوربيين، خلقها الطبقية الجزائرية الحديثة: تقنيون فرنسيون، إداريون مفرنسون، ضباط الحرب، زعماء الحزب الواحد FLN. القلة من الصناعيين الجزائيريين حظيت بالتأثير، مسك البيروقراطيون الدولة، مشكلين جماعة ضاغطة. كان المستوى التعليمي، أكثر من غيره، مميز الإنتماء لهذه الطبقية.
هواري بومدين، و الذي كان رئيسا من 1967-1978 قاد البلد نحو الإشتراكية الإسلامية، قائلا، بأن الإسلام أساسه المساواة، فلا تناقض بينه و بين الإشتراكية. رغم هذا، أفرز هذا النهج محصوله من الضغوط الإجتماعية و السياسية.
كانت نظرة هؤلاء التقنيين و الإداريين غربية، و حاولت غربنة الجزائريين، مركزة على المرأة كنصف المجتمع، ماحية كل آثار العشائرية و التقاليد القبلية، مبرزة في كل مرة، دور التحديث، التعليم، الحضارة في خلق الدولة.
الطبقة التي تليها، الطبقة الوسطى. موظفون حكوميون، تجار، أطباء، معلمون و محامون. أيضا الحرفيون. من غير التجار. ازداد عدد البقية بشدة بعد الإستقلال، عامرة فراغ الأوربيين. قاطنين المدن، كما استمتعت هذه الطبقة برخاء مشهود في السبعينيات.
العمالة و العمال كطبقة تجيء تحتها، كانت لها فرص كثيرة و مغرية للشغل، في البناء، المواصلات، و المؤسسات الخاصة. و كأختها الطبقة المتوسطة، ازدهرت العمالة في ظل النظام الإشتراكي السخي. مشاكلها الأساسية كانت لغوية (الأميّة)
أخيرا، الطبقة الفلاحية، مالكي الأرض أو لا، أو خادمي أراضي الدولة. بعض منهم تحصل على قطع فلاحية بين 1976-1980، آخرون كان لهم الحظ، حين بقيت أرضهم (فترة إعادة توزيع الأراضي الفلاحية) ملكا خاصا، مكونين مجمعات زراعية صناعية، مستفيدين من دعم الدولة، و الإنشاءات الجديدة في الطرق و الخدمات، في القرى النائية.
مع سير المجتمع نحو الحداثة، بين 1980-1990، ملايين الجزائريين وقفت بين التقاليد القديمة المعزولة، و الحداثة التي لا تفي روحانيتهم المتسائلة. قاس هذا الإشكال الشبيبة الجزائرية خاصة، البنات مثلا، واجهن مواصلة التعليم بطلبات الآباء أو الأسرة المحافظة. شباب الذكور، عاشوا الحداثة الغربية الخليعة و الإسلام المتطرف، كذلك المتطلبات اللغوية، من تحكم في الفرنسية و العربية. فوق كل هذا، بطالة الشباب التي وصلت 41% أواخر 1990.
بلا حلول جاهزة، كان مشكل البطالة، عاملا في تحرير الأوهام من مجد الإشتراكية، ناقوس المحسوبية و الإدارة الغبية.
كانت الدولة قد فتحت بوق الوطنية، و الثورة خلال السبعينات، عبر الإذاعة و التلفزيون، الصحف و المتاحف. مادحة سياسة الحزب الواحد و فضائل الحكم الفردي. بعد 15 سنة من سماع نفس الكلام، صداه أمام الحقائق وهن، حقائق ذكرها أفراد النظام نفسه المنشقون عنه، أو المطاردون منه.
توجه جمع الشباب المسلم نحو جبهة الإنقاذ، بخلاياها في الجامعات أو المدن الكبيرة، و كانوا الذخيرة في العشرية السوداء.
هوامش