فهرس
|
دائماً ما حاول الانسان، ان بواسطة الاشارات البصرية ام السمعية، التغلّب على المسافات و اختصارها من خلال السعي لتأمين نظام سريع لايصال المعلومات. لكن أول شبكة اتصالات فعلية لم ترى النور الّا مع مجيء الثورة الفرنسية.
ففي تلك المرحلة، كانت الحرب مستعرة في بلد غير مستقر، احتاج فيه الحكم المركزي إلى نظام اتصالات يؤمن السرعة و السرية في ايصال المعلومات للجهات التابعة له. في هذا السياق، لاقى التلغراف البصري الذي قدمه "كلود شاب" (1763-1805) امام الجهات الرسمية المختصة في 22 اذار 1792، ترحيباً قوياً.
يتألف نظام "شاب" التلغرافي من محطتين رئيسيتين، بالاضافة إلى محطات ثنوية عديدة بينهما. في اعلى كل من تلك المحطات سارٍ ثابت تدور حوله اذرعة خشبية قادرة على اخذ وضعيات عدة. كل وضعية تشكّل رمزاً معيناً في نظام شاب، ويتم تناقل الرمز من محطة إلى اخرى باعادة تكوين الرمز المشاهد لكي يتمكن العاملون في المحطة التالية من اعادة العملية نفسها إلى حين وصول الرمز إلى المحطة المعنية. هذه الشبكة الاولى من نوعها في عالم الاتصالات مكّنت السلطة من ايصال اوامرها عبر المسافات البعيدة باقل وقت ممكن. و قد اعتمد النظام رسمياً في الاول من نيسان عام 1972 و اضحى "شاب" او مصمم تلغراف.
التلغراف الكهربائي، الممهد لنظام اتصالات على المستوى العالمي، كان ثمرة عدة اختراعات و تجارب. أهم تلك الاختراعات، كانت البطارية، التي اخترها في عام 1800 العالم "اليساندرو فولتا" و التي شكلت الاساس للتقنيات الكهربائية في ما بعد. ثم ما لبث في عام 1920 ان تم اكتشاف الكهرومغنطيس من قبل ثلاثة فيزيائيين هم "اورستيد"، "امبير" و " اراغو" الذين اثبتوا امكانية استعمال الكهرباء في مجال الاتصالات. و جاء العامل المكمل عبر "مورس" الذي و من خلال شيفرة تعتمد على اختلاف نمط نبضات التيار الكهربائي لتحديد معلومة معينة، تمكن في 24 ايار من عام 1844 من تأمين أول خط تلغرافي كهربائي بين واشنطن و بالتيمور.
اعتمد نظام مورس بسرعة كبيرة لاتصال و ايصال المعلومات. و قد ساهم في ما بعد المهندس الفرنسي "بودو" مستفيداً من مبدأ تقسيم الوقت، بتطوير التلغراف و تأمين سرعة أكبر في التواصل.
مع احلال سكك الحديد في البلاد، اضحى التلغراف وسيلة و سبباً في آن واحد للثورة الصناعية. فقد ساهم بشكل كبير بتسهيل التواصل بين الدول، و اطلاق نظام اتصالات عالمي سرّع بشكل كبير تبادل و انتشار المعلومات.
في الوقت الذي كان التلغراف الكهربائي ينتشر حول العالم، خصوصاً مع وضع أول كابل عابر للاطلسي في عام 1865، برزت تقنية جديدة تحت
تسمية "التلغراف الناطق". و يعود الفضل في هذا الاختراع إلى عدة باحثين و مخترعين. ففي عام 1854 برهن عامل التلغراف "بورسول"، انه من الممكن إرسال الذبذبات الصادرة عن الصوت البشري. و في المانيا، نجح "ريس" بارسال و تلقي الموسيقى. لكن لم يسجل اختراع الهاتف بشكل رسمي الا في 14 شباط من عام 1876، عندما حصل "غراهام بل" على براءة الاختراع، سابقاً ببضع ساعات مواطنته "اليشا غراي". و قد قام اختراعه على التأثير المغناطيسي.
اما اكتشاف الميكروفون عام 1877، عبر الاميركي "هيوغز"، فكان الحجر الاساس الذي سوف ترتكز عليه الابحاث في ما بعد. أهم تلك الابحاث هي التي قام بها "توماس اديسون" و التي لعبت دوراً مفصلياً في تاريخ الهاتف من حيث تطوير قدراته. و قد تبعت اولى الخطوط الهاتفية خطى التلغراف مقتصرة على تأمين الاتصال بين نقتطين، لكن سرعان ما برزت الحاجة لمراكز تحويل لتنظّم اتصالات شبكة متكاملة من الخطوط الهاتفية. و في عام 1878، تم وضع أول نموذج نظام هاتفي تجاري في الخدمة في كونكتكت.
في عام 1891 سمح أول نظام تحويل الكتروميكانيكي من اختراع "ستروغر" بتوسيع الشبكة الهاتفية. و مع بداية القرن العشرين، اضحى الهاتف رمز الحداثة، مستبيحاً المكاتب و مغيّراً بشكل جذري الحياة اليومية للمدينة كما القرية.
في عام 1870، اثبت البريطاني "ماكسويل" ان الموجات الكهرومغناطسية تنتقل في الفراغ كما في المادة، بسرعة الضوء، فاتحاً بذلك الطريق امام اكتشافات جديدة في مجالات الاتصال، البث و التواصل عن بعد. ثم ما لبث "هرتز" ان اكمل افكار "ماكسويل" و اثبت عام 1887 كيفية الحصول على موجات عرفت لاحقاً بالموجات الهرتزية. و في عام 1890 في باريس، قام بروفسور الفيزياء "برانلي" باكتشاف طريقة لالتقاط الموجات الكهرومغناطسية، فيما قام المهندس الروسي "بوبوف" بتصميم أول هوائي لالتقاط تلك الموجات. لكن اولى تجارب بث و تلقي موجات الراديو لم تتم الّا في عام 1895 من قبل الفيزيائي "ماركوني".
في بداية القرن العشرين، برزت ثورة مهمة في عالم الاتصالات، ثورة الالكترونيات. فاختراع "لي دي فوريست" للتريود في عام 1906 شكّل اساس الالكترونيك التي ستسمح بتطوّر الراديو و زيادة طول المسافات بين مستعملي الهاتف. و قد برهن التلغراف اللاسلكي بسماحه بالقيام باتصالات مستمرّة عن تطبيقات مهمة خصوصاً في مجالي الطيران و البحرية. و مع حلول العقد الثالث من هذا القرن، انتشرت محطات بث وتلقي الراديو في مختلف انحاء العالم، واضعة وسيلة اعلامية جديدة و طريقة اتصال جديدة للعامة.
ساهم اختراع الترانزستور عام 1947 في تقدّم و تطوّر الالكترونيات بشكل كبير، تبعه اختراع الدوائر المتاكاملة في عام 1960. بشكل متواز، شكل تصميم الاميركي "فون نيومان" أول حاسوب في عام 1949، نقطة البداية لما يسمى المعلوماتية، و هي تقنية تحويل المعلومات إلى ارقام، والتي سوف تساهم بتحسين نوعية و خدمة الاتصالات خصوصاً البعيدة منها. و في عام 1961 تم اختراع الليزر، و بدأ العمل في مجال الالياف البصرية، تبعه بعد عقد من الزمن صناعة أول معالج معلومات فاتحة المجال امام تصغير حجم المعدات المعلوماتية و ادخالها مجال الاتصالات.
ان التقدم العلمي المنجز خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1950 و 1960 مكّن الهاتف، بعد قرن من اختراع التلغراف، من عبور الاطلسي. تم مدّ أول كابل هاتفي عبر الاطلسي الTAT 1 في عام 1956. بشكل مواز، كان قد بدأ العمل على تأمين الاتصالات الهاتفية عبر الاقمار الصناعية. و بعد عدة تجارب قام بها الاميركيون، نجحوا في ذلك عبر القمر الصناعي "تلستار" في عام 1962، لكن بشكل محدود اذ ان فترة الاتصال المتواصل به محدودة.
و في ليلة العاشر من تموز في عام 1962، تم بنجاح تبادل صور بين "اندوفر" في الولايات المتحدة و "برتانيه" في فرنسا، ثم ما لبث ان تم تطوير و تبادل الاتصالات الهاتفية البعيدة المدى عبر الاقمار الصناعية. و ابتداء من عام 1965، بدأ اطلاق جيل جديد من الاقمار الصناعية، اولها "انتلسات 1"، و معه بدأ عصر الاتصالات الفضائية يأخد نحواً عالمياً.