الرئيسيةبحث

تاريخ مالطا

مالطة جزيرة من الجزر المتوسطية التي تلي جزيرة صقلية، وتضم أربع جزر أقل منها حجما وأصغر جرما وهي: غورش وكمونة وكومينوتو وفلفلة وصخور أخرى تحاذيها. وتسمى هذه كلها لهذا العهد باسم الجزيرة الأم مالطة .وهي جزر آهلة ما عدا جزيرتي كومينوتو وفلفلة فإنهما مهجورتان غير معمورتين.

فهرس

مالطة قبل الإسلام

يقول الأمير شكيب أرسلان في كتابه " تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزر المتوسط" نقلا عن الانسكلوبيدية الاسلامية المحررة بالافرنسية: أن هذه الجزر كانت في الأعصر القديمة مأهولة بطائفة من طوائف البحر المتوسط، لها آثار تدل عليها، محفوظة في مكان من مالطة يقال له { الحجر القائم} Hagiar kaim:

وأول ما عرف التاريخ عنها هو أن الفينيقيين استعمروها قبل القرن العاشر قبل المسيح، واتخذوها قاعدة لسفنهم التجارية.وقد استولى القرطاجنيون على مالطة في القرن السابع قبل المسيح، وبقوا فيها أربعة أو خمسة قرون،

ثم استولى عليها الرومانيون سنة 218 قبل الميلاد وبقيت نحواً من عشر قرون في أيدي الرومانيين واليونانيين. وفي القرن الأول للمسيح تنصر أهل مالطة عن يد القديس بولس. ولما سقطت السلطنة الرومانية الغربية استولى عليها البيزنطيون، وكانت لهم مركزاً ضروريا بعد استيلائهم على شمالي إفريقية.

أن ممن ذكر مالطة من الشعراء الأقدمين اوميروس واوفيديوس،ويفهم من كلام الأول أن القبيلة التي يقال لها الفياكونس هم أول من استوطنوا هذه الجزيرة، وكانوا ذوي قوة وبأس.ثم خلفهم الفينيقيون، وهم من جهات صور وصيدا،وذلك سنة 1519، قبل الميلاد، فلبثوا فيها نحو أربعمائة وخمسين سنة، حتى تغلب عليهم الاغريقيون ثم سلموها للقرطجنيين، وذلك نحو سنة 528 قبل الميلاد، ثم جاء من بعدهم الرومانيون سنة 273 من التاريخ المذكور.

وأعظم ما حدث في أيامهم قدوم القديس بولس ، وانكسار السفينة به وبمن كان معه، وذلك سنة 58 للميلاد، في موضع يقال له الآن خليج ماربولس. ومنذ ذلك الوقت تنصر أهل الجزيرة. ثم بعد الرومانيين استولت الوندال ثم " القوث" ثم " البليساريون" وألحقوها بحكومة البلاد الشرقية وبقيت كذلك إلى سنة 780 فأخذوا في هضم الرعية، فقاموا عليهم وسلموا الجزيرة للمسلمين.

فتح مالطا

فتحها المسلمون سنة 256 للهجرة، وذهب صاحب الروض المعطار إلى أنها فتحت سنة 255، في ولاية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب ثامن ملوك بني الأغلب، المكنى بأبي الغرانيق ولي بعد عمه زيادة الله، وكان مشغوفا بالصيد، فلقب أبا الغرانيق،وذلك أنه بنى قصرا في السهلين لصيد الغرانيق، أنفق فيه ثلاثين ألف دينار.

يقول محمد بن عبد المنعم الحميري في كتابه" الروض المعطار في خبر الأقطار":

وغزاها خلف الخادم مولى زيادة الله بن إبراهيم عند قيام أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن أخي زيادة الله على يد أحمد بن عمر بن عبد الله بن الأغلب، فهو الذي شقي في أمرها، وخلف هذا هو المعروف ببناء المساجد والقناطر والمواجل، فحاصرها ومات وهو محاصر لها، فكتبوا إلى أبي عبد الله بوفاته، فكتب أبو عبد الله إلى عامله بجزيرة صقلية، وهو محمد بن خفاجة، أن يبعث إليهم والياً، فبعث إليهم سوادة بن محمد، ففتحوا حصن مالطة، وظفروا بملكها عمروس أسيراً، فهدموا حصنها وغنموا وسبوا ما عجزوا عن حمله، وحمل لأحمد من كنائس مالطة ما بنى به قصره الذي بسوسة داخلاً في البحر، والمسلك إليه على قنطرة وكان ذلك سنة خمس وخمسين ومائتين."

وينقل الأمير عن الانسكلوبيدية الاسلامية قولها:وقد استولى المسلمون على مالطة سنة 256 للهجرة وفق 869 و 870 مسيحية.ولكن هذا الاستيلاء هو الاستيلاء الثابت، لأن ابن الأثير يخبرنا أنه في سنة 221، أرسل إبراهيم بن الأغلب أسطولا لغزو الجزائر، والأرجح أن مراده بالجزائر هو الأرخبيل الذي من جملته مالطة".

ابراهيم بن الأغلب مؤسس دولة الأغالبة، وافاه أجله في سنة 196للهجرة ، والذي كان متوليا الحكم لسنة 221 للهجرة هو ابنه زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، وكانت وفاته سنة ثلاث وعشرين ومائتين، فهذا من المحال. وفي أيام زيادة الله فتحت صقلية، فلعلها من بين الجزائر التي أرادها ابن الأثير.ولعل صاحب الرأي قد حسب أن زيادة الله لقب لابراهيم بن الأغلب، كما هي سنة الخلفاء في ذلك العهد، فقد كانت مثل هذه الألقاب متداولة بينهم، فأنت تقرأ في كتب التاريخ، ألقابا كالمقتدر بالله والمعتمد على الله والمستنصر بالله وما شابه ذلك.

قال صاحب الروض المعطار: وبقيت بعد ذلك جزيرة مالطة خربة غير آهلة ، وإنما كان يدخلها النشاءون للسفن، فإن العود فيها أمكن ما يكون ، والصيادون للحوت لكثرته في سواحلها وطيبه، والشائرون للعسل فإنه أكثر شيء هناك.

هل فتح مالطة كان عنوة أم صلحا؟

الذي أرجحه أن مالطة فتحت عنوة ودعامة هذا الرأي ما سبق نقله عن الحميري في الروض المعطار من قوله: ففتحوا حصن مالطة، وظفروا بملكها عمروس أسيراً، فهدموا حصنها وغنموا وسبوا ما عجزوا عن حمله"اه.وهذا ما ذهب إليه الشدياق في كتابه الواسطة في معرفة أحوال مالطة لكنه نقل عن المولف الذي اعتمد عليه في كتابه قوله: أخذ المسلمين لمالطة كان من باب المصادقة أولى منه من المغالبة، وعاملوا الأهلين،أولا بالرفق والمياسرة، وقرروا سننهم وأحكامهم،وامتزجوا بهم للغاية،حتى كأن الجيلين واحد، كما يتبين من بقاء لغتهم فيهم".اه والله أعلم

سقوط مالطة بيد الافرنج

ولم تزل أساطيل الافرنج تواثبها، ومراكبهم تتناوشها،فلما كان بعد الأربعين والأربعمائة عمرها المسلمون، وبنوا مدينتها ، ثم عادت أتم مما كانت عليه، فما لبثت أن غزاها الروم سنة خمس وأربعين وأربعمائة في مراكب كثيرة فحصروا المسلمين في المدينة واشتد الحصار عليهم وطمعوا فيهم، وسألهم المسلمون الأمان فأبوا إلا على النساء والأموال، يقول القزويني في آثار البلاد وأخبار العباد: فاجتمع المسلمون وعدوا أنفسهم وكان عدد عبيدهم أكثر من عدد الأحرار- قلت: ذكر صاحب الروض المعطار أن عدد الأحرار كان نحو أربعمائة، وكان العبيد أكثر عددا منهم،فعلى هذا يكون عدد سكان مالطة لذلك الوقت فوق الثمانمائة نسمة- يتابع القزويني: فقالوا لعبيدهم حاربوا معنا فإن ظفرتم فأنتم أحرار وما لنا لكم، وإن توانيتم قتلنا وقتلتم ! فلما وافى الروم حملوا عليهم حملة رجل واحد، ونصرهم الله فهزموهم، وقتلوا من الروم خلقاً كثيراً، ولحق العبيد بالأحرار، واشتدت شوكتهم فلم تغزهم الروم بعد ذلك أبداً.

هذا وبقيت مالطة في حوزة المسلمين حتى أظلت سنة 482للهجرة الموافق لسنة 1090 للمسيح وفيها سقطت مالطة بأيدي الافرنج وتملكها الملك رجار الفرنجي وهذا التاريخ هو الذي ورد في الانسكلوبيدية الاسلامية ،بينما ذهب ابن الأثير في تاريخه والنويري في (نهاية الأرب) إلى أن مالطة سقطت بأيدي الافرنج سنة 372 للهجرة ،وعلى هذا الرأي فإن ما جاء في آثار العباد للقزويني ، والروض المعطار للحميري بأن المسلمين كانوا فيها سنة 445 باطل لا أصل له. هذا وقد جاء في الانسكلوبيدية المذكورة أن النورمنديين استردوها بعد استردادهم صقلية،ومعلوم أن الافرنج إنما استولوا على جميع صقلية سنة 484 ، فإذا كان ذلك كذلك فمن المحال أن يكون الافرنج قد استردوا صقلية قبل مالطة.

ومما زاد الأمر اختلالا وحيرة ،ما نقله أحمد فارس عن المؤلف الفرنسي بوليه أن قاعدة مالطة سميت باسم الأمير لا فاليت رئيس طريقة الفرسان (فرسان يوحنا)، ولد سنة 1494 ومات سنة 1568 وكان شهيرا بالبأس. وأول ما استولى عليه من الجزيرة عند محاصرته المسلمين بها برج "سانت المو" ثم قوي عليهم وأخرجهم منها.

علق على هذا الأمير بقوله: ان هذه الرواية تخالف ما جاء في الانسكلوبيدية الاسلامية من كون مالطة خرجت من أيدي المسلمين سنة 1090 إذ ينبغي من هذه الرواية أنه كان فيها مسلمون في أواسط القرن السادس عشر للمسيح،وأنه كانت في أيديهم حصون وأبراج، ولولا ذلك ما قيل إن الأمير لا فاليت أخرجهم منها."اه. فأنت ترى هذا الاضطراب الذي لا مساك له والله أعلم بحقيقة الحال.

ونقل صاحب(( الواسطة في معرفة أحوال مالطة)) عن المولف الذي نقل عنه في كتابه،ذكر من حكمها بعد المسلمين فقال: ثم قام الأمير روجر النورمندي(هو رجار الفرنجي) بعدها بمائتي سنة، واسترد الجزيرة وألحقها بصقلية،فبقيت كذلك نحو سبعين سنة.ولما تزوج القيصر هنري السادس قيصر جرمانية ولية عهد صقلية،دخلت مالطة في حكومته وذلك سنة 1266 (664للهجرة) وبقيت كذلك اثنتين وسبعين سنة.وفي أثناء ذلك ولي أخو لويس ملك فرنسا حكم صقلية ومالطة معاً،وبعد سنتين تغلب عليه الأمير بطرس الأراغوني،ثم آل أمرها إلى الملك كرلوس ملك صقلية،فولى عليها الفرسان من نظام ماريوحنا(فرسان يوحنا|فرسان القديس يوحنا) برضى الأهلين واتفاق دول أوربا.

ثم لما نبغ نابليون واستولى على البلاد سلمت له الجزيرة على أن يرخص للأهلين في التصرف بحقوقهم،إلا أن الفرنسيس لم يلبثوا أن هتكوا بعض السنن القديمة، وانتهكوا حرمة الكنائس،فتحزب عليهم المالطيون تحزبا لم يخل من سفك دم كثير منهم،وتلف أموالهم،إلى أن أتت الانكليز فسلموها لهم وكان ذلك سنة 1800


أهل مالطة من أشد الأمم الأوربية استمساكا بالأحكام الدينية وعملا بها وكلمة الكنيسة الكاثوليكية نافذة في التشريعات القانونية، فمثلا الاجهاض والطلاق مما تحرمه الكنيسة وتعاقب من اقترف شيئاً من ذلك وتلزمه الغرامات.

الملك رجار الفرنجي الذي تملك مالطة بعد المسلمين، كان ملكا عادلا،حسن السيرة منصفا ، للظلم شنفا،نشر العدل في الناس وأقرهم على أديانهم وشرائعهم، وأمنهم في أموالهم وأنفسهم، وأهليهم وذراريهم،وأكرم المسلمين وقربهم،ومنع عنهم الافرنج، فأحبوه ثم أقام على ذلك مدة أيام حياته ،إلى أن تقاضاه يومه المعلوم.وكذلك ابنه من بعده سار بسيرة أبيه.

ولهذا تقول الانسكلوبيدية بعد ذكرها استرداد النورمنديين لمالطة: ولكن كان المسلمون مأذونا لهم في الاقامة بهذه الجزيرة إلى سنة 1294(الموافق ل647للهجرة).

ولما كانت مالطة قريبة الدار من الشواطىء الاسلامية فقد صارت شديدة الضرر على المسلمين لما يحصل من الكفار من التعرض لسفن المسلمين في البحر والوثوب على ديارهم في البر، فصار المسلمون يريدونها بالجهاد ويتقصدونها بالجيوش والأساطيل،ففي سنة 833 يخبرنا المقريزي في كتابه " السلوك لمعرفة دول الملوك" : بعث صاحب تونس وافريقية وتلمسان-أبوفارس عبد العزيز-أسطولا فيه مائتا فارس، وخمسة عشر ألف مقاتل من العسكرية والمطوعة، لأخذ جزيرة صقلية، فنازلوا مدينة مازر حتى أخذوها عنوة، ومضوا إلى مدينة مالطة. وحصروها حتى لم يبق إلا أخذها فانهزم من جملتهم أحد الأمراء من العلوج، فانهزم المسلمون لهزيمته، فركب الفرنج أقفيتهم، فاستشهد منهم في الهزيمة خمسون رجلاً من الأعيان، ثم إنهم ثبتوا وقبضوا على العلج الذي كادهم بهزيمته، وبعثوا به إلى أبي فارس، فأمدهم بجيوش كثيرة.

وسنة 973 للهجرة تذكر الانسكلوبيدية أن الأتراك قصدوا الاستيلاء عليها لكنهم لم يتمكنوا منها.وحاولوا ذلك مرة أخرى في أيام السلطان محمد الرابع.