بوريس ليوندوفيتش باسترناك (10 فبراير 1890 - 30 مايو 1960 م) كاتب و شاعر روسي. عرف في الغرب بروايته المؤثرة عن الاتحاد السوفياتي الدكتور زيفاغو لكن يشتهر في بلاد كشاعر مرموق. مجموعته حياة شقيقتي تعد من أهم المجموعات الشعرية التي كتبت بالروسية في كل القرن العشرين.
فهرس
|
ولد في موسكو لأب كان يهوديا و تحول إلى الكنيسة الارثودوكسية، وهو رسام متميز وأستاذ في معهد الفنون، والدته هي روزا كوفمان التي كانت عازفة بيانو مشهورة. نشأ بوريس في جو عالمي منفتح على مختلف الثقافات، وكان من زوار والده الدائميين سيرجي رحمانينوف، ريلكه، وليو تولستوي. تحول والده إلى المسيحية أثر كثيرا على بوريس، والكثير من أشعاره تعكس مواضيعا مسيحية بوضوح.
بدافع من الجو المحيط به، دخل بوريس كونسرفتوار موسكو عام 1910 م، لكنه سرعان ما ترك الكونسرفتوار ليدرس الفلسفة في جامعة ماربورغ. رغم نجاحه الدراسي إلا أنه رفض أن يعمل في مجال تدريس الفلسفة وترك الجامعة عام 1914 م، وهي نفس السنة التي أصدر فيها ديوانه الأول.
قصائد باسترناك الاولى اخفت ولعه بأفكار كانت، وأظهر نسيجها المتميز قدرته على استخدام نوع من التباين في المعاني لكلمات متجاورة و متشابهة في البناء اللغوي.( و هو نوع معرف في الشعر الروسي و يشبه السجع عند العرب و لكن التشابه يكون في بداية الكلمات )، استخدم باسترناك كذلك لغة يومية ، و تقارب كبير من شاعره المفضل ليرمونتوف.
خلال الحرب العالمية الاولى ، عمل باسترناك و درس في مختبر للكيميائيات في الاورال ، و هي التجربة التي ستقدم له مادة اولية خصبة سيستخدمها لاحقا في ( الدكتور زيفاغو). على العكس من الكثيرين من أبناء طبقته و اصدقائه و اقاربه الذين تركوا روسيا بعد الثورة البلشفية ، فانه بقي في بلاده و قد ابهرته شعاراتها و هزه حلم التغيير عبر الثورة .
خلال صيف 1917 و بينما كان بوريس في سهل ساراتوف ، عاش قصة حب عاصفة مع فتاة يهودية, تجربته تلك اوحت له بمجموعة شعرية كتبها خلال ثلاثة أشهر و امتنع عن نشرها – احراجا- لمدة اربع سنوات. عندما نشرت اخيرا في عام 1921 احدثت اثرا ثوريا عميقا على الشعر الروسي ، و صار بوريس يعد مثالا يحتذى و يقلد بالنسبة لصغار الشعراء. بل ان ديوانه هذا اثر و غير من اسلوب شعراء كبار في الساحة آنذاك.
نقاد مختلفون مثل فلاديمير ماياكوفسكي ، اندريه بيللي ، و فلاديمير نابوكوف ، اطروا عمل باسترناك بأعتباره إبداعا أصيلا و غير مكبوح الجماح.
في اواخر العشرينات شارك باسترناك في مراسلات ثلاثية مع ريلكه و تسفتاييفا . في تلك الفترة بدأ باسترناك يشعر ان اسلوبه الشاعري لا يناسب المناخ الادبي للواقعية الاجتماعية التي كان الحزب الشيوعي السوفييتي يدعمها و يروج لها.حاول باسترناك للتوافق مع ذلك ان يقدم شعره بطريقة تكون أكثر مقروءة من الجماهير و من القارئ العادي. حتى انه اعاد صياغة قسم من قصائده القديمة للتوافق مع المفاهيم الجديدة.و كتب كذلك قصيدتين طويلتين في الثورة الروسية.في هذه المرحلة ، ابتدأ توجهه نحو النثر و قدم " طفولة العشاق" و" الوصول الامن".
في عام 1932 باسترناك غير من اسلوبه بشكل جذري ليتوافق مع المفاهيم السوفييتة الجديدة.فقد مجموعته الجديدة" الولادة الثانية"1932 ، التي رغم ان جزءها القوقازي كان مبتكرا من الناحية الادبية ، الا ان محبي باسترناك في الخارج اصيبوا بخيبة امل. ذهب باسترناك إلى ابعد من هذا في التبسيط و المباشرة في الوطنيةفي مجموعته التالية"قطارات مبكرة" 1943 ،الامر الذي دفع نابوكوف إلى وصفه بال"بولشفي المتباكي "، و" اميلي ديكنسون في ثياب رجل".
خلال ذروة حملات التطهير في لأواخر الثلاثينات ، شعر باسترناك بالخذلان و الخيبة من الشعارات الشيوعية و امتنع عن نشر شعره و توجه إلى ترجمة الشعر العالمي إلى الروسية: ترجم لشكسبير (هاملت ، ماكبث ، الملك لير) و غوته ( فاوست) و ريلكه ، بألاضافة إلى مجموعة من الشعراء الجيورجيين الذين كان يحبهم ستالين.
ترجمات باسترناك لشكسبير صارت رائجة جدا رغم أنه اتهم دوما لأنه كان يحول شكسبير إلى نسخة من باسترناك. عبقرية باسترناك اللغوية انقذته من الاعتقال اثناء حملات التطهير ، حيث مررت قائمة اسماء الذين صدرت اوامر بأعتقالهم امام ستالين ، فحذفه قائلا : لا تلمسوا ساكن الغيوم هذا.
قبيل عدة سنوات من الحرب العالمية الثانية ، استقر باسترناك و زوجته في قرية صغيرة ضمت مجموعة من الكتاب و المثقفين. حب باسترناك للحياة منح شعره نفسا متفائلا و عكس ذلك في تجسيده للشخصية الاساسية في رواية ( الدكتور زيفاغو) ، اما بطلة الرواية لارا فقد قيل انها تمثل عشيقته اولغا ايفنسكايا . بسبب من الانتقاد الشديد الموجه للنظام الشيوعي ، لم يجد باسترناك ناشرا يرضى بنشر الرواية في الاتحاد السوفياتي،لذلك فقد هربت عبر الحدود إلى إيطاليا ، و نشرت في عام 1957 ، مسببة اصداء واسعة : سلبا في الاتحاد السوفياتي ، و ايجابيا في الغرب. رغم ان احدا من النقاد السوفيت لم يكن قد اطلع على الرواية الا انهم هاجموها بعنف ، بل و طالبوا بطرد باسترناك.
في العام التالي 1958 منح باسترناك جائزة نوبل للآداب، لكن باسترناك رفضها. توفي بوريس في 30 مايو 1960 ولم يحضر جنازته سوى بعض المعجبين المخلصين. لم تنشر (الدكتور زيفاغو) في الاتحاد السوفياتي إلا في عام 1987 مع بداية البيروسترويكا والغلاسنوست.
حولت رواية الدكتور زيفاغو إلى فلم سينمائي ملحمي عام 1965 م، من إخراج ديفيد لين، بطولة عمر الشريف وجولي كريستي، وقام موريس جار بتأليف موسيقاه التصويرية. حصد الفلم خمسة جوائز أوسكار، ويعد ثامن أنجح فلم على مستوى شباك التذاكر العالمي، متجاوزا فيلم تايتانيك عندما تحذف معدلات التضخم و تعدل بشكل نسبي.بوريس پاسترناک :fa