باري (Bari) ، مدينة إيطالية ، عاصمة إقليم بوليا و مقاطعة باري جنوب البلاد ، عدد سكانها 323.856 نسمة .
تشتهر باري بميناءها . و بأنها مقر لجامعة باري ، إحدى أكثر طلاباً في إيطاليا ، و كذلك جامعة بوليتكنيك باري ، و هي الوحيدة في جنوب وسط البلاد . و تشتهر باري كذلك بدفن القديس نقولا بها ، الأمر الذي جعلها و كنيستها إحدى أهم المزارات الأرثوذكسية في إيطاليا.
لدى المدينة تقاليد تجارية قوية ، و كانت دائما نقطة محورية في التجارة و في العلاقات السياسية-الثقافية مع أوروبا الشرقية ، و تعزز ذلك بفضل معرض الشرق الشهير (Fiera del Levante) الذي انطلق عام 1930 و حديثاً بمقر الأمانة العامة للممر الثامن لممرات أوروبا (Pan-European corridors ، Corridor VIII).
تقسم باري إلى أربع أجزاء مختلفة :
في الشمال حيث تفتخر المدينة بمركزها التاريخي الفريد و الغني بتاريخ ألفي ، منغلقٌ على شبه جزيرة بين مينائين حديثين ، بها كاتدرائية سان نيكولا (القديس نقولا) ، و كاتدرائية سان سابينو (1035 - 1171) و قلعة فريدريك الثاني الشوابية (Castello Svevo).
إلى الجنوب حي مورات الشاسع المنتمي للقرن التاسع عشر ، قلب المدينة الحديث ، المستطيل الشكل و المخطط بانتظام كرقعة الشطرنج (حي مورات) ، يفسر هذا الحي أفضل تفسير تقاليد المدينة التجارية فهو منطقة التسوق الرئيسية ، مع كورنيش على البحر .
نتج جزء المدينة الأحدث و المحيط بالمركز عن التطور السريع و غير المضبوط بعد الحرب العالمية الثانية فوق الضواحي القديمة ، لذا فإن جزء المدينة الحديث الذي تنامى خارج حي مورات يبدو مشوشاً مدنياً و غير منظم ، و قد تطور على طول الطرق المنحدرة من البوابات أسوار المدينة .
و أخيراً الضواحي المحيطة ، و التي تطورت بشكل سريع خلال التسعينات . حدثت باري مطاراً سمي مطار البابا يوحنا بولس الثاني كارول فويتيالا ، بعدة رحلات إلى وجهات الأوروبية .
لا يبدو أن باريون (باللاتيني باريوم) قد حظيت بمكانة ذات أهمية كبيرة في اليونان الأكبر ؛ إلا أنه قد عـُثـِرَ على قطع نقدية برونزية ضـُربت فيها . بمجرد مرورها تحت حكم الرومان في القرن الثالث قبل الميلاد ، تنامت أهميتها الإستراتيجية كنقطة تقاطع بين الطريق الساحلي و طريق ترايانا ؛ فرع الطريق المؤدي إلى تارنتوم (تارانتو) من باريوم . ذُكـِر ميناءها منذ عام 181 ق.م ، و لعله كان الأهم بالمنطقة في العصر القديم ، كما هو الحال في الوقت الحاضر ، و كان مركزاً لصيد الأسماك . كان جرفاسيوس أول الأسقف تاريخي لباري و الذي ذُكِر في مجمع سارديكا سنة 347 . ظلت الأساقفة يعتمدون على بطريرك القسطنطينية حتى القرن العاشر.
بعد دمار الحروب القوطية ، و تحت حكم اللومبارديين أُقرت مجموعة قوانين مكتوبة (Consuetudines Barenses) ، أثرت في دساتير مماثلة كـُتبت بمدن جنوبية أخرى.
فتح المسلمون باري في عام 847 بداية عهد الخليفة العباسي المتوكل ، فكانت عاصمة لإمارة إسلامية مستقلة ما يقارب من ربع قرن ، يحكمها أمير و بها جامع . كان فاتحها الأمير خلفون أول أمراءها ، و هو قائد عسكري من عشائر ربيعة كان يقود إحدى التجمعات الإسلامية في بوليا و التواجدة بها منذ مدة قادمة من صقلية ، و قام بتحصين المدينة.
بعد موت الأمير خلفون عام 852 حل محله الأمير مفرق بن سلام الذي ثبت الحكم الإسلامي ، موسعاً حدود الإمارة و مطبقاً فيها الشريعة الإسلامية ، وقد أرسل إلى والي الخليفة في مصر الذي كان يؤدي دور البريد و الشرطة في المنطقة مـُعلماً إيـّه بتأسيس الإمارة و طالباً منه التوسط لدى الخليفة المتوكل ببغداد ليعترف بتنصيبه والياً لإمارة عباسية ، فيدعى له على منابر ، وفي إنتظار الرد بـُني المسجد الجامع و تشير بعض المصادر الإيطالية إلى أن موقعه هو الكاتدرائية الحالية للمدينة والتي تقع وسط مركزها التاريخي.
استلم ثالث و آخر أمراء باري المسلمين سودان الماوري مقاليد الحكم حوالي عام 857 إثر مقتل مفرق . و قد غزا أراضي دوقية بينيفنتو ، و اضطر الدوق أديلكي لدفع الضريبة و أطلاق سراح الرهائن رغم مساعدة الفرنجة له . في سنة 864 استلم التنصيب الرسمي الذي كان قد طلبه سلفه . زينت المدينة بعدد من الصروح و القصور منها مسجد حيث دُرست تعاليم الإسلام .
و نقل عرب باري كثيرا من الغراس والمحاصيل كالقطن والارز وقصب السكر والنخيل من صقلية . و كما قاموا تنظيم الري والصرف ، واستجلاب الماء ، ونشر النواعير المائية.
سقطت إمارة باري في الثالث من فبراير عام 871 أمام هجوم كبير لجيوش الإمبراطور لودفيش الثاني و أديلكي دوق بينيفنتو .
بعد الاستيلاء عليها صارت المدينة أكبر مركز سياسي وعسكري وتجاري إيطالي للإمبراطوية الشرقية . منذ سنة 1000 حاول المسلمون فتحها عدة مرات : أهمها وقعت في عام 1002 ، بحصار طويل لباري تم فكه بفضل تدخل أسطول البندقية بقيادة بييترو الثاني أورسيولو .
رغم فشلت ثورة النبلاء اللومبارد (1009-1011) ميلوس الباري و صهره داتوس ، ضد المحافظة البيزنطية بقمعها بشدة بمعركة كاني (1018) ، فإنها قدمت لحليفهم المغامر النورماني أول موطئ قدم في المنطقة. في سنة 1025 ، تحت سيادة المطران بيرانتيوس ، لفتت باري انتباه روما و مـُنحت صفة "المقاطعة".
انتهت السيطرة البيزنطية في سنة 1071 ، باستيلاء روبيرتو الغويسكاردو عليها بعد حصار ثلاث سنوات مبتدءاً الهيمنة النورمانية . كان مايون الباري (مات 1160) و هو ابن تاجر لومباردي ثالث أدميرلات صقلية النورمانية العظام . في 9 مايو 1087 ، وصلت باري رفات القديس نيقولاوس أسقف ميرا ، التي سرقها بحارة باريون . البابا أوربانوس الثاني المدينة سنة 1089 ، لتكريس قبو للكاتدرائية و يضع رفات القديس . فبدأ هكذا تدفق الزوار النصارى من جميع أنحاء العالم . و في العام نفسه ، بدأ تشييد كاتدرائية القديس نيقولاوس الذي سينتهي سنة 1197 .
في سنة 1095 بشـّر بطرس الناسك بالحملة صليبية الأولى هنا . و في أكتوبر 1098 ، عقد أوربانوس الثاني نفسه مجمع باري ، واحد من سلسلة سنودس عـُقدت بنية التوفيق بين اليونانيين و اللاتين على مسألة الانبثاق (Filioque Clause) في العقيدة النصرانية ، التي دافع أنسيلم كانتربيري عنها باقتدار و الجالس بجانب البابا . و لم ترق لليونانيين طريقة تفكير اللاتين ، فلم يكن بداً من الانشقاق العظيم .
اندلعت حرب أهلية في باري في سنة 1117 باغتيال رئيس الأساقفة ، ريزو . و استولى على باري غريموالد ألفيرانتس ، لومباردي الأصل ، و انتخب سيداً مع معارضة النورمان . بحلول سنة 1123 ، كما عزز الصلات مع بيزنطة و البندقية و أخذ لقب أمير باري . و لاحقاً أعطى ولاءه لروجر الثاني ملك صقلية ، و لكنه تمرد و هـُزم في عام 1132.
عصفت بالهيمنة النورمانية على باري لاحقاً تمردات و صراعات بلغت ذروتها في عام 1156 ، عندما هاجم و دمـّر غولييلمو الأول المدينة عدا كاتدرائية القديس نيقولاوس . حل آل هوهنشتاوفن محل النورمان ، و أعيد بناء باري و شهدت في عهد فريدريش الثاني إحدى أزهى عصورها .
قامت إيزابيلا أميرة نابولي و أرملة دوق ميلانو جان غالياتسو سفورزا بتوسعة القلعة التي كانت مقر إقامتها منذ سنة1499 حتى وفاتها عام 1524 . بعد وفاة بونا سفورزا ملكة بولندا ، تبعت باري مملكة نابولي.
وفي 25 أبريل 1813 ، بعهد جواكيم مورات ، وضع حجر الأساس لتوسيع المدينة خارج أسوار القرون الوسطى ، و المتميز بالشوارع متعامدة . فزاد عدد السكان بسرعة من 18000 إلى 94000 ساكن ببداية القرن العشرين : صارت عاصمة مقاطعة ، و يوجد بها مباني مقار و مؤسسات عامة (مسرح بيتشيني ، الغرفة التجارية ، قصر الأكويدوت البولي ، مسرح بيتوتسيلي ، جامعة باري) ودار نشر لاتيرسا .
Bari - Palzzo dell'Acquedotto Pugliese.jpg
م |
|||