الرئيسيةبحث

ايكهارت

بوابة مايستر ايكهارت بكنيسة ايرفورت
بوابة مايستر ايكهارت بكنيسة ايرفورت

مايستر ايكهارت (1260 - 1328) فيلسوف و عالم لاهوت كان مسيحيا ولد فيما يعرف الان بالمانيا, درس في أحد المعاهد الدينية و تخرج و حصل على رتبة عالية في الكنيسة ، و عمل في فرنسا كمعلم لاهوتى ، اثارت افكاره بعض الاورثوذكسيين المتخوفين من كل جديد و ادى ذلك لاتهامه بالهرطقة, كما ان فكره كان مشابها احيانا لفكر جماعة اخوية الروح الحرة و التى كانت الكنيسة تحاربها بشدة ، كتب دفاعا عن نفسه و اعلن انه يتراجع مقدما عن اى من كتاباته التى ترفضها الكنيسة ، و قبل صدور الحكم توفى لياتى الحكم بتحريم عدة اقوال له و التحفظ على بعض اخر مع اعتبار ايكهارت توفى مسيحيا طاهرا لانه كان اعلن انه سيسحب اى اقوال ترفضها الكنيسة. و بالرغم من رفض الكنيسة له الا ان تلاميذه ظلوا يحترمونه و يلقبونه بالمعلم المقدس, كان له عدة اتباع مثل تاولر و سوزو و زويسبرويك و غيرهم ممن عرفوا بباطنى الراينلاند او (اصدقاء الله). ظل ايكهارت أحد أهم رموز الاصلاح إلى لوثر. و لكن شهرته خفتت بعد ذلك و ظل منسيا الا ان احيا الثيوصوفى فرانز بفايفر فكره الافلاطونى الجديد و قام بنشر مقاطع كثيرة له باللاتينية و الالمانية.

فكر ايكهارت

كان ايكهارت يعتمد فكرا باطنيا افلاطونى الطراز. كان يرى ان الاله الاعلى godhead من المستحيل ادراكه بالعقل و الحواس, لانه لا يدخل في عالم الحواس او الكثرة. فهو الواحد فقط, ليس الها "شخصيا" اى انه لا يفكر او يشعر او يتكلم, مجرد نوع من "النور الصافى" اذا ما استخدمنا لغة الرمز . و يتجلى الاله اللاشخصى في صورة الله ، اى ان الله هو صورة شخصية للاله الاعلى اللاشخصى, فالله يفكر و يحب و يكره و يعرفنا ، الله هو الاب و نحن الابناء, من هنا ياتى تفسير ايكهارت للثالوث المسيحي, كيف يكون الله أبا و ابنا و روحا قدس و مع ذلك هو اله واحد ؟ الاجابة بسيطة من وجهة نظر الفلسفة الايكهارتية. الاله الاعلى واحد فقط, الاب هو الاله الشخصى في السماء اما الابن فهو بداخل كل واحد منا كلنا أبناء الله لكننا لا ندرك جوهرنا الالهى الكائن بنا ( يحب ايكهارت تسمية ذلك الجوهر بقمة الروح) و قمة الروح ليست هى الروح, فلكل واحد منا روحا تختلف عن روح الاخر اما القمة فهى كيان لاشخصى اى انه يتطابق فينا كلنا, تخيل اننا صفحات مختلفة مكتوب على كل واحدة منها كلاما مختلفا عن الصفحة الاخرى ، فبياض الصفحة وحد بنا اما الاختلاف فهو بالحروف و ترتيبها. لكن عندما تصل الروح لقمتها تنسى كل ما هو بها من معلومات و حروف و كلمات ولا يبقى بها الا البياض فقط, و من ثم استطيع ان اقول اننى اصير كل الناس عندما لا اعود نفسى, انظروا لهذه العبارة

" من وجد نفسه يضلها اما من اضل نفسه فهو يجدها " كيف يكون هذا ؟ اذا وجدت نفسك التجريبية (اى الروح فقط) فانت بذلك تهتم بالمعلومات و الكلام المكتوب فيك ، لكنك تنسى بياضك الاصلى ، تنسى روحك الترانسندنتالية . و عندما تنسى نفسك, عندما تمحو الحروف و الكلمات ، فانك ترى بياض الصفحة الذى كان تختبىء رواء الكلام ، اى انك تعود طفلا. و من هنا فعبارة المسيح هذه تصبح واضحة جدا في ظل الفكر الايكهارتى (او الباطنى عموما ) :

"لحق اقول لكم ان لم ترجعوا وتصيروا مثل الاولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات" اما الروح القدس فهو رابطة الابن بالاب ، اى انه اشتياق الانسان للعودة لله, و لذلك اذا لم يشعر الانسان بالرغبة في الاتحاد بالله, فلن يخلص ابدا و من هنا ايضا يظهر معنى آية كهذه :

"كل من قال كلمة على ابن الانسان يغفر له.واما من جدف على الروح القدس فلا يغفر له."

ولا يرى ايكهارت خلق العالم كفعل كاى فعل, الله ياتى ، يقول للكون كن فيكون, ثم يذهب الله لفعل اى شىء و الكون يظل موجودا, فايكهارت يرى ان الله لابد ان يبقى بالكون ليظل الكون موجودا, اى انه اذا ما خرج الله من جوهر اى شىء, لعاد هذا الشىء للاشىء الذى كانه قبل ان يكون و من هنا يقول ايكهارت :

God is not only a Father of all good things, as being their First Cause and Creator, but He is also their Mother, since He remains with the creatures which have from Him their being and existence, and maintains them continually in their being. If God did not abide with and in the creatures, they must necessarily have fallen back, so soon as they were created, into the nothingness out of which they were created.

" الله ليس فقط أبا لكل الاشياء الخيرة ، لانه سببها الاول و خالقها, لكنه ايضا ام لكل الاشياء ،لانه يبقى بالمخلوقات التى تستمد كيانها ووجودها منه ، و يبقيها دوما في وجودها. لو لم يبق الله مع و في المخلوقات, لكانت المخلوقات قد عادت ثانية بمجرد خلقها للعدم التى خلقت منه"

و قد دفع هذا ايكهارت إلى رفض فكرة الشيطان رغم ذكرها في الانجيل مما جعل الكهنة يفتحون افواههم ذهلا و غضبا ، فلقد راى ايكهارت ان الشيطان بمجرد ما حاول الانفصال عن الله تلاشى و زال, فلقد جرد نفسه من العنصر الاهم في (وصفة الوجود) اذا ما جاز التعبير

و من هنا قد يقول البعض ان ايكهارت كان يؤمن بوحدة الوجود بلاشك pantheism الا ان لى راى اخر, فايكهارت قد امن ان الله موجود بمعزل عن الكون و في الكون اى ان الكون بكل موجوداته كائنة في حضن الاب و لكن لله ايضا وجودا ترانسندنتاليا عليها ، بل ان الاله الاعلى لا يظهر للروح الا عندما تتخلص من كل التفرقة و التثنية إلى توحيد الكل, حتى توحيد الذات مع الاله. و من ثم يتضح ان ايكهارت كان اقرب للـpanentheism منه لوحدة الوجود بمفهومها المحدد. الله لامتناهى في بساطته و بسيط في لا تناهيه ، و بالتالى فهو في كل مكان و في كل مكان كامل. هو في كل مكان لانه متناهى و هو كامل في كل مكان لانه بسيط (اى ان جوهر الله شيئا واحدا بسيطا فاذا ما اخذت من الله قطرة كانك اخذته كله,) الله فقط يسرى في كل الاشياء, لجوهرها الاعمق. لا يوجد شىء اخر يسرى في الاشياء. الله هو اعمق جزء في كل و اى شىء, فقط في اعمق جزء.

الواحد يهبط لكل شىء بالرغم من بقاؤه الواحد الذى يوحد كل ما هو متفرق (لاحظ ترانستندنتالية الاله الاسمى بالرغم من تجليه و حلوله في الكون)

لا شىء يعارض الله كالزمن ، لا توجد عمليات كينونة في الله, توجد فقط لحظة الحاضر انها صيرورة من دون صيرورة ، صيرورة من دون اى شىء جديد . كل ما هو في الله هو لحظة حاضر ازلية ، زمان من دون تجدد . ( من هنا يتضح ان الزمن يستخدم للتعبير عن الاختلاف و تتابع الاحداث, فاذا نظرنا لاى حدث على حدة, راينا الزمن, لكننا اذا نظرنا للزجود ككل, نرى ان كل الاحداث في النهاية لا توجد شيئا جديدا ، كلها حركة داخل الكون, الاجزاء زمنية اما الكل الموجود في الاله الاعلى فلا يطرا عليه تجديد ، انما هو الشىء ذاته. الكل لازمانى )

1- الله خلق العالم بمجرد ان كان الله. لا دهشة في ان عبارة كهذه احتلت المركز الاول في الادانة, فهى تظهر الله غير ازلى, بدا ببداية الكون لكننى اراها طبيعية تماما اذا ما فهمنا معناها. التفسير معقدا لحد ما, فارجو ممن ليس متبحرا في الفلسفة القفز للنقطة التالية

قلنا ان الله في ذاته وحدة خالصة, وجودا لا شخصى فوق كل ادراك حسى, هذا هو الاله الاعلى . ولا يمكن لهذا الاله ان يكون زمانيا ، ولا يمكن له ان يخلق شيئا, فهو السكون المطلق, و من هنا يظهر تجليه في الاله الشخصى, الزمانى الذى يخلق. فالاله بصورته المطلقة لم يخلق شيئا لان لا حركة فيه ، و لا يمكن للكون ان يوجد بجانبه انما يوجد فيه, اما الاله الذى يقف بمعزل عن شيئا ليخلقه فهذا هو الاله الشخصى. الموضوع اشبه بفكر كانط عندما يتكلم عن العالم ، فهو يرى العالم في ذاته عالما nominal لا يمكننا ادراكه لكن يمكننا ادراك (ظاهره) . يبدو ان ايكهارت يعتمد فكرا مشابها فالله (فى ذاته) لا شخصى لا يفكر او يعمل او يتحرك, لكن ادراك الانسان الحسى له (اى لظاهر الله دون باطنه) يجعلنا نراه بصورة شخصية و بما ان الله لم يدركه احدا قبل وجود الكون, فلم يكن شخصيا ابدا, انما نحن من شخص الله بادراكنا المعرفى العادى له. و لا نراه في لا شخصيته الا في لحظة التجربة الباطنية. و مما يحرك العقل و يثير الاعجاب وصول الباطنيين الهنود لنفس الفكرة قبل ايكهارت رغم عدم علم ايكهارت بهم, و قاموا بتسمية الاله اللاشخصى تماماnirguna Brahman اى براهمان الاعلى اما عندما يصير الهة شخصية ذات اجسام( ورؤوس افيال احيانا !!) فالاله هنا شخصى ، يسمى براهمن الاسفل saguna Brahman


2- مجد الله يظهر في كل الامور, الجيدة و السيئة على حد سواء

اظن ان أكثر مآخذ الناس على الباطنية هو تناسيها لكل شرور العالم و قساوته . فالباطنى عندما يرى الكون, ينظر فيه تضادات و اختلافات ، يوجد الخير و الشر ، الحلو و القبيح ، الغث و السمين, الا ان الكل في النهاية مشبع داخليا بالله, الله يسرى في كل الاشياء, جمال الازل يستعلن حتى في زجاجة مكسورة على جانب الطريق. فيبقى شكل كما هو, يبقى شكل الامور الشريرة قبيحا و يبقى شكل الامور الخيرة حلوا, الا ان الاعماق واحدة ، العمق و الباطن هو الواحد المقدس في كل شىء. و انا ارى ان مثل هذه التجربة هى ما دفعت قديسى العصور الوسطى للدفاع على ان هناك غرضا مقدسا لله من وجود الشر في العالم. و اننا حتى لو راينا الشر و الظلم باعيننا فلابد لنا من معرفة ان هناك "سبب مبهم" كائن خلف الشر.

3- كل ما اعطاه الله لابنه الوحيد (يقصد يسوع المسيح) في ناسوته ، اعطاه لى !

هنا يخرج ايكهارت عن المسيحية جهرا و لا ارى اى احتمال لمصالحة هذا القول مع معتقدات الكنيسة من دون ان يقال انه غنوصى و مهرطق

الا انه بامكانى تعقب سبب هذا القول, و ايضاح مشكلة رئيسية بين الفكر الباطنى و المسيحية التى هى (نصف باطنية افلاطونية و نصف يهودية في نظرى) . المسيحية ترى ان شخص المسيح هو الله ، هو الابن . قد يقول الله في الانجيل اننا ابناؤه الا ان هذا لا يجعلنا مساويين للمسيح ، هو الابن بالاصل و نحن أبناء بالتبنى, هذه حدود المسيحية القصوى. اما الفكر الباطنى الاصيل فيرى في كل واحدا منا ابنا ، ابنا حقيقيا ، قد يكون ابنا لا يدرك ذلك, و يحتاج مسار روحى ليدرك جوهره الحقيقى, و قد يكون المسيح أحد اعظم من حققوا بداخلهم وعى البنوة و لكنه ليس ابن الله الوحيد, كلنا اولاد الله ، قد يكون المسيح أحد اعظم, او حتى اعظم من اتحدوا بالله, الا ان ذلك بمقدور الجميع اذا اهتموا و حاولوا ، هذه النقطة في نظرى تعد أكبر خلاف لا يمكن حله بين المسيحية و الباطنية, يمكن حلها فقط اذا ما تبنينا نظرة غنوصية مسيحية, اذا ما صح وصف الغنوصية بالمسيحية.