الرئيسيةبحث

المسار السياسي الحديث في الجزائر

فهرس

المناخ السياسي

ثقافة الجزائر السياسية هي انعكاس للفترة الإستعمارية، إرث ثورة الإستقلال و ثقل آثارها واضحة إلى الآن. سلطة قوية بيد العسكر، بقايا زمن الثورة، قسمت المجتمع، لطبقة عليا بعيدة عن الجمهور، لا تحاسب في آدائها أمامه، و جمهور في فقر، أمية و بطالة مزعجة. السلطة دعمت الإشتراكية قبلا، و دعم البترول السلطة. أعطت سياسة "إلغاء السياسة" من ذهن الغاشي (الشعب) خلال السبعينات وهما أدى لولوج الدين كمحرك جماعي.

في جانفي 1992، غيّر انقلاب عسكري سياسة أربع سنوات من الإنفتاح خلال الثمانينات ل الرئيس الشاذلي. الشاذلي توجه نحو سياسة أخلاقية، تواجه ثقة الشعب المتزعزعة بالنظام، فتح خلالها الباب للإسلاميين، بحجة أن الدولة تسمح أيضا بوجود الشيوعيين. انقلاب العسكر، جعل الشاذلي يستقيل، حين نجح الإسلاميون في الدورة الثانية للإنتخابات. منذ ذلك الحين، و الدولة في مراحل انتقالية، غياب دولة الدستور، حكم العسكر، و إغلاق السوق الحرة ثانية، ما يسمى: حالة الطوارئ.

الكفاح الشرس للجزائريين ضد فرنسا انتهى باستقلال، تبعته وراثة سلطوية للحكم بين أعداء كانوا اخوة في النضال، المجاهدون. أقواهم بالسلاح أكمل حكمه السياسي للبلاد، مدعومين بثلاث أركان للدولة، العسكر الموالية، أعضاء حزب الجبهة الموالين، و طبقة المفرنسين الموالية أيضا. سياسية الشاذلي المنفتحة، جاءت عن قناعة من السلطة نفسها، ألغت قوة حزب الجبهة من السياسة، تمهيدا لوضعه في المتحف، من خلال تعديل للدستور. شاهدت السلطة العسكرية أيضا تقويضا في دستور 1989. عادت العسكر في التسعينات، لتبين قوتها خلال العشرية السوداء، بمحاكمها العسكرية ضد المشتبهين الإسلاميين، دون المرور بتعقيدات القضاء.

ظهر جليا، أنه إذا أرادت الجزائر خروجا من نفق، أمام جمهور مستنفر، وجب حل مشاكلها الإقتصادية، و لحل هذه المشاكل، وجب فك العزلة عن الإقتصاد و بيروقراطية الدولة، قبل هذا، كان لزاما ظهور الشفافية السياسية في المعاملات الدولية، ببساطة، قوة القانون، و العدالة الإجتماعية.

مقتطفات من التاريخ

عقود متتالية وأحداث متنوعة حددت ملامح الحياة السياسية الجزائرية المعاصرة منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962 حتى الآن [1].

1962

1963

1965

1967

1976

1978

1979

1983

1988

1989

1990

1991

1992

1993

1994

1995

1996

1997

1998

1999

2000

2001

2002

2003

2004

.

فترة الإستقلال

بعد خروج الجزائر من 132 سنة تحت الظل الفرنسي، و 7 سنوات ثورية للإستقلال، كانت رسميا مستقلة في 3 جويلية 1962، و معترفا بها في 5 جويلية. الجزائر المنهكة بعدد السنوات المريرة، من الحرب ضد الأعداء ثم بين الاخوة، خرجت من المعمعة بنظام ستاليني.

ثلاثة من المتزاحمين على السلطة كانوا على الساحة، الحكومة المؤقتة، التي أسسها حزب الجبهة FLN في 1958، القادة العسكريون، أخيرا، قادة الولايات (ولات إداريون عينهم العسكريون داخليا) تغلف النزاع حتى قبل الاستقلال، بالجهوية و العقيدة الفكرية. في تجمع شهر ماي 1962، في طرابلس، تفاهم بعض زعماء الجبهة مع الرئيس بن بلة على زعامة الحزب و ما سيكون لاحقا، شعب الجزائر، في تحالف مع العقيد هواري بومدين.


فترة البطولة: حكم بن بلّة، 1962-65

اتخذ بن بلّة لقب الرئيس الوطني بعد الاستقلال. جاءت أول انتخابات للمجالس الشعبية، في 20 سبتمبر 1962، بعدها، عين المنتخبون من هذا المجلس، بن بلّة زعيما. عين بن بلّة أعضاء حكومته من العسكر و أصدقاءه المقربين، فظهر أن الإنفصام سيزداد.

كان على الحكومة الجديدة اعادة نوع من الهدوء للسياسة و الاقتصاد المنهكين من سنوات العنف. غادر أغلب الأوربيون الموجدون خلال تلك الفترة، فبقت الحكومة من دون معلمين أو فنيين و غيرهم. خلال هذه الفترة، قدمت فكرة التأميم الشامل لكل ما خلفه المستعمر، بسياسة الإشتراكية، كان فيها العمال مسؤولين عن شركاتهم، بانتخابات. كما جعلت الدولة إداريين، يراقب ضمان سير العمال على النهج الوطني في التخطيط.

خلق دستور للبلاد، مشرعا الإشتراكية كخط، رئاسة قوية، و سياسة الحزب الواحد، جبهة التحرير الوطني، FLN. كان خلالها بن بلة، الأمين العام للحزب،. في سبتمبر 1963، انتخب بن بلة لخمس سنوات. مضى الحكم في الجزائر خلالها نحو الدكتاتورية و الفرقة الداخلية.

في أول مؤتمر للجبهة، في 1964، خرجت مسودة الجزائر العاصمة، التي حددت هياكل الدولة، و نظرة بن بلة للدولة الجزائرية. تضمنت المسودة أيضا، تاكيدا على إسلامية الدولة و عروبتها.

لم يستطع بن بلّة كسب ثقة الجمهور الجزائري، الذي عرفه تابعا فقط للحكومة المؤقتة برئاسة فرحات عباس و لا العسكر أنفسهم، الذين لاحظوا تدني مستواه السياسي و الحضاري. كان بن بلّة محبوبا لسبب كونه أحد قادة الثورة التاريخين، أكثر من كونه كفؤا جديرا بالسياسة. كان بن بلّة فطنا أيضا، حاول دعم نفسه بيساري العسكر أكثر من غيرهم، لكنه لم يكن قادرا على زعزعة مكانة وزير دفاعه هواري بومدين، التي كانت تحالفاته سببا في تزكيته رئيسا للحكومة عام 1962.

19 جوان، 1965، يشهد انقلابا أبيضا على أول رئيس للجزائر بعد الإستقلال، بن بلّة، يسجن معزولا بعدها، من طرف حليفه السابق، بومدين.

الإخوة الأعداء
الإخوة الأعداء

بومدين و مجلس الثورة، 1965-75

تحولت كل السلطات ليد بومدين ومجلس الثورة العسكري، بعد الانقلاب. عطل العمل بالدستور و المجلس الشعبي. عين بومدين رئيسا و وزيرا أول، كما عين أتباعه للمراكز العشرين الأخرى في المجلس. لا سياسة خارج حزب الجبهة، لمدة 10 سنين. كان الهدف المعلن، إعادة احياء قيم الثورة، إلغاء النزعة الفردية للسلطة لبن بلّة، وقف الفروقات الداخلية، و جعل اقتصاد اشتراكي حقيقي. جاء دعم بومدين من العسكر و النخبة من الفنيين حول مشروعه الثوري.

لم يكن الحكم الجديد محبوبا، كما تعددت محاولات القضاء عليه، خلال السنوات الاولى، كان فيها بومدين عرضة للقتل بسهولة كبيرة من الشيوعيين [2]، كما كان هو أيضا وراء اغتيالات قادة تاريخيين للثورة، أحدهم، أشد أعدائه، كريم بلقاسم، يقتل في فندق في ألمانيا الغربية.

كان لعب بومدين في حركة عدم الانحياز، كما كانت الحرب الباردة في أوجها، فأرسل قيادي العسكر للدراسة في الإتحاد السوفياتي، و كون الإطارات في قطاع المحروقات و الإدارة في واشنطن، ضامنا استقرار حكمه مع كبار العالم أثناءها.

شهدت سنوات السبعينات مع هذا، استقرار الحكم بين يدي بومدين، جعله يمضي في السياسة الإشتراكية، التي شهدت في السبعينات، حمى نحو التصنيع، المدعومة بأموال النفط. فقدان الدعم الفرنسي للتقنية، رافقه تعويض بفنيات الروس و حتى الأمريكيين. تأميم للمحروقات في 1971، رافقه تأميم بنسبة 90% للقطاع الصناعي، في حين، أهمل القطاع الزراعي.

لم يتغير الحقل السياسي، بقى كالإقتصاد مقفلا بين يدي العسكر. وجود مجالس جهوية، أو إدارية، كان مربوطا دائما بسياسة الحزب الواحد، الجبهة. كما لم توجد أية مشاركة سياسية في انتخابات. إستقرار و دعم الدولة على حساب التعددية، كانت ذهنية بومدين. كانت الفرقة الداخلية معزولة في حدود 1975، فأعلنت الدولة عن نية بعث السياسة و خلق دستور جديد، الجمهورية الجزائرية الثانية.


تجسيد الجمهورية الجزائرية الثانية، 1976-79

تم الوفاق على الميثاق الوطني في جوان 1976 باستفتاء عام، لوحظ فيه نقاش داخلي كثيف، نتاج تدخل النقابات العمالية، أعضاء الحزب الواحد، و حتى الجمعيات. ظهرت العقيدة في الميثاق الجديد كأساس، تأكيدا على الإشتراكية، و الحكم الفردي. تأكدت زعامة FLN كحزب واحد للبلاد، الممثل الوحيد لتاريخ البلد، و رمز الشعب الجزائري.

تبع الميثاق سريعا، دستور جديد. وثيقة طويلة عريضة، ب199 مادة، تحوي الهيكل السياسي الجديد المعلن في الميثاق الوطني. أعاد الدستور، مجلس الشعب، المكون فقط من أعضاء الحزب الواحد. أقرت المواد من 12 إلى 29 في دستور 1976، دور الجبهة الوحيد على الساحة. لم يكرس الدستور الجديد فصل السلطات، بل وطدها في الجهاز التنفيذي، الرئيس ببساطة. عين بومدين رئيسا للجمهورية و الحكومة، القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع، لم يبق إلا زعيم الحزب الواحد، و كان له ذلك.

تعزز موقع بومدين بسند العسكر الموالية، تحققت خلاله مرتبة فاقة مرتبة بن بلة في شعبيتها، و تم انتخابه مرة أخرى، في استفتاء منفرد عام 1976.

أنتخب المجلس الشعبي الجديد في فبراير 1977. صحيح أن أعضاءه كانت كلها من حزب جبهة التحرير، إلا أنها كانت بمعتقدات و مستويات مختلفة. كثير من العمال و الفلاحين المنتخبين، كعنوان للعدالة الإجتماعية الحقة، التي أرادها سلف بومدين في الدولة.

ديسمبر 1978، مات بومدين. تاركا حكومة موحدة، اقتصادا صناعيا، دولة اشتراكية، قطاع محروقات ضخم و مصدر، نظاما سياسيا مستقرا. ترك أيضا، فراغا سياسيا. رخاء السبعينات عاد لبومدين أخيرا، غيابه المفاجئ، ترك حزب الجبهة و مجلس الشعب في ورطة.

لم يكن له نائب رئيس، فعين رئيس مجلس الشعب، كخليفة مؤقت، خدم لغاية عقد مؤتمر استثنائي للجبهة، تم خلاله تقديم العسكري، والأكبر سنا بينهم، العقيد الشاذلي بن جديد، كرئيس للحزب الوحيد، و مرشحه للانتخابات الرئاسية، عام 1979.

بعد أسبوع، تم انتخابه في استفتاء، 6% فقط من المنتخبين لم يصوتوا له.


ما بعد بومدين

رغم الإستفتاء على الرئيس الشاذلي، لم يحظ خليفة بومدين بنفس مستوى التقدير سريعا. كان الرئيس حذرا خلال سنواته الاولى، و حتى تعديلاته، لم تكن خارجة عن نطاق الإشتراكية حينها.

مع مرور الوقت، بعدت السياسة الداخلية تدريجيا إشتراكية بومدين. بعد حصوله على 95% من الأصوات في 1985 في استفتاء آخر، غير بن جديد طاقم الحكومة، كما كان واثقا هذه المرة، من تغيير يطلبه المجتمع أيضا.

كان بومدين مهووسا بالصناعة، كتحديث للمجتمع، صناعة دخلتها الدولة بغياب القدرات و المؤهلات لصيانتها، و أكدت اخيرا، أنها أفقرت البلد و أضرته، أكثر من نفعها له. سقوط أسعار النفط خلال الثمانينات، ترك البلد في إدمان حقيقي، الزراعة المهملة قبلا، أعطت نتائج مخيبة دائما. زاد في البلية، بطالة زاحفة، (3.1% خلال الثمانينات) جعلتها أشياء مزعجة للحكومة.

نظرة بن جديد للتجديد كانت اقتصاد السوق. تحرير الأسعار، الإهتمام بالزراعة، و التركيز على الصناعة الخفيفة بدل الثقيلة. قام أيضا بن جديد بحملة ضد الفساد، ورغم ما يقال في نجاعتها، إلا أنها كانت سبب نزع الموالين لخط بومدين، مع اضفاء شرعية أخرى لبن جديد.

كانت اصلاحات بن جديد في القطاع الإقتصادي فقط، بين 97 و 1988، ادخل الإنفتاح السياسي، و حاول فرضه كبديهية. رخص للجمعيات المستقلة، وأعطى حرية انشاء مرصد لحقوق الإنسان المعارض لخنق الحريات قبلها. المركزية في القرارت ألغيت، كما تم تسريع الخوصصة، و فتح المجال للإستيراد الخارجي من غير الدولة.

رغم كل هذه الإصلاحات، أو بسببها ربما، وجدت الجزائر نفسها في نقطة فاصلة عام 1988. إعادة الهيكلة، أخلطت الإقتصاد الهش. البطالة ظهرت بعد الخوصصة، و نقص العائد المالي في الميزانية، بالإستيراد، سقطت قيمة الدينار، كما ان رفع دعم الأسعار في منجات زراعية غائبة أصلها جعلها تحترق في الأسواق.

كانت الطبقة الوسطى و العليا منتفعتين رغم هذا من السوق المنفتحة. سمح لها لأول مرة بتشكيل رأسمال، خروج و دخول بحرية من البلد. العمال و العمالة كانت المتضررة، و فقدت ثقة في اصلاحات الشاذلي بن جديد.

5 أكتوبر 1988، خرجت مظاهرات عارمة، أكبرها في تاريخ البلاد بعد الإستقلال. جاءت بعد أسابيع من الإضرابات، مفاجئة، في 6 أيام، من 5 إلى 11. هاجم الجزائريون مراكز الشرطة، البريد، و أي شيء يرمز للحزب الواحد، FLN.

لم تكن الظروف صعبة قبلها على بن جديد، شهد زمن بومدين أيضا نقصا في أشياء كثيرة، غطتها أسعار النفط العالية. خلال الثمانينات، غابت عائدات البترول الضخمة، و حاول بن جديد ابراز الخلل الذي كان في سياسات بومدين، كما أبرز الدور الذي يجب ان يلعبه الجمهور من جديد.

تصرفت الحكومة مع أكتوبر الأسود باعلان الطوارئ و طلب الجيش في الطرقات، لكن المظاهرات انتشرت. المئات ماتوا (حوالي 500) معظمهم شباب. زاد في الطين، تدخل الجيش غير المعقول، عنف، خلف آثارا لم تمحى، كانت سبب تحييده عن السياسة رسميا بعدها.

خرج بن جديد في 10 أكتوبر على التلفاز، طالبا الصفح، و معترفا بخطئ الجيش، ألغى بعدها حالة الطوارئ، أعاد الجيش لثكناته، و أعلن استفتاء على تغيير جذري للدستور.


دمرقطة المجتمع، أكتوبر 1988، 11 جانفي، 1992

يظلم بن جديد، حين يلقى بعظهم عليه مشاكل 5 أكتوبر، في الحقيقة، لم يكن سوى مصلحا لسياسات سلفه، لكن، و بعد عامي من الإنفتاح على المشاركة الشعبية، ساءت الأمور بشدة. يتهم بعض المحللين السياسيين الشاذلي، بأن اصلاحاته كانت مبطنة (خبيثة) لدعم موقعه القيادي، في حين، يشكره البعض على صراحته و جهده، أما البقية فتقول أنه مزج بين تحرير و دمرقطة الجمهور، و ضربه بنفسه.

بن جديد مثلا، رخص لحزب اسلامي، يطلب الديموقراطية و يكفرها، كما رخص للشيوعيين دخولا في انتخابات. كما أثرت فيه رسالة كتبها قادة مجاهدون سابقون، يدعونه بصراحة، للتفتح السياسي. (أنظر رضا مالك)

بعد أسابيع من المظاهرات، عزل الشاذلي نفسه عن الحزب الأوحد، و الحرس القديم. أقال الوزير الأول، محمد شريف مساعدية، كما أقال رئيس الأمن العسكري، و غيره من محافظي حزب الجبهة. الحكومة الجديدة الخالية من أعضاء من الحزب الواحد، كانت الدليل على أن الشاذلي تارك الحزب القديم دون تردد. في 3 نوفمبر 1988، وافق الشعب في استفتاء على التغيرات التي قدمها الرئيس قبلا، فصل الحزب القديم عن السلطة، انتخاب حر مباشر، و نوع من تحديد السلطات.

في فبراير 1989، جاء دستور جديد، أهم دستور بعد الإستقلال. ذهبت الإشتراكية كعقيدة للدولة، و تغير موقع FLN ليدخل المتحف. تعدد الأحزاب، و تحييد الجيش في السياسة أهم ما قدم به.

تبعته عدة تشريعات، تنظم عمل الأحزاب بنظام الحصص، لكي يدخل البلد أول انتخابات متعددة في تاريخه. كان المرتقب من التمثيل النسبي، زيادة حصة FLN، لكن قانون الإنتخاب عمل عكس هذا، دافعا بجبهة الإنقاذ FIS للأمام. دخلت جبهة الإنقاذ الانتخابات في 19 جويلية، 1990، منافسة 12 حزبا آخر، محصلة أصوات الشعب الناقم ضد الحزب الوحيد السابق، بشعار (صوتوا للقرآن). القوى الاشتراكية FFS، الحزب اليساري امتنع عن المشاركة، كما امتنع حزب بن بلّة العائد، MDA، أيضا.وامتنعت أحزاب صغيرة أخرى. شارك حوالي 65% من المنتخبين بأصواتهم، داعمين جبهة الانقاذ، المنافس الوحيد للأفلان FLN.

رغم هزيمة الأفلان المرة، تشكلت الحكومة في جوان 1990، وانتخب المجلس الشعبي الجديد. قدّمت الانتخابات التشريعية ل 5 جوان 1991، فخرجت مظاهرات تندد بالتعديلات الموالية للحزب القديم في قانون الانتخاب، حينها، طلب الشاذلي تدخل الجيش، معلنا أيضا، القانون العسكري، مقيلا الحكومة، و مؤجلا الانتخابات التشريعية.

3 أشهر بعدها، في مارس 1991، قدمت الحكومة (ما يحسب على الشاذلي) و وافقت على توزيع في قانون الانتخابات، يدعم الحزب الوحيد، بزيادة عدد المقاعد، الممثلة للقرى النائية، التي مازالت قاعدة الأفلان. كما خلقت التعديلات، نظام جولتين انتخابيتين، إذا لم يحصل أي حزب على الاغلبية. الفيس و الأفلان هما الحزبان الوحيدان القويان، و كلاهما يميني. كانت نية الأفلان واضحة، و هي دعم العلمانيين و جيل الثورة لمشروعه ضد المشروع الإسلامي الزاحف.

الأحزاب الصغيرة الأخرى كانت الضعيفة، كما طالبت الأحزاب اليسارية بإلغاء الأحزاب الدينية كضرورة المشاركة، مدينة قانون الانتخاب الجديد، الذي يترك خيارين فقط للجمهور، الدولة البوليسية أو الخلافة الإسلامية.

في 25 ماي، طلب الفيس، اضرابا عاما. تصاعد التوتر، و طلب الجيش مرة أخرى منذ أكتوبر 1988، لتبديد المظاهرات، و تطبيق الأحكام العسكرية، بشكل خاص، تجميع رؤوس الإسلاميين. أوقف الألاف منهم، من بينهم زعماءهم، عباسي مدني، و علي بن حاج الذي حوكم بعدها ب 12 سنة حبسا.

تدخل الجيش في الشارع، صاحبه تدخل في السياسة، طالبا اقالة مولود حمروش و طاقمه الوزاري. جاءت الحكومة الموالية للعسكر من دون طعم، قدماء الحزب القديم، كلها، وكان رئيسها سيد أحمد غزالي.

شهرين قبل بداية الانتخابات، في أكتوبر 1991، أخرجت الحكومة الجديدة قانونا أزيف من سابقه. موزعة الأصوات في المجالس الشعبية، على حصون الأفلان، كما صار للأحرار نصيب في الانتخابات. أسوأ من هذا، كان كل قادة الفيس مسجونا (مداني و بن حاج، متبوعين بأعضاء مجلس الشورى الستة الباقية) كل الصحف عطلت أيضا. هكذا كانت نية الحكومة: إخراج الأفلان من المتحف.

مع هذا، شارك حوالي 50 حزبا في التشريعيات، 26 ديسمبر 1991. كانت النتائج عنيفة، الفيس حصدها، و خرج الأفلان ذليلا. أخذ الفيس ثلثي البرلمان، و كان منافسه مباشرة، اليساري FFS. كان جليا أن السلطة ذاهبة في يد الإسلاميين.

العسكر تدخلت، معلنة عدم تقبلها النتائج، واصفة الحزب الإسلامي بالخطير و التكفيري. طالبت استقالة الرئيس، كما علقت الجولة الثانية المرتقبة .

عودة العسكر من جديد، 11جانفي ، 1992

خالد نزار، وزير الدفاع، كان وراء اعلان الشاذلي لاستقالته، فعادت الجزائر لقمة التوتر السياسي. وزع الجيش في حالة إنذار على مساحة البلاد، كما نزلت الدبابات لشوارع العاصمة، و جهزت حواجز أمنية عسكرية. تخلى بن جديد عن منصبه في 11 جانفي، ذاكرا انحراف السلوك الانتخابي، و عرضة البلد لزعزعة مدنية. العسكر الذين دعموا سي أحمد غزالي، طلبوا منه أيضا تولي رئاسة المجلس الأعلى للأمن Haut Conseil de Securite المكون من 6 أعضاء استشاريين، المهيمن عليه من طرف قائد الأركان، خالد نزار و الجنرال العربي بلخير. أخذ المجلس الفقوة السياسية مباشرة، موقفا جميع الاجهزة الأخرى، ملغيا انتخابات ديسمبر 1991، و مؤجلا أي انتخابات قادمة.

خلف المجلس الأعلى سريعا، مجلس للدولة، بسلطة سياسية أقوى، و كمرحلة انتقالية. لم يكن مختلفا عنه سياسيا، 5 أعضاء حكموا سياسة البلد، اتصل خلالها ب محمد بوضياف، أحد زعماء الثورة التاريخيين، من منفاه المختار طوعيا، لقيادة مجلس الدولة الجديد، و ممثلا لرئاسة الجمهورية.

كلن الانقلاب على الفيس بدون رد فعل، حتى أن زعماءه أمروا الاتباع من رد الفعل ضد العسكر. ساد هدوء حذر، وأعاد الجيش دباباته للثكنات. الجزائريون العلمانيون تقبلوا الانقلاب، خوفا من حكومة اسلامية، مشى خلالها حوالي 200 الف مواطن في شوارع العاصمة منددين بالإسلاميين. نقابة العمال UGTA، هددت مباشرة بمقاومة الإسلاميين.

كان الهدوء رغم هذا مؤقتا. خلال شهر فقط، ضب الإسلاميون معاقل للعسكر، أيا كانت مواقعها. أعيدت حالة الطوارئ، و منعت مسيرات الفيس، فككت الحكومة أيضا كل مجالسه المنتخبة سابقا، منذ انتخابات جوان 1990. منعت الحكومة أيضا كل نشاط سياسي للحزب حول المساجد، موقفة كل منخرط فيه، بتهم حيازة أسلحة، أو الإستعداد في تمرد شامل. كانت قرارات المحاكم بالسجن الممدد أو الموت، بدون حق طعن. قامت الحكومة بنقل آلاف الإسلاميين للصحراء، و المئات عذبوا في المخافر. أغلب قادة الفيس اعتقلوا، كما هاجر آخرون أيضا. الحرية التي أعطيت قبلها للصحافة عادت منكمشة، كما عطل مجلس الشعب. بدأت عندها، دولة المخابرات.

رغم تكالب العسكر على الفيس، ساندت أحزاب أخرى قادته، حتى العلمانية. اقترح حزب الأفلان و القوى الإشتراكية مبادرة تقاسم الحكومة معه، لعكس السلطة العسكرية، تفاديا لغياب الديموقراطية ككل.

استعمل العسكر ضد الاسلاميين، تقاليد الفرنسيين العسكرية: التعذيب. وزع آلاف من القوات العسكرية على الولايات، مانعة حضر التجول. التواصل بين الولايات الداخلية صار الصعب، و أصبح الاشتباه في أي شخص بلحية، عقيدة. رد الاسلاميون بعنف أيضا، قاتلين أفراد العسكر، إداريي الحكومة، و أفراد الشرطة. خلال سنة واحدة، مات 600 فرد من قوات الأمن، المئات من المواطنين العزل. وقف الجمهور الجزائري متفرجا، بين كره العسكر و مقت الاسلاميين.

الحكومة التي شكلها بوضياف، حاولت الالتفاف على الوضع الامني، بعرض الحالة الاقتصادية المتردية في البلد، كما هددت أعضاء الفيس بالمسح. الإسلاميون بأنفسهم أعلموا الحكومة ان الشعب خرج عن نطاق السيطرة، فأصبحت الحرب بين العسكر و الشعب. المتطرفون من الاسلاميين انفصلوا عن الأكثر اعتدالا، متهمينهم بالمداهنة و الحوار مع الطاغوت، ضف لذلك، بروز الجهاديين المسلحين، الذين ضيق صدرهم، ليس بسبب سلطة العسكر، بل بسبب قيادة الفيس المتطرفة القابعة، فصار الجهاديون خارج نطاق سيطرة الفيس نفسه.

في 29 جوان، 19992، يغتال رئيس الدولة، محمد بوضياف، في اجتماع مع المواطنين بمناسبة افتتاح مركز ثقافي في عنابة. القاتل كان عسكريا، و ظهر جليا، أن الأزمة ستطول.

بوضياف، دخل على الإسلاميين و العسكر سواء، فمن جهة اراد القضاء على الاسلاميين، و من أخرى، أراد قطع يد العسكر في السياسة، و حتى محاكمة قادتها، الشيء الذي لم تتقبله، مرتقبة فرصا سانحة للتخلص منه. 20 شهرا بعد إلغاء الانتخابات، وبعد مقتل بوضياف، عين علي كافي رئيسا للدولة، بعدها بأسبوع فقط، عين أحمد غزالي و بلعيد عبد السلام، كخليفة له. كلا من بلعيد و غزالي أرادا التقرب من الاسلاميين، طامعين الحصول على تأييد لشعبيتهما، في غياب أية شرعية دستورية.

تميرت الأشهر التي أعقبت مقتل بوضياف بالعنف، محاولات مسح الارهاب. ازداد عدد المحاكم في القرى أيضا، و عدد القضاة الحديثين، غابت كالسابق حقوق المواطن في الطعن. أرسلت خلالها في 1993، قوة خاصة من الجنرال محمد العماري، أحد أعضاء احكومة غزالي، الذي أَبعد اخيرا، لتسهيل الحوار مع الاسلاميين. لم يستكن الاسلاميون، و استهدفوا المواطنين، من أساتذة الجامعات، و الأطباء، و غيرهم (من المشكوك في أمرهم)

خلال 1993، انخرط مع الاسلاميين، العديد من أصحاب الشهادات العليا، مهندسون و أطباء، كدليل على تحرك شعب مسلم، ضد طائفة كافرة، دليل أيضا، أن التطرف انتشر، مصيبا الطوائف الهادئة من الطبقة الوسطى قبلها.

قدامى حرب التحرير، منذ الاستقلال، كانوا المسيرين للدولة، رغم كونهم مجرد تاريخ للنسبة الكبيرة من شباب تلك الفترة. زادت الفرقة داخل طاقم الحكومة نفسها، معيقة التنمية الاقتصادية خلال التسعينات. رئيس الحكومة، خرج بلعيد عبد السلام صفرا في دوره الاقتصادي، و شكك في صلاحيته أصلا، هو من كان تابعا لبومدين و اشتراكيته، فكان خليفته رضا مالك المجاهد، و الدبلوماسي السابق، عدو الفيس اللدود أيضا، أو كما سماه الاسلاميون سخرية، الارهابي.

العسكري زروال في أعلى الهرم 95-1999

العسكري الرئيس، ليامين زروال
العسكري الرئيس، ليامين زروال

حدثت منذ عام 1993 تغيرات عميقة في المؤسسة العسكرية هدفت الي تصعيد الضباط الأكثر عداءا للحركة الاسلامية حيث تمت ترقية اللواء محمد العماري، ليصبح قائدا لهيئة الأركان، واللواء محمد التواتي قائدا لجيش البر، وتمت في الفترة نفسها احالة مجموعة من الضباط الكبار علي التقاعد وترقية بعض الضباط الشباب.

لقد شكلت هذه المجموعة ما سماه البعض لاحقا بـ الاستئصاليين الذين يرفضون محاولات الحوار مع الحزب المحظور، وفي مقابل هذه المجموعة، برز اتجاه ثان رغب في الحوار واجراء عملية مصالحة وطنية قاده خاصة اللواء اليمين زروال وزير الدفاع ورئيس الدولة بمعية مستشاره اللواء محمد بتشين، قائد الأمن العسكري سابقا، واللواء الطيب الدراجي. من ثمة برز علي مستوي المؤسسة العسكرية ما يمكنه تسميته بثنائية أو مفارقة وحدة/ صراع.

يجب توضيح ان أكبر انقسام حاد شهدته المؤسسة العسكرية الجزائرية طيلة السنوات السبع الأخيرة دار حول الموقف من الحوار مع الجبهة الاسلامية للانقاذ أو استئصالها. لقد بدأت المحاولات الأولي الحوارية منذ عام 1993.










.

رئيس مدني، بوتفليقة، 27 أفريل 1999

الرئيس بونفليقة أمام 6 أعلام جزائرية
الرئيس بونفليقة أمام 6 أعلام جزائرية

أعلن الجيش الجزائري الذي يمسك بزمام السلطة الحقيقية في البلاد، حياده في الانتخابات الرئاسية في الثامن من نيسان/أفريل، 1999، الأمر الذي يشكل سابقة بالنسبة لمسألة انتخاب رئيس للجمهورية في البلد.

أكد رئيس الأركان الفريق محمد العماري، المسؤول الوحيد في الجيش الذي يدلي بتصريحات علنية، هذا الحياد مرات عدة منذ سنة وجدد التأكيد قبل ثلاثة أسابيع أن المؤسسة العسكرية لا تعتزم "مضايقة ولا مناصرة" أي من المرشحين.

كما أقصى المجلس الدستوري وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي من السباق الرئاسي بحجة أنه لم ينجح في جمع توقيعات 75 الف ناخب الضرورية للترشح بموجب القانون الانتخابي.

رئيس الحكومة السابق، الإصلاحي مولود حمروش كان أكثر وضوحا وهو يقول إن المرشح الذي سيتم انتخابه قد اختير بشكل مسبق.

إن ما تغير هذه المرة هو اختيار مرشحين اثنين يمثلان النظام تحسبا "لأي طارئ"، بوتفليقة، وعلي بن فليس، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني اللذين كان مقربين جدا من بعضهما وباتا خصمان كبيران الآن.











.

مصادر

هوامش

  1. ^ مقتطفات مختارة من موقع الجزيرة
  2. ^ حوار مع أحد القادة المعارضين لبومدين حوار من قناة الجزيرة


مراجع

  
بوابة الجزائر تصفح مقالات ويكيبيديا المهتمة بالجزائر.
   {{{{{3}}}}}
بوابة الجزائر تصفح مقالات ويكيبيديا المهتمة بالجزائر.