الرئيسيةبحث

العملية التربوية في القرآن الكريم والسنة


فهرس

العملية التربوية في القرآن الكريم والسنة

التربية في القرآن الكريم

إن أول سورة نزلت من القرآن الكريم كان موضوعها الأساسي الاهتمام بالعلم بمفهومه الشامل، الذي يمثل جوهر العملية التربوية، وهي سورة "العلق". فقد بين الفخر الرازي المدلول التربوي لهذه السورة، وعلق على قوله تعالى: "وربك" بقوله: " إن الرب من صفات الفعل، وإن العبادة تستوجب بصفات الفعل، فكان ذلك أبلغ في الحث على الطاعة، وهذه السورة لما كانت من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان خائفاً فزعاً، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يستميله إليه ليزول عنه الخوف والفزع، فقال هو الذي رباك فكيف يفزعك ؟ ".

التربية لغة

كلمة التربية مصدر الفعل (ربّ) ومنه الرب ويطلق في اللغة على المالك والسيد والمربي والمصلح والمنعم، ولا يقال الرب لغير الله إلا بالإضافة مثل: رب البيت، رب الأسرة، وهكذا. ويرى عبد الغني عبود أن التربية لغة ترادف التنمية، ولذا قيل: إن التربية تعني التعليم حتي يستطيع الإنسان أن يعيش حياة أفضل، لأن هذا التعليم يؤدي إلى تنمية الشخصية، أي تنمية قواه الجسدية والعقلية والخلقية. كما يعرف الراغب الأصفهاني (الرب) أنه في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام. ويرى الفخر الرازي في تعليقه على سورة العلق أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه خلق الإنسان من علق، وبأنه علمه بالقلم، وفي الظاهر لا مناسبة بين الأمرين، وبالتحقيق فإن أول أحوال الإنسان كونه علقة، وهي أخس الأشياء، وآخر أمره صيرورته عالماً بحقائق الأشياء، وهي أشرف مراتب المخلوقات، فكأنه تعالى يقول: انتقلت أيها الإنسان من أخس المراتب إلى أعلى المراتب، فلابد لك من مدبر، مقدر، ينقلك من تلك الحال الخسيسة إلى هذه الحال الشريفة، ثم فيه تنبيه على أن العلم أشرف الصفات الإنسانية، كأنه تعالى يقول: الإيجاد والإحياء والإقدار والرزق كرم ربوبيته، أما الأكرم هو الذي أعطاك العلم، لأن العلم هو النهاية في الشرف. ويشير عبد الحليم محمود إلى المعنى التربوي في نفس السورة فيقول: بدأت السورة بقوله تعالى "اقرأ باسم ربك الذي خلق" ولم يقل باسم الله، وذلك لأنه أراد سبحانه منذ البدء أن يشير إلى أن هذا الدستور الإلهي إنما هو تربية، إنه ينزل باسم المربي، وما دامت هذه التربية إلهية المصدر فهي إذن محكمة وكاملة في جميع جوانبها. إن الله سبحانه وتعالى بين في هذه الآية أن هذه التربية يجب أن تتقبل دون شك أو تردد لأنها من الذي خلق فكون كل خلية في الجسم ونسقها مع غيرها، وهو محيط علما بالإنسان، فهذه التربية ليست من كائن لا صلة له بالمخلوق، وإنما هي تربية الخالق نفسه الذي أحاط علماً بدقائق الخلق، وعرف ما تحتاج إليه مخلوقاته، وعرف الضار والنافع، وعرف الخير والشر، فتربيته إذن قيادة على علم، وهداية على بصيرة. وبالتالي فهي تربية خالدة، لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، لأن الإنسان هو الإنسان أينما وجد، وأينما كان.

التربية في السنة النبوية

كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة، ولا يثقل عليهم خوفاً من السآمة. وهذا الأدب النبوي أسلوب تربوي يعرفنا أن الكثرة مملة، وقد تدفع المتعلم إلى رفض العلم والانصراف عنه.

أسس المنهج التربوي للمعلم والمتعلم:

1. قيمة العلم ومكانته: حيث يتضح ذلك من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها" 2. إتمام العمل على خير وجه: تجد ذلك في حديث عبد الله ابن عمر ، حيث يقول: تخلف عنا الرسول صلى الله عليه وسلم في سفرة سفرناها فأدركنا، وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته، ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثة. 3. جذب انتباه الطلاب بإشراكهم في الحديث: في حديث ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المؤمن حدثوني ما هي ؟ 4. الأدب في الحديث مع المعلم وعدم قطع كلامه: في حديث أبي هريرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال متى الساعة ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال أين أراه السائل عن الساعة ؟ قال ها أنا يا رسول الله. قال فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال كيف إضاعتها ؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة. 5. السماحة واليسر في المعلم: عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا". 6. مراعاة الفروق الفردية: في قول النبي صلى الله عليه وسلم"حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذّب الله ورسوله". 7. التكرار حتى يفهم الجميع: فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثة حتى نفهم. 8. الصبر والاحتمال من جانب المعلم ، والأدب والاستئذان من جانب المتعلم: عن أنس بن مالك يقول بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم. فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال له الرجل بن عبد المطلب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد أجبتك، فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك، فقال: سل عما بدا لك. فقال أسألك بربك ورب من قبلك .... الحديث 9. يقظة المتعلم والانتباه التام: فعن شريح أنه قال لعمرو ابن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قال به النبي صلى الله عليه وسلم: الغد يوم الفتح سمعته أذناى، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي، حين تكلم به ..... الحديث. 10. التواضع سمة العالم والمتعلم: وتجد ذلك في حديث موسى والخضر.

يقول تعالى: " فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا {65} قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا {66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا {68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا {69} قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا {70} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا {71} قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {72} قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا {73} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا {74} قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا {75} قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا {76} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا {77} قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا {78} وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "من أراد العلم فليثوِّر القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين".

محمد غالب علي بركات - كلية التربية - جامعة عين شمس

للمزيد راجع :

- الفخر الرازي: التفسير الكبير، سورة العلق. - عبد الغني عبود: الفكر التربوي عند الغزالي، ص170 - الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن ص185 - عبد الحليم محمود: القرآن والنبي ، ص172 - البخاري ، كتاب العلم