غلاف المجموعة | |
المؤلف | محمد علاء الدين |
---|---|
البلد | مصر |
اللغة | العربية |
السلسلة | إبداعات |
الناشر | الهيشة العامة لقصور الثقافة- وزارة الثقافة المصرية |
الإصدار | 2003 |
عدد الصفحات | 64 |
تبعه | إنجيل آدم |
الضفة الأخرى مجموعة قصصية مصرية للكاتب محمد علاء الدين و هي كتابه الأدبي الأول، الذي تبعه بروايته الأولى إنجيل آدمالتي لفتت إليه الأنظار بشدة، و اليوم الثاني و العشرون. البداية القوية لعلاء الدين في مجموعته الأولى ثم روايتيه صنفته كأحد أبرز كتاب الألفية الجديدة في مصر، بالاضافة لـأحمد العايدي و نائل الطوخي.
أهو اللاعب الجالس علي الكمبيوتر أم هو الشخصية الافتراضية علي الشاشة؟ من هو المطارد ومن المطارد (المشهد ليس مطاردة بالضبط وإنما صراع بين اثنين كل منهما يتحين الآخر ليقتنصه ويطارده)/ تصعب الإجابة كثيرا. كيف تحرك الحركة علي الشاشة، لأجل كشف القناع عن عدوه/ أبيه؟ ينتهك اللاعب إذن قوانين اللعبة لأجل التيقن من أن أباه هو القتيل (لا لأجل قتله. هو قد قتله في أثناء اللعبة، بشكل شرعي وقانوني تماما). يحدث القتل كجزء من قواعد العلبة وإنما التثبت من هوية القتيل فهو ما يحتاج للفانتازيا لكي يتم التعبير عنه. هذا ملمح هام في المجموعة، تحييد البشاعة (هي التي تتم وفق القوانين) وتصوير الأفعال الأكثر اعتيادية باعتبارها أفعال مفارقة. وفي قصة (الضفة الأخري) التي تحمل المجموعة اسمها تقيم فتاة علاقة تليفونية مع الراوي الذي يلتقي بها بعد أن يعرف أن سامها هو ريم مراد، وعندما تنقطع عنه لمدة ثلاثة أيام يتصل بها ويرد عليه أبوها. يطلب الراوي الأنسة ريم مراد ويجيب الأب المكلوم بأن ابنته قد ماتت، انتحرت منذ خمسة أعوام. من كانت إذن البنت التي أقام الراوي معها علاقته التليفونية وكيف تقمصت دور البنت المنتحرة؟ كانت البنت قد صرخت في الراوي مرة 'لست أنا.. لست أنا..' فما الذي تعنيه هذه العبارة؟ هل اختلق عقل الراوي شخصية البنت وحاورها ثم تأكد له وجودها مع اختلافات بسيطة وأولها ان البنت التي احبها 'تحب المرح والنكتة. تحب الحياة' بينما البنت الحقيقية قد ماتت وشبعت موتا؟ أم أن روح البنت قد عادت إلي بيتها ومضت تمارس حبها الغابر للحياة تليفونيا مع الشباب في بيوتهم؟ هذا البعد يظهر هنا وهناك في المجموعة، البعد الميتافيزيقي وعدم التيقن من ان كانت 'هذه الأشياء تحدث' أم لا، كما يكتب الكاتب في قصته (الليلة السابعة) والتي تستلهم اجواء مشابهة، أجواء تبدو فيها قوانين العالم هشة ويتم اختراقها من قبل الجبن (الليلة السابعة) أو الأرواح (الضفة الأخري). ويواجه البطل طيات الستائر في قصة (بداية) حيث تقوم طيات الستائر بدور الجمهور الذي يصفق له، غير أن هذا يتكشف لنا تدريجيا. في البدء تركز الكاميرا علي البطل الواقف علي منصته وعلي سماع صوت التصفيق ثم تتراجع الكاميرا شيئا فشيئا لنكتشف الجمهور الحقيقي للبطل، طيات الستائر. يسمع البطل اسمه يتردد فيعض شفتيه 'لأنه قد عاهد نفسه مرارا علي المغادرة قبل أن يسمع اسمه يتردد في جنبات الفضاء العظيم المحيط به'. أهو تدلل الفنان، أم هو الرعب من مواجهة انعكاس الذات ممثلة في الاسم؟ علي العموم تبدو هذه القصة معتمدة علي عوالم مسرح العبث، في صورته الأكثر وحشية وعزلة، وتقنية انسحاب الكاميرا لتواجه البطل بجمهوره الأصلي (الفضاء العظيم) هي ما تزيد من عزلة البطل. العزلة هنا لاتحدث تدريجيا وإنما فقط يتم اكتشافها تدريجيا، وهي عزلة تسعي لتكون معزولة حتي عن سماع اسم صاحبها نفسه. يتم تخفيف هذا الجو الموحش في قصة (هناك عند المنعطف) عن طريق إكساب الأشياء وجودها الإنساني، وهو ما يعمق، بدوره وفي مفارقة مرعبة، كذلك من العزلة التي يعيشها الراوي. يتحرك الراوي بين الأشياء التي يلقي عليها التحية تلو التحية 'الطرقة طويلة وبجوارها البوفية. ألقيت عليه التحية، وأنا أمر بجواره متحاشيا النظر إليه. تذكرت أني خرجت دون أن أحييه. مددت نظري للمطبخ القابع في آخر الطرقة بنوع من الحرج. فكرت أنني لابد وأن أرجع لعادتي القديمة بإلقاء السلام بصوت عال علي أصدقائي كلهم في الدخول والخروج'. أصدقاؤه هؤلاء هم الفوتيه والتليفزيون والمطبخ والسرير. يتألم الراوي من جروح الفوتيه الكثيرة والتي يقف عليها الذباب والناموس ويفكر في تضميدها 'إلا أن ذعري من تألمه المكبوت منعني من تخييط جرحه بصورة صحيحة'، ويتململ من التليفزيون الطيب الذي يختار له قناة مملة غير أنه سرعان ما يؤنب نفسه' هم يفعلون كل شيء لأجلي وأنا أتململ وأشكو. ما بال القناة؟ إنها رائعة! يكفي أنه (التليفزيون) يتعب هكذا لإرضائي'. تضحي الأشياء هنا شريكة للراوي في وحده هائلة وتلعب دور طيات الستائر في قصة (بداية) غير أن ما يميزها الآن هو درجة الحميمية التي تربط بين الراوي وبينها. الأشياء خرساء ونداء السرير له في نهاية القصة فلا صوت يصدر عن الأشياء، مما يزيد من كابوسية عالمه المعزول. هذه القصة من القصص القلائل في المجموعة التي تتسم بلغة أكثر عاطفية، وهي عاطفة إنسانية تماما تهدف إلي سبغ أكبر قدر من الإنسانية علي مفردات العالم الجامدة، ولايملك القاريء إلا أن يبتسم بتعاطف مع الفوتيه المجروح ويدرك كم نجح الكاتب في جعلنا نتعاطف مع الجمود والوحشة والعزلة. يتطور البعد السريالي في المجموعة شيئا فشيئا، باستثناء قصص معدودة، ليصل ذروته في قصة (المعراج)، وهي آخر قصص المجموعة مما يجعل اسمها هذا ليس اعتباطيا. في قصة المعراج يصعد الأسانسير، غير انه بخلاف أي أسانسير معتاد لايتوقف عن الصعود، ويظل يصعد ويصعد بلا نهاية، مما يحيل علي الفور إلي قصة المعراج في التراث الاسلامي. غير أن الراوي لايصل إلي سدرة المنتهي، ما يعنيه هنا، وهو بذاته مصدر كابوسية القصة في آن، هو الصعود اللانهائي وليس الوصول، وما يصاحب هذا الصعود. في بداية القصة لايشعر الراوي بضرورة أن يحدد طابقا معينا ليصعد إليه، وشيئا فشيئا تبدأ احتفالية الصعود: يدخل رجل انيق وامرأة متأففة ثم طفل ثم نمر ثم شبح ثم يطل شيطان ثم 'دخلت أفيال ودراجات وأسماك قرش ساهمة ونجمتان في حالة غزل'. تدخل كل عناصر العالم غير المتآلفة كالكائنات الفضائية الملتحية وخراتيت وإخطبوط يبدو عليه الخجل وتدخل عربة ضخمة يحرص سائقها علي ركنها بالشكل الأمثل. لايتوقف هذا الصعود اللانهائي وإنما ينخدش فقط، ينفرج باب الأسانسير ليدلف ماء من كل اتجاه بعنف كالمطارد. من أين أتي الماء؟ هل كان الأسانسير في سدرة المنتهي بالفعل، استلهاما للآية القرآنية (وكان عرشه علي الماء)، أم كان علي العكس في أعمق نقطة بالبحر، وكان المعراج معراجا للأسفل؟ 'خرجت الخراتيت والأفيال سابحين وصدحوا بالغناء' ويخرج الأوكسجين في أثرهم أيضا ويدخل الماء بلهفة ليلتحف برئتي الراوي. يغرق الراوي بينما يصدح الماء والكائنات من حوله في الفضاء العظيم. علي العكس من قصة 'هناك عند المنعطف' يكون الصمت من نصيب الراوي وإنما الكائنات هي التي تقيم مهرجانها ولايعكر صفوها إلا راو وحيد يصر علي تشويش فرحتها ومواجهة بعد الاحتفال الأبدي ببعد الغرق الأبدي.