فهرس |
دخل الإسلام إلى العراق واستقر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. وبقي سنياً طوال الخلافتين الأموية والعباسية باستثناء تشيع محدود في منطقة الفرات الأوسط. واجتمعت به معظم المدارس الفقهية السنية، فكان للمالكية وجود في البصرة ثم بغداد. وكانت بغداد مركز الحنابلة الرئيسي قبل تدميرها من قبل هولاكو. كما انتشر المذهب الشافعي في الجنوب، والمذهب الحنفي في الشمال. وبالرغم من سيطرة الشيعة على الحكم أثناء حكم البويهيين فإن سكان العراق بقوا على المذهب السني.
بعد تمكن الجيش المغولي بقيادة هولاكو من تدمير بغداد بمساعدة الوزير ابن العلقمي، قام المغول بإبادة جماعية لأهل السنة في بغداد. بينما تركوا الأقلية الشيعة في الكرخ على حالها. وتعرضت بغداد لتدمير آخر على يد تيمورلنك.
تعرّض العراق في عهد الصفويين لهجمات دموية كانت هدفها نشر التشيع[بحاجة لمصدر]. ويشير الباحث بشير نافع إلى أن الشيعة لم يكونوا أكثرية في القرن الخامس الهجري في أي من المدن الإسلامية سوى الكوفة والري (قرب طهران اليوم)[1].
وكان إسماعيل الصفوي قد توجّه بجيش كثيف إلى بغداد، ودخلها سنة 941هـ وفتك بأهلها وأهان علماءها وخرّب مساجدها وجعلها اصطبلات لخيله، كما فعل النصيريون من قبل. فاضطر السلطان سليمان القانوني إلى وقف زحفه في أوروبا، وعاد بقسم من الجيش لمحاربة الصفويين وتأديبهم[2]. لكن انتهز الشاه عباس الصفوي تغلغل العثمانيين في أوروبا وحروبهم مع النمسا والمجر، فعاد إلى مهاجمة بغداد، ودخلها سنة 1033هـ 1623م[3].
يقول الباحث العراقي د. علي الوردي متحدثاً عن حكم الصفويين لإيران والعراق: "يكفي أن نذكر هنا أن هذا الرجل (الشاه إسماعيل الصفوي) عمد إلى فرض التشيع على الإيرانيين بالقوة، وجعل شعاره سب الخلفاء الثلاثة. وكان شديد الحماس في ذلك سفاكاً لا يتردد أن يأمر بذبح كل من يخالف أمره أو لا يجاريه. قيل أن عدد قتلاه ناف على ألف ألف نفس"[4] أي مليون سني.
أدى انهيار الدولة الصفوية في إيران سنة 1722، وما صاحبه من فقدان للأمن وحروب الأمراء، إلى هجرة أعداد متزايدة من العلماء الشيعة إلى النجف وكربلاء.
يقول د. ناصر القفاري: "في سنة 1326هـ كشف العلامة محمد كامل الرافعي في رسالة أرسلها من بغداد إلى صديقه الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، ونشرتها المنار، كشف أثناء سياحته في تلك الديار ما يقوم به علماء الشيعة من دعوة الأعراب إلى التشيع واستعانتهم في ذلك بإحلال متعة النكاح لمشايخ قبائلهم الذين يرغبون الاستمتاع بكثير من النساء في كل وقت"[5]. ويقول إبراهيم الحيدري: "وأما العشائر العظام في العراق الذين اتبعوا مذهب التشيع إلى ال البيت من قريب فكثيرون. منهم ربيعة تشيعوا منذ سبعين سنة. وتميم وهي عشيرة عظيمة تشيعوا في نواحي العراق منذ ستين سنة بسبب تردد شياطين الرافضة إليهم. والخزاعل منذ أكثر من مئة وخمسين سنة، وهي عشيرة عظيمة من بني خزاعة فحرّفت وسميت خزاعل. وعشيرة زبيد وهي كثيرة القبائل وقد تشيعت منذ ستين سنة بتردد العلماء إليهم . ومن العشائر المتشيعة لمذهب ال البيت بنو عمير وهم بطن من تميم والخزرج وهم بطن من بني مزيقيا من الأزد، وشمرطوكة وهي كثيرة، والدوار والدفافعة. ومن المترفضة عشائر العمارة آل محمد وهي لكثرتها لا تحصى وترفضوا من قريب. وعشيرة بني لام وهي كثيرة العدد. وعشائر الديوانية وهم خمس عشائر: آل أقرع، وآل بدير، وعفج، والجبور، وجليحة. ومن عشائر العراق العظيمة المتشيعة منذ مئة سنة فأقل: عشيرة كعب وهي عشيرة عظيمة ذات بطون كثيرة"[6]. ومع ذلك بقيت أكثر عشائر العراق سنية. إذ أكبر العشائر فيه هم: الدليم ثم الجنابيون ثم شمر ثم عنزة –ومنهم زوبع– ثم الجبور ثم العبيد ثم الغرير ثم قيسثم العزة. وهذه العشائر كلها سنية، وهي أكبر العشائر في العراق. وربما بعض "تار" شيعة على خطوط التماس. وأما العشائر الشيعية فهي ربيعة والفتلة. وهؤلاء لا يمثلون ربع ما يمثله أهل السنة.
وعن تأثر العراق بإيران يقول الوردي: "بعد أن تحولت إيران إلى التشيع، أخذت تؤثر في المجتمع العراقي تأثيراً غير قليل. فقد بدأ التقارب بين الإيرانيين وشيعة العراق ينمو بمرور الأيام. وصارت قوافل الإيرانيين تتوارد تباعاً إلى العراق من أجل زيارة العتبات المقدسة (عند الشيعة) أو طلب العلم أو دفن الموتى وغير ذلك"[7].
يقول د. فرهاد إبراهيم أستاذ العلوم السياسية بجامعة برلين في كتابه "الطائفية والسياسية في العالم العربي" موضحاً أثر تشيع هذه القبائل في جعل الشيعة أكثرية في العراق، فيقول (ص44): "المذهب الشيعي لم ينتشر بصورة كبيرة في العراق إلا تحت حكم المماليك (1743-1831". ويقول في (ص45): "أثَّرت الدعاية الشيعية وذكر الظلم الذي تعرضوا له ومقتل الحسين في كسب القبائل ونشر التشيع". ويضيف في (ص48) أن جماعات السكان من الشيعة من منطقة بلاد ما بين النهرين كانوا يشكلون منذ هجرة القبائل العربية من شبه الجزيرة أعداداً قليلة, وذلك في الفترة منذ القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر، ولم يشكل الشيعة الأغلبية في مجموع السكان إلا بعد الهجرة وتحول هذه القبائل إلى المذهب الشيعي. ويقول المؤلف (ص63-64): "إضافة إلى القبائل التي نزحت إلى العراق وتشيعت، فإن هناك الفرس والفرس المستعربين والهنود يشكلون نسبة غير ضئيلة من مجموع السكان الشيعة خاصة في المراكز الحضرية. وكانت هجرة رجال الدين الشيعة وعدد آخر من جماعات السكان إلى العتبات المقدسة قد جاء نتيجة لانهيار الدولة الصفوية. وظلت هذه الهجرات تتوالى حتى نشأة الدولة الحديثة في العراق".
وكان انتشار التشيع في جنوب العراق قد تم تحت سمع الدولة العثمانية وبصرها، وبموافقة رجالها في معظم الأحيان. إذ أنه منذ أن وصل العثمانيون للعراق، قام سليمان القانوني بإتمام بناء الحضرة الكاظمية، وزار المقامات السنية والشيعية، وأمر بحفر نهر الحسينية لإيصال المياه إلى مدينة كربلاء. وتحت الدولة العثمانية انفصل الفضاء الشيعي في العراق مديراً شئونه بقدر كبير من الاستقلال. كما أن الدولة العثمانية كانت صوفية. و بسبب التداخل بين التشيع والتصوف في آسيا الصغرى في العصور الإسلامية الوسيطة المتأخرة، فقد احتلت الرموز الشيعية والولاء لآل البيت موقعاً بارزاً في الثقافة العثمانية المبكرة. وكان الولاة حنفية متصوفة تشوب تصرفاتهم "مسحات شيعية" فكانوا يعتنون بمراقد الأئمة في بغداد والنجف وكربلاء[1].
بالرغم من وجود أقلية شيعية كبيرة في العراق في بدايات القرن العشرين، لكن العلاقة بين السنة والشيعة ظلّت طيبة في بداية الأمر. وهذا يوضح قبول العشائر الشيعية بأن يحكم العراق أهل السنة بعد الثورة على الإنكليز، التي شاركت بها العشائر السنية والشيعية على حدٍ سواء. وحدث أول اضطراب طائفي في صفوف الشيعة بتحريض لاجئ سياسي إيراني –هندي الأصل– يسمى روح الله الخميني. حيث نجح في إحداث اضطرابات شيعية في مدينتي النجف وكربلاء ضد الحكومة المركزية عام 1977. فقامت الحكومة العراقية في العام التالي بطرده إلى فرنسا.
وعندما استولى الخميني على الحكم في إيران عام 1979 قام باستفزاز العراق لشن حرب الخليج الأولى عام 1980، واستمر تأجيجه للعداء الشيعي السني عن طريق علاقاته مع رجال الدين الشيعة. وقام بتأسيس معارضة شيعية عراقية مركزها طهران، بقيادة باقر الحكيم. وحاول الخميني نقل مرجعية الشيعة من مدينتي النجف وكربلاء في العراق إلى مدينة قُم في إيران. لكن الكثير من رجال الدين الشيعة في العراق عارضوا أفكاره (مثل نظرية ولاية الفقيه). ولذلك بقيت الغالبية العظمى من الشيعة في العراق موالية للعراق وليس لإيران.
وأثناء الحرب العراقية الإيرانية، كانت الأفكار القومية هي السائدة في العراق. لذلك كان ثلاثة أرباع جنود الجيش العراقي من الشيعة. وقد قاتل هؤلاء ضد الإيرانيين الشيعة من منطلق القومية العربية، لا المذهب. وبقي العداء التاريخي القومي بين العرب والفرس هو المسيطر. وباعتبار أن غالبية أعضاء حزب البعث في العراق كانوا من الشيعة، فقد وصل الشيعة إلى مناصب عالية في الدولة. وكانت سيطرتهم في التعليم والتجارة والاقتصاد واضحة[8].
وعلى الطرف المقابل في الأحواز، الإقليم العربي في إيران الذي يُشكل جزء من عربستان، فإن غالبية سكانه من العرب الشيعة. ولذلك قاتلوا مع إيران من منطلق العصبية المذهبية.
لكن هذا التوافق الطويل بين السنة والشيعة، بدأ يتغير بعد حرب الخليج الثانية وهزيمة العراق. فقد استغلت إيران فرصة ضعف الجيش العراقي، والفوضى التي تلت الحرب، والسخط الشعبي من الحكومة العراقية. فأرسلت مقاتلين باسم "المجلس الأعلى للثورة" الذي يقوده باقر الحكيم، فسيطر هذا التنظيم على عدد من المدن العراقية الشيعة، وقام بمجازر ضد مؤيدي الحكومة. فقابلت الحكومة العراقية هذه الثورة بقمع شديد، مما أدى لمقتل آلاف المدنيين الشيعة. هذا مما عمق الهوة بينهم وبين الحكومة العراقية.
المقال الرئيسي: التوزع السكاني في العراق
لا يوجد أي إحصاء سكاني في العراق دقيق وحديث، يُظهِر النسب الحقيقية لكل طائفة، حيث تركز الإحصائيات على التوزيعات العرقية وليس الطائفية. ولذلك تختلف التقديرات في نسبة كل طائفة وأي منها تشكل الغالبية.