إذا كان البرتغاليون أول دولة بحرية قامت بحركة الكشوف الجغرافية ، فإنهم أيضاً كانوا أول الدول الأوربية وصولاً إلى آسيا، وعلى الرغم من أن محاولات الوصول إلى آسيا قد بدأت في العقد الأول من القرن الخامس عشر – بدأها هنرى الملاح 1394-1460- إلا أنه لم يتم الا في أواخر القرن الخامس عشر، عندما تمكن فاسكوداجاما البرتغالى من مواصلة السير شرق رأس الرجاء الصالح حتى وصل إلى الهند في مايو 1498. وبذلك وضع حجر الأساس للاستعمار البرتغالى في آسيا، والذى سبق باقى الدول الأوربية بأكثر من مائة عام. وكان متوقعاً أن يصطدم داجاما بالأنظمة السياسية المحلية على ساحل الهند الغربى "الملبار"، خصوصاً بعد أن وصلت إلى أسماع أقوى هذه الأنظمة "الزاموريين" قبل وصول سفنه إلى الشواطئ الهندية، عن طريق التجار العرب، أخباراً عن ما يسببه وصول البرتغاليين من تحد لسلطانهم. ومع هذا وصل داجاما إلى قاليقوط، وطلب من حاكمها الأذن له بالتجارة، وأجيب إلى طلبه. وبعد أن قايض داجاما سلعه بالافاويه قفل عائداً إلى بلاده ليزف إلى سيده – الدوم عمانويل الأول – نبأ نجاحه في مهمته، والذى أدرك "أى سيدة" هو ومستشاره أنهم قد التقوا أيضاً في المحيط الهندى وجهاً لوجه مع أعدائهم الا لداء العرب المسلمين – بعد أن ابلغه داجاما دهشته لوجود العرب بقاليقوط وللسلطان الكبير الذى كانوا يحظون به لدى بلاطها – وأنهم ان لم يبذلوا جهداً هائلاً ومتواصلاً، فلن تعود عليهم منافع استكشافاتهم لهذا الطريق بأية جدوى.
ولذلك بات ضرورياً حتى يستفيد البرتغاليون من تجارة التوابل، أن يقضوا على الوجود العربى الإسلامى في هذه البحار. ولذلك تم إرسال تجريدة بحرية قوية، تحت إمرة بدرو الفاريز كبرال إلى قاليقوط، والذى كلف بمطالبة الزاموريين تحت تهديد الحرب، بالسماح للبرتغاليين بإنشاء مركز تجارى، والسماح لخمسة من الآباء الفرنسيسكان بممارسة النشاط التبشيرى. وعلى الرغم من وصول القليل من التجريدة – حيث وصل ست سفن من مجموعها البالغ ثلاثاً وثلاثين – إلا أن قوته ارهبت الزاموريين، وسمحوا له بإقامة مركز تجارى بعد أن استقبلوه احسن استقبال. وبينما كانت سفن كبرال تستعد للشحن بالبضائع الآسيوية، بدرت بعض عمليات الغطرسة والجرأة في أعمال أحد معاونى كبرال – كوريا – كان من شأنها إشعال ثورة شعبية، قام إبانها العرب بمهاجمة المركز التجارى البرتغالى في قاليقوط، وتخريب مستودعاته، واغتيال وكلاء كبرال التجاريين حتى كوريا نفسه، وعندئذ انسحب كبرال بسفنه وقصف المدينة بمدافعه، وفر بمن معه دون أن تلحق به عمليات المطاردة التى قام بها الزاموريون.
ولا يعنى فشل كبرال أن البرتغاليين قد تخلوا عن أمانيهم بالمحيط الهندى، بل زادهم ذلك إصراراً على مواصلة الجهد لتنفيذ السيادة البرتغالية على البحار الهندية بالقوة. فعلى التو من عودة كبرال عمل عمانويل الأول على تجهيز حملة أقوى من السالفة، قادها في هذه المرة فاسكوداجاما. وهو رجل على دراية بالمياه الهندية، وقد سبق له الاحتكاك بالعاملين عليها، وكانت مهمة داجاما تقوم على الاقتصاص من العرب والقضاء على سلطة الزاموريين، وإرغامهم على قبول السيادة البرتغالية في البحار الهندية. وخرج داجاما في فبراير 1502 على رأس أسطول مكون من خمس عشرة سفينة، وتبعه بعد خمس شهور من إقلاعه أسطول آخر من خمس سفن لتعزيز قوات داجاما التى كان محتملاً أن تقاوم. وقد تميز أسلوب داجاما في هذه المرة، وهو في طريقه إلى الهند باستخدام العنف تجاه السفن التى كانت تقابله، حيث كان إما يدمرها وإما يصادر ما بها من بضائع. وقد طارت أخبار القرصنة هذه إلى الزاموريين، الذين كانوا قد أدخلوا كثير من التحسينات على أسطولهم بعد لقاء كبرال. وسرعان ما تم اللقاء بين أسطول داجاما والزاموريين تجاه ساحل كوتشين، وبعد معركة حامية الوطيس أثر داجاما إنهائها والإفلات بسفنه إلى أوربا.
ولم يكد يغادر داجاما المحيط الهندى، حتى وصل إلى مياه قاليقوط أسطول برتغالى آخر بقيادة "لوبوسوارس" والتحم ببعض أسراب الزاموريين المنهكة، وأخذ يعمل فيها التدمير، واتخذ من كوتشين مركزاً له. وهكذا نجد أن البرتغاليين أخذوا يكثفون من حملاتهم البحرية المدججة بالسلاح على السواحل الهندية وخصوصاً الساحل الغربى الذى كانت تسيطر عليه إحدى القوى المحلية المناوئة للوجود الغربى، والذى تجد في وجوده تدمير لمصالحها الاقتصادية في المنطقة. ولذلك ادركت هذه القوى "الزاموريين" أن فرص الصمود أمام هذا التكثيف البرتغالى لحملاته عليها، اضحت ضئيلة لعدم تكافؤ فرص التسليح، ولذا طلبوا مساعدة القوى الإسلامية التى كانت تربطها بها مصالح اقتصادية وقد لبى طلب المساعدة سلطان مصر المملوكى، وأرسل اسطولاً بقيادة ميرحسين اتخذ من ديو قاعدة له، بعد أن اتصل بالبحرية الزامورية هناك. وفى ديو دارت معركة بين البحرية المصرية – الزامورية والبحرية البرتغالية، وقد لقى الأسطول المصرى فيها شر هزيمة في فبراير 1509 على يد القوات البرتغالية التى كان يقودها فرنشيسكو دالميدا، وفى هذه الموقعة ساعدت الخيانة الأسطول البرتغالى على إحراز نصر متفوق على البحرية المشتركة، حيث انضم حاكم ديو المسلم – الأوربى الأصل – سراً إلى البرتغاليين، وبذلك حرم الأسطول المصرى من التعزيزات التى كان ينتظرها من ذلك الحاكم.
وبانسحاب الأسطول المصرى من المياه الهندية في 1509 ثبت الادعاء البرتغالى بالسيادة الملاحية على البحار الشرقية، وظلت سيطرتهم على التجارة الهندية بعد ذلك مدة تزيد على القرن ونصف من الزمان – على الرغم من استمرار التحديات الزامورية الموجهة ضدهم حتى سنة 1599 – بفضل الإمبراطورية البحرية التى كان للفونسو دالبوكيرك الفضل الأكبر في تأسيسها. وجدير بالذكر أن دالبوكيرك شغل في أواخر سنة 1509 منصب نائب الملك البرتغالى في الهند خلفاً لدالميدا. وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته في ديسمبر 1515، وعند تعيينه كان الوجود البرتغالى في الهند يقم فقط على قلعة كوتشين، حيث كانت المستعمرة البرتغالية الوحيدة، والتى وجد دالبوكيرك أنها غير كافية وغير صالحة لفرض النفوذ البرتغالى هناك، ومن ثم عمل على تأسيس قاعدة منيعة لتحقيق الأهداف البرتغالية، وقد وقع نظره فىالبداية على قاليقوط – مركز تجارة التوابل – غير أن قواته دمرت أمام الزاموريين.
وعلى أثر هذه الهزيمة لم تحاول أى دولة أوربية بعد ذلك ولمدة مائتين وثلاثين عاماً القيام بأى فتح عسكرى أو محاولة اخضاع أى حاكم هندى لسلطانها. وأن كانوا قد استولوا على جوا في سنة 1510 وحولوها إلى قاعدة منيعة لتكون عاصمة ومركز للإمبراطورية البرتغالية فىالشرق، فإن ذلك كان بمساعدة رئيس المنطقة الهندوكى الذى انحاز إلى البرتغاليين، حتى يقلل من قوة سلاطين آل عادل شاه بتلك المنطقة. كما أدى أسلوب دالبوكيرك المتسم بالشدة مع المسلمين في جوا، إلى إحداث نوع من التقارب بين البرتغاليين وملوك فيجايا ناجار الهندوك الذين كانوا يكرهون المسلمين. ولهذا فضل دالبوكيرك السيطرة على المضايق، التى تتحكم في طرق نقل السلع الآسيوية. ولما كان مضيق ملقا يعد أهمها لتحكمه في عمليات نقل الافاوية بالذات، لان ملقا كانت المستودع الرئيسى لتجارة الارخبيل وتأتيها السفن بانتظام من كل صوب وحدب – من الصين إلى اليابان شرقاً، والهند وفارس وبلاد العرب ومصر غرباً – هذا فضلاً عن كون هذا المضيق همزة الوصل بين الصين، ومناطق جنوب آسيا وجنوبها الشرقى، فلكل هذا قرر دالبوكيرك التوجه إلى ملقا بأسطوله في سنة 1511.
وبعد قتال عنيف بين الملقاويين والبرتغاليين سقطت المدينة، بعد أن انسحب حاكم الملايو وجيشه. وبسيطرة البرتغاليون على ملقا ثم مضيق هرمز، وباب المندب، أصبحوا يتحكمون في البوابات البحرية المؤدية إلى المحيط الهندى. وبعد ذلك بدأت البرتغال محاولات كشف جزر الهند الشرقية وتحويلها إلى مناطق تابعة له. وقد وفرت الظروف هناك عليهم الكثير. حيث تمكنوا بسهولة انتزاع جاوة، للصراع المرير هناك بين الحكام المسلمين والممالك الهندوكية القديمة. وبذلك أسس البرتغاليون سيادتهم البحرية على بحار جاوة، وأخذوا بعد ذلك يعملون في تأليب الحكام بعضهم على بعض في حروب دينية سادت جزيرة جاوة آنذاك. وعلى الرغم من بروز هذه التناقضات داخل جزية جاوة، فإن البرتغاليين عجزوا عن إحراز أى تقدم حتى وصلت سفينة ماجلان في 1521. ومن ثم سارعوا إلى تثبيت مركزهم السياسى بعقد المعاهدات مع الحكام المحليين. وفى الوقت الذى كان يتوطد فيه صرح البرتغاليين بالمياه الآسيوية، قامت محاولة إسلامية لهدم هذا الصرح، قام بها السلطان العثمانى – السلطان سليمان – بالاتفاق مع بعض الحكام الهنود – حاكم قاليقوط، وملك كامباى المسلم – الذين اضيرت مصالحهم بسبب الوجود البرتغالى. وإذا كان الأسطول المصرى قد تحرك نحو المحيط الهندى في 1538 بأمر من سليمان باشا الخادم – الوالى العثمانى بمصر – الا أنه لم يلتق بالمياه الآسيوية مع القوات الزامورية الحليفة، ولهذا انفرد البرتغاليون بالأسطول الزامورى ودمروه عن أخره في حين أن الأسطول المصرى عاد إدراجه إلى مصر. ومن ثم أصبحت للبحرية البرتغالية الكلمة العليا بالمياه الهندية دون منازع. وهكذا استطاعت البرتغال تكوين إمبراطورية في منطقة الشرق، تقوم أساساً على بعض جزر الهند الشرقية وشبه القارة الهندية. وقد ساعد البرتغال في السيطرة على هذه المناطق. ومن أتى بعدهم من الأوربيين – الهولنديون ثم الإنجليز – وجود كثير من التناقضات السياسية والدينية والأثنية بين شعوب المنطقة. حيث كانت منطقة الملايو تدين بنوع من التبعية لإمبراطورية بكين في عهد أسرة المنج، والتى استمرت زهاء قرن من الزمان، حتى وصلت السفن البرتغالية إلى شواطئها، وعلى الرغم من تعرض هذه العلاقة للضعف الشديد باضمحلال أسرة المنج، إلا أن التسلط ظل امراً واقعاً، وبالتالى كانت هذه المناطق عرضة للنهب السريع. إلى جانب ذلك ساد منطقة الأرخبيل صراع عقائدى بين المسلمين والهندوك، بعد أن انتقل الإسلام من الجواجرات إلى الملايو وما تلاها. وأخذ ينتشر بسرعة منذ منتصف القرن الخامس عشر، على يد التجار بتلك المناطق التى كانت تحتفظ بقوة عقيدتها الهندوكية، وقد أدى الصراع بين المسلمين والهندوك إلى إنهاكهما معاً، وتسليمهما لقمة سائغة للطامعين الأوربيين. أما شبه القارة الهندية، فكانت تقتسمها دويلات بلغ بعضها درجة من القوة - بعضها مسلم وبعضها هندوكى-، حيث كانت هناك قوة إسلامية ضخمة، أسست دولة ذات سيادة نشرت الأمن الداخلى في البلاد. هذا في الوقت الذى قامت فيه إلى الجنوب منها إمبراطورية هندوكية – إمبراطورية الفيجاياناجار - نظمت المناطق الواقعة إلى الجنوب من تنجابهدرا حتى تستطيع التصدى للغزو الإسلامى الذى حدث في سنة 1337، وفى أقل من قرن أصبحت هذه الإمبراطورية أقوى دولة بالهند. وهكذا كانت هناك قوتان بالهند إحداها إسلامية والأخرى هندوكية عند قدوم البرتغاليين تتصارعان من أجل البقاء، جمع إحداها –الهندوكية –بالبرتغاليين نزعة القتال الصليبى ضد المسلمين، فكما كان الإسلام يمثل إشكالية عقائدية للبرتغاليين في شبه جزيرة ايبريا كان كذلك يمثل نفس الإشكالية، وجود سلطنات بهمينية إسلامية على حدود دولة الفيجاياناجار(*) الهندوكية. بشكل أمدها بدافع قوى لحماية العقلية والثقافة الهندوكية بجنوب الهند، وإظهار الاستقلال القوى ضد الدول الإسلامية.
وهكذا أوجدت الصدفة – لا أكثر – للبرتغاليين بالهند شريكاً، كان الإسلام يمثل لهما العدو المشترك. وهذا كان له أهميته الواضحة في ترسيخ قدم البرتغال في جوا. وفى ظل هذه الأوضاع لم يكن منتظراً أن تكون هناك ردود أفعال ايجابية من جانب المجتمع الهندى، ضد البرتغاليين، بل كانت هناك ظاهرة بارزة، تمثلت في موقف الصداقة العام والتسامح حيال هؤلاء الغزاة الجدد، بمختلف البلاطات الهندوكية في الجنوب باستثناء قاليقوط. فأقامت الفيجاياناجار مع البرتغاليين علاقات مودة في جوا، وسمحت لهم بممارسة نشاطاتهم التجارية داخل ممتلكاتها الفسيحة الأرجاء. كذلك كان للبرتغاليين نفس العلاقات المشوبة بالود مع حكام كوتشين، حيث أقاموا هناك أولى مؤسساتهم. وإلى جانب ذلك مارسوا نشاطهم التجارى بتوسع وبدون أية منازعات سياسية، مع الحكام الصغار على طول الساحل، وعلى كل حال. لن نتجاوز الحقيقة، إذا قلنا أن البرتغاليين لم يجدوا اية عداوة في بلاطات الحكام الهندوك إلا بالبلاط القاليقوطى وحده.
وحالة قاليقوط هذه حالة خاصة، فهى إقليم حبته الطبيعة بموقع جغرافى متميز، هذا فضلاً عن استفادته من الرياح الموسمية التى تساعد على تحرك السفن المحملة بالبضائع من السواحل الهندية حتى البحر الاحمر وبالعكس. ولذلك أصبح لهذا الإقليم باع طويل في تجارة الافاوية، التى كانت قاليقوط أحد مراكزها الأساسية. إذا هناك مصالح اقتصادية كان يتمتع بها الزاموريين، طالما بقيت الأوضاع على ماهى عليه، لكن إذا ما طرأت على هذه الأوضاع اية متغيرات، فإن هذه المصالح الاقتصادية ستتعرض للمخاطر. ولذا كان الزاموريون أول من تصدى للبرتغاليين، لإدراكهم مدى خطورة الوجود البرتغالى بالسواحل الهندية على مصالحهم التجارية. ومن ثم دام الصراع بين الطرفين قرابة قرن من الزمان. والذى امتد فيه القتال البحرى من جوا إلى كوتشين حتى تم عقد معاهده بينهما في سنة 1599.
أما باقى الهنود، فلم يكن يضيرهم النشاط البرتغالى في شئ –باستثناء المسلمين الذين احتلوا مراكز متقدمة في التجارة الهندية – فيتساوى عندهم وجود العرب أو البرتغاليين، فهم يبيعون لهذا أو لذاك، لكنهم مالوا أكثر إلى البرتغاليين، لإمكانياتهم ترويج تجارة السلاح بين الهنود، وهذا ما لم يكن متوفراً لدى التجار العرب. وبذلك كانت الظروف سانحة أمام البرتغاليين لتكوين إمبراطورية على حساب الأنظمة التى كانت – في معظمها – تعيش أزمة بالهند، ومناطق الجزر، غير أن الإمبراطورية التى عكفت على تكوينها البرتغال هناك، كانت إمبراطورية ساحلية قامت أساساً على تأسيس مراكز تجارية وحصون بالدرجة الأولى، لحماية النشاط التجارى، ولم تحاول أن تجعل من هذا استعماراً استيطانياً ، وقد يكون ذلك راجعاً إلى وجود حضارات في هذه المناطق تعجز البرتغال عن مناظرتها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لعدم استمتاعها بطاقات بشرية تمكنها من الاحتفاظ بهذه الإمبراطورية. وإذا كان البرتغاليون قد أقاموا إمبراطورية ساحلية بهدف احتكار التجارة الشرقية، وبالذات التوابل، لتلبية الطلب المتزايد عليه في أوربا، فالملاحظ أن البرتغاليين نجحوا في تحقيق هذا الهدف إلى حد ما، فقد صاروا لسنين عديدة موردين للتوابل لأوربا، لكن جهودهم في السيطرة على التجارة لم تستمر، على الرغم من وسائل القهر والعنف التى استخدمت ضد التجار الآسيويين وسفنهم، حيث ظل جزءاً كبيراً من السلع الآسيوية ينقل على يد التجار الأسيويين على طرق النقل التقليدية، حتى ذهب أحد الباحثين إلى أن عدد السفن البرتغالية العاملة في سواحل الهند لم يتجاوز في آية فترة من الفترات سدس السفن الآسيوية العاملة في تلك السواحل، وعلاوة على ذلك كانت السفن البرتغالية العائدة إلى أوربا من آسيا عن طريق رأس الرجاء الصالح بعد عام 1580 أقل من تلك السفن التى عبرت ذات الطريق من آسيا إلى أوربا في أوائل القرن.
وإذا كان الاستهلاك الأوربى للسلع الآسيوية قد ازداد، فإن هذه الزيادة لم يستفد منها البرتغاليون، وكذلك سفنهم بالشكل المطلوب. إضافة إلى ذلك، نجد أن البرتغاليين في خلال مائة عام من التجارة مع آسيا، لم يستطيعوا أن يغيروا أنماط "نوعيات" التجارة الآسيوأوربية، بمعنى أنهم عجزوا عن تقديم أى سلع آسيوية إلى السوق الأوربية غير تلك التى عرفها الأوربيون من قبل، وعلى الجانب الآخر فشلوا في إيجاد مكان للسلع الأوربية بالأسواق الآسيوية. وبذلك لم يكن الاستعمار البرتغالى لآسيا يمثل من الناحية السياسية والاقتصادية الاستعمار الحديث.