الرئيسيةبحث

الإمبراطور الأخير

فاجأ المخرج 'برناردو برتولتشي' العالم بفيلم تدور أحداثه في ربوع إيطاليا أو فرنسا مثل 'التانجو الأخير في باريس' وإنما بفيلم مكان أحداثه الشرق الأقصي، وبالتحديد الصين، علي امتداد نصف قرن من عمر الزمان، بدءا من اعتلاء الامبراطور الطفل 'بويي' عرش التنين،حتي انتهاء المقادير به جناينيا في المدينة المحرمة بالعاصمة بكين.

هذا الفيلم المفاجأة هو 'الامبراطور الأخير' ومما يعرف عن صاحبه 'برتولتشي' أنه حتي عام 1978 كان عضوا في الحزب الشيوعي الإيطالي وتركه له، وربما مرجعه، خلاف جوهري حول ماهية المتعة ومفهومها في الفن، وأشياء أخري.

وقبل 'الامبراطور الأخير' سبق له إبداع أكثر من رائعة، من بينها أذكر 'قبل الثورة' و'المتلائم' و'التانجو الأخير' و'القرن العشرون' والروائع الأربع لها في تاريخ السينما أثر غير قليل ورائعته الخامسة 'الامبراطور الأخير' يحكي فيها بأسلوبه الفريد مأساة الامبراطور 'بويي' الذي اختارته الامبراطورة 'تزدهو' خلفا لها (1908)، وهو لايزال في المهد صبيا.

القصة

وأحداث الفيلم تبدأ به مسجونا (1950-­1959)، بعد أن سلمه الروس إلي الصينيين اثر انهيار حكم الكومنتانج، بهروب الجنرال 'كاي شيك' مع فلول جيشه إلي جزيرة فورموزا (تايوان حاليا)، وارتفاع رايات الشيوعية عالية، بطول وعرض الصين.

وكانت التهمة الموجهة إليه هي التعاون مع اليابانيين الغزاة، إبان حقبة احتلالهم الصين. وبلا هوادة سعي سجانوه الشيوعيون إلي إعادة تعليمه، أو غسل مخه، كما يقال في لغة المحللين النفسيين.

وأثناء سعيهم هذا، ومن خلال بناء سينمائي، قوامه لقطات عودة إلي الماضي (فلاش باك)، يتوقف السرد عند بضع من حياة الامبراطور السجين: الأعمار الثلاثة الأولي (اثنان ونصف، عشرة، خمسة عشر عاما) من حياته كإمبراطور طفل ومراهق، تحت إشراف محرب انجليزي، يأخذ بيده شيئا فشيئا، في محاولة منه لتحريره من عادات بالية وتقاليد عفا عليها الزمان.

يؤدي دور المربي، وهو دور صغير، 'بيتر أوتول' الممثل الشهير.

ثم منفاه، أثناء عقد العشرينيات، ومحاولاته مع المحتلين اليابانيين إعادة بناء امبراطورية في منشوريا، مسقط رأسه، وأخيرا فشله في نهاية المطاف، والحق أن فشله كان قدرا مكتوبا منذ البدايات.

فهو يتوج امبراطورا، وليس له من العمر سوي ثلاثين شهرا.

وبعد اعتلائه العرش بثلاثة أعوام، لا يملك من أمر الصين شيئا، وذلك لقيام ثورة استبدلت بالنظام الامبراطوري نظاما جمهوريا.

وهكذا يبقي بلا حول ولا قوة رهين المدينة المحرمة، لا يتركها إلا طريدا في بداية العشرينيات، وقد تم تجريده من اللقب الامبراطوري نهائيا.

باختصار، كان قدر 'بويي' أن يبقي دائما وأبدا سجينا.

أمامه سدٌ ليس في وسعه أن يتجاوزه، بأية حال من الأحوال.

سدٌ التاريخ المنيع وحيثما يستأنف السير في أي طريق، فإنه لا ينتهي منه إلي غاية.

ولايزال علي هذه الحال، حتي يجد في سجنه الأخير عالما جديدا، غريبا يستطيع أن يعيش فيه متلائما مع نفسه، ومع الناس.

وهاهو ذا، تنفتح أمامه الأبواب، فيعمل جناينيا في حدائق المدينة المحرمة، حيث كان يعيش في قصور عدد حجراتها تسعة آلاف وتسعمائة وتسع وتسعون حجرة، امبراطورا مقدسا متربعا علي عرش التنين.

والآن يعيش حياة هادئة، آمنا مطمئنا، حتي يسلم الروح، راضيا مرضيا.

يبقي لي أن أقول إن الفيلم فيه من الخصب والشاعرية والجمال، بفضل مدير التصوير الموهوب 'فيتوريو ستورارو' ما لابد أن يترك في السينما آثارا بعيدة، عميقة ليس إلي محوها من سبيل.

جوائز

قامت هوليود بمنحه تسع جوائز أوسكار (1988) وهو رقم لم يفز به أي فيلم منذ 'قصة الحي الغربي' 1961.

حقائق