أهلا بكم في بوابة الاقتصاد التي تتناول مواضيع الاقتصاد و المواضيع المتعلقة بها مثل التجارة و الأعمال .
من خلال تصنيف الاقتصاد يمكنكم تصفح المواضيع الاقتصادية المختلفة التي تتقرع إلى عدة تصنيفات أخرى أهمها : الاقتصاديات الكبيرة و الاقتصاديات الصغيرة ، النظريات الاقتصادية ، التاريخ الاقتصادي ، تاريخ الفكر الاقتصادي ، الاقتصاد السياسي و أخيرا الاقتصاديون .
أما مواضيع التجارة و الأعمال فنجد ضمنها : المالية ، المحاسبة ، التسويق ، الإدارة ، الشركات ، إدارة تكنولوجيا المعلومات ، التجارة الدولية ، القانون التجاري ، و أخيرا الأخلاقيات التجارية .
بحثاً عن ماركس
سعد محمد رحيم كاتب ماركس، قبل أي شيء آخر، هو منظِّر اقتصادي، ولكنه ليس كذلك فقط، وليس هو أي منظِّر اقتصادي.. خصص أريك رول في كتابه (تاريخ للفكر الاقتصادي) فصلاً مستقلاً لماركس ونظريته في الاقتصاد، مؤكداً أنه لا محيص من تفريد فصل لماركس في حال تدوين أي تاريخ للفكر الاقتصادي، ولذا لن نفهم ماركس إذا لم نفهم تطور فكر الاقتصاد السياسي منذ آدم سمث وبقية النخبة من الاقتصاديين الكلاسيكيين العظام في الأقل وحتى راهن الفكر الاقتصادي ما بعد ماركس. فماركس في تاريخ الفكر الاقتصادي محطة مهمة، لابد من أن تمر بها قطارات الفكر الاقتصادي مهما كانت طبيعتها واتجاهها. واليوم يرجع مفكرو الاقتصاد الرأسمالي إلى ماركس ليخبروا جوهر وآليات الاقتصاد الرأسمالي الذي لم ينبشه أحد مثلما جرى على يد ماركس أو بالأحرى بمداد قلمه. فأزمات الرأسمالية الدورية والمفاجئة وجملة المشكلات المتصلة بها عرفها ماركس وأماط عنها اللثام.. أثبتت الرأسمالية مرونة عالية في التعاطي مع مآزقها وأزماتها والخروج منها ولكن ليس إلى الأبد، وأيضاً ليس من غير الرجوع إلى ماركس.
ومذ توطدت أسس علم الاقتصاد السياسي على يد آدم سمث وريكاردو تعلمنا، مثلما ينوه أنجلس "أن العمل هو مصدر كل الثروات ومقياس كل القيم بحيث أن شيئين تطلب إنتاجهما نفس زمن العمل يمتلكان نفس القيمة، ويمكن بالتالي مبادلتهما ببعضهما ما دامت القيم المتساوية بشكل عام، قابلة للتبادل" مستطرداً (أنجلس) حول ماهية ذلك التناقض في مقاسمة العامل قيمة منتوجه مع الرأسمالي حيث استطاع ماركس تعقب عملية نشوء الربح وكيفية سطوة الرأسمالي على القيمة الزائدة التي مصدرها "العمل الزائد، الأعلى والأكثر من الوقت الضروري للتعويض عن الأجر". ففي كتاب رأس المال يقول ماركس: "فما دام هناك جزء من المجتمع يمتلك حق استثمار وسائل الإنتاج، فإن الشغيلة، أحراراً أو غير أحرار، مرغمون على أن يضيفوا إلى جانب العمل الضروري لبقائهم، عملاً إضافياً لإنتاج وسائل العيش إلى مالكي وسائل الإنتاج". وقد سبق ماركس غيره بمن فيهم أساطين الاشتراكية الفرنسية في اكتشاف هذا القانون الذي يلخص جوهر الاستغلال الرأسمالي.. يقول أنجلس: "ثمينة هي كتابات أوين وسان سيمون وفوريه وستبقى كذلك، إلا أن مهمة تسلق الذرى كانت محفوظة لألماني". والألماني الذي يقصده هو كارل ماركس. وقد استطاعا معاً أن يؤشرا المحور الذي يستند عليه النظام الاجتماعي في العصر الرأسمالي وهو العلاقة بين العمل ورأس المال. ومن ثم التناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل والإنتاج والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وعلى الرغم من أن المنظرين الاقتصاديين، بمن فيهم بعض الماركسيين يقرون بالصعوبات التي تعترض هذا الجانب من نظرية ماركس، والثغرات التي تشوبها بسبب تعقيدات الحياة الاقتصادية التي عرفها عصر ما بعد ماركس، ومساهمة رأس المال الثابت (لا سيما الماكنة)، وكذلك المعلومات، في خلق القيمة، وليس العمل وحده، فإن الجوهر الاستغلالي للنظام الرأسمالي يبقى قائماً، ويظل هناك من يعاني من تداعيات آليات السوق الرأسمالية على صعيدي الاقتصاديات القومية والدولية. وحين نقول أن ماركس لم يطرح نظرية متكاملة في المعرفة، أو في علم الاجتماع أو في علم النفس أو الأنثربولوجيا، أو في أي حقل معرفي آخر فإن هذا لا يعني أن لا تكون للماركسية الآن رؤيتها ونظريتها في الحقول هذه أو غيرها، حيث يطور الباحثون الماركسيون رؤاهم ونظرياتهم استناداً إلى الأرضية التي اشتغل عليها ماركس والقواعد التي أرساها وفي ضوء منهجه، فضلاً عن ضرورة الاستفادة من الكشوفات النظرية والمنهجية والتجريبية في كل حقل من الحقول الإنسانية العلمية التي زاد عددها بحكم توسع التخصصات الدقيقة، نتيجة تراكم المعارف. وفيما يتعلق بعلم الاجتماع، في سبيل المثال، يعرّف البروفيسور دينكن ميشيل صاحب كتاب (معجم علم الاجتماع) كارل ماركس بأنه: "مؤرخ وعالم اجتماعي واقتصادي وسياسي. كان لأفكاره الأثر الكبير في تكوين النظرية الاجتماعية والاقتصادية الحديثة". ويرى: "أن معظم الدراسات الحديثة التي قام بها علماء اجتماع القرن العشرين كان بمثابة تكملة للعمل الأكاديمي الذي شرع به ماركس". عادّاً كتاب (الإيديولوجية الألمانية) المصدر الماركسي الأهم الذي أثر على عقول علماء الاجتماع. لكن علم الاجتماع منذ وفاة ماركس وحتى يومنا هذا افتتح مساحات وتخوماً أوسع بفضل جهود مئات العلماء الذين طوروا مناهج متقدمة في دراسة بنى المجتمعات وعلاقاتها وظواهرها وحراكها وتحولاتها. فالعلوم كافة تبقى حقولاً مفتوحة للإضافة والتصويب والتطوير. وقد لبث الماركسيون يعتقدون لمدة طويلة، وما يزال منهم من يصر على اعتقاده بأن المادية الديالكتيكية هي علم القوانين العامة (الأوحد) للطبيعة والمجتمع والفكر في بنيتها وحركتها.. يقترح المفكر العراقي الدكتور فالح عبد الجبار التخلي عن وهم وجود مادية ديالكتيكية، كاملة، ناجزة، هي الشكل الوحيد والأرقى للمعرفة، ويدعو إلى إطلاع الماركسية وإغنائها وعدم عزلها عن "تيارات العصر الفكرية الكبرى: البنيوية، علم النفس، ما بعد البنيوية، التفكيكية، أو عن مدارس ماركسية هامة مثل مدرسة فرانكفورت أو مدرسة تشومسكي السنديكالية". وذلك كله يتطلب التصدي، بطبيعة الحال، للصعوبات التي تواجه المنهج الماركسي بشقيه (المادي الجدلي) و(المادي التاريخي) من غير مواربة، وتعميقه وتوسيع آفاقه وتعزيز بعده العلمي. وهذا لا يعني بأية حال، الانتقاص من ماركس ونظريته بقدر ما يعني جعل الماركسية علماً حياً يبقى قيد الإنجاز طالما ظل العقل الإنساني يبحث عن الحقيقة التي هي نامية أبداً وزلقة ولها ألف وجه. أما في حقل السياسة فمن غير التعرف على ماركس وفكره يكون عسيراً التعرف على مسار الفكر والفعل السياسيين منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن. فحقل السياسة منذ ذلك الحين مملوء بآثار أقدام ماركس، وما من محطة في السياسة إلا ونقول عنها؛ من هنا مرّ ماركس. فقد فعل فكره في الواقع التاريخي أكثر مما فعل أي فكر آخر في غضون الألف سنة الأخيرة. ولم يخطئ أولئك الذين عدّوه فيلسوف الألفية الثانية بلا منازع. والتجربة الإنسانية التي حصلت، سواء بإيحاء من نظريته، أو بالضد منها لابد من إعادة قراءتها وإعادة تقويمها من منظوره هو، ولكن ليس من منظوره وحده، ذلك أن الفتوحات المنهجية الجديدة في حقول المعرفة المختلفة والكشوفات العلمية التي حصلت خلال أكثر من مائة سنة منذ رحيله يجب أخذه بنظر الاعتبار لأن ماركس لو كان يعيش بين ظهرانينا في هذا العقد الأول من القرن الواحد والعشرين لما أغفل تلك الفتوحات والكشوفات كلها. فالمنظور الماركسي اليوم، لابد أن يتمثل المنظورات التي ظهرت بعد ماركس عبر تمحيص نقدي. ذلك أن ماركس ابتدع مجالاً للفكر يتعاطى جدلياً مع كل ابتكار مضاف، وكل معرفة تنبثق، وكل تحوّل في الواقع، ومن هنا علمية منهجه وموضوعيته. وحتى أولئك الذين دشنوا المعارف والمناهج الجديدة لهم قرابة ما، بهذه الدرجة أو تلك، مع ماركس وفكره، حتى وإن ادّعوا ناكرين للجميل غير ذلك. إن المقاربة الماركسية للعالم قد حوّل العالم حقاً.. إن العالم على الرغم من انحسار الماركسية في الظاهر قد تبدل إلى الأبد مذ قال ماركس كلمته، وما حوّله ليس فقط كلمة ماركس، ولكن من غير ماركس وكلمته لكان العالم اليوم شيئاً آخر، ليس أفضل بالتأكيد. إذ من لجم الوحش الرأسمالي هذه المدة كلها غير ما كشفه وقاله ودعا إليه كارل ماركس؟!. خلّف ماركس تراثاً ضخماً ثرياً، ملتبساً، متناقضاً بعض الشيء، أقله بين ماركس الشاب وماركس (رأس المال)، وبين الجزء الأول من رأس المال والجزء الثالث منه. غير أن مثل هذا التناقض لم يكن يشير إلى تهافت في الفكر بأي شكل بقدر ما كان يعكس حيوية عقل جدلي (تحليلي تركيبي) متقد يتطور إذ ينظر إلى عالم يتغير. عالم عاج بالأضداد، بالصراعات.. عالم غاية في التعقيد، وعلى وشك تحوّل تاريخي جبار، ذلك أن ماركس لم يكن ينظر إلى المشهد من عل، وإنما كان في قلبه.. سعى إلى أن يكون جزءاً منه.. إنه مفكر ومناضل في الوقت عينه.. يؤمن بالفعل ويحرّض عليه، ويساهم في إدارته وتحقيقه بهذا القدر أو ذاك، وفلسفته هي فلسفة البراكسيس (التطبيق العملي/ الممارسة الثورية) ففكره ملتحم بحياته وتجربته. فهو لا يكتفي بالتفسير بل يرمي إلى تحويل العالم من حوله. وقد ترك ماركس نظرية ناقصة، لا لأنه لم يستطع إكمالها، بل لأنه كان محكوماً بشرطه البيولوجي ــ حتمية الموت ــ إن حياة فرد واحد قصيرة جداً إذا ما كان يضطلع بمهمة فكرية ضخمة مثلما كان شأن ماركس.. فالنظام الرأسمالي الذي نذر ماركس حياته لدراسته، يقوم على أربعة عناصر مترابطة عضوياً، مثلما يقول الدكتور فالح عبد الجبار "هي الرأسمال، والدولة، والسوق العالمي، والتجارة الدولية. فمعمار العالم كما أشادته الرأسمالية، هو رباعي المرتكزات. إنها تشكيلة كونية"، وبحسب ملاحظة الدكتور فالح فإن ماركس لم يستطع "دراسة هذه المنظومة الرباعية كلها" والآن أيضاً "لا الرأسمالية توقفت، وما كان لها أن تتوقف، عند حدود حياة ماركس، ولا بقي المنهج الذي درس به الظاهرة (كأدوات تحليل واستبطان) على حاله... ما بقي ثابتاً هو ضرورة نقد الرأسمالية، المستمر، الدائم المتغير (تبعاً للظروف) والبحث عن إمكانات تجاوزها انطلاقاً من تطورها هي بالذات، لا من تمنيات مصلح أو طوباوي". العالم بحاجة إذن إلى أكثر من ماركس من أجل فهم حركة الحياة (التي تطبعها اليوم الرأسمالية بطابعها) ومآلها من المنظور الذي ارتآه ماركس، وعبر المنهج الذي اختطه، مع إثرائه وتطويره.. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو: هل نكتفي من الماركسية الآن بما يقوله الماركسيون الآن، بعد أن طرح تطور الواقع الموضوعي كثراً من المفاهيم والتصورات والتنظيرات السابقة التي أثبتت فسادها أو محدوديتها أو نسبيتها؟ أم أنها تركيبة نظرية متشعبة ومتنافرة مما قيل قبلاً من قبل الماركسيين منذ أنجلس وكاوتسكي ولينين وتروتسكي وستالين وما يقال الآن؟ وماذا عن فكر ماركس نفسه؟. أعتقد، أن أي ماركسي جديد سيواجه معضلة التعامل مع هذا المتراكم من التراث الفكري الذي خلفه ماركسيو العالم عبر أكثر من قرن منذ وفاة ماركس، لكنه بالمقابل سيكون محظوظاً لأنه سيجد في متناوله الأسس النظرية والمنهج والأهم هذه التجارب كلها التي استلهمت نظرية ماركس بنجاحاتها وإخفاقاتها.. بتفاصيلها كلها.. إن أي ماركسي جديد سيكون ملزماً بتقويم تجارب الفكر والممارسة أيضاً التي تسمت بالماركسية. ومن غير أن تفقد الماركسية هويتها ورسالتها الاجتماعية.. يقول هربارت ماركوز في مستهل الفصل الأول من كتابه (الماركسية السوفياتية): "تستدعي البنية الجدلية للنظرية الماركسية أن تتغير مفاهيمها كلما تحولت العلاقات الطبقية الأساسية التي تريد هذه المفاهيم أن تعبّر عنها، لكن بصورة يمكن معها الحصول على المضمون الجديد عن طريق تطوير العناصر الملتحمة بالمفهوم الأصلي. وبذلك يحافظ المفهوم على انسجامه النظري بل على هويته". ضاع ماركس بين ركام التأويلات والاجتهادات.. صارت عندنا ماركسيات لا تعد ولا تحصى.. تشظت النظرية، مثل النظريات والعقائد الكبرى في التاريخ كلها، وتعددت، حتى بات نافلاً التساؤل؛ من هو الماركسي الشرعي؟؟ وما هي الماركسية التي أرادها ماركس؟ وقد تساءل أحد المفكرين فيما إذا كان ماركس نفسه ماركسياً!!. إن اختلاف الماركسيين لم يتأت من اختلاف الأمزجة أو نتيجة البطر الفكري، وإنما فرضته تعقيدات الحياة السياسية والاقتصادية في القرن العشرين. والتطور الهائل الذي حصل مع القوى الإنتاجية، ومقدرة الرأسمالية على التكيف مع أزماتها وتناقضاتها وإفصاحها عن مرونة عالية في تغيير وسائلها وأساليبها لتذليل معضلاتها بكفاءة.. ليس من حق، حتى ماركس نفسه، افتراضاً، لوم الماركسيين الذين أعادوا صياغة النظرية على وفق معطيات السياق التاريخي الذي عاشوا فيه، وبتأثير من موجهاتهم ومصالحهم وأهدافهم، وبطبيعة الحال ليس من منطلق تسويغ تخريجاتهم، بل عبر وضعها على مشرحة النقد وتسليمها لمبضعه. ولو كان ماركس اليوم حياً فبالتأكيد لقال شيئاً مختلفاً، واستناداً إلى هذه الفرضية علينا أن ننظر إلى إرثه ونقوّمه واضعين إياه في سياقه التاريخي.. وإذن: هل يُسمح لنا أن نفرّق بين ماركس والماركسية؟ هل يجوز منهجياً أن نستعير تفرقة محمد أركون، وهو يدرس تاريخ الفكر الإسلامي، بين الظاهرة القرآنية (القرآن والحاشية النبوية عليه) وبين الظاهرة الإسلامية، أي كل ما كُتب عن الإسلام، فيما بعد، ونحن بصدد تناول ماركس والماركسية؟. أو بمعنى؛ هل لنا أن نعيد صياغة سؤالنا الأول أعلاه على النحو التالي؛ هل يجوز أن نقول بالتفرقة بين ما كتبه ماركس وأنجلس من جهة (ظاهرة ماركس) وبين التراث الماركسي كله (الظاهرة الماركسية) الذي أنجزه ألوف من الباحثين والمفكرين والمعقّبين والمعلّقين المستلهمين فكر ماركس، طوال أكثر من قرن من الزمان، ذلك التراث المتشعب الواسع والمتعدد التوجهات؟ ثم، بم تُفيدنا مثل هذه التفرقة؟. مع الإشارة بطبيعة الحال إلى أن هذا التقابل، في الاستعارة من أركون، افتراضي للاختلاف البنيوي والوظيفي بين فضاء النظريتين (الماركسية والإسلامية). وإذا كان مقصد أركون هو تفكيك الظاهرة الإسلامية ونقدها من دون المساس بالظاهرة القرآنية فإن الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بماركس والماركسية، فكلا الظاهرتين يجب تناولهما نقدياً وتفكيكهما في ضوء الوقائع المستجدة على الساحة العالمية، في عصر العولمة هذا. وباستخدام الأدوات المنهجية العلمية التي تساعدنا في الوصول إلى أوضح وأدق رؤية ممكنة، أو إلى أفضل تقويم ممكن. نعرف أن النص بمجرد أن يُكتب ويُنشر يغدو ملك الآخرين، وأما فهم الآخرين فلابد أن ينال من براءة النص.. من صفائه.. إن نصاً طويلاً معقداً متشعباً وغير مكتمل مثل (رأس المال) في سبيل المثال لابد أن يفضي إلى تفجر دلالات هائل فيما بعد. وكل أولئك الذين قرأوه من أنجلس وكاوتسكي ولينين وبليخانوف وروزا لوكسمبورغ وتروتسكي وستالين وحتى لوكاش وغرامشي وغارودي وألتوسير وماركوز وهابرماس وآخر متيم بماركس له الحق في أن يفهم ويؤول كما يشاء. هذا لن يحمِّل ماركس المسؤولية، ولن يستحق من يؤول على فهمه وتأويله الإدانة، من غير إعفائه، بطبيعة الحال، من التعرض للنظر النقدي الحاد. ويبقى النبع هو ماركس الذي يغري دوماً بالعودة إليه والاغتراف منه. وقوة نص ماركس هي في حضوره، في إمكانية استعادته دوماً، في قدرته على التسلل والتأثير حيثما يكون الأمر موجباً. وقد يقول قائل أن النبع يتلوث من فرط ما يلقى فيه ويؤخذ منه حتى يغدو من العسير أو من المستحيل تنقيته. بمعنى أننا في هذا المقام لن نستطيع قراءة ماركس مع نسيان أطروحات جيش الماركسيين ومنتقديهم طوال أكثر من قرن. والسؤال؛ هل يجوز بأية حال، العودة إلى ماركس وإغفال كل ما قيل عن فكره في ما بعد لاكتشافه؟ هل من الممكن أو الضروري استبعاد أنجلس وكاوتسكي وبليخانوف ولينين وستالين وبوخارين وكل أولئك الذين استلهموا ماركس وأخلصوا لفكره، أو أساؤوا إليه، كل على طريقته؟. ثم كيف لأي أحد يرغب في إعادة قراءة ماركس أن يتخلص من عوالق قراءاته للماركسية بتراثها الهائل، المعقد، والمتناقض؟ وكيف له أن يجزم بأنه لن يقع في أسر الفرضيات والتحيزات والقناعات والتأثيرات اللاواعية والواعية التي حكمت قراءات الماركسيين لماركس قبله؟. إن رهان المفكر الماركسي في راهننا هو في تقمص ماركس، عقلاً وروحاً، رؤية ومنهجاً، وجعله يتكلم كما لو كان حياً بيننا الآن. والماركسي الحق هو من يقترب (وإن كان هذا افتراضاً متخيلاً) مما كان سيقوله ماركس لو كان حياً في هذا الوقت. غدت الماركسية شيئاً مستقلاً، منفصلاً عن ماركس نفسه.. الماركسية قبل ماركس إمكانية نظرية ثاوية في رحم الواقع التاريخي اكتشفها ماركس وطوّرها عبر سنوات حياته. وحين توفي، وحتى قبل ذلك، صارت إرثاً مبذولاً للبشرية كلها. وهذه الماركسيات المتفرعة تجعلنا في حيرة من أمرنا للوهلة الأولى. ويغدو السؤال؛ أيها تمثل ماركس حقاً، لا أهمية معرفية له طالما أننا مع نظرية تتصل بمتغيرات الزمان والمكان، وبالوضع المتحول للكائن الإنساني والمجتمعات الإنسانية. وإننا، في الأحوال كلها، لن نستطيع الإقرار بوجود قوانين موضوعية قارة ونهائية لحركة المجتمع والتاريخ برمته لها دقة القوانين الطبيعية اكتشفها ماركس، كما يحلو لبعض أرثوذكسيي الماركسية أن يقولوا جرياً على ما ادعاه ستالين. ولكل من تلك الماركسيات مسوغات وجودها، وشرعيتها بهذا القدر أو ذاك. وقد يبدو غريباً القول أن بعضاً من تخريجات ماركس نفسه هو مقترح واحد لماركسية خصبة لا تكف عن توليد تخريجات أخرى. ولذا لن تكون ثمة ضرورة أو معنى للسؤال إنْ كان ماركس نفسه ماركسياً طالما أنه ضاع بين التأويلات المتباينة والمتنافرة والمتناقضة أحياناً.. كلهم ورثته، لاشك، حتى أولئك الذين اشتطوا وتطرفوا وارتكبوا الفظائع، لكن ماركس في النهاية يبقى بريئاً مما فعله الماركسيون أو المتمركسون أو أدعياء الماركسية. والتاريخ يعلمنا أن العظماء من المفكرين يشمخون هناك، إذ يلقون إفراطاً في التبجيل تارة، وإفراطاً في الذم تارة أخرى.. يُقبلون من بعضهم من غير مساءلة، ويُرفضون من بعضهم الآخر من غير أدنى معرفة.. والنظريات والفلسفات الكبرى عبر التاريخ كانت تلهم القديسين والمفكرين والشعراء والطغاة والضحايا والطيبين والجزارين في الوقت نفسه، والنظرية الماركسية لا تشذ عن هذه القاعدة.. إن التراث الماركسي ليس في ما كتبه الماركسيون فقط، بل ما كتبه منتقدوهم أيضاً ومناوئوهم.. ألسنا كلنا ورثة ماركس من هذا المنظور أيضاً، كما يقول جاك ديريدا؟: "إن المسؤولية ستكون هنا، لمرة إضافية أيضاً، هي مسؤولية التوارث. وإن كل البشر فوق الأرض جميعاً هم اليوم بمعنى من المعاني، ورثة ماركس والماركسية سواء أرادوا ذلك وعلموه أم لا. وهذا يعني أنهم، لنقل هذا في هذه اللحظة، ورثة الفرادة المطلقة لمشروع ــ أو لوعد ــ ذي شكل فلسفي وعلمي". كما أن كل أولئك الذين انتقدوا الرأسمالية والمجتمع البرجوازي، حتى من منطلقات وأسس مختلفة عمّا تقول به الماركسية قد أعانوا ماركس واكملوا مشواره، وكانوا مدينيين له بقدر أو بآخر، أو يمكن القول واقعين في أسره إلى حد ما، وإن جحدوا فضله.. فوكو وهو يماثل إرادة المعرفة بإرادة القوة ويعلمنا "أن كل شيء هو رهن للعبة السلطة، وإن اللغة والجسد هما جزء لا يتجزأ من جهاز تبرير السلطة" وبعد أن تجول فوكو، وعلى حد تعبير فرنسوا دوس "طويلاً في الحدائق المحرمة للثقافة الغربية وفي أعماق مكبوتها ومطموسها لكي يكتشف أصل الجنون والجنس والجريمة والسجن وشروط ظهورها والخطوط الفاصلة بينها وبين ما عداها". وإدوارد سعيد وهو يفضح انشباك السياسي بالمعرفي في خطاب الاستشراق، ويميط اللثام عن موجهات التمركز الغربي بغاياته الإمبراطورية في النص الأدبي الغربي. وديريدا وهو يفكك فكرة تمركز الغرب حول ذاته. وبودرياد وهو يكشف الآليات القمعية لمجتمع الاستهلاك. وهابرماس وهو يسعى لإعادة الاعتبار لمفاهيم الحداثة ومشروعها في مواجهة التخريجات الهدامة لدعاة ما بعد الحداثة. وألن تورين وهو يدعو إلى إعادة اللحمة بين مقولات الحداثة (الذات والعقل والحرية)، والقائمة تطول. إننا في هذه الفوضى العارمة التي تستدرج الناس نحو اليأس والعدمية بحاجة إلى ماركس وأمثاله،وإلى عيون ماركس وعيون أمثاله لنرى، ونراجع مواقفنا، تاريخنا كله، ومن منظور نقدي لا يهادن. المصادر: 1ـ (موجز رأس المال) فردريك أنجلس. 2ـ (معجم علم الاجتماع) دينكن ميشيل. 3ـ مقال (تأملات في الماركسية) الدكتور فالح عبد الجبار. 4ـ (الماركسية السوفياتية) هربارت ماركيوز. 5ـ (أطياف ماركس) جاك ديريدا. جريدة المدى
بوابة:اقتصاد/صور مختارة
بوابة:اقتصاد/اقتصاديات
بوابة:اقتصاد/هل تعلم
بوابة:اقتصاد/بوابات شقيقة
بوابة:اقتصاد/اقتباسات
بوابة:اقتصاد/فروع
علم الاجتماع الاقتصادى .بداية الانفتاح الاقتصادى فى مصر
بوابة:اقتصاد/تصانيف
البوابات الرئيسية: | ||
قارات: |
آسيا | إفريقيا | اوروبا | الأمريكيتين |
|
دول عربية: |
الأردن | الإمارات | تونس | الجزائر | سوريا | العراق | فلسطين | قطر | ليبيا | المغرب | المملكة العربية السعودية | مصر | |
|
[ بوابة المجتمع ] | [ تصفح البوابات ] |