الرئيسيةبحث

اتفاقية كوتاهيه


اجتاحت جيوش إبراهيم باشا ابن محمد على باشا بلاد الشام عام 1831م و تساقطت مدنه الواحدى تلو الأخرى دون مقاومة تذكر؛ حتى المدينة الحصينة عكا التي استعصت على نابليون بونابرت و لم يفلح في اقتحامها نجح إبراهيم باشا في فتحها و كان لسقوطها دوي عظيم.


و مضى الفاتح في طريقه حتى قونيه و كان العثمانيون قد هجروها حين وصلتهم الأنباء بقدوم جيش إبراهيم باشا و لم تبق فيها سوى حامية بقيادة رشيد باشا و كان قائدا ماهر يثق فيه السلطان العثماني، و لم يكن هناك مفر من القتال فدارت رحى الحرب بين الفريقين عام 1832م عند قونيه و لقي العثمانيون هزيمة كبيرة و أسر القائد العثماني و أصبح الطريق مفتوحا إلى القسطنطينية.

كان السبب المعلن لقيام محمد علي بحملته على الشام هو النزاع بينه و بين والي عكا عبدالله باشا الذي رفض إمداد محمد علي بالأخشاب اللازمة لبناء الأسطول و آوى عنده مصريين فارين من الجندية و المتهربين من الضرائب و رفض إعادتهم، و كان السلطان العثماني محمود الثاني يقف وراء النزاع و يعضد والي عكا ضد محمد علي و لم تكن العلاقة بين الخليفة العثماني و واليه في مصر على ما يرام.

رأى محمد علي بنظره العسكري الاستراتيجي الثاقب أهمية سوريا لمصر التي لا رأى أن أمنها لا يتحقق دون فرض سيطرتها على ما رأى أنه امتدادها الجغرافي الطبيعي ناحية الشرق.

فزع السلطان محمود الثاني من انتصارات إبراهيم باشا فلجأ إلى الدول الأوربية لمساعدته لكنها لم تجبه، و أعلنت أنها ترى في النزاع مسألة داخلية يحلها السلطان مع واليه، و ذلك لتختبر مدى الضعف الذي يمكن أن تصل إليه الدولة العثمانية التي كانت في أفول، و ربما للحفاظ على علاقة بمحمد علي الذي كانت يمكن أن تصبح دولته القوة العربية الإسلامية الجديدة في المنطقة. فلجأ الخليفة العثماني إلى روسيا، العدو التقليدي للدولة العثمانية، و التي كان أجداده يجاهدون ضدها، لكي تسانده فاستجابت على الفور إذ وجدت في محنة العثمانيين فرصة لتدعيم وجود روسيا في منطقة نفوذ الدولة العثمانية، فأرسلت قوة بحرية رست في البوسفور و هو ما أقلق كلا من فرنسا و بريطانيا من تدخل روسيا و انفرادها بالمنطقة التي طالما كانت لها أطماع فيها، فتحركت فرنسا و بريطانيا لفض النزاع بين الخليفة العثماني و واليه الطموح، بحيث تسندان وجود الدولة العثمانية لضمان عدم توسع روسيا على حسابها، و لم يكن أمام السلطان العثماني سوى الرضوخ لشروط محمد علي في الصلح، في وقت كان يسيطر فيه إبراهيم باشا على الشام دون مقاومة حيث تقبله أهله؛ فعقد الصلح في مدينه كوتاهيه عام 1833م و اتفق الطرفان على أن تتخلى الدولة العثمانية لمحمد علي عن سوريا و إقليم أدنة و جزيرة كريت و الحجاز و أن يكون حكم مصر له و ولده من بعده، في مقابل جلاء جيشه عن الأناضول.

لم يكن صلح كوتاهيه سوى هدنه قبلتها الدولة العثمانية على مضض و كانت تعد لنقضه و استرداد ما انتزعه محمد علي.