أسعد قلادة هو مخرج تلفزيوني، اميركي من اصل عربي مواليد 1941، القاهرة. شكلت مسلسلاته التلفزيونية زائرا يوميا لأجيال من الاميركيين منذ أكثر من ربع قرن. وصبغ بإبداعة اسلوبا خاصا ميز مسيرته في عالم هوليوود. [1]
درس في الجامعة الاميركية، القاهرة، على يد المخرج العربي يوسف شاهين الذي شجعه على السفر لاكمال دراسته في الولايات الاميركية.
فهرس
|
اخرج العديد من المسلسلات الاميركية التي حققت نجاحات باهرة منذ سبعينيات القرن العشرين. من المسلسلات التي اخرجها مسلسل "رودا" الكوميدي (1976-1978) الذي حقق نجاحا طيبا وكان باكورة اعماله، "اذاعة (دبليو كي آر بي) في سينسيناتي" الكوميدي (1978-1982)، مسلسل "هوز ذا بوس" العائلي (1984-1990) والذي اخرج منه قلادة 117 حلقة وحقق رواجا عظيما، بالاضافة إلى مسلسل "الجميع يحب ريموند" الكوميدي (2000-2001). وفاقت المسلسلات التلفزيونية التي اخرجها او كتبها واخرجها 25 مسلسلا كوميديا، وخمس مسلسلات عائلية، مسلسلين رومانس، زد عليها الافلام الوثائقية، وذلك منذ 1976 وحتى 2007.[2]
طريق طويل وشاق قطعه قلادة ليصل إلى ما وصل اليه، فبعد انهائه بكالوريوس الاخراج، في الجامعة الاميركية في مصر، وصل إلى كلية الدرامى في جامعة "يال" ليحصل على ماستر في ثلاث سنوات. لم يكن همه البقاء في الولايات المتحدة. لكن شيء في الولايات الاميركية يدفع الكثيرين إلى البقاء: ربما الطموح الذي ليس له حد، ربما الفرص الكثيرة، ربما "الاستلاب" إلى تلك البلاد التي تسحر عن بعد وتدهش عن قرب.
وقرر قلادة البقاء، وكان عليه ان يجد عملا في مجال اختصاصه كي يسمح له بالبقاء من جهه وكي تستقر احواله المادية من جهة اخرى ليتفرغ إلى البحث عن حلم غائم لم يحدد ملامحه بعد. وقُبل استاذا لتاريخ المسرح في كلية في ضيعة نائية في اوهايو، "كانت كلية صغيرة جدا جدا". ويصف قلادة تجربته في تلك الكلية المتواضعة، وهو الآتي من الجامعة الاميركية في القاهرة إلى جامعة يال وهي من الاكثر بريستيجا في العالم إلى تلك القرية التي ربما لم يسمع بها احد، بكليتها المندمجة في تلك القرية التي لصغرها ينقسم الطلاب فيها قسمين يتناوبان على الدراسة والعمل في الحقل: يقول ممازحا "يتحدثون عن صدمة الثقافة عند انتقال المرء من بلد إلى آخر، لم اصب بها عند مجيئي إلى الولايات المتحدة، واصبت بها عند انتقالي من (يال) إلى تلك القرية النائية".
كان على قلادة ان يواجه الواقع وأن يكمل السنة الدراسية هناك، في مكان لم يرق له. لكن تلك التجربة التي جفل منها بداية تحولت إلى اغنى التجارب في حياته واكثرها إلهاما. وبدل سنة واحدة امضى اربعة سنوات في التدريس اخرج خلالها مسرحيات لشكسبير ومسرحيات اخرى وراكم تجارب فريدة مع مجموعة لا تتكرر من طلاب طموحين.
ودعي إلى مدينة سان دياغو لمؤتمر للمسرح. ووجد فرصة عمل هناك وقبلها. كان يقترب شيئا فشيئا من سدرة المنتهى، هوليوود في لوس انجلوس. هو يقترب من مدينة احلام كل مخرج، لكن حتى تلك اللحظة، دون هدف محدد، "كنت مازلت لا اعلم ما الذي علي فعله، او ما يجب ان افعله كي اكون مميزا، كي اجد مكانا لي بين المبدعين، كنت اقترب شيئا فشيئا من هدفي الذي اصبو اليه، لوس انجلوس، فمن كينيتيكيت إلى اوهايو ثم سان دياغو..نعم.. كان لا بد ان اصل إلى هوليوود". درس في سان دياغو ثلاث سنوات، اخرج خلالها مسرحيات، من بينها مسرحية حققت نجاحا وعُلق عليها في الـ"لوس انجلوس تايمز"، عندها احس بأن "هوليوود بانتظاهره". فشد الرحال على ظهر سيارته واناخ بها في لوس انجلوس. حمل معه خبرة اخراج مسرحي بلغت 30 مسرحية، تدريس مقداره ست سنوات، وشهادة ماستر في الاخراج.
في لوس انجلوس، اراد ان يبلغ مرحلة جديدة. توجه حيث لم يكن لدية خبرة، إلى الاخراج التلفزيوني. لكنه اصبح لامرئيا "بين العمالقة" وذابت نجاحاته بين الابداعات الباهرة. الا ان قلادة لم ييأس. وجد عرضا تلفزيونيا حيا، وهو اشبه شيء في الاخراج المسرحي، ووجدها فرصة ليتعلم شيئا عن الاخراج للتلفزيون. نُصح ان يجلس ويشاهد. فجلس وشاهد. اعتقد ان الامر سيستغرق شهورا ومرت أول سنة. اشتغل في التدريس على امل ان يطيل بقاءه بين المتنافسين. امضى كل وقته، بعد الدوام، في مشاهدة عروض الاخراج والتمثيل في "سيدكوم".
تعلم قلادة بصمت، بعيونه فقط، دون ان يتسنى له ربما السؤال. فهو ليس على مقاعد الدراسة وانما في حضرة عروض حية، تخرج وتمثل وتصور امام الناس. ومرت السنة الاولى، ثم الثانية، فالثالثة..الخامسة ومازال مبدعنا يجلس في نفس المكان في آخر مدرج المشاهدين، يشاهد بصمت ودون اي بارق امل يرشده، او يجيب عن سؤاله الذي لم يجد له جوابا منطقيا "ماالذي افعله هنا في هذا المكان، كل هذا الوقت؟" "ماهو الهدف الذي أريد ان أصل اليه؟". صدقا، ماالذي يجعل فتى كأسعد قلادة يمضي كل تلك السنين منتظرا يدرّس بصمت في اوهايو، وسان دياغو، ويحلم بلوس انجلوس، وقد صار، الآن، فيها، فما الذي يريده؟
لكن المخرجين هناك، وبعد رؤيته كل ذلك الوقت، جالسا منظرا، منحوه فرصة اخراج مقطع. ويعلق على الامر بأنهم "بعد كل هذي السنوات، تأكدوا من جديتي ومنحوني فرصة". كان اسبوعا حرجا عليه ذلك الذي اخرج فيه مقطعا من مسلسل "رودا". وضع قلادة كل ما تعلمه من اخراج وتعليم وتعلم ومشاهدة في ذلك العرض. كانت لحظة انتظهرها لخمس سنوات بصبر واصرار.
حقق العرض نجاحا ولاقى استحسان الجمهور. وكما يتباهى المهاجرون إلى الولايات المتحدة بنجاحهم ويقيسونه بعدد "البزنس" الذي يمتلكونه، ويرددون لكل عابر يلقي السلام عليهم تفاصيل نجاحهم، يتباهى اهل لوس انجلوس من المخرجين بعدد المسلسلات او الافلام التي يخرجونها او يكتبونها، ويردون تحية "كيف حالك" بالتحدث عن آخر عمل فني لهم للتدليل على انهم "بخير". وكان قلادة لا يملك، في هوليوود، ما يدلل على انه "بخير"، الا بعد ان انتج ذلك المقطع من "رودا". فأصبح يرد التحية التي تقى عليه "بأنني اخرجت للتو مقطعا من مسلسل تلفزيوني".
عندها، تتالت النجاحات وبدأت مسيرته الفعليه في بناء اهرام شهرته على طول الولايات المتحدة من خلال القصص التي كتبها او اخرجها. "هوليوود ليست المدينة التي تراها وتنزل فيها فهي جماليا اقل المناطق جاذبية في لوس انجلوس.. لكنها حالة ذهنية، تعني النجاح". ينطلق قلادة في حديثة على هويته العربية بالتأكيد عليها: "على المرء ان لا ينسى من اين اتى". ويصب خبرة سنوات طويلة في جملة لكل طامح للنجاح "كن نفسك، ولا تحاول ان تلبس لباسا غير لباسك حتى ترضي الآخرين، اقنعهم بأن هويتك هي التي جعلتك "انت" وليس "غيرك". اصبر وثابر، فالنجاح لا يقبل الينا، بل في الغالب، نحن من يبحث عنه".[3]