الأرمن في مصر
للأرمن تاريخ طويل في مصر، على الرغم من أن عددهم فيها حاليا في تناقص، و هم إلى جانب الأرمن في سورية و لبنان و أوربا و أستراليا و روسيا يشكلون أرمن المهجر اليوم.
فهرس |
وجود الأرمن في مصر جيد التوثيق، بالذات فيما يلي الغزو العربي الذي شارك فيه أرمن مستعربون مسلمون. فنجد أن وردان (ڤارتان) الرومي (الروم كما عرفهم العرب هم مسيحيو الأناضول) أسس سوقا في الفسطاط عرف باسم سوق ڤارتان. كما نجد في العصر العباسي أن شجاعة الأمير الأرمني علي بن يحيى الذي كان "محنكا في فن الحرب" كما امتدحه المؤرخ الوسيط ابن تغربردي.
كان هذا زمن ازدهار للأرمن الذين تمتع مجتمعهم في مصر بحريات تجارية و ثقافية و دينية، فزادت أعدادهم بتوافد المزيد منهم من سورية و سائر الشام هروبا من تقدم السلاجقة االمستمر ناحية الغرب في النصف الثاني من القرن الحادي عشر.
أسر آلاف من صغار و شباب الأرمن إبان غزو مملكة كيليكيا ما بين عامي 1266 و 1375، و جلبو إلى مصر كعبيد مملوكين، فشُغِّلوا في الزراعة و الحِرَف، و اقتيد الصغار منهم إلى معسكرات الجند ليدربوا حسب التقليد المملوكي و عملوا فيما بعد في الجيش و القصر.
في بداية القرن الرابع عشر حدث انشقاق في الكنيسة الأرمنية مما استدعى البطريرك سارجيس المقدسي إلى استصدار فرمان من السلطان الملك الناصر ليدخل الأأرمن المقيمين في الأراضي التي يحكمها المماليك تحت سلطة بطريرك الأرمن في القدس، كما يذكر المؤرخ أرمن كريديان، كما سمح للأرمن المنشقين الذين جائوا بممارسة شعائر دينهم بحرية و كانت سلطة البطريرك على المجتمع الأرمني واسعة ، كما أمدت الكنائس و من يخدمونها بالتبرعات السخية للرعية.
شهد عصر محمد علي (1805-1849) وفودا واسع النطاق للأرمن إلى مصر، حيث استعان بهم محمد علي في وظائف حكومته لأنهم كانوا أكثر معرفة و تعليما من المصريين في ذلك الوقت، كما شهد عصر محمد علي بناء كنيستين للأرمن، واحدة للأرمن الأرثودكس و الأخرى للأرمن الكاثوليك. كان بوغوس يوسفيان (1768-1844) بنكيا أرمنيا و رجل تجارة كما كان مسؤلا عن ديوان التجارة عام 1819 إلى جانب إدارة أعمال تجارية لأخرى لمحمد علي. في 1876 تولى الأرمني نوبار نوباريان (1825-1899) منصب أول رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديثة. بلغ تعداد الأرمن في مصر عام 1917 12،854.
تعتبر مذابح الأرمن التي بدأت في 24 أبريل 1915 علامة فارقة في تاريخ الجالية الأرمنية في مصر التي تلقت أعدادا كبيرة من اللاجئين من المذابح العرقية التي قام بها جيش العثمانيين، فزادت أعدادهم في مصر حتى وصلت ذروتها في فيما يظهره إحصاء 1927 من أن عددهم كان 17،188 يتركز أغلبهم في القاهرة و الإسكندرية (الإمام، 1999 و 2003). تمكن الأرمن من التوافق مع حياتهم .
بنهاية القرن التاسع عشر كانت الجاليات الأرمنية خارج الإمبراطوريتين العثمانية و الروسية قد اندمجت في مجتمعاتها و تم تمثيلها دينيا و ثقافيا، فيما عدا في مصر و إيران.[1]
بعد حركة الجيش في 1952 و إنتهاء الملكية و تزايد التوجه الاشتراكي للنخبة الحاكمة آنذاك و بالذات من بعد 1956 بتشريع حزمة من القوانين الاشتراكية و بدأ تأميم المؤسسات الخاصة و نزع الملكيات، و في ظل حقيقة أن أغلب الأرمن في ذلك الوقت كانوا يعملون في القطاع الخاص و يملكون أعمالهم و مؤسساتهم التجارية من مختلف الأحجام و يحتكرون حرفا و أنشطة تجارية معينة، كان تأثير السياسات و التشريعات المستجدة عليهم كبيرا، و رأى كثيرون منهم أنهم مهددين فآثر كثيرون منهم الهجرة إلى الغرب، مما أدى إلى تناقص أعداد الأرمن في مصر منذ ذلك الوقت.
إبان 1950 تواجد أكثر من نصف الأرمن في الأماكن المكتظة في قلب العاصمة بالقرب من كنائسهم و مدارسهم و نواديهم و أسواقهم، فاعتبرت منطقتا بين السورين و درب الجنينة منطقتين أرمنيتين في النصف الأول من القرن العشرين. بينما في النصف الثاني من القرن العشرين بدأ الأرمن ينتقلون للسكن في ضواحي مدينة القاهرة مثل هليوبوليس و النزهة و المعادي و حلوان، و تعتبر هليوبوليس حاليا مكان تركز أغلب الأرمن في القاهرة.
معظم الأرمن المصريين المقيمين في مصر حاليا مولودون فيها و مواطنين مصريينن و بالنسبة لهم فأرمينيا ليست سوى تراث فلكلوري و ممارسات ثقافية يسلمها كل جيل للجيل الذي يليه، فالأرمن مصريون كاملون مع إرث ثقافي إضافي. و توجد حاليا جالية صغيرة عددها حوالي 8،000 نسمة تعيش في القاهرة و الإسكندرية (قبيل 1952 كان عددهم 60،000 في مصر).
تعمل اليوم مؤسسات مثل النوادي و المدارس على تأصير الروابط بين الأرمن المصريين و المحافظة على تراث أجدادهم، كما تلعب الكنيسة الأرمنية دورا هاما في ذلك. و بالرغم من هذه الجهود فإن كثيرا من الأرمن المصريين من الأجيال الأصغر (و هم في الغالب نتيجة زيجات بين الأرمن و غيرهم من المصريين، سواء مسلمين أو مسيحيين) لا يتحدثون اللغة الأرمنية أو يذهبون إلى المدارس الأرمنية و ليسوا على اتصال بمجتمع الأرمن. و على غير الجاليات الأرمنية في سورية و لبنان فإن الأرمن المصريين لا ينخرطون في السياسة الداخلية، مثلهم مثل معظم المجتمع المصري حاليا الذي انكمشت مشاركته السياسية تدريجيا منذ الربع الأخير من القرن العشرين. تعتبر الكنيسة الأرمنية في مصر، و هي تحت رئاسة المقدس إتشميادزين، الحافظ لممتلكات الأرمن في مصر من ضيع و عقارات و أراضي زراعية وقفت لها عبر أجيال من العمل الخيري.
يعمل الأرمن في مصر في القطاع الخاص كرجال أعمال ناجحين و حرفيين مهرة (خصوصا كصائغين) و أطباء (فيما مضى). منذ بداية القرن التاسع عشر توافد الأرمن على مصر جالبين مهارات في مجال الأعمال و التجارة و اللغات الأجنبية
تدير الجالية الأرمنية مؤسستين خيريتين هما اتحاد الصليب الأحمر الأرمني و الاتحاد الخيري الأرمني [1]، و مؤسسة ثقافية هي اتحاد هوسابير الثقافي، و للجالية أربع نوادي اجتماعية في القاهرة و اثنان في الإسكندرية بالإضافة إلى ثلاث نوادي رياضية في القاهرة و اثنان في الإسكندرية. كما تدير أيضا ملجأ للكبار و أنشطة متنوعة للصغار تشمل فريقا للرقص هو زانكزور و كورالا هو زيڤارتنوتس و كورلا للأطفال هو دزاغجسدان.
تصدر اليوم صحيفتان يوميتان و مطبوعة أسبوعية باللغة الأرمنية. صحيفة هوسابير اليومية التي ملكها حزب تاشناق تأسست عام 1913، و الصحيفة اليومية أريڤ التي أسسها حزب رامجاڤار عام 1915، بينما المطبوعة الأسبوعية تشاهاجير أسساها حزب هنتشاج عام 1948.
تأسست أول مدرسة أرمنية في مصر عام 1818 و هي مدرسة يغيازاريان الدينية في منطقة بين السورين و نقلت عام 1854 إلى درب الجنينة و تغير اسمها إلى خورنيان على اسم المؤرخ الأرمني موڤسيس خوريناتسي، و في عام 1904 نقل رجل الأعمال بوغوس نوبار المدرسة إلى بولاق، و في 1907 أسس مدرسة كالوسديان ڤارجان الأرمنية التي ضمت أيضا روضة أطفال و التي بقي منها اليوم مبنى واحد و ساحة في شارع الجلاء في وسط القاهرة.
أسس ثاني المدارس الأرمنية في مصر في 1890 بوغوس يوسفيان في الإسكندرية. أحدث المدارس هي المدرسة الأرمنية في هليوبوليس التي تأسست عام 1925 بتبرع من بوغوس نوبار. تدعم الكنيسة الأرمنية في مصر ست مدارس جزئيا. كما سمكن لخريجي المدارس الأرمنية الالتحاق بالجامعة المصرية بعد اجتياز اختبار الثانوية العامة.
الأرمن المصريون إما أرثودوكس (جريجوريون) أو كاثوليك و هم يشكلون أغلبية الأرمن المصريين، توجد أربع كنائس في القاهرة و واحدة في الإسكندرية: