الرئيسيةبحث

أبو حيان التوحيدي

أبو حيان التوحيدي أديب وفيلسوف عربي عاش في بغداد في القرن الرابع الهجري

قبل أن نعرف بأبي حيان التوحيدي؛ نرى أنه من المهم أن نيشير إلى أن ما وصلنا من المعلومات عن أصله ومولده ونشأته ووفاته قليل ومضطرب, وأن الأمر لا يعدو أن يكون ظنا وترجيحا؛ أما اليقين فلا يكاد يتجاوز ما ذكره أبو حيان عن نفسه في كتبه ورسائله. ولعل هذا راجع إلى تجاهل أدباء عصره ومؤرخيه له؛ ذلك الموقف الذي تعجب منه ياقوت الحموي في معجمه الشهير معجم الأدباء, مما حدا به إلى التقاط شذرات من ما كتبه التوحيدي عن نفسه وتضمينه في ترجمة شغلت عدة صفحات, ربما أراد بها التبيه على فضل هذا العلم الفذ, والتأكيد على مقامه الرفيع ولو بصورة غير مباشرة.

فهرس

اسمه وكنيته

هو علي بن هاها محمد بن العباس التوحيدي البغدادي, كنيته "أبو حيان", وهي كنية غلبت على اسمه فاشتهر بها حتى أن ابن حجر العصقلاني ترجم له في قسم الكنى, وأورد اسمه مسبوقا بإحدى صيغ التمريض حيث قال: (قيل اسمه علي بن محمد بن العباس ...) .

مولده ووفاته

كانت ولادة أبي حيان في بغداد سنة 310 هجرية؛ أما وفاته فكانت في شيراز سنة 414 هجرية وفي هذين التاريخين خلاف؛ والمقطوع به أنه كان حيا سنة 400 هجرية حسب ما تفيد به بعض رسائله.

ومما يروى عن بعض أصحاب أبي حيان أنه لما حضرته الوفاة كان بين يديه جماعة من الناس فقال بعضهم لبعض: (اذكروا الله فإن هذا مقام خوف وكل يسعى لهذه الساعة) ثم جعلوا يذكرونه ويعظونه, فرفع أبو حيان رأسه إليهم وقال: (كأني أقدم على جندي أو شرطي! إنما أقدم على رب غفور) ومات من ساعته.

أصله ونسبته

أما أصله فقيل هو من شيراز وقيل من نيسابور وقيل من واسط والراجح أنه عربي الأرومة.

وأما نسبته إلى التوحيد, فقيل سببها أن أباه كان يبيع نوعا من التمر العراقي ببغداد يسمى هذا النوع بـ"التوحيد" وعليه حمل بعض شراح ديوان المتنبي قوله:

يترشفن من فمي رشفات ** هن فيه أحلى من التوحيدِ

وقيل: يحتمل أن يكون نسبة إلى التوحيد الذي هو جوهر الإسلام الدين؛ لأنه معتزلي وـالمعتزلة يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد ومن من مال إلى هذا الرأي ابن حجر العسقلاني نقله عنه جلال الدين السيوطي, وقال اابن خلكان في وفيات الأعيان بأنه لم يقف على هذه النسبة (يعني إلى التوحيد) في شيء من كتب الأنساب العربية.

نشأته وسماته

في عائلة من عوائل بغداد الفقيرة؛ نشأ أبو حيان يتيما, يعاني شظف العيش ومرارة الحرمان؛ لا سيما بعد رحيل والده, وانتقاله إلى كفالة عمه الذي كان يكره هذا الطفل البائس ويقسو عليه كثيرا.

وحين شب أبو حيان عن الطوق امتهن حرفة الوراقة, ورغم أنها أتاحت لهذا الوراق الشاب التزود بكم هائل من المعرفة جعل منه ثقافة مثقفا موسوعة موسوعيا؛ إلا أنها لم ترضِ طموحه ولم تقم بتلبية حاجاته, مما جعله يتجه إلى وجهة أخرى, فاتصل بكبار متنفذي عصره من أمثال ابن العميد وـالصاحب بن عباد وـالوزير المهلبي غير أنه كان يعود في كل مرة صفر اليدين, خائب الآمال, ناقما على عصره ومجتمعه.

وباختصار: كانت حياته إحباطات دائمة, وإخفاقات متواصلة؛ انتهت بهذا العبقري إلى غاية اليأس فأحرق كتبه بعد أن تجاوز التسعين من العمر, وقبل ذلك فر من مواجهة ظروفه الصعبة إلى أحضان التصوف.

ولعل سر ما لاقاه أبو حيان في حياته من عناء وإهمال وفشل يعود إلى طباعه وسماته؛ حيث كان مع ذكائه وعلمه وفصاحته واسع الطموح, شديد الاعتداد بالنفس, سوداوي المزاج, إلى غير ذلك من صفاته التي وضعت في طريقه المتاعب وحالت دون وصوله إلى ما يريد.

سيرته العلمية

حين نتحدث عن أبي حيان التوحيدي فنحن إنما نتحدث عن شخص متميز؛ سواء من حيث المخزون المعرفي الهائل والذي وسم شخصيته بالموسوعية, أو من حيث امتلاكه لقلم سيال يبهرك بأسلوبه الأنيق ، وبحذاقته في التعامل مع اللغة وتوظيفها في خدمة ما يرمي إليه.

وفي ما يلي سنلقي بجانب من الضوء على السيرة العلمية لهذا الكاتب المبدع.

مصادره العلمية

عمله بالوراقة==

شكل عمل أبي حيان التوحيدي ردحا كبيرا من حياته في نسخ الكتب وبيعها رافدا أساسيا من روافده المعرفية؛ فقد جعلته القراءة المستمرة لما ينسخ بحكم حرفته على اتصال دائم بثقافة عصره, وعلى وعي كبير أيضا بنتاجات العصور السابقة في مجالات الفنون والعلوم والآداب, على أن أبا حيان كثيرا ما تذر من ذه المهنة في كتبه.

شيوخه

من بين من تتلمذ على يدهم أبو حيان التوحيدي:

أبو سعيد السيرافي ، أخذ عنه النحو والـتصوف ، وـأبو زكريا يحيا بن عدي المنطقي أخذ عنه الفلسفة, وـعلي بن عيسى الرماني, أخذ عنه اللغة وـعلم الكلام ، وـأبو حامد المروذي أيضا.

ونقل شمس الدين الذهبي عن ابن النجار قوله:

(سمع جعفرا الخلدي، وأبا بكر الشافعي، وأبا سعيد السيرافي، والقاضي أحمد بن بشر العامري) .

وغيرهم الكثير, فقد كان ملازما لمجالس الفكر والأدب والفلسفة وسواها من علوم عصره, حريصا على الاتصال بأدباء عصره وعلمائه ومثقفيه.

تلاميذه

نقل الذهبي في سيره عن ابن النجار قوله:

(روى عنه: علي بن يوسف الفامي، ومحمد بن منصور بن جيكان ، وعبد الكريم بن محمد الداوودي, ونصر بن عبد العزيز الفارسي، ومحمد بن إبراهيم بن فارس الشيرازيون ) انتهى.

ثم عقب الذهبي بقوله:

(قلت: قد سمع منه أبو سعد عبد الرحمن بن ممجة الاصبهاني، وذلك في سنة أربع مئة، وهو آخر العهد به).

مؤلفاته

ترك أبو حيان التوحيدي خلفه إرثا نفيسا تزهو به المكتبة العربية في مجالات متعددة منها الأدب والأخبار والفلسفة والتصوف واللغويات.

وفي ما يلي إشارات عجلى لبعض تلك النفائس:

الإمتاع والمؤانسة

كتاب الإمتاع والمؤانسة من الكتب القيمة الجامعة وإن غلب عليه الطابع الأدبي.

وهذا الكتاب هو ثمرة لمسامرات سبع وثلاثين ليلة نادم فيها الوزير أبو عبد الله العارض أبا عبد الله العارض.

وبالإضافة إلى قيمة الكتاب الأدبية, هو أيضا يتفرد بنوادر لم يوردها غيره كما يكشف –وعلى امتداد ثلاثة أجزاء ضخمة- عن بعض جوانب الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية لتلك الأيام.

البصائر والذخائر

يعد كتاب البصائر والذخائر موسوعة اختيارات ضخمة ؛ حيث تقع في عشرة أجزاء, انتخبها أبو حيان من روائع ما حفظ وسمع وقرأ.

وقد بلغ تعداد اختيارات الكتاب سبعة آلاف وتوتسعا وسبعين اختيارا حسب النسخة المطبوعة منه بتحقيق الدكتورة وداد القاضي وهي تسعة أجزاء فقط .

والكتاب لا يقتصر على الاختيارات ولا تكمن قيمته فيها بحسب, بل مما يزيد قيمته ما أضافه التوحيدي إلى تلك الاختيارات من آراء وتعليقات حملت الكثير وكشفت عن الكثير..

الصداقة والصديق

كتاب الصداقة والصديق كتاب آخر يكشف عن موسوعية أبي حيان وتبحره, وهو كتاب لا غنى لمحب الأدب عن مطالعته.

ومما قاله أبو حيان في الكتاب متحدثا عن نفسه:

(فلقد فقدت كل مؤنس وصاحب، ومرافق ومشفق، ووالله لربما صليت في الجامع، فلا أرى جنبي من يصلي معي، فإن اتفق فبقال أو عصار، أو نداف أو قصاب، ومن إذا وقف إلى جانبي أسدرني بصنانه، وأسكرني بنتنه، فقد أمسيت غريب الحال، غريب اللفظ، غريب النحلة، غريب الخلق، مستأنساً بالوحشة، قانعاً بالوحدة، معتاداً للصمت، ملازماً للحيرة، محتملاً للأذى، يائساً من جميع من ترى)

أخلاق الوزيرين

كتاب أخلاق الوزيرين أو كما يسمى مثالب الوزيرين كتاب نادر في موضوعه, جمع فيه أبو حيان مشاهداته ومسموعاته عن الوزيرين ابن العميد والمعتمد بن عباد, وكان قد اتصل بهما فحرماه ومنعاه ولم يجد عندهما ما كان يؤمله من حظوة وصلة وإكبار.

المقابسات

كتاب المقابسات

الهوامل والشوامل

كتاب الهوامل والشوامل

تقريظ الجاحظ

كتاب تقريظ الجاحظ

الإشارات الإلهية

كتاب الإشارات الإلهية

أسلوبه

كان أبو حيان جاحظي الجاحظ الأسلوب في طريقته الكتابية؛ حيث أولى المعنى غاية اهتمامه, فهجر السجع وغيره من المحسنات البديعية, ومال إلى الـإطناب والـتعليل وـالتقسيم, كما مال إلى أسلوب الكتابة الساخرة وإن بدت سخرية مرة في كثير من الأحيان.

مواقف العلماء منه

يعد أبو حيان أحد الشخصيات التي لم يحسم حولها الجدل حتى الآن, فما زال النافس فيه من بين مادح غالي, وقادح قالي؛ ولعل هذا يعود إلى طبيعته الشخصية التي أثارت عليه حنق الكثيرين, كما يعود إلى كتبه أو نسب إليه من آراء ومواقف.

وسنكتفي هنا بذكر الموقفين المتباينين دون تعليق.

موقف القادحين

وقد اتهمه هؤلاء القادحون بالضلال والزندقة والإلحاد والوضع إلخ...

ومنهم الحافظ شمس الدين الذهبي؛ حيث ققّدم لترجمته في مصنفه الضغخم سير أعلام النبلاء بقوله: {الضال الملحد أبو حيان، علي بن محمد بن العباس، البغدادي الصوفي، صاحب التصانيف الادبية والفلسفية، ويقال: كان من أعيان الشافعية ... }.

ثم أضاف الحافظ الذهبي ناقلا عن كتاب الخريدة والفريدة لـابن بابي قوله:

{كان أبو حيان هذا كذابا قليل الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان، تعرض لامور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل، ولقد وقف سيدنا الوزير الصاحب كافي الكفاة على بعض ما كان يدغله ويخفيه من سوء الاعتقاد، فطلبه ليقتله، فهرب، والتجأ إلى أعدائه، ونفق عليهم تزخرفه وإفكه، ثم عثروا منه على قبيح دخلته وسوء عقيدته، وما يبطنه من الالحاد، ويرومه في الاسلام من الفساد، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح، ويضيفه إلى السلف الصالح من الفضائح، فطلبه الوزير المهلبي، فاستتر منه، ومات في الاستتار، وأراح الله، ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية].

ثم قال: وقال أبو الفرج بن الجوزي: زنادقة الاسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، وأبو العلاء المعري، وأشدهم على الاسلام أبو حيان، لانهما صرحا، وهو مجمج ولم يصرح.

وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان:

{بقي إلى حدود الأربعمائة ببلاد فارس وكان صاحب زندقة وانحلال, قال جعفر بن يحيى الحكاك قال لي أبو نصر السجزي إنه سمع أبا سعد الماليني يقول: قرأت الرسالة المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي على أبي حيان فقال: هذه الرسالة عملتها رداً على الروافض وسببها أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء يعني بن العميد فكانوا يغلون في حال علي فعملت هذه الرسالة قلت فقد اعترف بالوضع, انتهى.

موقف المعتدلين

قال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى :

{شيخ الصوفية وصاحب كتاب البصائر وغيره من المصنفات في علم التصوف... وقد ذكره ابن خلكان في آخر ترجمة أبي الفصل ابن العميد فقال: كان فاضلاً مصنفاً... وقد ذكر ابن النجار أبا حيان وقال: له المصنفات الحسنة كالبصائر وغيرها وكان فقيراً صابراً متديناً إلى أن قال: وكان صحيح العقيدة قال الذهبي: كذا قال بل كان عدواً لله خبيثاً وهذه مبالغة عظيمة من الذهبي}.

وقال ياقوت الحموي:

{أبو حيان التوحيدي, شيرازي الأصل وقيل نيسابوري، ووجدت بعض الفضلاء يقول له الواسطي، صوفي السمت والهيئة، وكان يتأله والناس على ثقة من دينه... فهو شيخ في الصوفية وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، ومحقق الكلام ومتكلم المحققين، وإمام البلغاء، وعمدة لبني ساسان، سخيف اللسان، قليل الرضا عند الإساءة إليه والإحسان، الذم شانه، والثلب دكانه، وهو مع ذلك فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة، وفصاحة ومكنة، كثير التحصيل للعلوم في كل فن حفظه، واسع الدراية والرواية، وكان مع ذلك محدوداً محارفاً يشتكي صرف زمانه، ويبكي في تصانيفه على حرمانه}.