الرئيسيةبحث

معالم السنن/تتمة ملحق

وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري الحافظ في كتاب معرفة علوم الحديث من تأليفه الذي قرأته على أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ بأصبهان سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، عن أبي بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي عنه، وذكر في باب منه نفرا من الحفاظ، ثم قال قد اختصرت هذا الباب وتركت أسامي جماعة من أئمتنا كان من حقهم أن أذكرهم في هذا الموضع فمنهم أبو داود السجستاني، وقرأت على أبي الحسين علي بن الحسن بن الحسين الطائي بدمشق، عن أبي علي الحسن بن علي بن إبراهيم المقري الأهوازي، قال سمعت أبي يقول سمعت أبا بكر محمد بن بكر بن عبد الرزاق المعروف بابن داسة يقول كنت يوما سائرا إلى الأُبُلَّة لالقى أبا داود السجستاني فجعلت طريقي على سهل بن عبد الله فلما دخلت إليه رأى معي المحبرة، فقال لي تكتب الحديث فقلت نعم وتمضي إلى أبي داود وتسمع منه، قلت نعم، قال هب أنك أبو داود السجستاني وكتبت ما كتب وجمعت ما جمع وعشت ما عاش وصارت الرحلة إليك كما الرحلة إلى أبي داود لا ينفعك شيء من ذلك أو تعمل به، قال أبو بكر بن داسة فجرح قلبي كلام الشيخ وتألم سري فجئت أبا داود وأنا منكسر فقال لي مالك، فقلت له آذى بشري هذا العجمي أعني سهلا وذكرت ما جرى لي معه، فقال لي أبو داود قم بنا إليه فجاء معي إليه، فلما رآه سهل قام له قائما وكان سهل لا يقوم لأحد وقبله وأجلسه إلى جنبه وتنحى له من بعض مقعده وتذاكرا، فقال له أبو داود فيما جرى بينهما حديث كتبت عن رسول الله ﷺ قد أعياني فقال له سهل ما هو فقال له أبو داود قول النبي ﷺ كل مولود يولد على فطرة الإسلام فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، فقال له سهل: نعم، معنى قوله: كل مولود يولد على فطرة الإسلام، يَعني عل خلقة الإسلام، ومعنى قوله فأبواه يهودانه، يَعني يحسنان له اليهودية والنصرانية والمجوسية ويحملانه إلى بيوت عبادتهم، ألا ترى إلى قوله ﷺ: بعثت داعيا وليس إليَّ من الهداية شيء وخلق إبليس مذنبا وليس إليه من الضلالة شيء، قال: فانكب أبو داود فباس رجل سهل ؛ قال أبو علي قال لي أبي قلت لابن داسة كنت تخرج إلى أبي داود إلى الأبلة فقال لي أقمت أربع سنين أخرج إليه في كل يوم أمر وأجيء، قال لي أبي وكان ابن داسة له بستان حسن فكان ربما يقعد في البستان عمدا لأصحاب الحديث حتى إذا جئنا إليه إلى البستان أطعمنا شيئا وقدم لنا من الثمر الذي في البستان في كل حين ما حضر.

أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن زنجويه المفتي بزنجان أنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن شبيب الشيرازي بنيسابور حدثني إسحلق بن إبراهيم الحافظ، قال سمعت الخليل بن أحمد القاضي يقول سمعت أبا محمد أحمد بن محمد بن الليث قاضي بلدنا يقول جاء سهل بن عبد الله التستري إلى أبي داود السجستاني ؛ فقال يا أبا داود لي إليك حاجة قال وما هي قال حتى تقول قد قضيتها مع الإمكان، قال قد قضيتها مع الإمكان، قال اخرج إلي لسانك الذي حدثت به أحاديث رسول الله ﷺ حتى أقبله فأخرج إليه لسانه فقبله.

لم يسهل على سهل هذا الفعل مع انقباضه عن الناس وانزوائه عنهم ميلا منه إلى اليأس وايثاره الخمول وتركه الفضول إلا لاحياء أبي داود الحديث والشرع الشريف بالبصرة عقيب ما جرى عليها من الزنوج القائمين مع القرمطي وخرابها وقتل علماءها وأعيانها ما جرى واشتهر عند الخاص والعام من الورى واتيان الموفق إليه وسؤاله إياه على التوجه في الانتقال إليها ليرحل إليه ويؤخذ عنه كتابه في السنن وغير ذلك من علومه وتتعمر به كما تقدم فيما أمليناه إذ تحقق أن مقامه بها وكونه بين أهليها يقوم مقام كماة انجاد وحماة أمجاد وقليل ما فعله سهل في حقه حين رأى الحق المستحق والله تعالى يثيب الجميع بنياتهم الجميلة وما قد حازوه من الفضيلة وينفعنا باتباعهم ومحبتهم ويحشرنا بمنه وكرمه في زمرتهم.

وفضائل أبي داود كثيرة ورتبته بين أهل الرتب كبيرة وما أوردته ههنا من فضله، وقول كبير بعد كيير فقليل من كثير، وغرضا التقليل والاختصار لا التطويل وا لاكثار.

وقد ذكرت الطرق العالية التي وقعت لي إليه في بعض تخريجاتي على وجه يعول عليه ومن أعزها وجودا وأحسنها ورودا رواية أبي بكر الصولي فهو قديم الوفاة يذكر مع الأنباري وابن دريد ونفطويه وأقرانهم لكونه في زمانهم توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وقيل سنة ست بالبصرة لإضاقة لحقته ببغداد فانحدر إليها على ما الخطيب في تاريخه رواها:

ومن قضيت منيته بأرض... فليس يموت في أرض سواها

أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمود الثقفي رئيس أصبهان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد الغضائري ببغداد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة،، حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، أنا أبو داود سليمان بن الأشعث، حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا يحيى عن عبد الملك عن عطاء عن جابر قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ وكان ذلك في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن رسول الله ﷺ فقال الناس إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم فقام النبي ﷺ فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات كبر، ثم قرأ فأطال القراءة ثم ركع نحوا مما قام ثم رفع رأسه فقرأ دون القراءة الأولى ثم ركع نحوا مما قام ثم رفع رأسه فقرأ القراءة الثالثة دون القراءه الثانية، ثم ركع نحوا مما كان ثم رفع رأسه وانحدر للسجود فسجد سجدتين ثم قام فركع ثلاث ركعات قبل أن يسجد ليس فيها ركعة إلا والتي قبلها أطول منها إلا أن يكون ركوعه نحوا من قيامه ثم تأخر في صلاته فتأخرت الصفوف معه ثم تقدم فقام في مقامه وتقدمت الصفوف معه فقضى بعض الصلاة وقد طلعت الشمس، فقال يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت بشر فإذا رأيتم من ذلك شيئا فصلوا حتى تنجلى.

هذا الحديث في علوه كما رواه يفتخر به من سمعه ممن بهذا السند في هذا الأوان رواه وتقنع من إيراد طرق حديثه العوالي بهذا الطريق والله تعالى ولي التوفيق.

وقد كان رحمه الله في زمانه يراجع في الجرح والتعديل ويدون كلامه ويعول عليه غاية التعويل وعندي من ذلك سؤالات في غاية الجودة مفيدة ممتعة وفي الاعلام لعلة الجسم مقنعة، ومن جملتها ما رواه عند أبو عبيد الآجري في خمسة أجزاء ضخام بخطي في كل جزء ثلاثون ورقة سوى الرابع والخامس فهما انقص من ذلك واذكر ههنا يسيرا منها واجعلها أنموذجا عنها.

أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي ببغداد أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن منصور العتيقي قال كتب إلينا محمد بن عدي بن زحر المنقري من البصرة، حدثنا أبو عبيد محمد بن علي بن عثمان الآجري البصري، قال سأنت أبا داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو السجستاني عن عروة بن أذينة قال مديني شاعر حدث عنه يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر ومالك لا أعلم له إلا حديثا واحدا،

وقال سمعت أبا داود يقول: صالح مولى التوأمة هو ابن نبهان والتوأمة امرأة، وقال سألت أبا داود عن المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي فقال ضعيف، فقلت إن عباسا حكى عن يحيى أنه يضعف الخزامي ووثق المخزومي فقال غلط عباس، وقال سألت أبا داود عن عبد الله بن سمعان فقال عبد الله بن سمعان كان من الكذابين ولي قضاء المدينة وقال سألت أبا داود عن عبد العزيز الماجشون فقال ثقة قال أبو الوليد كان يصلح للوزارة، وقال قلت لأبي داود أين مات حمزة الزيات قال مات بحلوان قال وسألت أبا داود عن وهب بن كيسان فقال ثقة حدث عنه مالك يكنى أبا نعيم، وقال سئل أبو داود عن نسب مالك فقال سمعت أحمد بن صالح يقول مالك صحيح النسب من ذي أصبح، قال الزهري حدثني أنس بن أبي أنس عديد بني تميم، قال وسمعت أبا داود يقول ولد مالك سنة اثنين وتسعين ومات سنة تسع وسبعين ومائة، وقال سمعت أبا داود يقول ما رأيت أحمد بن حنبل يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي.

هذا القدر يغني عما هو أكثر ويقتنع به عن الذي منه أوفر ويستدل به على علم أبي داود بالرجال وأنه كان في معرفة الحديث وروايته جبلا من الجبال.

ومما يدل على أنه لم يكن يداهن في دينه عند السؤال بل يصرح بالحق من المقال ما أخبرنا محمد بن أبي العباس الرازي أنا محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري أنا القاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد بن نصر الذهلي حدثني أبو العباس محمد بن رجاء البصري، قال قلت لأبي داود السجستاني لم أرك حدثت عن الرمادي فقال رأيته يصحب الواقفة فلم أحدث عنه. الرمادي هذا هو أبو بكر أحمد بن منصور من حفاظ الحديث الاعلام وثقات علماء الإسلام وقد توقف أبو داود عن الرواية عنه لصحبته [1] وما ذكره ومن أمره أنكروا.

وأما مولده ووفاته فقد أخبرنا المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي ببغداد أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي أنا أبو الحسين محمد بن العباس بن الفرات في كتابه قال قرىء على أبي عبد الله محمد بن مخلد العطار وأنا أسمع مات أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني في شوال سنة خمس وسبعين ومائتين.

أخبرني أبو بكر بن مختار أنه جاءه كتاب من البصرة بذلك وأخبرنا أبو الحسين بن الطيوري بمدينة السلام أنا أبو محمد الجوهري، عن أبي عمر بن جبويه الخزاز، قال قرىء على أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي وأنا أسمع سنة إحدى وثلاثين وثلاثماية، قال جاءنا نعي أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني من البصرة أنه مات سنة خمس وسبعين ومائتين بالبصرة، وقد بلغ سنه ثلاثا وسبعين سنة وكان ميلاده سنة اثنتين ومائتين فيما أخبرنا بذلك عنه.

أخبرنا أبو الحسين القطيعي بقطيعة الربيع أنا أبو الحسن العتيقي قال كتب إلينا محمد بن عدي بن زحر المنقري من البصرة قال، حدثنا أبو عبيد محمد بن علي بن عثمان الآجري قال سمعت أبا داود السجستاني يقول ولدت سنة اثنتين ومائتين قال أبو عبيد ومات لأربع عشرة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين وصلى عليه عباس بن الواحد الهاشمي.

وقد نظمت فيه وفي كتابه العظيم الذكر مقطعات من الشعر فمن جملتها

أولى كتاب لذي فقه وذي نظر …ومن يكون من الأوزار في وزر

ما قد تولى أبو داود محتسبا……تأليفه فأتى كالضوء في القمر

لا يستطيع عليه الطعن مبتدع……ولو تقطع من ضغن ومو ضجر

فليس يوجد في الدنيا أصح ولا... أقوى من السنة الغراء والأثر

وكل ما فيه من قول النبي ومن... قول الصحابة أهل العلم والبصر

يرويه عن ثقة عن مثله ثقة… …عن مثله ثقة كالأنجم التزهر

وكان في نفسه فيما أحق ولا……أشك فيه إماما عالي الخطر

يدري الصحيح من الآثار يحفظه... ومن روى ذلك من أنثى ومن ذكر

محققا صادقا فيما يجيء به……قد شاع في البدو عنه ذا وفي الحضر

والصدق للمرء في الدارين منقبة... ما فوقها أبدا فخر لمفتخر

هذا ما يتعلق بأبي داود لا اخلاه الله من ثوابه. وأما أبو سليمان الشارح لكتابه إذا وقف مصنف على مصنفاته، واطلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته تحقق إمامته وديانته فيما يورده وأمانته، وكان قد رحل في ( طلب ) الحديث وقرأ العلوم وطوف،

ثم ألف في فنون العلم وصنف، وكان رحمه الله قد أخذ الفقه، عن أبي بكر القفال الشاشي وأبي علي بن أبي هريرة ونظرائهما من فقهاء أصحاب الشافعي وفي شيوخه كثير وكذلك في تصانيفه، ومنها شرح السنن الذي عولنا على الشروع في إملائه بعون الله تعالى وإلقائه، وهو المسؤل في إتمامه وإكماله بفضله وإفضاله، وإسنادنا فيه كما قدمناه عال، وكتابه في غريب الحديث له ظل، ذكر فيه ما لم يذكره أبو عبيد ولا ابن قتيبة في كتابيهما وهو كتاب ممتع مفيد، ومحصله نبيه جميله موفق سعيد، ناولنيه أيضا القاضي أبو المحاسن بالري في التاريخ المقدم ذكره وهو سنة إحدى وخمسمائة وأذن لي في روايته عنه وشيخه فيه أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي ثم النيسابوري رواية، عن أبي سليمان ولم يقع لي من تواليفه بعلوّ سوى هذين الكتابين مناولة لا سماعا عند اجتماعي بأبي المحاسن لعارضة قد برحت بي وبلغت مني ولولاها لما توانيت بعون الله في سماعهما ولم تفتني لكن من بلغ المنى حتى أبلغها أنا.

وقد روى لنا أبو عبد الله الثقفي رئيس أصبهان وابن رئيسها سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وتوفي سنة تسع، وكان مولده في أول سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وابتداء سماعه على ابن جوله الأبهري أبهر أصبهان سنة ثلاث وأربعمائة في آخرها وهو ابن ست سنين كتابَ العزلة له، عن أبي عمرو الرزجاهي ثم البسطامي رواه بنيسابور عنه وأنا أشك هل سمعته كاملا كما سمعه هو أو بعضه بأصبهان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.

أنبأنا أبو عمرو محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي [2] إلى تحت يدي خالي عبيد الله في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وأربعمائة أن الإمام أبا بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني حدثهم املاء حدثنا محمد بن هارون بن نجدة بن داهر البصري بالأنبار حدثني هدبة بن خالد ما لا أحصي حدثنا حزم بن أبي حزم عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن رسول الله ﷺ قال من وعده الله عز وجل على عمل ثوابا فهو منجز له، ومن وعده على عمل عقابا فهو بالخيار، هذا رواه لنا الزكي أبو الفتح عن كتاب أبي عمرو.

ولم يرو لنا عنه ممن رآه سوى الرئيس أبي عبد الله رحمه الله.

ومن جملة ذلك حديث واحد في الأول من فوائد انتقاء غانم بن محمد بن عبد الواحد، عن أبي سهل الصعلوكي وحديثان آخران في كتاب الأربعين الذي خرجه لنا صاحبنا أبو نعيم الحداد أحدهما، عن أبي أحمد بن عدي الجرجاني، والآخر عن الحاكم أبي أحمد النيسابوري.

فأما حديث أبي سهل فقال حدثنا الأستاذ أبو سهل محمد بن سليمان العجلي الصعلوكي، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق هو ابن خزيمة السلمي، حدثنا علي بن حجر، حدثنا هشيم، عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ لا يخلون رجل بامرأة ثيب إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم.

وأما حديث ابن عدي فقال، حدثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أبا القاسم هو ابن زكريا المطرز، حدثنا أبو مصعب حدثني علي بن أبي علي الهبي عن محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله ﷺ: أنتم اليوم في المضمار وغدا السباق فالسبق الجنة والفائت النار بالعفو تنجون وبالرحمة تديخلون وبأعمالكم تقتسمون.

وحديث الحاكم فقال حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد الكرابيسي الحافظ بنيسابور سنة ست وستين وثلاثمائة أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبيد الطوايبقي حدثنا الحسن بن عرفة العبدي، حدثنا ابن عياش، يَعني إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن زياد الافريقي عن عبد الله بن يزيد يدعى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان ويؤتى له بتسعة وتسعين سجلا كل سجل منها مد البصر، فيها خطاياه وذنوبه فتوضع في كفة ويخرج له قرطاس مثل هذا وقال بيده فوق الأنملة فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فيوضع في الكفة الأخرى فيرجح بخطاياه وذنوبه.

هذه الأحاديث الثلاثة جميع ما وجدته عندي عن الرئيس أبي عمرو فذكرتها لقلتها وأتيت على جملتها ولم يكن من شيوخه العوالي حتى أجعله من بالي لكن وشحت هذه المقدمة بما رواه من حديث الرسول تبركا به عليه السلام بقوله المقبول، واتخذته رحمه الله طريقا لتكثير ما يتعلق بالخطابي إذ لم أظفر الآن في كتبي بما في أثنائه ثناءه، ونستوفي بإيراده أنباءه، وفي شيوخه رضي الله عنهم سفرا وحضرا كثرة كما في تصانيفه ؛ وكثير منهم قد وقع لي حديثهم بعلو كأني أرويه عن الراوية « لعله الرواة » عنه كأبي العباس الأصم واسماعيل الصفار وأبي عمرو بن السماك وأحمد بن سلمان النجاد ومكرم القاضي وجعفر الخلدي وأبي عمر غلام ثعلب وحمزة العقبي وآخرين من نظرائهم.

وهؤلاء كلهم من شيوخ بغداد وبها كتب عنهم سوى الأصم فإنه نيسابوري عالي الإسناد جدا يروي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وحسن بن نصر الخولاني وغيره من أصحاب ابن وهب وعن نظرائهم بخراسان والعراق والشام، وكذلك في الرواة عنه كثرة كما في شيوخه ومنهم أبو ذر عبد بن أحمد بن الهروي وأبو محمد جعفر بن علي المروزي بالحجاز وأبو مسعود بن محمد الكرابيسي البستي ببست وأبو بكر محمد بن الحسين المقري بغزنة وأبو الحسين علي بن الحسن الفقيه السجزي بسجستان وأبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الملك الفسوي بفارس وآخرون.

وقد روى عنه الإمام أبو حامد الاسفراييني الفقيه بالعراق والحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري بخراسان، وحدث عنه أبو عبيد الهروي في كتاب الغريبين وقال أحمد بن محمد الخطابي ولم يكنه ووافقه على ذلك أبو منصور الثعالبي النيسابوري في كتاب اليتيمة لكنه كناه، وقال أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم البستي صاحب كتاب غريب الحديث، والصواب في اسمه حمد كما قاله الجم الغفير والعدد الكثير لا كما قالاه.

وقال أحد الأدباء ممن أخذ عن ابن خرزاد النجيرمي هو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي البستي من ولد زيد بن الخطاب والذي ذكره فهو صحيح وفي اسمه ونسبه تصريح.

وله رحمه الله شعر هو سحر لكنه حلال يثبت له به جمال وجلال وينظم بنظمه ذلك إلى قصد خصال محمودة وخلال، وقد ذكر الثعالبي في كتاب اليتيمة من تأليفه مقطعات منه لم أر لاثباتها كلها ههنا وجها ومن جملتها:

وما غربة الإنسان في شقة النوى... ولكنها والله في عدم الشكل

وإني غريب بين بست وأهلها... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي

وذكر أبو بكر محمد بن علي بن الحسن بن البسر الغوثي اللغوي بالمغرب أن القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي البغدادي أنشده بمصر لأبي منصور الثعالبي في أبي سليمان الخطابي:

أبا سليمان سر في الأرض أو فأقم... فأنت جاري دنا مثواك أو شطنا

ما أنت غيري فأخشى أن تفارقني... فديت روحك بل روحي فأنت أنا

قال ابن البسر وأنشدني إسماعيل بن محمد بن عبدوس النيسابوري بمصر قال أنشدني أبو منصور الثعالبي بنيسابور لأبي سليمان الخطابي يقول فيه:

قلبي رهين بنيسابور عند أخ... ما مثله حين تستقري البلاد أخ

له صحائف أخلاق مهذبة... منها التقى والنهى والحلم تنتسخ

وقد قلت أنا فيه بثغر خيرة لشغفي بتواليفه ورغبتي في تحصيل تصانيفه سنة خمس وخمسمائة:

ظن هذا الخطّاء في الخطابي... شيخ أهل العلم والآداب

من على كتبه اعتماد ذوي الفضل... ومن قوله كفصل الخطاب

أن يحوز الفردوس إذ أتعب النفس... لها العرش غاية الاتعاب

وتعنى في الأخذ جدا وفي... التتصنيف من بعد رغبة في الثواب

نضر الله وجهه من إمام... ألمعيّ أتى بكل صواب

ولعمري قد فاز بالروح والريحان... من غير شبهة وارتياب

فلقد كان شُمس متبعي الشر... ع على الزائغين سوط عذاب

وقلت فيه أيضا بديار مصر بعد سنين عند إملاء هذه المقدمة سنة اثنتين وستين:

لم أطلع فيما اطلعت عليه... من كلام على حديث النبي

كالذي، عن أبي سليمان قد با……ن الإمام العلامة الألمعي

في كتابتيه حين أملاهما... الأعلام في شرح كل معنى خفي

في الصحيح الذي البخاري قد... صنف قدامنا على أتم روي

عدة الموقوف بين يدي خا……لقه الباري العليم العلي

وكتاب المعالم المرتضى إذ... هو يرضاه كل ندب رضي

فاق في شرحه كتاب أبي دا……ود أصحابه صدور الندي

وهما وإن طبق الأرض أعظم... بهما والمصنف المرضي

رضي الله جل عنه وجازا……ه عن الدين والمقال التقي

الذي ينفع الفقيه مدى الدهر... وكل امرئ زكي تقي

وهذا القدر الذي ذكرناه في حق أبي سليمان أيضا على اختصاره مقنع، وفي حق المستفيد كذلك ممتع إن شاء الله تعالى وعليه الثقة وهو المسؤول في أن يوفقنا لما يوافق رضاه ؛ ويرضينا بما قدره في الأزل وأمضاه، والمقدمة قد نجزت ولم يبق سوى الشروع وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

انتهى الجزء الرابع

في يوم مولد خير البشر ﷺ من سنة 1353 كان تمام طبع الجزء الرابع وهو الجزء الأخير من معالم السنن للإمام الخطابي وهو على ما أعلم اقدم شرح ظهر لعالم المطبوعات من شروح كتب الحديث فله الحمد والمنة على ذلك التوفيق ، وأسأله تعالى حسن الختام والهداية لأقوم طريق.

خادم السنة النبوية بمدينة حلب

محمد راغب الطباخ

هامش

  1. بياض في الأصل
  2. بياض في الأصل