الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الخامسة والخمسون

كتاب الكتابة

1686 - مسألة: من كان له مملوك مسلم أو مسلمة فدعا أو دعت إلى الكتابة فرض على السيد الإجابة إلى ذلك ويجبره السلطان على ذلك بما يدرى أن المملوك العبد أو الأمة يطيقه مما لا حيف فيه على السيد , لكن مما يكاتب عليه مثلهما ، ولا يجوز كتابة عبد كافر أصلا.

برهان ذلك قول الله تعالى : {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}. واختلف الناس في الخير. فقالت طائفة : المال , وقالت طائفة : الدين.

فنظرنا في ذلك فوجدنا موضوع كلام العرب الذي به نزل القرآن قال تعالى : {بلسان عربي مبين} أنه تعالى لو أراد المال لقال : إن علمتم لهم خيرا , أو عندهم خيرا , أو معهم خيرا , لأن بهذه الحروف يضاف المال إلى من هو له في لغة العرب , ولا يقال أصلا في فلان مال , فلما قال تعالى : {إن علمتم فيهم خيرا} علمنا أنه تعالى لم يرد " المال ".

فصح أنه " الدين " ، ولا خير في دين الكافر وكل مسلم على أديم الأرض فقد علمنا أن فيه الخير بقوله : لا إله إلا الله محمد رسول الله , وأن لا دين إلا الإسلام , وهذا أعظم ما يكون من الخير , وكل خير بعد هذا فتابع لهذا

وهذا قول روي عن علي رضي الله عنه: أنه سأله عبد مسلم أأكاتب وليس لي مال فقال له علي : نعم.فصح أن الخير عنده لم يكن " المال ".

ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني في قول الله تعالى : {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} قال : إن أقاموا الصلاة.

ومن طريق سفيان هو الثوري عن يونس عن الحسن [ في هذه الآية ] قال : إن علمتم فيهم خيرا قال : دين وأمانة.

ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن في هذه الآية قال : الإسلام والوفاء وجاء ، عن ابن عباس : أنه المال

وهو قول عطاء , وطاووس , ومجاهد , وأبي رزين.

وقالت طائفة : كلا الأمرين

وهو قول سعيد بن أبي الحسن أخي الحسن البصري

وهو قول الشافعي , إلا أنه ناقض في مسائله.

وأما الحنفيون , والمالكيون : فكان شرط الله [ تعالى عندهم ] هاهنا ملغى , لا معنى له , فسبحان من جعل شرطه عندهم ضائعا , وشروطهم الفاسدة عندهم لازمة , وذلك أنهم يبيحون كتابة الكافر الذي لا مال له , وهو بلا شك خارج عن الآية ; لأنه لا خير فيه أصلا , وخارج عن قول كل من سلف , وهذا مما فارقوا فيه من حفظ عنه قول من الصحابة ، رضي الله عنهم ،. ومن طرائف الدنيا : احتجاج بعضهم بأن قال : قسنا من لا خير فيه على من فيه خير.

قال علي : فهل سمع بأسخف من هذا القياس وإنما قالوا بالقياس فيما يشبه المقيس عليه لا فيما لا يشبهه. وهلا قاسوا من يستطيع " الطول " في نكاح الأمة على من لا يستطيعه وهلا قاسوا به غير السائمة في الزكاة على السائمة وهلا قاسوا غير السارق على السارق , وغير القاتل على القاتل وهذه حماقة لا نظير لها.

وقال بعضهم : لم يذكر في الآية إلا من فيه خير , وبقي حكم من لا خير فيه , فأجزنا كتابته بالأخبار التي فيها ذكر الكتابة جملة .

.

فقلنا لهم : فأبيحوا بمثل هذا الدليل أكل كل مختلف فيه لقوله تعالى : {كلوا واشربوا} وهذا باطل بقوله عليه الصلاة والسلام كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل. ويلزمكم أن تجيزوا كتابة المجنون , والصغير : بعموم تلك الأحاديث.

وأيضا : فإنه لا يكون مكاتبا إلا من أباح الله تعالى مكاتبته أو أمر بها.

وأيضا : فلم يأت عن النبي ﷺ أثر قط في المكاتب إلا وفيه بيان أنه مسلم وأمر الله تعالى بالمكاتبة وبكل ما أمر به فرض لا يحل لأحد أن يقول له الله تعالى : افعل أمرا كذا , فيقول هو : لا أفعل إلا أن يقول له تعالى : إن شئت فافعل وإلا فلا.

وروينا من طريق إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا غندر ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك : أن سيرين سأله المكاتبة فأبى عليه , فقال له عمر بن الخطاب : والله لتكاتبنه , وتناوله بالدرة , فكاتبه.

وبه إلى علي بن عبد الله ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا ابن جريج قلت لعطاء : أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه قال : ما أراه إلا واجبا , قال ابن جريج : وقال لي أيضا عمرو بن دينار : قال ابن جريج : وأخبرني عطاء : أن موسى بن أنس بن مالك أخبره أن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل أنس بن مالك الكتابة وكان كثير المال فأبى , فانطلق إلى عمر بن الخطاب فاستأذنه فقال عمر لأنس : كاتبه فأبى , فضربه عمر بالدرة وقال : كاتبه , ويتلو فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا فكاتبه أنس.

وبه إلى ابن المديني ، حدثنا سعيد بن عامر ، حدثنا جويرية بن أسماء عن مسلم بن أبي مريم عن عبد كان لعثمان بن عفان فذكر حديثا وفيه : أنه استعان بالزبير فدخل معه على عثمان , فقام بين يديه قائما وقال : يا أمير المؤمنين فلان كاتبه فقطب ثم قال : نعم. ولولا أنه في كتاب الله تعالى ما فعلت ذلك وذكر الخبر

وروي عن مسروق والضحاك , وقال إسحاق بن راهويه : مكاتبته واجبة إذا طلبها , وأخشى أن يأثم إن لم يفعل ذلك , ولا يجبره الحاكم على ذلك وبإيجاب ذلك , وجبر الحاكم عليه يقول أبو سليمان , وأصحابنا. فهذا عمر , وعثمان يريانها واجبة , ويجبر عمر عليها ويضرب في الأمتناع من ذلك , والزبير يسمع حمل عثمان الآية على الوجوب فلا ينكر على ذلك , وأنس بن مالك لما ذكر بالآية سارع إلى الرجوع إلى المكاتبة وترك امتناعه. فصح أنه لا يعرف في ذلك مخالف من الصحابة ، رضي الله عنهم ،. وخالف ذلك الحنفيون , والمالكيون , والشافعيون , فقالوا ليست واجبة , وموهوا في ذلك بتشغيبات , منها : أنهم ذكروا آيات من القرآن على الندب مثل وإذا حللتم فاصطادوا , فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض. وهذا لا حجة لهم فيه ; لأنه لولا نصوص أخر جاءت لكان هذان الأمران فرضا , لكن لما حل رسول الله ﷺ من حجه وعمرته ولم يصطد صار الأمر بذلك ندبا ولما حض رسول الله ﷺ على القعود في موضع الصلاة ورغب في ذلك كان الأنتشار ندبا. فإن كان عندهم نص يبين أن الأمر بالكتابة ندب صرنا إليهم وإلا فقد كذب محرف القرآن عن موضع كلماته , وليس إذا وجد أمر مخصوص أو منسوخ وجب أن يكون كل أمر في القرآن منسوخا أو مخصوصا. وقالوا : لما لم يختلفوا في أن له بيعه إذا طلب منه الكتابة علمنا أن الأمر بها ندب.

قال أبو محمد : وهذا تمويه بارد , نعم , وله بيعه , وإن كاتبه ما لم يؤد , وله بيع ما قابل منه ما لم يؤد حتى يتم عتقه بالأداء. وهم يقولون فيمن نذر عتق عبده إن قدم أبوه : أن له بيعه ما لم يقدم أبوه وفي ذلك بطلان نذره المفترض عليه الوفاء به لو لم أبعه. وقالوا : لم نجد في الأصول أن يجبر أحد على عقد فيما يملك .

فقلنا : فكان ماذا ، ولا وجدتم قط في الأصول أن يجبر أحد على الأمتناع من بيع أمته , وتخرج حرة من رأس ماله إن مات , وقد قلتم بذلك في أم الولد. ولا وجدتم قط صوم شهر مفرد إلا رمضان , فأبطلوا صومه بذلك ، ولا فرق بين من قال : لا آخذ بشريعة حتى أجد لها نظيرا , وبين من قال : لا آخذ بها حتى أجد لها نظيرين. وقد وجدنا : المفلس يجبر على بيع ماله في أداء ما عليه. ووجدنا : الشفيع يجبر المشتري على تصيير ملكه إليه. وقالوا : لو كان ذلك واجبا على السيد إذا طلبه العبد لوجب أيضا أن يكون واجبا على العبد إذا طلبه السيد وهذا أسخف ما أتوا به ; لأن النص جاء بذلك إذا طلبها العبد , ولم يأت بها إذا طلبها السيد , فإن كان هذا عندهم قياسا صحيحا فليقولوا : إنه لما كان الزوج إذا أراد أن يطلق امرأته كان له أن يطلقها , فكذلك أيضا للمرأة إذا أرادت طلاقه أن يكون لها أن تطلقه. ولما كان للشفيع أخذ الشقص وإن كره المشتري كان للمشتري أيضا إلزامه إياه وإن كره الشفيع. وهذه وساوس سخر الشيطان بهم فيها , وشواذ سبب لهم مثل هذه المضاحك في الدين , فاتبعوه عليها , ولا ندري بأي نص أم بأي عقل وجب هذا الذي يهذرون به وقالوا : كان الأصل أن لا تجوز الكتابة ; لأنها عقد غرر , وما كان هكذا فسبيله إذ جاء به نص أن يكون ندبا ; لأنه إطلاق من حظر .

فقلنا : كذبتم بل الأصل لأنه لا يلزم شيء من الشريعة , ولا يجوز القول به حتى يأمر الله تعالى به , فإذا أمر به عز وجل فسبيله أن يكون فرضا , يعصي من أبى قبوله , هذا هو الحق الذي لا تختلف العقول فيه , وما جاء قط نص ، ولا معقول بأن الأمر بعد التحريم لا يكون إلا ندبا , بل قد كانت الصلاة إلى بيت المقدس فرضا , وإلى الكعبة محظورة محرمة , ثم جاء الأمر بالصلاة إلى الكعبة بعد الحظر , فكان فرضا. وقالوا : لو كانت الكتابة إذا طلبها العبد فرضا لوجب أن يجبر السيد عليها , وإن أرادها العبد بدرهم.

وهذا قول فاسد ; لأن الله تعالى لم يأمر قط بإجابة العبد إلى ما أراد أن يكاتب عليه , وإنما أمر بإجابته إلى الكتابة ثم ترك المكاتبة مجملة بين السيد والعبد ; لأن قوله تعالى : {فكاتبوهم فعل من فاعلين} , وقال تعالى : {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} فوجب أن لا يكلف العبد ما ليس في وسعه. ونهى رسول الله ﷺ عن إضاعة المال , فوجب أن لا يكلف السيد إضاعة ماله. وصح بهذين النصين : أن اللازم لهما ما أطاقه العبد بلا حرج , وما لا غبن فيه على السيد , ولا إضاعة لماله وقد وافقونا على أن للسيد تكليف عبده الخراج وإجباره عليه , ولم يكن ذلك عندهم مجيزا أن يكلفه من ذلك ما لا يطيق , ولا إجابة العبد إلى أداء ما لا يرضى السيد به مما هو قادر بلا مشقة على أكثر منه , وهذا هو الحكم في الكتابة بعينه

وكذلك من تزوج ولم يذكر صداقا , فإنه يجبر على أداء صداق مثلها , وتجبر على قبوله , ولا تعطى برأيها , ولا يعطي هو برأيه. وقد رأى الحنفيون الأستسعاء والقضاء به واجبا , فهلا عارضوا أنفسهم بمثل هذه المعارضة فقالوا : إن قال العبد : لا أؤدي إلا درهما في ستين سنة , وقال المستسعى له : لا تؤدي إلا مائة ألف دينار من يومه. وقد أوجب المالكيون الخراج على الأرض المفتتحة فرضا لا يجوز غيره , ثم لم يبينوا ما هو ، ولا مقداره. وكم قصة قال فيها الشافعيون بإيجاب فرض حيث لا يحدون مقداره , كقولهم : الصلاة تبطل بالعمل الكثير , ولا تبطل بالعمل اليسير , فهذا فرض غير محدود. وأوجبوا المتعة فرضا ثم لم يحدوا فيها حدا , ومثل هذا لهم كثير جدا فبطل كل ما موهوا به وبالله تعالى التوفيق.


1687 - مسألة: والكتابة جائزة على مال جائز تملكه , وعلى عمل فيه إلى أجل مسمى , وإلى غير أجل مسمى , لكن حالا أو في الذمة , وعلى نجم ونجمين وأكثر. وكنا قبل نقول : لا تجوز إلا على نجمين فصاعدا حتى وجدنا ما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي قال : ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا إبراهيم بن أحمد بن فراس ، حدثنا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري ، حدثنا إسحاق بن راهويه ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا ابن إدريس هو عبد الله ، حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة ، هو ابن النعمان الظفري عن محمد بن لبيد ، عن ابن عباس : حدثني سلمان الفارسي , فذكر حديثا طويلا , وفيه : فقدم رجل من بني قريظة فابتاعني , ثم ذكر خبرا وفيه : فأسلمت وشغلني الرق حتى فاتتني بدر , ثم قال لي رسول الله ﷺ : كاتب فسألت صاحبي ذلك , فلم أزل به حتى كاتبني على أن أحيي له ثلاثمائة نخلة , وبأربعين أوقية من ذهب : فأخبرت رسول الله ﷺ بذلك فقال لي : اذهب ففقر لها , فإذا أردت أن تضعها فلا تضعها حتى تأتيني فتؤذنني فأكون أنا الذي أضعها بيدي قال : فقمت بتفقيري وأعانني أصحابي حتى فقرت لها سربها ثلاثمائة سربة , وجاء كل رجل بما أعانني به من النخل , ثم جاء رسول الله ﷺ فجعل يضعه بيده ويسوي عليها ترابها ويبرك حتى فرغ منها , فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية , وبقيت الذهب فبينا رسول الله ﷺ إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابها من بعض المعادن فقال عليه الصلاة والسلام : ما فعل الفارسي المسكين المكاتب ادعوه لي فدعيت فجئت , فقال : اذهب بهذه فأدها بما عليك من المال فقلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي فقال : إن الله سيؤدي عنك ما عليك من المال , قال : فوالذي نفسي بيده لقد وزنت له منها أربعين أوقية حتى أوفيته الذي علي , قال : فأعتق سلمان , وشهد الخندق , وبقية مشاهد رسول الله ﷺ

وقال الشافعي : لا تجوز الكتابة إلا على نجمين للأتفاق على جوازها كذلك.

قال أبو محمد : لا حظ للنظر مع صحة الخبر.

فإن قيل : لم قلتم إن العبد إذا أسلم وسيده كافر فهو حر وهذا سلمان أسلم وسيده كافر ولم يعتق بذلك

قلنا : لم نقل بهذا إلا لعتق رسول الله ﷺ من خرج إليه مسلما من عبيد أهل الطائف. ولقول الله تعالى : {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} والطائف بعد الخندق بدهر , وقصة سلمان , موافقة لمعهود الأصل فصح بنزول الآية نسخ جواز تملك الكافر للمؤمن , وبقي سائر الخبر على ما فيه وبالله تعالى التوفيق.


1688 - مسألة: ولا تجوز كتابة مملوك لم يبلغ ; لأن النبي ﷺ أخبر بأن القلم مرفوع عن الصبي حتى يبلغ. قال أبو حنيفة : كتابته جائزة , وهذا خلاف السنة. ولا يجوز أن يكاتب عبد غيره لقول الله تعالى : {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} فلا يجوز عمل أحد على غيره , إلا حيث أجازه القرآن والسنة. ولا تجوز كتابة الوصي غلام يتيمه , ولا مكاتبة الأب غلام ابنه الصغير , لأنه غير المخاطب في الآية , ولأنه ليس نظرا للصغير , إذ هو قادر على أخذ كسبه بغير إخراجه عن ملكه.


1689 - مسألة: والمكاتب عبد ما لم يؤد شيئا , فإذا أدى شيئا من كتابته فقد شرع فيه العتق , والحرية بقدر ما أدى , وبقي سائره مملوكا , وكان لما عتق منه حكم الحرية في الحدود , والمواريث , والديات وغير ذلك وكان لما بقي منه حكم العبيد في الديات , والمواريث , والحدود , وغير ذلك وهكذا أبدا حتى يتم عتقه بتمام أدائه. ل

ما روينا من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن عيسى الدمشقي ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة , وأيوب السختياني , قال قتادة : عن خلاس بن عمرو عن علي بن أبي طالب , وقال أيوب : عن عكرمة ، عن ابن عباس , كلاهما عن رسول الله ﷺ , ، أنه قال : المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى , ويقام عليه الحد بقدر ما أعتق منه , ويرث بقدر ما أعتق منه.

ومن طريق أبي داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا يعلى بن عبيد الطنافسي ، حدثنا حجاج الصواف ، هو ابن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قضى رسول الله ﷺ في المكاتب يقتل يودي ما أدى من مكاتبته دية الحر , ومما بقي دية المملوك.

ومن طريق أحمد بن شعيب النسائي ، حدثنا سليمان بن سلم البلخي , وعبيد الله بن سعيد قال سليمان : ، حدثنا النضر بن شميل , وقال عبيد الله : ، حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي , ثم اتفق معاذ , والنضر , كلاهما يقول : ، حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة ، عن ابن عباس " أن رسول الله ﷺ قال : (يودي المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وبقدر ما رق منه دية العبد).

ومن طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، حدثنا أبو هشام هو المغيرة بن سلمة المخزومي ، حدثنا وهيب بن خالد عن أيوب عن عكرمة عن علي بن أبي طالب عن النبي عليه السلام قال : يودي المكاتب بقدر ما أدى وهذا أثر صحيح لا يضره قول من قال : إنه أخطأ فيه , بل هو الذي أخطأ ; لأنه من رواية الثقات الأثبات.

ومن عجائب الدنيا عيب الحنفيين , والمالكيين , والشافعيين له بأن حماد بن زيد أرسله عن أيوب عن عكرمة , وأن ابن علية رواه عن أيوب عن عكرمة عن علي ، أنه قال : يودي المكاتب بقدر ما أدى فأوقفه على علي.

قال أبو محمد : أليس هذا من عجائب الدنيا يكون الحنفيون , والمالكيون عند كل كلمة يقولون : المرسل كالمسند , ولا فرق , فإذا وجدوا مسندا يخالف هوى أبي حنيفة , ورأي مالك : جعلوا إرسال من أرسله عيبا يسقط به إسناد من أسنده , ويكون الشافعيون لا يختلفون في أن المسند لا يضره إرسال من أرسله , فإذا وجدوا ما يخالف رأي صاحبهم كان ذلك يضر أشد الضرر , أيرون الله غافلا عن هذا العمل في الدين وقد أسنده حماد بن سلمة , ووهيب بن خالد , ويحيى بن أبي كثير , وقتادة عن خلاس عن علي , وما منهم أحد إن لم يكن فوق حماد لم يكن دونه فكيف وقد أسنده حماد بن زيد

كما روينا من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا القاسم بن زكريا ، حدثنا سعيد بن عمرو ، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب ; ويحيى بن أبي كثير , كلاهما عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن مكاتبا قتل على عهد رسول الله ﷺ فأمر عليه الصلاة والسلام أن يودي ما أدى دية الحر وما لا دية المملوك.

وأما ما ذكروه من إيقاف ابن علية له على علي فهو قوة للخبر ; لأنه فتيا من علي بما روى , وليت شعري من أين وقع لمن وقع أن العدل إذا أسند الخبر عن مثله , وأوقفه آخر , أو أرسله آخر : أن ذلك علة في الحديث وهذا لا يوجبه نص ، ولا نظر ، ولا معقول , والبرهان قد صح بوجوب الطاعة للمسند دون شرط , فبطل ما عدا هذا ولله تعالى الحمد. وقالوا : قد رويتم من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا حميد بن مسعدة ، حدثنا سفيان عن خالد هو الحذاء عن عكرمة عن علي بن أبي طالب في المكاتب إذا أدى النصف فهو غريم.

ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة ، عن ابن عباس حد المكاتب حد المملوك , وهذا ترك منهما لما رويا.

قال أبو محمد : فقلنا : هبك أنهما تركا ما رويا , فكان ماذا إنما الحجة فيما رويا عن النبي ﷺ لا في قولهما. وقد أفردنا جزءا ضخما لما تناقضوا فيه من هذا الباب ,

وأيضا : فإن كان هذا الأختلاف يوجب عندهم الوهن فيما رويا , فانفصلوا ممن عكس ذلك , فقال : بل ذلك يوجب الوهن فيما روي عنهما مما هو خلاف لما رويا وحاشا لهما من ذلك.

قال علي : فكيف وقد يتأول الراوي فيما روى وقد ينساه فكيف وليس فيما ذكرنا عن علي , وابن عباس خلاف لما روياه. أما قول علي : إذا أدى النصف فهو غريم , فليس مخالفا للمشهور عنه من توريث من بعضه حر بما فيه من الحرية دون ما فيه من الرق ، ولا لما روي من حكم المكاتب , لأنه لم يقل فيه : ليس باقيه عبدا , ولا قال فيه : ليس ما قابل ما أدى حرا , لكن أخبر : أنه لا يعجز , لكن يتبع بباقي الكتابة فقط , فلا خلاف في هذا لما روى.

وأما قول ابن عباس : حد المكاتب حد مملوك , فإنما يحمل على أنه أراد ما لم يؤد شيئا من كتابته , وما قابل منه , إذا أدى البعض ما لم يؤد فهذا صحيح , وبه نقول , فبطل هذرهم , ودعواهم الكاذبة : أنهما رضي الله عنهما خالفا ما رويا , وبطل أن يكون لهم كدح في الخبر. وهذا مكان اختلف الناس فيه فروي عن عمر بن الخطاب , وعثمان , وجابر , وأمهات المؤمنين : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ، ولا يصح عن أحد منهم , لأنه عن عمر من طريق الحجاج بن أرطاة وهو هالك ، عن ابن أبي مليكة مرسل.

ومن طريق محمد بن عبيد الله العرزمي وهو مثله أو دونه ثم عن سعيد بن المسيب : أن عمر مرسل.

ومن طريق سليمان التيمي : أن عمر.

ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عمر وعثمان , وجابر بن عبد الله , والتي عن أمهات المؤمنين : هو من طريق عمر بن قيس بن سندل وهو ضعيف. وهو عن أم سلمة أم المؤمنين من طريق أبي معشر المدني وهو ضعيف لكنه صح عن زيد بن ثابت , وعائشة أم المؤمنين , وابن عمر وهو مأثور عن طائفة من التابعين , منهم : عروة بن الزبير , وسليمان بن يسار , وصح عن سعيد بن المسيب , والزهري , وقتادة.

وهو قول أبي حنيفة , ومالك , والشافعي , والأوزاعي , وسفيان الثوري , وابن شبرمة , وابن أبي ليلى , وأحمد , وإسحاق , وأبي ثور , وأبي سليمان.

وقالت طائفة : المكاتبون على شروطهم : صح ذلك عن جابر بن عبد الله.

وقالت طائفة : هو حر ساعة العقد بالكتابة. وهو قول روي ، عن ابن عباس ولم نجد له إسنادا إليه.

وقالت طائفة : إذا أدى نصف مكاتبته فهو غريم.

روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن جابر بن سمرة : أن عمر بن الخطاب قال : إذا أدى المكاتب الشطر فهو غريم.

ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بهذا الإسناد نفسه , قال عمر : إذا أدى الشطر فلا رق عليه.

وقد ذكرنا في هذه المسألة نفسها قول علي بمثل ذلك وهما إسنادان جيدان. وصح عن شريح : إذا أدى المكاتب النصف فلا رق عليه وهو غريم. رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن شريح.

وقالت طائفة : إذا أدى المكاتب الثلث فهو غريم :

روينا ذلك من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم النخعي ، عن ابن مسعود. إذا أدى المكاتب ثلث كتابته فهو غريم.

وقالت طائفة : إذا أدى الربع فهو غريم.

روينا من طريق وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم كان يقال : إذا أدى المكاتب الربع فهو غريم.

وقالت طائفة : إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة فهو غريم :

روينا ذلك من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عطاء من رأيه قال : ولم يبلغني عن أحد.

وقالت طائفة : إذا أدى قيمته فهو غريم.

روينا ذلك من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن أن ابن مسعود قاله.

ومن طريق سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قال لي الشعبي : قول شريح مثل قول ابن مسعود : إذا أدى المكاتب قيمته فهو غريم من الغرماء.

قال أبو محمد : هذا إسناد جيد ; لأن الشعبي صحب شريحا , وشريح صحب ابن مسعود , وليس هذا مخالفا لما روي من هذه الطريق نفسها , إذا أدى نصف الكتابة فهو غريم ; لأنه قد يمكن أن القولين معا , ولا يتمانعان , وهو أن يكون يرى إن أدى الأقل من قيمته , أو من نصف الكتابة فهو غريم , أيهما أدى فهو غريم.

ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن النخعي : إذا أدى المكاتب ثمن رقبته فليس لهم أن يسترقوه.

وقالت طائفة

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير , قال : قال ابن عباس إذا بقي على المكاتب خمس أواق أو خمس ذود أو خمسة أوسق فهو غريم وهذا لا يصح ; لأنه منقطع , وعكرمة بن عمار ضعيف.

وقالت طائفة بمثل قولنا.

روينا من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، حدثنا إسماعيل ابن علية عن أيوب السختياني عن عكرمة عن علي يؤدي المكاتب بقدر ما أدى.

ومن طريق محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي , قال : قال علي بن أبي طالب في المكاتب : يعتق بالحساب.

ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة عن علي , قال : المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى.

ومن طريق وكيع ، حدثنا المسعودي عن الحكم بن عتيبة عن علي بن أبي طالب , قال : تجزي العتاقة في المكاتب من أول نجم.

قال أبو محمد : وجميع هذه الأقوال لا نعلم لشيء منها حجة , إلا أنها كلها على كل حال إن لم تكن أقوى من تحديد مالك ما أباح لذات الزوج الصدقة به , وما أسقط من الجائحة , وما لم يسقط. ومن تحديد أبي حنيفة ما تبطل به الصلاة مما ينكشف من رأس الحرة , أو من بطنها , أو من فخذها من ربع كل ذلك. ومن الشروط الفاسدة التي يحتجون لها (المسلمون عند شروطهم) فليست أضعف , بل لهذه مزية ; لأن أكثرها من أقوال الصحابة ، رضي الله عنهم ، , إلا أن من قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم , فاحتجوا ب

ما روينا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.

ومن طريق عبد الباقي بن قانع راوي الكذب عن موسى بن زكريا عن عباس بن محمد عن أحمد بن يونس عن هشيم عن جعفر بن إياس ، عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ : : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وهذا خبر موضوع بلا شك , لم يعرف قط من حديث عباس بن محمد , ولا من أحمد بن يونس , ولا من حديث هشيم , ولا من حديث جعفر , ولا من حديث نافع , ولا من حديث ابن عمر , إنما هو معروف من قول ابن عمر , وأحاديث هؤلاء كلهم أشهر من الشمس , ولا ندري من موسى بن زكريا أيضا.

وأما حديث عمرو بن شعيب فصحيفة , على أنه مضطرب فيه. قد

روينا من طريق أبي داود ، حدثنا محمد بن المثنى حدثني عبد الصمد ، هو ابن عبد الوارث ، حدثنا همام ، هو ابن يحيى ، حدثنا عباس الجريري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي ﷺ قال : (أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد , وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد).

ومن طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن عمرو بن العاص : من كاتب مكاتبا على مائة درهم فقضاها إلا عشرة دراهم فهو عبد , أو على مائة أوقية فقضاها إلا أوقية فهو عبد. عطاء هذا الخراساني لم يسمع من عبد الله بن عمرو بن العاص شيئا , ولا من أحد من الصحابة , إلا من أنس وحده. والعجب كله ممن يعلل خبر علي , وابن عباس وهو في غاية الصحة بأنه اضطرب فيه وقد كذب ثم يحتج بهذه العورة , وقد اضطرب فيها كما ترى

فإن قالوا : هو قول أم المؤمنين عائشة , وما كان الله تعالى ليهتك ستر رسول الله ﷺ بدخول من لا يحل دخوله على أزواجه

قلنا : صدقتم , وإنما حرم الله تعالى عليهن دخول الأحرار عليهن فقط , والمكاتب ما لم يؤد شيئا فهو عبد , وما دام يبقى عليه فلس فليس حرا , لكن بعضه حر وبعضه عبد , ولم ينهين قط عمن هذه صفته.

فإن قيل : هو قول الجمهور

قلنا : فكان ماذا وكم قصة خالفتم فيها الجمهور نعم , وأتيتم بقول لا يعرف أحد قاله قبل من قلدتموه دينكم. وهذا الشافعي خالف جمهور العلماء في بطلان الصلاة بترك الصلاة على رسول الله ﷺ في التشهد الأخير , وفي تحديد القلتين , وفي تنجيس الماء بما يموت فيه من الذباب , وفي نجاسة الشعر , وفي أزيد من مائة قضية. وهذا أبو حنيفة خالف في زكاة البقر جمهور العلماء. وخالف في قوله : إن الخلطة لا تغير الزكاة جمهور العلماء. وخالف في وضعه في الذهب أوقاصا جمهور العلماء وفي أزيد من ألف قضية. وهذا مالك خالف في إيجاب الزكاة في السائمة جمهور العلماء. وفي الحامل , والمرضع تفطران , وفي أن العمرة تطوع وفي مئين من القضايا , فالآن صار أكثر من روي عنه ، ولا يبلغون عشرة حجة لا يجوز خلافها , وقد خالفهم غيرهم من نظرائهم. وكم قصة خالفوا فيها رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ كحديثه لا يجوز لأمرأة أمر في مالها , ولا عطية , إذا ملك زوجها عصمتها ، وأن الدية على أهل البقر مائتا بقرة , وعلى أهل الشاء ألفا شاة , وفي إحراق رحل الغال وغير ذلك وهذا لعب وعبث في الدين.

فإن قالوا : قد صح أن المكاتب كان عبدا فهو كذلك .

فقلنا : نعم , ما لم يأت نص بخلاف هذا فيوقف عنده , وقد صح النص بخلاف هذا , وبشروع الحرية فيه.

واحتج أصحابنا ببيع بريرة وهي مكاتبة .

فقلنا : نعم , ولم تكن أدت من كتابتها شيئا , هكذا في الحديث وبهذا نقول , فبطل قولهم وصح قولنا والحمد لله رب العالمين كثيرا.