الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة التاسعة عشر


كتاب التذكية

1049 - مسألة : وأما غير المتمكن منه فذكاته أن يمات بذبح أو بنحر حيث أمكن منه من خاصرة ، أو من عجز ، أو فخذ ، أو ظهر ، أو بطن ، أو رأس ، كبعير ، أو شاة ، أو بقرة ، أو دجاجة ، أو طائر ، أو غير ذلك : سقط في غور فلم يتمكن من حلقه ، ولا من لبته ، فإنه يطعن حيث أمكن بما يعجل به موته ، ثم هو حلال أكله . وكذلك كل ما استعصى من كل ما ذكرنا فلم يقدر على أخذه ؛ فإن ذكاته كذكاة الصيد ، ثم يؤكل على ما نذكر في كتاب الصيد إن شاء الله تعالى . وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحابهم - وهو قول أبي سفيان وأصحابنا . وقال مالك : لا يجوز أن يذكى أصلا إلا في الحلق واللبة - وهو قول الليث . قال أبو محمد : وقولنا هو قول السلف - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم أن حمارا وحشيا استعصى على أهله فضربوا عنقه فسأل ابن مسعود ؟ فقال : تلك أسرع الذكاة . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان ، وشعبة كلاهما عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج أن بعيرا تردى في بئر فذكي من قبل شاكلته ، فأخذ ابن عمر منه عشيرا بدرهمين . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان حدثني أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي حدثني عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج قال : تردى بعير في بئر ، فكان أعلاه أسفله ؟ فنزل عليه رجل فلم يستطع أن ينحره ، فقال ابن عمر : أجز عليه واذكر اسم الله عز وجل ، فأجاز عليه من شاكلته فأخرج قطعا قطعا فأخذ منه ابن عمر عشيرا بدرهمين . ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد العزيز بن سياه سمع أبا راشد السلماني قال : كنت في منائح لأهلي بظهر الكوفة أرعاها فتردى بعير منها فنحرته من قبل شاكلته ، فأتيت عليا فأخبرته ؟ فقال : اهد لي عجزه - : الشاكلة : الخاصرة . ومن طريق وكيع نا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن مسروق أن بعيرا تردى في بئر فصار أسفله أعلاه ، قال : فسألنا علي بن أبي طالب ؟ فقال : قطعوه أعضاء وكلوه . ومن طريق وكيع نا سفيان - هو الثوري - عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : ما أعجزك من البهائم فهو بمنزلة الصيد . وهو أيضا قول عائشة أم المؤمنين ، ولا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف : ابن مسعود ، وعلي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأم المؤمنين . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن أبي الضحى عن مسروق أنه سأل عن قالح تردى في بئر فذكي من قبل خاصرته ، فقال مسروق : كلوه . ومن طريق وكيع نا حريث عن الشعبي قال : إذا خشيت أن يفوتك ذكاتها فاضرب حيث أدركت منها . ومن طريق وكيع نا هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب في البعير يتردى في البئر ؟ قال : يطعن حيث قدروا ذكر اسم الله عز وجل . ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم قال : تردى بعير في بئر فلم يجدوا له مقتلا فسئل الأسود بن يزيد عن ذلك ؟ فقال : ذكوه من أدنى مقتله ؛ ففعلوا فأخذ الأسود منه بدرهمين . ومن طريق وكيع نا قرة بن خالد قال : سمعت الضحاك يقول في بقرة شردت : هي بمنزلة الصيد - وهو قول عطاء ، وطاوس ، والحسن ، والحكم بن عتيبة ، وإبراهيم النخعي ، وحماد بن أبي سليمان . ولا نعلم لمالك في هذا سلفا إلا قولا عن ربيعة . قال أبو محمد : وقال قائلهم : إن كانت بمنزلة الصيد فأبيحوا قتلها بالكلاب والجوارح ؟ فقلنا : نعم ، إذا لم يقدر عليها بذلك فهي في ذلك كالصيد ولا فرق . قال علي : وهم أصحاب قياس بزعمهم وقد أجمعوا على أن الصيد إذا قدر عليه فهو بمنزلة النعم والإنسيات في الذكاة ، فهلا قالوا : إن النعم والإنسيات إذا لم يقدر عليها فمنزلتها كمنزلة الصيد ؟ ولو صح قياس يوما ما لكان هذا أصح قياس في العالم . والعجب من قول مالك : إني لأراه عظيما أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيهرق من أجل كلب ولغ فيه ولم يقل ههنا : إني لأراه عظيما أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيضيع ويفسد لأجل أن لم يقدر على لبته ، ولا على حلقه ؛ فلو عكس كلامه لأصاب ؛ بل العظيم كل العظيم هو أن يقول رسول الله ﷺ : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه } فيقول قائل برأيه : لا يراق ، وأن ينهى النبي ﷺ عن إضاعة المال فيضيع البعير ، والبقرة ، والشاة ، والدجاجة ، ونحن قادرون على تذكيتها من أجل عجزنا عن أن تكون التذكية في الحلق واللبة ؛ فهذا هو العظيم حقا ؟ قال أبو محمد : قال الله عز وجل : { إلا ما ذكيتم } . وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فصح أن التذكية كيفما قدرنا لا نكلف منها ما ليس في وسعنا - : روينا من طريق البخاري نا موسى بن إسماعيل نا عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده { رافع بن خديج قال : كنا مع النبي ﷺ فذكر الخبر وفيه فند بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم ، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله - عز وجل - فقال رسول الله ﷺ إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا } . ومن طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان بن عيينة حدثني عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده { رافع بن خديج أنهم كانوا مع رسول الله ﷺ فند علينا بعير فرميناه بالنبل حتى وهصناه } وذكر الحديث . قال علي : الوهص الكسر والإسقاط إلى الأرض ولا يبلغ البعير هذا الأمر إلا وهو منفذ المقاتل ، وقد أذن عليه السلام في رميه بالنبل ، والمعهود منها الموت بإصابتها وهذا إذن منه عليه السلام في ذكاتها بالرمي . قال علي : وههنا خبر لو ظفروا بمثله لطغوا - : كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن { أبي العشراء عن أبيه قلت يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة ؟ قال : لو طعنت في فخذها لأجزأك } . قال أبو محمد : أبو العشراء قيل : اسمه أسامة بن مالك بن قهطم ، وقيل : عطارد بن برز وفي الصحيح الذي قدمنا كفاية . وهذا مما تركوا فيه ظاهر القرآن ، والسنن ، والصحابة ، وجمهور العلماء ، والقياس - وبالله تعالى التوفيق .

1050 - مسألة : وما قطع من البهيمة - وهي حية - أو قبل تمام تذكيتها فبان عنها فهو ميتة لا يحل أكله ، فإن تمت الذكاة بعد قطع ذلك الشيء أكلت البهيمة ولم تؤكل تلك القطعة - وهذا ما لا خلاف فيه لأنها زايلت البهيمة وهي حرام أكلها فلا تقع عليها ذكاة كانت بعد مفارقتها لما قطعت منه .

1051 - مسألة : وما قطع منها بعد تمام التذكية وقبل موتها لم يحل أكله ما دامت البهيمة حية فإذا ماتت حلت هي وحلت القطعة أيضا لقول الله تعالى : { فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها } فلم يبح الله تعالى أكل شيء منها إلا بعد وجوب الجنب - وهو في اللغة الموت - فإذا ماتت فالذكاة واقعة على جميعها إذ ذكيت ، فالذي قطع منها مذكى فإذا حلت هي حلت أجزاؤها وبالله تعالى التوفيق . ولا خلاف بين أحد في أن حكم البدن في ذلك حكم سائر ما يذكى ، وقد ذكرنا قول عمر : أقروا الأنفس حتى تزهق ، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة .

1052 - مسألة : والتذكية من الذبح ، والنحر ، والطعن ، والضرب جائزة بكل شيء إذا قطع قطعة السكين أو نفذ نفاذ الرمح سواء في ذلك كله : العود المحدد ، والحجر الحاد ، والقصب الحاد وكل شيء حاشا آلة أخذت بغير حق ، وحاشا السن ، والظفر ، وما عمل من سن ، أو من ظفر منزوعين وإلا عظم خنزير ، أو عظم حمار أهلي ، أو عظم سبع من ذوات الأربع - أو الطير حاشا الضباع - أو عظم إنسان فلا يكون حلالا ما ذبح أو نحر بشيء مما ذكرنا بل هو ميتة حرام . والتذكية جائزة بعظم الميتة وبكل عظم حاشا ما ذكرنا ، وهي جائزة بمدى الحبشة وما ذكاه الزنجي ، والحبشي ، وكل مسلم فهو حلال . فلو عمل من ضرس الفيل سهم ، أو رمح ، أو سكين : لم يحل أكل ما ذبح أو نحر به ، لأنه سن . فلو عملت من سائر عظامه هذه الآلات حل الذبح ، والنحر ، والرمي بها . وقال أبو حنيفة ، ومالك : التذكية بكل ذلك حلال حاشا السن قبل أن ينزع من الفم ، وحاشا الظفر قبل أن ينزع من اليد ، فإنه لا يؤكل ما ذبح بهما لأنه خنق لا ذبح . وقال الشافعي : كل ما ذكي بكل ما ذكرنا فحلال أكله حاشا ما ذكي بشيء من الأظفار كلها ، والعظام كلها ، منزوع كل ذلك أو غير منزوع ، فلا يؤكل وهو قول الليث بن سعد . وقال أبو سليمان : كقول الشافعي سواء سواء إلا أنه قال : لا يؤكل ما ذبح أو نحر أو رمي بآلة مأخوذة بغير حق - فأما قول أبي حنيفة ، ومالك فلا نعلمه عن أحد قبلهما ولا نعلم لهما فيه سلفا من أهل العلم ، ولا حجة أصلا لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قياس ؛ بل هو خلاف السنة على ما نورد بعد هذا إن شاء الله تعالى - فسقط هذا القول جملة ، وبقي قولنا ، وقول الشافعي ، والليث ، وأبي سليمان - : فوجدنا ما روينا من طريق سفيان الثوري حدثني أبي عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده { رافع بن خديج قلت يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى فقال رسول الله ﷺ : ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر ، وسأحدثك ، أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة } . وقد ذكرناه في أول كلامنا في التذكية بإسناده . فأما نحن فتعلقنا بنهيه عليه السلام ولم نتعده ولم نحرم إلا ما ذبح أو رمي بسن أو ظفر فقط ، ولم نجعل العظيمة سببا للمنع من الذكاة إلا حيث جعلها رسول الله ﷺ سببا لذلك ، وهو السن ، والظفر فقط . وإنما منعنا من التذكية بعظام الخنزير ، والحمار الأهلي ، أو سباع ذوات الأربع ، أو الطير لقوله تعالى في الخنزير : { فإنه رجس } { ولقول النبي ﷺ في الحمر الأهلية فإنها رجس } فهي كلها رجس ، والرجس واجب اجتنابه ، ولا يحل إمساكها إلا حيث أباحها نص ، وليس ذلك إلا ملكها وركوبها واستخدامها وبيعها وابتياعها يعني الحمر فقط . ومنعنا من التذكية بعظام سباع ذوات الأربع ، والطير لنهي النبي ﷺ عنها جملة على ما ذكرنا قبل فلم نحل منها إلا ما أحله النص من تملكها للصيد بها وابتياعها لذلك فقط وإلا فهي حرام وبعض الحرام حرام . وأما عظم الإنسان فلأن مواراته فرض كافرا كان أو مؤمنا . وأبحنا التذكية بعظام الميتة لقول النبي ﷺ : { إنما حرم من الميتة أكلها } وحرم عليه السلام بيعها والدهن بشحمها ، فلا يحرم من الميتة شيء إلا ذلك ولا مزيد . واحتج الشافعي وأصحابنا { بقول النبي ﷺ فإنه عظم } فجعل العظمية علة للمنع من التذكية حيث كان العظم أو أي عظم كان - : قال أبو محمد : وهذا خطأ لأنه تعد لحدود الله تعالى وحدود رسوله عليه السلام لأن النبي ﷺ لو أراد ذلك لما عجز عن أن يقول : ليس العظم والظفر ، وهو عليه السلام قد أوتي جوامع الكلم وأمر عليه السلام بالبيان . فلو أنه عليه السلام أراد تحريم الذكاة بالعظم لما ترك أن يقوله ولا استعمل التحليق والإكثار بلا معنى في الاقتصار على ذكر السن ، فهذا هو التلبيس والإشكال لا البيان ، ونحن وهم على يقين من أنه عليه السلام حكم بأن المنع من التذكية بالسن إنما هو من أجل كونه عظما ، ونحن موقنون بأنه عليه السلام لو أراد كل عظم لما سكت عن ذلك فقد زادوا في حكمه عليه السلام ما لم يحكم به . وأيضا فقد تناقضوا في هذا الخبر نفسه ، لأنه عليه السلام جعل السبب في منع التذكية بالظفر إنما هو كونه مدى الحبشة فيلزمهم أن يطردوا أصلهم فيمنعوا التذكية بمدى الحبشة من أي شيء كانت وإلا فقد تناقضوا فإن ادعوا ههنا إجماعا كانوا كاذبين قائلين ما لا علم لهم به . وقد روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عبد الأعلى عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كره ذبيحة الزنجي . وأما نحن فلا نجعل كون ما يذكى به من مدى الحبشة سببا لتحريم أكله إلا في الظفر وحده ، حيث جعله رسول الله ﷺ ولا نجعل العظمية سببا لتحريم أكل ما ذكي بما هي فيه إلا في السن وحده ، حيث جعله رسول الله عليه السلام ، وهذا في غاية البيان والوضوح - وبالله تعالى التوفيق . وقد روي نحو قولهم عن بعض السلف - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم قال : يذبح بكل شيء غير أربعة السن ، والظفر ، والعظم ، والقرن . ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن قال : كل ما فرى الأوداج وأهراق الدم ، إلا الظفر ، والناب ، والعظم . وروي نحو قولنا عن بعض السلف أيضا - : كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا الأعمش عن إبراهيم قال : ما فرى الأوداج فكل إلا السن ، والظفر . ومن طريق سعيد بن منصور نا خديج بن معاوية عن أبي إسحاق السبيعي قال : كان يكره الناب والظفر . قال أبو محمد : وخالف الحنفيون ، والمالكيون هذه السنة بآرائهم ، وليس في العجب أعجب من إخراجهم العلل الكاذبة الفاسدة المفتراة : من مثل تعليل الربا بالادخار والأكل ، وتعليل مقدار الصداق بأنه عوض ما يستباح به العضو ، وسائر تلك العلل السخيفة الباردة المكذوبة ، ثم يأتون إلى ما جعله النبي ﷺ سببا لتحريم أكل ما ذكي به بقوله فإنه عظم وإنه مدى الحبشة ولا يعللون بهما بل يجعلونه لغوا من الكلام ويخرجون من أنفسهم علة كاذبة سخيفة وهي الخنق . ونسألهم عمن أطال ظفره جدا وشحذه ورققه حتى ذبح به عصفورا صغيرا فبري كما تبرى السكين أيؤكل أم لا ؟ فإن قالوا : لا ، تركوا علتهم في الخنق . وإن قالوا : يؤكل ، تركوا قولهم في الظفر المنزوع . فإن ذكروا ما رويناه عن شعبة عن سماك بن حرب عن مري بن قطري عن عدي بن حاتم عن النبي ﷺ قال : { أنهر الدم بما شئت واذكر اسم الله } . قلنا : هذا خبر ساقط ، لأنه عن سماك بن حرب وهو يقبل التلقين عن مري بن قطري - وهو مجهول - ثم لو صح لكان خبر رافع بن خديج زائدا عليه تخصيصا يلزم إضافته إليه ولا بد ليستعمل الخبرين معا . فإن ذكروا ما روينا من طريق معمر عن عوف عن أبي رجاء العطاردي قال : سألت ابن عباس عن أرنب ذبحتها بظفري ؟ فقال : لا تأكلها فإنها المنخنقة ، وفي بعض الروايات إنما قتلتها خنقا ، فلا حجة لهم فيه لوجهين - : أحدهما : أن لا حجة فيمن دون رسول الله ﷺ . والثاني : أنه حجة عليهم وخلاف قولهم ؛ لأن ابن عباس لم يشترطه منزوعا من غير منزوع . وأما منعنا من أكل ما ذبح أو نحر أو رمي بآلة مأخوذة بغير حق فلقول الله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } وقول رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . ولا شك في أن ما ذبح أو نحر بآلة مأخوذة بغير حق ، فبالباطل تولى ذلك منه ، وإذا هو كذلك بيقين فبالباطل يؤكل ، وهذا حرام بالنص . وأيضا فإن الذكاة فعل مفترض مأمور به طاعة لله عز وجل ، واستعمال المأخوذة بغير حق في الذبح ، والنحر ، والرمي : فعل محرم معصية لله تعالى . هذان قولان متيقنان بلا خلاف ، فإذ هو كذلك فمن الباطل البحت ، والكذب الظاهر أن تنوب المعصية عن الطاعة وأن يكون من عصى الله تعالى ولم يفعل ما أمر به مؤديا لما أمر به - وبالله تعالى التوفيق .

1053 - مسألة : وما ثرد وخزق ولم ينفذ نفاذ السكين ، والسهم : لم يحل أكل ما قتل به ، وكذلك ما ذبح بمنشار ، أو بمنجل لقول رسول الله ﷺ : { إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته } . فالمثرد والذابح بشيء مضرس لم يذبح كما أمر ولا ذكى كما أمر ، فهي ميتة والعجب من منعهم الأكل ههنا ، لأنه لم يذك كما أمر ولم يذبح بل بآلة نهي عنها ، ثم يجيزون أكل ما نحر أو ذبح بآلة منهي عنها مأخوذة بغير حق - ولا فرق بين ذلك أصلا - وبالله تعالى التوفيق .

1054 - مسألة : ولا يجوز التذكية بآلة ذهب أو مذهبة أصلا للرجال ، فإن فعل الرجل فهو حرام على الرجال والنساء . فإن ذكت بها امرأة فهو حلال للرجال وللنساء ، لتحريم النبي ﷺ الذهب على ذكور أمته وإباحته إياه لإناثها . فمن ذكى من الرجال بآلة ذهب أو مذهبة فقد استعمل آلة محرمة عليه استعمالها فلم يذك كما أمر - والمرأة بخلاف ذلك .

1055 - مسألة : التذكية بآلة فضة حلال ، لأنه لم ينه إلا عن آنيتها فقط ، وليس السكين ، والرمح والسهم ، ولا السيف - : آنية .

1056 - مسألة : فمن لم يجد إلا سنا ، أو ظفرا ، أو عظم سبع ، أو طائر ، أو ذي أربع أو خنزير ، أو حمار ، أو إنسان ، أو ذهب ، وخشي موت الحيوان لم يحل له أن يأكل ما ذكي بشيء من ذلك ، لأنه لا يكون ذكاة بشيء من هذا كله أصلا ، فهو عادم ما يذكي به ، وليس مضيعا له ، لأنه لم يجد ما يجوز أن يذكيه به ، فذلك الحيوان غير مذكى أصلا .

1057 - مسألة : فمن لم يجد إلا آلة مغصوبة ، أو مأخوذة بغير حق وخشي الموت على حيوانه ذكاه بها وحل له أكله لقول الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } فحرام على صاحب الآلة منعه منها إذا خشي ضياع ماله بموته جيفة ، فإذ هو حرام على صاحبها منعه منها ، ففرض على صاحب الحيوان أخذها والتذكية بها فهو مطيع بذلك أحب صاحب الآلة أو كره - وبالله تعالى التوفيق .