الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة الثانية


التـــــوحيد

1 - مسألة : قال أبو محمد  : أول ما يلزم كل أحد ، ولا يصح الإسلام إلا به أن يعلم المرء بقلبه علم يقين وإخلاص لا يكون لشيء من الشك فيه أثر وينطق بلسانه ، ولا بد بأن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

برهان ذلك : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أمية بن بسطام ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا روح ، عن العلاء بن عبد الرحمان بن يعقوب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله ﷺ قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» .

وقد روي معنى هذا مسندا معاذ ، وابن عباس وغيرهم .

قال الله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}

وهو قول جميع الصحابة وجميع أهل الإسلام.

وأما وجوب عقد ذلك بالقلب فلقول الله تعالى {ومآ أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفآء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} .

والإخلاص فعل النفس .

وأما وجوب النطق باللسان ، فإن الشهادة بذلك المخرجة للدم والمال من التحليل إلى التحريم كما قال رسول الله ﷺ لا تكون إلا باللسان ضرورة.

2 - مسألة : قال أبو محمد : وتفسير هذه الجملة : هو أن الله تعالى إله كل شيء دونه ، وخالق كل شيء دونه.

برهان ذلك : أن العالم بكل ما فيه ذو زمان لم ينفك عنه قط ، ولا يتوهم ، ولا يمكن أن يخلو العالم ، عن زمان.

ومعنى الزمان هو مدة بقاء الجسم متحركا أو ساكنا ومدة وجود العرض في الجسم ، وإذ الزمان مدة كما ذكرنا فهو عدد معدود ، ويزيد بمروره ودوامه ، والزيادة لا تكون ألبتة إلا في ذي مبدأ ونهاية من أوله إلى ما زاد فيه. والعدد أيضا ذو مبدأ ، ولا بد ، والزمان مركب بلا شك من أجزائه ، وكل جزء من أجزاء الزمان فهو بيقين ذو نهاية من أوله ومنتهاه والكل ليس هو شيئا غير أجزائه ، وأجزاؤه كلها ذات مبدأ ، فهو كله ذو مبدأ ضرورة ، فلما كان الزمان لا بد له من مبدأ ضرورة ، وكان العالم كله لا ينفك ، عن زمان والزمان ذو مبدأ ، فما لم يتقدم ذا المبدأ فهو ذو مبدأ ، ولا بد ، فالعالم كله جوهره وعرضه ذو مبدأ وإذ هو ذو مبدأ فهو محدث ، والمحدث يقتضي محدثا ضرورة إذ لا يتوهم أصلا ، ولا يمكن محدث إلا وله محدث ، فالعالم كله مخلوق وله خالق لم يزل ، وهو ملك كل ما خلق ، فهو إله كل ما خلق ومخترعه لا إله إلا هو.

3 - مسألة : قال أبو محمد : هو الله لا إله إلا هو ، وأنه تعالى واحد لم يزل ، ولا يزال .

برهان ذلك أنه لما صح ضرورة أن العالم كله مخلوق ، وأن له خالقا وجب أن لو كان الخالق أكثر من واحد أن يكون قد حصرهما العدد ، وكل معدود فذو نهاية كما ذكرنا ، وكل ذي نهاية فمحدث.

وأيضا فكل اثنين فهما غيران ، وكل غيرين ففيهما أو في أحدهما معنى ما صار به غير الآخر ، فعلى هذا كان يكون أحدهما ، ولا بد مركبا من ذاته ومما غاير به الآخر ، وإذا كان مركبا فهو مخلوق مدبر فبطل كل ذلك وعاد الأمر إلى وجوب أنه واحد ، ولا بد ، وأنه بخلاف خلقه من جميع الوجوه ، والخلق كثير محدث.

فصح أنه تعالى بخلاف ذلك ، وأنه واحد لم يزل ، إذ لو لم يكن كذلك لكان من جملة العالم تعالى الله ، عن ذلك قال تعالى {فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}

وقال تعالى {ولم يكن له كفوا أحد} .

4 - مسألة : وأنه خلق كل شيء لغير علة أوجبت عليه أن يخلق .

برهان ذلك أنه لو فعل شيئا مما فعل لعلة لكانت تلك العلة إما لم تزل معه.

وأما مخلوقة محدثة ، ولا سبيل إلى قسم ثالث ، فلو كانت لم تزل معه لوجب من ذلك شيئان ممتنعان : أحدهما أن معه تعالى غيره لم يزل ، فكان يبطل التوحيد الذي قد أبنا برهانه آنفا.

والثاني أنه كان يجب إذ كانت علة الخلق لم تزل أن يكون الخلق لم يزل ، لإن العلة لا تفارق المعلول ، ولو فارقته لم تكن علة له ، وقد أوضحنا آنفا برهان وجوب حدوث العالم كله.

وأيضا فلو كانت ههنا علة موجبة عليه تعالى أن يفعل ما فعل لكان مضطرا مطبوعا أو مدبرا مقهورا لتلك العلة ، وهذا خروج ، عن الإلهية ، ولو كانت العلة محدثة لكانت ، ولا بد إما مخلوقة له تعالى.

وأما غير مخلوقة ، فإن كانت غير مخلوقة فقد أوضحنا آنفا وجوب كون كل شيء محدث مخلوقا ، فبطل هذا القسم. وإن كانت مخلوقة وجب ، ولا بد أن تكون مخلوقة لعلة أخرى أو لغير علة ، فإن وجب أن تكون مخلوقة لعلة أخرى وجب مثل ذلك في العلة الثانية وهكذا أبدا ، وهذا يوجب وجوب محدثين لا نهاية لعددهم. وهذا باطل لما ذكرنا آنفا وبأن كل ما خرج إلى الفعل فقد حصره العدد ضرورة بمساحته أو بزمانه ، ولا بد ، وكل ما حصره العدد فهو متناه.

فبطل هذا القسم أيضا وصح ما قلناه ولله تعالى الحمد.

وإن قالوا : بل خلقت العلة لا لعلة .

سألوا : من أين وجب أن يخلق الأشياء لعلة ويخلق العلة لا لعلة ، ولا سبيل إلى دليل .

5 - مسألة : وأن النفس مخلوقة .

برهان هذا : أننا نجد الجسم في بعض أحواله لا يحس شيئا ، وأن المرء إذا فكر في شيء ما فإنه كلما تخلى ، عن الجسد كان أصح لفهمه وأقوى لادراكه ، فعلمنا أن الحساس العالم الذاكر هو شيء غير الجسد ونجد الجسد إذا تخلى منه ذلك الشيء موجودا بكل أعضائه ، ولا حس له ، ولا فهم إما بموت ، وإما بإغماء ، وإما بنوم.فصح أن الحساس الذاكر هو غير الجسد ، وهو المسمى في اللغة نفسا وروحا ، وقال الله تعالى ذكره : {الله يتوفى الأنفس حين موتـها والتي لم تمت في منامـها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} .

فكانت النفوس كما نص تعالى كثيرة ،وكذلك وجدناها نفسا خبيثة وأخرى طيبة ، ونفسا ذات شجاعة وأخرى ذات جبن ، وأخرى عالمة وأخرى جاهلة.

فصح يقينا أن لكل حي نفسا غير نفس غيره ، فإذا تيقن ذلك وكانت النفوس كثيرة مركبة من جوهرها وصفاتها ، فهي من جملة العالم ، وهي ما لم ينفك قط من زمان وعدد فهي محدثة مركبة ، وكل محدث مركب مخلوق. ومن جعل شيئا مما دون الله تعالى غير مخلوق فقد خالف الله تعالى في قوله : {خلق كل شيء}

وخالف ما جاءت به النبوة وما أجمع عليه المسلمون وما قام به البرهان العقلي.

6 - مسألة : وهي الروح نفسه .

برهان ذلك أنه قد قام البرهان كما ذكرنا بأن ههنا شيئا مدبرا للجسد هي الحي الحساس المخاطب ، ولم يقم برهان قط بأنهما شيئان ، فكان من زعم بأن الروح غير النفس قد زعم بأنهما شيئان وقال ما لا برهان له بصحته ، وهذا باطل .

قال تعالى {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} فمن لا برهان له فليس صادقا.

فصح أن النفس والروح اسمان لمسمى واحد.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود السجستاني ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس ، هو ابن زيد ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة في حديث ذكره أن رسول الله ﷺ قال لبلال : «اكلأ لنا الليل»

فغلبت بلالا عيناه فلم يستيقظ النبي ، ولا بلال ، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس ، فكان رسول الله ﷺ أولهم استيقاظا فقال : يا بلال فقال : أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله وذكر الحديث .

وقال الله تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتـها والتي لم تمت في منامـها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} .

وحدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا علي بن نصر هو الجهضمي ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا الأسود بن شيبان ، حدثنا خالد بن سمير ، حدثنا عبد الله بن رباح حدثني أبو قتادة الأنصاري في حديث ذكر فيه نوم رسول الله حتى طلعت الشمس ، أن رسول الله ﷺ قال : «ألا إنا نحمد الله (أنا) لم نكن في شيء من أمر الدنيا يشغلنا عن صلاتنا ولكن أرواحنا كانت بيد الله عز وجل فأرسلها أنى شاء»

فعبر رسول الله ﷺ بالأنفس وبالأرواح ، عن شيء واحد ، ولا يثبت عنه ﷺ في هذا الباب خلاف لهذا أصلا . وبالله تعالى نتأيد.

7 - مسألة : والعرش مخلوق ;

برهان ذلك قول الله تعالى {رب العرش العظيم} وكل ما كان مربوبا فهو مخلوق .

8 - مسألة : وأنه تعالى {فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ، ولا يتمثل في صورة شيء مما خلق .

قد مضى الكلام في هذا ، ولو تمثل تعالى في صورة شيء لكانت تلك الصورة مثلا له وهو تعالى يقول : {فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.

9 - مسألة : وأن النبوة حق ;

برهان ذلك : أن ما غاب عنا أو كان قبلنا فلا يعرف إلا بالخبر عنه.

وخبر التواتر يوجب العلم الضروري ، ولا بد ، ولو دخلت في نقل التواتر داخلة أو شك لوجب أن يدخل الشك هل كان قبلنا خلق أم لا ; إذ لم نعرف كون الخلق موجودا قبلنا إلا بالخبر ، ومن بلغ ههنا فقد فارق المعقول وبنقل التواتر المذكور صح أن قوما من الناس أتوا أهل زمانهم يذكرون أن الله تعالى خالق الخلق أوحى إليهم يأمرهم بإنذار قومهم بأوامر ألزمهم الله تعالى إياها ، فسألوا برهانا على صحة ما قالوا : فأتوا بأعمال هي خلاف لطبائع ما في العالم لا يمكن ألبتة في العقل أن يقدر عليها مخلوق ، حاشا خالقها الذي ابتدعها كما شاء ، كقلب عصا حية تسعى ، وشق البحر لعسكر جازوا فيه وغرق من اتبعهم ; وكإحياء ميت قد صح موته ، وكإبراء أكمه ولد أعمى ، وكناقة خرجت من صخرة ، وكإنسان رمي في النار فلم يحترق ، وكإشباع عشرات من الناس من صاع شعير ، وكنبعان الماء من بين أصابع إنسان حتى روي العسكر كله. فصح ضرورة أن الله تعالى شهد لهم بما أظهر على أيديهم فصح ما أتوا به عنه وأنه تعالى صدقهم فيما قالوه.

10 - مسألة : وأن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله ﷺإلى جميع الإنس والجن ، كافرهم ومؤمنهم .

برهان ذلك أنه ﷺ أتى بهذا القرآن المنقول إلينا بأتم ما يكون من نقل التواتر ، وأنه دعا من خالفه إلى أن يأتوا بمثله فعجزوا كلهم ، عن ذلك ، وأنه شق له القمر قال الله عز وجل : {اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا أهوآءهم وكل أمر مستقر * ولقد جآءهم من الأنبآء ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغنـي النذر} .

وحن الجذع إذ فقده حنينا سمعه كل من حضره ، وهم جموع كثيرة ; ودعا اليهود إلى تمني الموت إن كانوا صادقين ; وأخبر هم أنهم لا يتمنونه فعجزوا كلهم ، عن تمنيه جهارا.

ودعا النصارى إلى مباهلته فأبوا كلهم.

وهذان البرهانان مذكوران جميعا في نص القرآن ، كما ذكر فيه تعجيزه جميع العرب ، عن أن يأتوا بمثله أولهم ، عن آخرهم ; ونبع لهم الماء من بين أصابعه ، وأطعم مئين من الناس من صاع شعير وجدي ، وأذعن ملوك اليمن والبحرين وعمان لامره للآيات التي صحت عندهم عنه ، فنزلوا ، عن ملكهم كلهم طوعا دون رهبة أصلا ، ولا خوفا من أن يغزوهم ، ولا برغبة رغبهم بها ، بل كان يتيما فقيرا.

وهناك قوم يدعون النبوة كصاحب صنعاء وكصاحب اليمامة ، كلاهما أقوى جيشا وأوسع منه بلادا ، فما التفت لهم أحد غير قومهما ، وكان هو أضعفهم جندا وأضعفهم بلدا وأبعدهم من بلاد الملوك دارا ، فدعا الملوك والفرسان الذين قد ملئوا جزيرة العرب وهي نحو شهرين في نحو ذلك إلى إقامة الصلاة وأداء الزكاة وإسقاط الفخر والتجبر ، والتزام التواضع والصبر للقصاص في النفس فما دونها من كل حقير أو رفيع دون أن يكون معه مال ، ولا عشيرة تنصره ، بل اتبعه كل من اتبعه مذعنا لما بهرهم من آياته ; ولم يأخذ قط بلدة عنوة وغلبة إلا خيبر ومكة فقط وفي القرآن العظيم : {قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إلـه إلا هو يحيـي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} وقال تعالى: {يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقآء يومكم هـذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} وقال تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا} {يهدي إلى الرشد فآمنا به} إلى قوله: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولـئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} ، وقال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} .

11 - مسألة : نسخ عز وجل بملته كل ملة وألزم أهل الأرض جنهم وإنسهم اتباع شريعته التي بعثه بها ، ولا يقبل من أحد سواها ; وأنه ﷺ خاتم النبيين لا نبي بعده ;

برهان ذلك قول الله تعالى {ما كان محمد أبآ أحد من رجالكم ولـكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما} .

حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وهب بن مسرة ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله  : «إن النبوة والرسالة قد انقطعت، فجزع الناس فقال: قد بقيت مبشرات وهن جزء من النبوة» .

12 - مسألة : إلا أن عيسى ابن مريم عليه السلام سينزل وقد كان قبله ﷺ أنبياء كثيرة ممن سمى الله تعالى ومنهم لم يسم ; والإيمان بجميعهم فرض .

برهان ذلك ؛ ماحدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا الوليد بن شجاع وهارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر ; قالوا : حدثنا حجاج ، وهو ابن محمد ، عن ابن جريج قال : أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبي ﷺ يقول : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة» .

وذكر الله تعالى في القرآن آدم ونوحا وإدريس وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان ويونس واليسع وإلياس وزكريا ويحيى وأيوب وعيسى وهودا وصالحا وشعيبا ولوطا.

{ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك} وقال تعالى: {ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} {أولـئك هم الكافرون حقا}

13 - مسألة : وأن جميع النبيين وعيسى ومحمدا ﷺ عبيدا لله تعالى مخلوقون ; ناس كسائر الناس ; مولودون من ذكر وأنثى ; إلا آدم وعيسى ; فإن آدم خلقه الله تعالى من تراب بيده ; لا من ذكر ، ولا من أنثى ; وعيسى خلق في بطن أمه من غير ذكر .

قال الله عز وجل ، عن الرسل عليهم السلام أنهم قالوا : {قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولـكن الله يمن على من يشآء من عباده وما كان لنآ أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون}

وقال تعالى: {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبآئل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}

وقال تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} وقال تعالى: {قال يإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين}

وقال تعالى عن جبريل عليه السلام أنه قال لمريم عليها السلام: {قال إنمآ أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا * قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} {قال كذلك قال ربك هو علي هين}

وقال تعالى: {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين}

14 - مسألة : وأن الجنة حق دار مخلوقة للمؤمنين ، ولا يدخلها كافر أبدا ; قال تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}

وقال تعالى: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من المآء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} .

15 - مسألة : وأن النار حق دار مخلوقة لا يخلد فيها مؤمن .

قال تعالى { لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى } .

16 - مسألة : يدخل النار من شاء الله تعالى من المسلمين الذين رجحت كبائرهم وسيئاتهم على حسناتهم ثم يخرجون منها بالشفاعة ويدخلون الجنة .

قال عز وجل : {إن تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}

وقال تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}

وقال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية * ومآ أدراك ما هيه * نار حامية} .

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو غسان المسمعي ، ومحمد بن المثنى قالا ، حدثنا معاذ ، هو ابن هشام الدستوائي ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك أن النبي ﷺ : «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة» .

17 - مسألة : لا تفنى الجنة ، ولا النار ، ولا أحد ممن فيهما أبدا .

برهان ذلك : قول الله عز وجل مخبرا ، عن كل واحدة من هاتين الدارين ومن فيهما : {خالدين فيهآ أبدا} و {خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شآء ربك عطآء} .

حدثنا عبد الله بن يوسف بن نامي ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى حدثحدثنا محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : «يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم، هذا الموت، ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون فيقولون: نعم هذا الموت، فيؤمر به فيذبح ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت , ثم قرأ رسو ل الله ﷺ: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون} وأشار بيده إلى أهل الدنيا»

وقال عز وجل في أهل الجنة : {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم} وقال في أهل النار: {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور} ، وبالله تعالى التوفيق .

18 - مسألة : وأن أهل الجنة يأكلون ويشربون ويطئون ويلبسون ويتلذذون ، ولا يرون بؤسا أبدا ; وكل ذلك بخلاف ما في الدنيا ; لكن ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ; وحور العين حق نساء مطهرات خلقهن الله عز وجل للمؤمنين.

قال تعالى {يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين * لا يصدعون عنها ولا ينزفون * وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون * وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون * جزآء بما كانوا يعملون}

وقال تعالى: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير}

وقال تعالى: {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا} .

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال : «قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»

مصداق ذلك في كتاب الله تعالى {فلا تعلم نفس مآ أخفي لهم من قرة أعين جزآء بما كانوا يعملون} .

وبه إلى مسلم حدثني الحسن الحلواني ، حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول ; قال رسول الله : «يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون ولكن طعامهم ذلك جشاء كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس» وهذا نص على أنه خلاف ما في الدنيا.

19 - مسألة : وأهل النار يعذبون بالسلاسل والأغلال والقطران وأطباق النيران ; أكلهم الزقوم وشربهم ماء كالمهل والحميم ; نعوذ بالله من ذلك .

وقال تعالى {سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار} .

وقال تعالى: {إنآ أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا} وقال تعالى: {يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم}

وقال تعالى: {إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم}

وقال تعالى: {في سموم وحميم} وقال تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شآء فليؤمن ومن شآء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بمآء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وسآءت مرتفقا} .

20 - مسألة : وكل من كفر بما بلغه وصح عنده ، عن النبي ﷺ أو أجمع عليه المؤمنون مما جاء به النبي ﷺ فهو كافر ;

كما قال تعالى {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيرا} .