→ التوحيد (مسألة 1 - 20) | ابن حزم - المحلى التوحيد (مسألة 21 - 40) المؤلف: ابن حزم |
التوحيد (مسألة 41 - 65) ← |
التـــــوحيد
21 - مسألة : وأن القرآن الذي في المصاحف بأيدي المسلمين شرقا وغربا فما بين ذلك من أول أم القرآن إلى آخر المعوذتين كلام الله عز وجل ووحيه أنزله على قلب نبيه محمد ﷺ من كفر بحرف منه فهو كافر .
قال تعالى {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون}
وقال تعالى: {نزل به الروح الأمين} {على قلبك}
وقال تعالى: {وكذلك أوحينآ إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير}
وكل ما روي ، عن ابن مسعود من أن المعوذتين وأم القرآن لم تكن في مصحفه فكذب موضوع لا يصح ; وإنما صحت عنه قراءة عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود وفيها أم القرآن والمعوذتين
22 - مسألة : وكل ما فيه من خبر ، عن نبي من الأنبياء أو مسخ أو عذاب أو نعيم أو غير ذلك فهو حق على ظاهره لا رمز في شيء منه .
قال تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}
وقال تعالى: {ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هـؤلآء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}
وأنكر تعالى على قوم خالفوا هذا فقال تعالى: {يحرفون الكلم عن مواضعه} .
23 - مسألة : ولا سر في الدين عند أحد ؛
قال الله عز وجل : {إن الذين يكتمون مآ أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولـئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا}
وقال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه ورآء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون} .
24 - مسألة : وإن الملائكة حق ; وهم خلق من خلق الله عز وجل مكرمون كلهم رسل الله .
قال الله تعالى {وقالوا اتخذ الرحمـن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون} ، وقال تعالى: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشآء إن الله على كل شيء قدير} .
25 - مسألة : خلقوا كلهم من نور وخلق آدم من ماء وتراب وخلق الجن من نار .
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله ﷺ : «خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج نار وخلق آدم مما وصف لكم»
وقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} .
26 - مسألة : والملائكة أفضل خلق الله تعالى ; لا يعصي أحد منهم في صغيرة ، ولا كبيرة وهم سكان السماوات .
قال الله تعالى : {لا يعصون الله مآ أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}
وقال تعالى: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا} فهذا تفضيل لهم على المسيح عليه السلام
وقال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} .
ولا خلاف في أن بني آدم أفضل من كل خلق سوى الملائكة فلم يبق إلا الملائكة ، وإسجاده تعالى الملائكة لادم على جميعهم السلام سجود تحية ; فلو لم يكونوا أفضل منه لم يكن له فضيلة في أن يكرم بأن يحيوه.
وقد تقصينا هذا الباب في كتاب الفصل غاية التقصي والحمد لله رب العالمين .
وقال تعالى {وترى الملائكة حآفين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} .
27 - مسألة : وأن الجن حق وهم خلق من خلق الله عز وجل ; فيهم الكافر والمؤمن ; يروننا ، ولا نراهم ; يأكلون وينسلون ويموتون
قال الله تعالى : {يمعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}
وقال تعالى: {والجآن خلقناه من قبل من نار السموم}
وقال تعالى حاكيا عنهم أنهم قالوا: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولـئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}
وقال تعالى: {يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كمآ أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهمآ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أوليآء للذين لا يؤمنون}
وقال تعالى: {وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أوليآء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا}
وقال تعالى: {كل من عليها فان} وقال تعالى: {كل نفس ذآئقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} .
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور وعبد الله بن ربيع ; قال أحمد أخبرنا وهب بن مسرة ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ; وقال عبد الله : حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا هناد بن السري ; ثم اتفق ابن أبي شيبة وهناد قالا : حدثنا حفص بن غياث ، عن داود الطائي ، عن الشعبي ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ : «لا تستنجوا بالعظام ولا بالروث فإنهما زاد إخوانكم من الجن» .
28 - مسألة : وأن البعث حق ; وهو وقت ينقضي فيه بقاء الخلق في الدنيا فيموت كل من فيها ; ثم يحيي الموتى ; يحيي عظامهم التي في القبور وهي رميم ويعيد الأجسام كما كانت ويرد إليها الأرواح كما كانت ; ويجمع الأولين والآخرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يحاسب فيه الجن والإنس فيوفى كل أحد قدر عمله
قال الله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيـي الموتى وأنه على كل شيء قدير * وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور}
وقال تعالى: {قال من يحيي العظام وهي رميم} {قل يحييها الذي أنشأهآ أول مرة وهو بكل خلق عليم}
وقال تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}
وقال تعالى: {قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم}
وقال تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}
وقال تعالى: {اليوم تجزى كل نفس بما كـسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب} .
29 - مسألة : وإن الوحوش تحشر
قال الله تعالى : {وإذا الوحوش حشرت}
وقال تعالى: {وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} .
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» .
30 - مسألة : وأن الصراط حق وهو طريق يوضع بين ظهراني جهنم فينجو من شاء الله تعالى ويهلك من شاء.
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي ، عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله ﷺ : «ويضرب الصراط بين ظهري جهنم»
وقال ﷺ في هذا الحديث أيضا: «وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان ؟ فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز وجل تخطف الناس بأعمالهم فمنهم يعني الموبق بعمله ومنهم المخردل حتى ينجى» وذكر باقي الخبر.
31 - مسألة : وأن الموازين حق توزن فيها أعمال العباد ; نؤمن بها ، ولا ندري كيف هي
قال الله عز وجل : {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}
وقال تعالى: {والوزن يومئذ الحق}
وقال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية * ومآ أدراك ما هيه * نار حامية} .
32 - مسألة : وأن الحوض حق من شرب منه لم يظمأ أبدا .
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ما آنية الحوض قال ﷺ : «والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل» .
33 - مسألة : وأن شفاعة رسول الله ﷺ في أهل الكبائر من أمته حق فيخرجون من النار ويدخلون الجنة
قال الله عز وجل : {الله لا إلـه إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شآء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم}.
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو غسان المسمعي ، حدثنا معاذ يعني ابن هشام الدستوائي ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك أن نبي الله ﷺ قال : «لكل نبي دعوة دعاها لأمته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» .
وبه إلى مسلم : حدثنا نصر بن علي ، حدثنا بشر يعني ابن المفضل ، عن أبي مسلمة هو سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : «أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل» .
34 - مسألة : وأن الصحف تكتب فيها أعمال العباد الملائكة حق نؤمن بها ، ولا ندري كيف هي .
قال الله عز وجل : {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}
وقال عز وجل: {هـذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إن كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} .
وقال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك} .
35 - مسألة : وأن الناس يعطون كتبهم يوم القيامة ; فالمؤمنون الفائزون الذين لا يعذبون يعطونها بأيمانهم ; والكفار بأشملهم والمؤمنون أهل الكبائر وراء ظهورهم
قال الله عز وجل : {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا * وأما من أوتي كتابه ورآء ظهره * فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا * إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور}
وقال تعالى {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يليتها كانت القاضية * مآ أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه * خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه * إنه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحض على طعام المسكين} .
36 - مسألة : وإن على كل إنسان حافظين من الملائكة يحصيان أقواله وأعماله
قال عز وجل : {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} .
37 - مسألة : ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ; فإن عملها كتبت له عشرا. ومن هم بسيئة فإن تركها لله تعالى كتبت له حسنة ; فإن تركها بغلبة أو نحو ذلك لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت له سيئة واحدة.
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ، عن همام بن منبه هذا ما حدثنا أبو هريرة ، عن رسول الله ﷺ فذكر أحاديث منها قال : قال رسول الله ﷺ : «قال الله عز وجل إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل فإذا عملها أكتبها بعشر أمثالها وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها» .
وقال رسول الله ﷺ : «قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة ـــ وهو أبصر به ـــ فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي» .
وقال رسول الله ﷺ : «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وكل سيئة تكتب (له) بمثلها حتى يلقى الله عز وجل» .
38 - مسألة : ومن عمل في كفره عملا سيئا ثم أسلم ; فإن تمادى على تلك الإساءة حوسب وجوزي في الآخرة بما عمل من ذلك في شركه وإسلامه ; وإن تاب ، عن ذلك سقط عنه ما عمل في شركه.
ومن عمل في كفره أعمالا صالحة ثم أسلم جوزي في الجنة بما عمل من ذلك في شركه وإسلامه ; فإن لم يسلم جوزي بذلك في الدنيا ولم ينتفع بذلك في الآخرة.
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون ، وإبراهيم بن دينار ، واللفظ له قالا ، حدثنا حجاج ، وهو ابن محمد ، عن ابن جريج قال : أخبرني يعلى بن مسلم أنه سمع سعيد بن جبير يحدث ، عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا محمدا ﷺ فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن ، ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت : {والذين لا يدعون مع الله إلـها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولـئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} {ومن تاب وعمل صالحا}
فلم يسقط الله ، عز وجل ، تلك الأعمال السيئة إلا بالإيمان مع التوبة مع العمل الصالح.
وبه إلى مسلم حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : قال أناس لرسول الله ﷺ : يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال: «أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها ومن أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام» .
وبه إلى مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : قلنا يا رسول الله «أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال: «ومن أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر» .
وبه إلى مسلم حدثنا حسن الحلواني ، حدثنا يعقوب ، هو ابن إبراهيم بن سعد ، حدثنا عن صالح ، هو ابن كيسان ، عن ابن شهاب أخبرنا عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره ، أنه قال لرسول الله ﷺ : «أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم أفيها أجر؟ فقال رسو ل الله ﷺ: أسلمت على ما أسلفت من خير» .
فإن ذكروا قول الله عز وجل : {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين} .
وقوله ﷺ لعمرو بن العاص «إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله» .
قلنا : إن كلامه ﷺ لا يعارض كلامه ، ولا كلام ربه ،ولو كان ذلك وقد أعاذ الله من هذا لما كان بعضه أولى من بعض ولبطلت حجة كل أحد بما يتعلق به منه.
وكذلك القرآن لا يعارض القرآن ، ولا السنة.
قال عز وجل : {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}
فأما قوله تعالى : {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين} : إن من انتهى غفر له.
وأما من لم ينته عنه فلم يقل الله تعالى أنه يغفره له ، فبطل تعلقهم بالآية.
وأما قوله ﷺ : «إن الإسلام يهدم ما كان قبله»
وهو قولنا ; لإن الإسلام اسم واقع على جميع الطاعات ، والتوبة من عمل السوء من الطاعات.
وكذلك قوله ﷺ في الهجرة إنما هي التوبة من كل ذنب ، كما صح عنه ﷺ «المهاجر من هجر ما نهى عنه» .
حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا محمد بن يوسف الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي ﷺ قال : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» .
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص بن غياث ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة أم المؤمنين قالت : «قلت يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» .
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا مسلم ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ : «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيعطى بحساب ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها» .
39 - مسألة : وأن عذاب القبر حق ومساءلة الأرواح بعد الموت حق ، ولا يحيا أحد بعد موته إلى يوم القيامة .
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن بشار بن عثمان العبدي ، حدثنا محمد بن جعفر هو غندر ، حدثنا شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب ، عن النبي ﷺ قال : «{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشآء} قال: نزلت في عذاب القبر يقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله ونبيي محمد» .
وبه إلى مسلم ، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا بديل ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي هريرة قال : «إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه عز وجل ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال: وإن الكافر إذا خرجت روحه يقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل»
قال أبو هريرة : فرد رسول الله ﷺ ريطة كانت عليه على أنفه .
وقال الله تعالى {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} فصح أنهما حياتان وموتان فقط ، ولا ترد الروح إلا لمن كان ذلك آية ، كمن أحياه عيسى عليه السلام ، وكل من جاء فيه بذلك نص ،
وهو قول من روي عنه في ذلك قول من الصحابة ، رضي الله عنهم.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا عيسى بن حبيب ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا جدي محمد بن عبد الله ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن منصور بن عبد الرحمان ، عن أمه صفية بنت شيبة قالت " «دخل ابن عمر المسجد فأبصر ابن الزبير مطروحا قبل أن يصلب، فقيل له هذه أسماء فمال إليها وعزاها، وقال: إن هذه الجثث ليست بشيء وإن الأرواح عند الله عز وجل، قالت له أسماء: وما يمنعني وقد أهدى رأس زكريا إلى بغى من بغايا بني إسرائيل» .
ولم يرو أحد أن في عذاب القبر رد الروح إلى الجسد إلا المنهال بن عمرو ، وليس بالقوي.
40 - مسألة : والحسنات تذهب السيئات بالموازنة ، والتوبة تسقط السيئات والقصاص من الحسنات
قال الله عز وجل : {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} .
وقال تعالى: {فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنمآ أنزل بعلم الله وأن لا إلـه إلا هو فهل أنتم مسلمون} .
حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا إسماعيل ، عن العلاء بن عبد الرحمان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : «أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي من شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار»
وقال عز وجل: {اليوم تجزى كل نفس بما كـسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب} .
باب التوحيد |
التوحيد (مسألة 1 - 20) | التوحيد (مسألة 21 - 40) | التوحيد (مسألة 41 - 65) | التوحيد (مسألة 66 - 91) |