مجلة المقتبس/العدد 95/فوات نهج البلاغة
→ قوائم المكاتب العربية | مجلة المقتبس - العدد 95 فوات نهج البلاغة [[مؤلف:|]] |
دائرة المعارف الإسلامية ← |
بتاريخ: 1 - 12 - 1914 |
لمولانا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام من الحكمة البالغة التي تتجلى ببرود البلاغة الرائعة ما لا يجهله ذو مسكة من البيان العربي.
وهو مع كونه غذي بدر النبوة وارتضع أفاويق الحكمة فهو بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبلغ الهاشميين الذين هم مهبط القرآن ومعدن الإعجاز في البيان وهم أفصح قريش الذين هم أفصح العرب على الإطلاق.
وقد عني الشريف الرضي الموسوي في جمع ما عثر عليه من كلامه عليه السلام في كتابه نهج البلاغة فكان هذا الكتاب نبراساً للمتأدبين ومنهجاً لاحباً للطالبين وتوفرت العناية في دراسته من طالبي الحكمة الأخلاقية أو الملكات اللغوية أو السلائق البيانية.
وقد عثرت في مطالعاتي على كلام له عليه السلام لم يذكر كله أو جله في نهج البلاغة فأحببت أن أتحف قراء المقتبس بهذه الدرر الحكيمة والجواهر الكريمة خدمة للعلم فقد أخرج الشيخ الإمام محمد بن محمد بن النعمان المعروف بأبي عبد الله الحفيد المولود سنة 338 والمتوفى سنة 413 في كتابه المعروف بالإرشاد جملة صالحة من كلامه في مواضع شتى إليك بعضها مع شرح وجيز لها.
النبطية (جبل عامل) -
أحمد رضا
من كلام عليه السلام في وجوب المعرفة بالله تعالى والتوحيد له
ونفي التشبيه عنه والوصف لعدله
فمن ذلك ما رواه أبو بكر الهزلي عن الزهري عن عيسى بن زيد عن صالح بن كيسان أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في الحث على معرفة الله سبحانه والتوحيد له.
أول عبادة الله معرفته وأصل معرفته توحيده ونظام توحيده ففي التشبيه عنه جل عن أن تحله الصفات لشهادة العقول أن كل من حلته الصفات مصنوع وشهادة العقول أنه جل وعلا صانع ليس بمصنوع بصنع الله يستدل عليه وبالعقول يعتقد معرفته وبالنظر تثبت صحته جعل الخلق دليلاً عليه فكشف به عن ربوبيته هو الواحد الفرد في أزليته لا شريك له في آلهته. ولا ندّ له في ربوبيته بمضادته بين الأشياء المتضادة علم أن لا ضدّ وبمقارنته بين الأمور المقترفة علم أن لا قرين له (في كلام طويل).
ومما حفظ عنه في نفي التشبيه عن الله تعالى
ما رواه الشعبي قال سمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً يقول والذي احتجب بسبع طباق فعلاه بالدرة ثم قال له:
يا ويلك أن الله أجل من أن يحتجب عن شيء أو يحتجب عنه شيء سبحان الذي لا يحويه مكان في الأرض ولا في السماء. فقال الرجل أفأكفّر عن يميني يا أمير المؤمنين قال عليه السلام لا أنك لم تحلف بالله فتلزمك كفارة الحنث وإنما حلفت بغيره.
ومن كلامه:
روى الحسن بن أبي الحسن البصري قال: جاء وجل إلى أمير المؤمنين بعد انصرافه من صفين فقال له يا أمير المؤمنين أخبرني عما كان بيننا وبين هؤلاء القوم من الحرب أكان بقضاء من الله وقدر فقال له أمير المؤمنين عليه السلام ما علوتم تلعة ولا هبطتم وادياً إلا والله فيه قضاء وقدر فقال الرجل فعند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال له ولم قال إذا كان القضاء والقدر ساقانا إلى العمل فما وجه الثواب لنا على الطاعة وما وجه العقاب لنا على المعصية فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أو ظننت يا رجل أنه قضاء حتم وقدر لازم لا تظن ذلك فإن القول به مقال عبدة الأوثان وحزب الشيطان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومحبوسها إن الله جل جلاله أمر تخييراً ونهى تحذيراً وكف يسيراً ولم يطع مكرهاً ولم يعص مغلوباً ولم يخلق السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا بربهم فويل للذين كفروا من النار.
فقال الرجل فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين قال الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية والتمكين من فعل الحسنة وترك السيئة والمعونة على القربة إليه والخذلان لمن عصاه والوعد والوعيد والترغيب والترهيب كل ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره لأعمالنا فأما غير ذلك فلا تظن فإن الظن له محبط للأعمال فقال الرجل فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك وأنشأ يقول
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته ... يوم المآب من الله غفرانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً ... جزاك ربك بالإحسان إحسانا ومن كلامه في الدعاء إلى معرفته وبيان فضله وما ينبغي
لمتعلم العلم أن يكون عليه
ما رواه العلماء في الأخبار في خطبة منها والحمد لله الذي هدانا من الضلالة وبصرنا من العمى ومن علينا بالإسلام وجعل فينا النبوة وجعلنا النجباء وجعل إفراطنا إفراط الأنبياء وجعلنا خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونعبد الله ولا نشرك به شيئاً ولا نتخذ من دونه ولياً فنحن شهداء الله والرسول شهيد علينا نشفع فنشفع فيمن شفعنا له وندعو فيستجاب دعاؤنا ويغفر لمن ندعو له ذنوبه أخلصنا لله فلم ندع من دونه ولياً. أيها الناس تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله أن الله شديد العقاب. أيها الناس إني ابن عم نبيكم وأولاكم بالله ورسوله فاسألوني ثم اسألوني فكأنكم بالعلم قد نفذ وأنه لا يهلك عالم إلا هلك معه بعض علمه وإنما العلماء في الناس كالبدر في السماء يضيء نوره على سائر الكواكب خذوا من العلم ما بدا لكم وإياكم أن تطلبوه بخصال أربع لتباهوا به العلماء أو تماروا به السفهاء أو تراؤوا به في المجالس أو تعرفوا وجوه الناس إليكم للترأس ولا يستوي عند الله في العقوبة الذين يعلمون والذين لا يعلمون ونفضنا الله وإياكم بما علمنا وجعله لوجه الله خالصاً انه سميع مجيب.
ومن كلامه في وصفه العالم وأدب المتعلم
رواه الحرث الأعور قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول من حق العالم ألا يكثر عليه السؤال ولا يعنت في الجواب ولا يلح عليه إذا كسل ولا يؤخذ بشوبه إذا نهضا ولا يشار إليه بيد في حاجة ولا يفشى له سر ولا يغتاب عنده أحد ويعظم كما حفظ أمر الله. ولا يجلس المتعلم إلا أمامه ولا يعرض من طول الصحبة وإذا جاءه طالب علم وغيره فوجده في جماعة عمهم بالسلام وخصّه بالتحية وليحفظ شاهداً أو غائباً وليعرف له حقه فإن العالم أعظم أجراً من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله فإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه وطالب العلم تستغفر له الملائكة.
ومن كلامه عليه السلام في أهل البدع ومن قال في الدين برأيه
وهذه الخطبة ورد أكثرها في نهج البلاغة وفيها زيادات لم تذكر هناك فأوردناها برمته
ما رواه ثقات النقل من الخاصة والعامة في كلام افتتاحه الحمد لله والصلاة على نبيه صلى الله وآله وسلم.
أما بعد فذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم انه لا يهيج على التقوى زرع قوم لا يظمأ عنه سنح أصل وإن الخير كله فيمن عرف قدره وكفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدره وأن أبغض الخلق إلى الله تعالى رجل وكله الله إلى نفسه جائز عن قصد السبيل مشعوف بكلام بدعة قد لهج فيها بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن أفتتن به ضال عن هدي من كان قبله مضل لمن أقتدى به حمال خطايا غيره رهن بخطيئة قد قمش جهلاً في جهال عشوة غار باغباش الفتنة عمي عن الهدى قد سماه أشباه الناس عالماً ولم بغن فيه يوماً سالماً بكر فاستكثر مما قل منه خير مما كثر حتى إذا ارتوى من آجن واستكثر من غير طائل جلس للناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره أن خالف من سبقه لم يأمن من نقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان قبله وإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشواً من رأيه ثم قطع عليه. فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ. ولا يرى أن من وراء ما بلغ مذهباً. أن قاس شيئاً بشيء لم يكذّب رأيه وإن أظلم عليه أمراً اكتتم به لما يعلم من نفسه من الجهل والنقص والضرورة كيلا يقال أنه لا يعلم ثم أقدم بغير علم فهو خائض عشوات ركاب شبهات خبّاط جهالات لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم. ولا يعض على العلم بضرس قاطع فيغنم. يذري الروايات ذرو الريح الهشيم تبكي منه المواريث وتصرخ منه الدماء ويستحل بقضائه الفرج الحرام ويحرم به الحلال لا يسلم بإصدار ما عليه ورد ولا يندم على ما منه فرط.
أيها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعذرون بجهالته فإن العلم الذي هبط به آدم عليه السلام وجميع ما فضلت به النبيون إلى نبيكم خاتم النبيين. في عترة محمد صلى الله عليه وعلى آله فأين يتاه بكم بل إلى أين تذهبون يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة هذه مثلها فيكم فاركبوها فكما نجا من هاتيك فكذلك ينجو من هذه من دخلها. أنا رهين بذلك قسماً حقاً وما أنا من المتكلفين والويل لمن تخلف ثم الويل لمن تخلف. أما بلغكم ما قال فيهم نبيكم صلى الله عليه وآله حيث يقول في حجة الوداع: إني تارك فيكم الثقلين ما تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما إلا هذا عذب فرات فاشربوا وهذا ملح أجاج فاجتنبوا.
ومن كلامه عليه السلام في التزود للآخرة وأخذ الأحبة للقاء الله تعالى
والوصية للناس بالعمل الصالح
ما رواه الثقات أنه كان ينادي في كل ليلة حين يأخذ الناس مضاجعهم بصوت يسمعه كافة أهل المسجد ومن جاوره من الناس.
تزودوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل وأقلوا العرجة على الدنيا وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد فإن أمامكم عقبة كؤداً ومنازل مهولة لا بد من الممر بها والوقوف عليها فإما برحمة من الله نجوتم من فظاعتها وأما هلكة ليس بعدها انجبار يا لها حسرة على ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة وتؤديه أيامه إلى شقوة جعلنا الله وأيامكم ممن لا تبطره نعمة ولا تحل به بعد الموت نقمة فإنما نحن به وله وبيده الخير وهو على كل شيء قدير.
ومن كلامه عليه السلام في التزهيد في الدنيا والترغيب في أعمال
الآخرة
يا ابن آدم لا يكن أكبر همك يومك الذي أن فاتك لم يكن من أجلك فإن همك يوم فإن كل يوم تحضره يأتي الله فيه برزقك وأعلم أنك لن تكتسب شيئاً فوق قوتك إلا كنت خازناً لغيرك يكثر في الدنيا به نصبك ويحظى به وارثك ويطول معه يوم القيامة حسابك فاسعد بمالك في حياتك وقدم ليوم معادك زاداً يكون أمامك فإن السفر بعيد والموعد القيامة والمورد الجنة أو النار.
ومن كلامه عليه السلام في ذكر خيار الصحابة وزهادهم
ما رواه صعصعة بن صوحان العبدي قال صلى بنا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم صلاة الصبح فلما أسلم أقبل على القبلة بوجهه يذكر الله لا يلتفت يميناً ولا شمالاً حتى صارت الشمس على حائط مسجدكم هذا (يعني جامع الكوفة قيد رمح ثم أقبل علينا بوجه فقال: لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وأنهم ليراوحوا في هذا الليل بين جباههم وركبهم فإذا أصبحوا أصبحوا شعثاً غبراً بين أعينهم شبه ركب المعزى فإذا ذكروا الموت مادوا كما يميد الشجر في الريح ثم انهملت عيونهم حتى تبل ثيابهم ثم نهض عليه السلام وهو يقول: كأنما القوم باتوا غافلين.
ومن كلامه ومواعظه وقد ذكرت في النهج على اختلاف بين روايتها
هنا وهناك
الموت طالب حثيث ومطلوب لا يعجزه المقيم ولا يفوته الهارب فأقدموا ولا تنكلوا فإنه ليس عن الموت محيض أنكم أن لا تقتلوا تموتوا والذي نفسى بيده لألف ضربة بسيف على الرأس أيسر من موتة على فراش.
ومنها
أيها الناس أصبحتم أغراضاً تنتصل فيكم المنايا وأموالكم نهب المصائب ما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص وما شربتم من شراب فلكم فيه شرف وأشهد بالله ما تنالون من الدنيا نعمة تفرحون بها إلا بفراق أخرى تكرمونها. أيها الناس إنا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء لكنكم من دار إلى دار تنقلون فتزودوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه والسلام.
ومن كلامه عليه السلام في الدعاء إلى نفسه والدلالة على فضله
ما رواه كثير من الخاصة والعامة وذكره أبو عبيدة معمر بن المثنى وغيره أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في خطبة خطبها بعد بيعة الناس له على الأمر وذلك أبعد قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
أما بعد فلا يرعين مرح إلا على نفسه شغل من الجنة والنار أمامه ساع مجتهد وطالب يرجو ومقصر في النار ثلاثة واثنان ملك طار بجناحيه ونبي أخذ الله بيديه لا سادس هلك من ادعى وردي من اقتحم اليمين والشمال مضلة والوسطى الجادة منهج عليه باقي الكتاب والسنة وآثار النبوة إن الله تعالى داوى هذه الأمة بدوائين السوط والسيف لا هوادة عند الإمام فيهما فاستتروا بيوتكم وأصلحوا فيما بينكم والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها معذورين أما إني لو أشاء أن أقول لقلت عفى الله هما سلف سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيراً له انظروا فإن أنكرتم فأنكروا وإن عرفتم فبادروا حق وباطل ولكلّ أهل ولئن أمر الباطل فلقديماً فعل ولئن قلّ الحق فلربما ولعل وقل ما أدبر شيء فأقبل ولئن رجعت إليكم نفوسكم أنكم لسعداء وأني لأخشى أن تكونوا في فترة وما علي إلا الاجتهاد. إلا وأن إبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً ألا وأنا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا وبقول صادق أخذنا فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا وإن لم تفلوا يهلككم الله بأيدينا معنا راية الحق من تبعها لحق ومن تأخر عنها غرق إلا وبنا تدرك ترة كل مؤمن وتخلع ربقة الذل من اعناقكم وبنا فتح الله لا بكم وبنا يختم لا بكم.
ومن كلامه عليه السلام
ما رواه عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب بن عبد الله قال: دخل على علي ابن أبي طالب عليه السلام بالمدينة بعد بيعة الناس لعثمان فوجدته مطرقاً كئيباً فقلت له: ما أصاب قومك فقال: سبحان الله والله أنك لصبور قال فاصنع ماذا قلت: تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك وتخبرهم أنك أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالفضل والسابقة وتسألهم النصر على هؤلاء المتمالئين عليك فإن أجابك عشرة من مائة شددت بالعشرة على المائة وإن دانوا لا كان ذلك على ما أحببت وإن أبوا قاتلتهم فإن ظهرت عليهم فهو سلطان الله الذي أتاه نبيه عليه الصلاة والسلام وكنت أولى به منهم وإن قتلت في طلبه قتلت شهيداً وكنت أولى بالعذر عند الله وأحق بميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال: أتراه يا جندب يبايعني عشرة من مائة قلت: أرجو ذلك قال: لكني لا أرجو من كل مائة أثنين وسأخبرك من أين ذلك.
إنما ينظر الناس إلى قريش وأن قريشاً تقول أن آل محمد يرون أن لهم فضلاً على سائر الناس وأنهم أولياء الأمر دون قريش وأنهم إن ولوه لم يخرج منهم هذا السلطان إلى أحد أبداً ومتى كان في غيرهم تداولتموه بينكم لا والله لا تدفع قريش إلينا هذا السلطان طائعين أبداً قال: فقلت له أفلا أرجع فأخبر الناس بمقالتك هذه فادعوهم إليك فقال لي: يا جندب ليس هذا زمان ذلك قال: فرجعت إلى العراق فكنت كلما ذكرت للناس شيئاً من فضائله ومناقبه وحقوقه زبروني ونهروني حتى دفع ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة ليالي ولينا فبعث إلي فحبسني حتى كلم فيّ فخلى سبيلي. ومن كلامه عليه السلام:
لما توجه أمير المؤمنين عليه السلام إلى البصرة نزل الربذة فلقيه بها آخر الحاج فاجتمعوا ليسمعوا كلامه وهو في خبائه قال ابن عباس فأتيته فوجدته يخصف نعلاً فقلت له: نحن على أن تصلح أمرنا أحوج منا إلى ما تصنع فلم يكلمني حتى فرغ من نعله ثم ضمها إلى صاحبها وقال لي: قومّها فقلت: ليسر لهما قيمة قال على ذاك قلت كسر درهم قال: والله لهما أحب إلى من أمركم هذا إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً. قلت: أن الحاج اجتمعوا ليسمعوا من كلامك فتأذن لي أن أتكلم فإن كان حسناً كان منك وإن كان غير ذلك كان مني قال لا أنا أتكلم ثم وضع يده على صدري وكان شثن الكفين فآلمني ثم قام فأخذت بثوبه وقلت: أنشدك الله والرحم قال: لا تنشد ثم خرج فاجتمعوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله وليس في للعرب أحد يقرأ كتاباً ولا يدعي نبوة فساق الناس إلى منجاتهم أما والله ما زلت في ساقتها ما غيرت ولا بدأت ولا خنت حتى تولت بحذافيرها ما لي ولقريش أما والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتوقين وإن مسيري هذا عن عهد إليّ فيه أما والله لأبقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا وأنشد
وذنب لعمري شربك المحض خالصاً ... وأكلك بالزبد المقشرة التمرا
ونحن وهبناك العلاء ولم تكن ... علياً وحطنا حولك البيض والسمرا
لها تابع