مجلة المقتبس/العدد 72/ملقى السبيل
→ ../ | مجلة المقتبس - العدد 72 ملقى السبيل [[مؤلف:|]] |
هل تسترد اللغة مجدها القديم ← |
بتاريخ: 1 - 2 - 1912 |
سانحة
المعري وشبنهاور
من عهد بعيد بحث كتاب الشرق والغرب عن حياة الشاعر الحكيم أبي العلاء المعري وتآليفه وعرفوه بما يستحقه من الإجلال والتعظيم فلا حاجة لإيراد ترجمته هنا.
إلا أنّا لم نر أحداً أشار إلى المشابهة الغريبة الموجودة بين فلسفة المعري ومذهب شبنهاور الحكيم الجرماني.
ولد أرثور شبنهاور بمدينة دنتسيغ بألمانيا سنة 1788 فاعتنت أمه بتثقيفه وكانت من مشاهير قصصي ذلك القرن فأحسنت تربيته.
وبعد أن تلقى العلوم بجامعة برلين وحصل عَلَى أعلا شهاداتها أخذ يدون آراءه الفلسفية فألف عدة كتب أهمها (الإرادة في الطبيعة) و (أساس الحكمة) وأشهرها (حقائق تتعلق بالحكمة في الحياة) وفيه جمع شبنهاور حكمه في أقوال موجزة وفصول قصار وصف فيها أتعاب الحياة وآلام البشر بكيفية تؤلم القارئ لانطباقها في الغالي عَلَى الواقع. ومذهب شبنهاور مركوز عَلَى قاعدة أن جميع مشاق الإنسان وأتعابه الدنياوية الأصل فيما يسميه إرادة البشر يعني شهوات طبيعتنا وحبنا التمتع والتلذذ بالحياة.
أوليس هذا رأي المعري عندما يقول: إنك إلى الدنيا مصغ. وحبها للبشر مطغ. لو أنك لشأنها ملغ. أبغاك ما تأمله مبغ؟ ولولا خوف الإطالة لأوردنا شيئاً كثيراً من تشابه أقوال الحكيمين.
وتوفي أرثور شبنهاور بفرنكفورت عام 1860.
ومن اطلع عَلَى طريقة هذا الفيلسوف الألماني تيقن أن معتقده ويأسه من الحياة وتشاؤمه المستمر يطابق كثيراً مذهب المعري خصوصاً في فحصه أتعاب البشر وآلامهم وجسه أسقام الإنسان كالباحث الماهر والطبيب العارف من غير حنان ولا شفقة عَلَى هذا النوع الإنساني وبدون أن يبين في وصف الأدوية التي ينبغي اتخاذها واستعمالها للاتقاء وتسلية تلك المواجع.
وهناك علاقة وتشابه آخر بين أبي العلاء وشبنهاور وهو كونهما لم يتزوجا وعاشا ف عزوبة مستمرة وعزلة وانقطاع مما أثر في طبيعتهما وجعلهما يتشاءمان وينتقدان الهيئة الاجتماعية ويتناولان أهل الدين وأرباب العشائر والنساء والاعتقاد ويسيئان الظن بالدنيا وساكنيها.
والفرق بين العالمين هو كون شبنهاور استقل في علم الفلسفة ودراستها والتدوين فيها بخلاف المعري الذي لم يشتغل بالفلسفة من حيث هي علم وإنما كان يبحث عن أسباب الأشياء وتعليل وجودها فتخطر له خطرات حكمية تستحوذ عَلَى مخيلته وذهنه الحاد فتسبكها قريحته الشعرية في تلك القوالب لعجيبة التي تظهر من قصائده.
بقي أن نتكلم عن رسالة ملقى السبيل التي نقدمها اليوم إلى محبي الآثار العربية والمولعين بنثر شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء ونظمه.
يظهر من هيئة هاته الرسالة وإنشاءها أن المعري ألفها في الدور الأخير من حياته زمن عزلته وانقطاعه (حوالي سنة 430 هـ) وقد زهد في الدنيا لكبره واقتراب أجله. فكأنه أراد الرجوع للمبادئ الدينية وسلك طريقة الوعظ والنسك وتمسك بالاعتقاد. وأين قوله زمن صغره لما كان في غزارة قواه وعنفوان شبابه:
ضحكنا وكان الضحكُ منا سفاهةٌ ... وحق لسكانِ البسيطةِ أن يبكوا
تحطمنا الأيامُ حتى كأننا ... زجاجٌ ولكن لا يُعاد لنا سبك
ومن اعترافه بالبعث والمعاد في هاته الرسالة كقوله وفي الآخرة يكون المجمع وقوله وعند الباري تكون الزلف وهلم جرا.
أما أسلوب هذه الرسالة في مجمله فهو يشابه كثيراً لهجة الخطب البليغة ذات الفصول القصار التي كان يلقيها خطباء العرب كسحبان وائل الباهلي وقس بن ساعدة وعامر بن الطفيل وأمثالهم بأسواق الجاهلية. وإليك نموذجاً من كلام قس بن ساعدة خطيب بني إياد الذي قال فيه النبي ﷺ رأيته بسوق عكاظ عَلَى جمل أحكر يقول: أيها الناس اجتمعوا فاسمعوا وعوا. من عاش مات. ومن مات فات. وكل ما هو آتٍ آت. في هذه آيات محكمات. مطر ونبات. وآباءٌ وأمهات. وذاهب وآت. ونجوم تمور. وبحور لا تغور. وسقف مرفوع. ومهاد موضوع. وليل داج. وسماء ذات أبراج. مالي أرى الناس يموتون ولا يرجعون. أرضوا فأقاموا. أم حبسوا فناموا. يا معشر إياد. أين ثمود وعاد.
وأين الآباء والأجداد. أين المعروف الذي يشكر. والظلم الذي لم ينكر:
في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي ولا ... يبقى من الباقين غابر
أيقنت أني لامحا ... لة حيث صار القوم صائر
وسوف يرى القارئُ ما بين الكلام المتقدم وحل المعري وعقده في ملقى السبيل من مطابقة المعنى ومشابهة اللهجة.
أما النسخة التي اعتمدنا عليها في النقل فهي محفوظة بمكتبة الأسكوريال من بلاد الأندلس تحت نمرة 467 وهي بخط الراوي لها القاضي الإمام الشريف أبي محمد عبد الله ابن القاضي أبي الفضل عبد الرحمن بن يحيى الديباجي العثماني رسمها بالإسكندرية أوائل القرن السادس وقد اعتنى برسمها وضبط جملها بطريقة ثابتة مدققة وهي فيما اعتقده أقدم نسخة لملقى السبيل ولا يبعد أن تكون هي التي عول عليها أدباء الأندلس في معارضتهم لها فقد جاء في نفح الطيب أن الحافظ أبا الربيع الكلاعي الأندلسي المتوفى بالجهاد سنة 634 هـ. عارض هذه الرسالة بتأليف سماه مفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة المعري في ملقى السبيل. كما تحتوي مكتبة الأسكوريال نفسها عَلَى كتب (نمرة 519) من وضع الكاتب الشهير أبي عبد الله محمد بن أبي الخصال وزير يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين عارض به ملقى السبيل أيضاً. ومن جهة أخرى يوجد بمقدمة النسخة التي لدينا وهي كما قدمنا صورة فوتوغرافية من الأصل الأندلسي كثير من الإجازات تنبئ بقراءَة هذه الرسالة عَلَى أساتذة متضلعين تلتحق رواياتهم بالراسم الأول نعني عبد الله الديباجي. وأقد توقيع من هذا النمط مؤرخ سنة 562 وهو مما يستدل به أيضاً عَلَى اهتمام الأندلسيين بتآليف المعري.
وعسى أن ننشر فيما بعد رسائل أخرى من وضع هذا الفيلسوف الشاعر والله ولي التوفيق.
تونس 10 ربيع الأنور 1329
ح. ح. عبد الوهاب بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرني بملقى السبيل هذه الشيخ أبو المظفر سعد بن أحمد بن حماد المعري رحمه الله عن أبيه أبي العلاء ناظمها وكتب عبد الله بن عبد الرحمن العثماني.
قال الشيخ الإمام أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري رهين المحبسين
الهمزة
كم يجني الرجل ويخطئ، ويعلم أن حتفه لا يبطئ،
نظمه (مخلع البسيط)
إن الأنام ليخطئوا ... ن ويغفر الله الخطيئة
كم يبطئون عن الجمي ... ل وما مناياهم بطيئة
الألف
ابن آدم في سير وسُرى. يهجر بحصره الكرى. وطال ما كذب وافترى.
ليصل إلى خسيس القرى. وإنما يحصل عَلَى الثرى. كأنه لا يسمع ولا يرى.
نظمه (سريع)
أما يفيق المرء من سكره ... مجتهداً في سيره والسرى
نمت عن الأخرى فلم تنتبه ... وفي سوى الدين هجرت الكرى
كم قائل راح إلى معشر ... أبطل فيما قاله وافترى
عَلَى القرا يحمل أثقاله ... وإنما يأمل نزرِ القرى
يفتقر الحي ويثري وما ... يصير الأُجثوةِ في الثرى
اسمع فهذا قائل صادق ... أراك عقباك فهلا ترى
الباء
يفتقر إلى الله الأرباب. وبالكافر يحل التباب. وتنقطع بالموت الأسباب. وفي الخالق تحار الألباب.
نظمه (رجز)
دانت لرب الفلك الأرباب ... وبالكفور يلحق التباب كم قطعت لميتة أسباب ... واقترفت برغمها الأسباب
التاء
النفس تصرفت وانصرفت. والأمضاء تألفت ثم تلفت. والأقضية بحق هتفت. ما أُعفيت المحلة لكن عفت. كم شفيت المدنفة فما اشتفت.
نظمه (مجزو الرجز)
نفس الفتي في دهره ... تصرفت وانصرفت
تألفت عضاؤه ... وافترقت إذ تلفت
أقضية الله دعت ... فأسمعت إذ هتفت
ما أُعفيت ديارهم ... من الرزايا بل عفت
كم شفيت مريضة ... من مرض فما اشتفت
الثاء
من أعظم الحدث. سكنى الجدث.
نظمه (متقارب)
يدوم القديم إلاه السماء ... ويفنى بأقداره ما حدث
وما أرغب المرء في عيشه ... ولكن قصاراه سكنى الجدث
الجيم
العجب بجاهل مداج. يأسف لبين الأحداج. ويعصي الملك والليل داج. وما هو من الحنف بناج.
نظمه (مخلع البسيط)
يا أيها العاقل المداجي ... ليله بالسفاه داجي
كأنه عينه إذا ما ... تحمل الحي في زجاج
كم أعمل الناجيات حرصاً ... وليس من حتفه بناج
رجا أُموراً فلم تقدر ... وكل من في الحي الحياة راجي
الحاء إن ابن آدم لشحيح. سوف يمرض من القوم صحيح. تعصف بعقله ريح. فإذا هو لقيَ طريح. ثم يحفر له ضريح. أن ذلك هو التبريح.
نظمه (مخلع البسيط)
يا أيها الممسك الشحيح ... سيمرض السالم الصحيح
مالك لم تنتفع بعقل ... هل عصفت بالعقول ريح
إن شيد القصر في سرور ... فبعده يحفر الضريح
يطرح الهم بالمنايا ... من جسمه في الثرى طريح
الخاء
بكى عَلَى الميت مواخ. كان أجاء في تراخ. فلتنه الصارخة عن الصراخ.
نظمه (مخلع البسيط)
في الله آخى فتىً لبيب ... وأسلم الهالك المواخي
بكى عليه فهل تراه ... في أجل دائم التراخي
اعتقد الحق واعتمده ... لا تزرع الحب في السباخ
الدال
أما بصرك فحديد. وأما ثوبك فجديد. وظلك بقضاء الله مديد. وحولك العدد والعديد. ولكنك سواك السديد. طرقك وعد ووعيد. فهل تبديء وهل تعيد. أم غريك هو السعيد.
نظمه (وافر)
أرى ملكاً تحف به موال ... له نظر إلى الدنيا حديد
ضفا برد الشباب عليه حتى ... مضت حقب وملبسه جديد
يزول القيظ في صيف ومشتى ... ويستر شخصه ظل مديد
وفت عُدد لديه فمن دروع ... وأسياف ينوء بها عديد
وكان السعد صاحبه زماناً ... ولكن طال ما شقي السعيد
بدا شخص المنون لناظريه ... وقيل له أتبدي أن تعيد
تصعد في المرتب غير وإن ... وأحرزه عَلَى الرغم الصعيد
تفرقت الجيود فما حمته ... وأبطلت المواعيد والوعيد الذال
أما العيش فيلذ. ولكن سببه يجذ.
نظمه (متقارب)
يلذ الفتى غفلات الحياة ... وليس بمتصل ما يلذ
يمد له الظن آماله ... ولكنها عن قليل تجذ
. . .
العاجلة سبيل منفوذة. وهي عند أهل الرشد منبوذة. والأنفس بحق مأخوذة. لا الدرع تنفع ولا الخوذة.
نظمه (سريع)
أنفذ من الدنيا ولا تلتفت ... فأنها بالعنف منفوذة
حازتك فانبذها إلى أهلها ... فهي لدى ألخيار منبوذة
ولا تمسك بحبال لها ... تصبح من كفيك محذوذة
مأخوذة مانعة في الورى ... نفس بحكم الله مأخوذة
لا سقية أغنت ولا رقية ... ولا تميمات ولا عوذه
الراء
لقد هجرت الخدور. وغدر بها الزمان الغدور. فإذا الخدر عوضه قبر. هل ينفعك جزع أو صبر. من بارئك يجري المقدور. وتفنى الشهب والبدور.
نظمه (مخلع البسيط)
تظهر أسرارها الخدور ... بما قضى الواحد القدير
كم دار في خاطر ضمير ... من فلك دائب يدور
وضاق صدر بمشكلات ... تضيق عن مثلها الصدور
يثبت فرد بلا قرين ... وتهلك الشهب والبدور
الزاي
لا تبرزي يا غانية. فإنها الدنيا فانية. سترك بكلة والداك. فتمسك بالنسك بداك. الورع ذهب إبريز. والجدث حرز حريز. قد تهلك فتاة رود. وتلبث مسنة ترود.
نظمه (مخلع البسيط)
يموت قوم وراء قوم ... ويثبت الأول العزيز
كم هلكت غادة كعاب ... وعمرت أمها العجوز
أحرزها الوالدان خوفاً ... والقبر حرز لها حريز
يجوز أن تبطئ المنايا ... والخلد في الدهر لا يجوز
السين
يا ابن آدم كم تحرس وتحترس. والموت أسد يفترس. إن كنت بجبل أو واد. فإن الأودية مثل الأطواد. يسمعها من الله داع. جل رب العظمة والابتداع.
نظمه (متقارب)
أيحترس المرء من حتفه ... وما حاد عن يومه المحترس
هل الناس إلا نظير السوا ... م وآجالهم أسد يفترس
يحل الربا ويحل الوهود ... ولا بد للربع أن يندرس
الشين
لا تك ذا يش. وأعجب لما وهب من العيش. ما فعل آدم وبنوه. كم أدرك الثمر مجتنوه. يبدي التوفر أخو المعيشة. والجبل مثل الريشة. المنزل لأمر معروش. وبالقدر تثل العروش.
نظمه (مخلع بسيط)
أين مضى آدم وشيث ... وأين من بعده أنوش
مر أبي تابعاً أباه ... ومد وقت فكم أعيش
لا ملك إلا لرب عرش ... تُثل عن أمره العروش
خف من الخوف كل طود ... حتى كأن الجبال ريش
تطيش نبل الرماة منا ... وأسهم الحتف لا تطيش
ولم يزل للمنون جيش ... تفل من ذكره الجيوش
يحث بالنعش حاملوه ... وشد ما سارت النعوش
لا حبذا الأنس والخطايا ... وحبذا النسك والوحوش الصاد
المرء عما وجب ناكص. والشخص للحدث شاخص. إن ظل الفانية لقالص. فهل خلص إلى الله خالص. إن دينك لرديعة في المحار. إنما يدرك بغوص البحار. وعُدِمَ دين في الأنام. وكان كالحلم في المنام.
نظمه (سريع)
من ادعى النسك عَلَى غرة ... فقل له ما صدق الخارص
والنسك مثل النجم في بعده ... والخلق إن يبلغه ناكص
كالدرة العذراء ما نالها ... إلا امروءٌ في بحرها غائص
في لجة قامصة سفنها ... ويصرع المستمسك القامص
تلعب بالألواح أمواجها ... كأَنما مركبها راقص
نحن كنبت عامه مجدب ... وماؤُه مستنكر ناقص
الضاد
دينك عناه المرض. ضاعت النافلة والمفترض. وخدعك هذا العرض. وجسمك ضعيف حرض. لقد بعد منك الغرض. وسوف يطلب المقترض.
نظمه (منسرح)
دينك مضنىً أصابه سقم ... والخسر في أن يميته المرض
وهل ترجى لديك نافلة ... من بعدها ضاع منك مفترض
غرضت من هذه الحياة فهل ... غرك فيما ترومه غرض
تميل من جوهر إلى عرض ... والروح في جوهرها عارض
حرضك الشيب أن تنوب فما ... تبت فهلا تذكر الحرض
أقرضت عمراً فما صنعت به ... سوف يرد الأنام ما اقترضوا
الطاء
فودك علاه الشمط. والمرء ينقص ويغمط. كالطفل كهلك فهلا يقمط. لقد عرف هذا النمط. والنفس تطعن ولا تضبط. وأَجر من كفر يحبط. أيبن موقف لا يغلط. والموت في العالم مسلط. وعائد الملك لا يقنط.
نظمه (هزج)
إلا أحرص والرغبة في أشيب كالأشمط
وكالطفل إذا الكهل ... فما للكهل يقمط
ولا يغضب أخو الريبة ... أن ينقص أو يغمط
فما الخاسر إلا كا ... فر أعماله تحبطك
بني آدم إن تعصوا ... فما اخسر من يقنط
غبطتم صاحب الثرو ... ة والزاهد لا يغبط
أما تعنط في الدهر ... بأن توجد لا تغلط
الظاء
أنا دينك فمتشظ. وأنت عَلَى الفانية مقلظ. متقرب بالمين متحظ
نظمه (مخلع البسيط)
أصبحت في غمرة ولهو ... تجئُ بالمين كي تحظى
احذر عَلَى الدين من تشظ ... فالدر ملقى إذ تشظى
لو هاب حر اللظى مسبيء ... ما اهتاج حرصاً ولا تلظى
فأبد للسائلين ليناً ... ولا تكن في الجواب فظاً
العين
المرء خدعه الطمع. مرأى في الزمن أو مسمع. يدأب الرجل ويجمع. خلب وميض يلمع. والعين للحذر تدمع. والسحب بالأقضية همع. وفي الآخرة يكون المجمع.
نظمه (السريع)
غرك ما يخدع من زخرف الدنيا فزاد الحرص والطمع
علمت أن الدهر في صرفه ... مفرق عنك الذي تجمع
سمعت بالخطب وعاينت هل ... كفك ما تبصر أو تسمع
تدمع جفناك عَلَى زائل ... والعين للرهبة لا تدمع
كم أومض البارق في عارض ... فألفي الكاذب إذ يلمع
سحب تجلى خالياً دجنها ... عنكم وسحب بعدها همع الغين
إنك إلى الدنيا مصغ. وحبها للبشر مطغ. لو أنك لشأنها ملغ. أبغاك ما تأمله مبغ.
نظمه (خفيف)
صاغك الله للجمال بقلب ... معرض عن نصيحة ليس يصغي
تكثر اللغو في المقال ولو وفقت ما كنت للديانة ملغي
لم تزل تزجر الطغاة فلا تطغ فحب الدنيا لمثلك مطغي
لو بغيت الذي أراد بك الله لأعطاك فوق ما أنت تبغي
الفاء
طال والكلف فأين الخلف والسلف. إن العافية هي التلف. وعند البارئ تكون الزلف. إلا تكذب وتحلف. وللإثم لو ظهر أَكلف.
نظمه (متقارب)
كلفت بدنياك شر الكلف ... فجاَءتك مما صنعت الكلف
تبعت الغواة وما أسلفوا ... فهلا أخذت بقول السلف
وصدقت نفسك في ظنها ... وكم قال مان لما حلف
تخلف مالك للوارثين ... وكانوا بعلمك بئس الخلف
ترجي الحياة وأسبابها ... وتطلب عند المليك الزلف
ولو ظهر الأثم للناظرين ... لراعك في الوجه منه كلف
نصحتك فأذن إلى من يقول ... تلاف أمورك قبل التلف
القاف
قلبك معنى يخفق. يخاف من عاجلتك ويشفق. وبارئك هو المرفق. أصبحت من عمرك تنفق. ترفع العذر وتلفق. وأنت في مطلبك مخفق. يطول تعبك فلا ترفق.
نظمه (سريع)
إن خفق البارق في عارض ... فالقلب من روعته يخفق
تأسف إن أنفقت مالاً ولا ... تأسف من عمرك إذ تنفق
تظل من فقد الغنا مشفقاً ... ومن قبيح الإثم لا تشفق مرتفقاً في وطن حافظاً ... تسأل ما هان فلا ترفق
يعود عن غيمك من شامه ... وهو شديد ظمؤُه مخفق
الكاف
سبح إِلهنا الفلك. وقدس البشر والملك. والجسم في العفر يستهلك. والمرءُ بالعارفة يملك. والنهج للآخرة يسلك.
نظمه (مجزو الرجز)
سبح مع الشهب كما ... سبح من قبل الفلك
قدس إنسان عَلَى ال ... أرض وفي الجو ملك
لا تبك للميت فكم ... مات كريم وهلك
ما خبر الغابر عن ... دفينه أين سلك
مالك شيءٌ وإذا أطعت فالرحمة لك
اللام
غرك تفصيل وجمل. والحي خدعه الأمل. سعيك فسد والعمل. ما نفعك هج ولا رمل. كأَنك بين الجهل همل.
نظمه (سريع)
مازلت مشغولاً بلا خشية ... يغرك التفصيل بعد الجمل
تحملك الأرض عَلَى ظهرها ... وأنت سار فوق ظهر الأمل
مالي أرى عينيك لم تهملا ... كأَنما أنت مخلى همل
ما يشفع لحسن لأصحابه ... إن حسن الوجه وساء العمل
رملت في مكة تبغي الهدى ... فهل نهاك السعي بعد الرمل
الميم
أفي مسمعك حل الصمم. أم لبك أصاب اللمم. وتحسن للأنيس الهمم. وفي التراب تطوى الرمم. وفي الباطن تخاف الذمم. عَلَى ذلك تمر الأمم.
نظمه (سريع)
مالك لم تصغ إلى عاذل ... أحل في المسمع منك الصمم أجاهل أنت فتلحى عَلَى العصيان أم مس حجاك اللمم
همتك العليا هوت في الثرى ... وشيمة الزاكي علو الهمم
لم تف بالذمة للحر والحر مراع وافيات الذمم
والذكر يبقى للفتى برهة ... وإن توارت في التراب الرمم
تيمم الخير ولا ترهب الموت فللموت تصير الأمم
النون
لله الكرم والمنن. وعن بارئك تزول الظنن. ولا يسترك من الموت الجنن. وبالعاصف يراع الفنن. ولا تعصمك تلك القنن.
نظمه (سريع)
ويحك لا تمنن عَلَى منعم ... عليه فالخالق رب المنن
فظن خيراً بالإخلاء وإلا فالخير يخفو الظنن
يجنك القبر فلا تلف كالمجنون يبغي واقيات الجنن
وافتن في خوفك رب العلا ... وأنت في سرحك مثل الفنن
إنك قن لمليك حوى الملك فلا تعصم منه القنن
لتفرغ السن غداً نادماً ... إن كنت ضيعت جميل السنن
الهاء
المرءُ نهي فما انتهى. مازال في العاجلة يزدهى. إن قبل ما أحسن وما أبهى. فأَيتن صاحبك لما وهى. وطال ما نعم ولها. ونال في العمر ما اشتهى. ما بين غزلان ومهى. دهاه الزمن فيمن دها. والله عمر باللهى. مصور القمر والسها.
نظمه (السريع)
المرء معتوب عَلَى فعله ... كم سمع النهي فألا انتهى
زايله اللهو وزار البلا ... وطال ما عاينته مزدهى
باهى زماناً بالذي ناله ... ثم أتى الموت فأين البهى
وهت عقود كانفي عصره ... أحكمها لا عاقد ما وهى
ما شهوات الحي إلا أذى ... إن نال من مدته ما اشتهى كأن يرى في غزل دائماً ... ما بين غزلان له أو مهى
دهاه بالمقدور لم يدفع الخطب عن مهجته إذ دهى
سها عن الواجب فاغتاله ... مصور البدر ورب السها
الواو
أما صحبك فقد غووا. عبوا في المورد فما ارتووا. أبادتهم الأقضية حتى تووا. خلوا للوارث ما احتووا. طواهم القدر فانطووا. ولاقتهم الآخرة بما نووا.
نظمه (سريع)
لا تغو في دنياك مستهتراً ... فإن أصحابك فيها غووا
عزلهم في سربهم مورد ... لو كان يروي مثله لارتووا
نادتهم الأقدار يا ساكني الأرض ألا تنوون حتى تووا
خلو أحاديثهم واحتوى ... آخذ ميراث عَلَى ما حووا
انتشروا في عيشهم أعصراً ... ثم طواهم قدر فانطووا
فلتحسن النية من بعدهم ... فالناس يجزون عَلَى ما نووا
اللام والألف
كل غدا يخدم أملاً. يسيءُ في ما بطن عملاً. يصبح بسيفه مشتملاً. لا يطلب رزقه محتفلاً. والرزق ولا يترك متوكلاً. لم يرد في العالم حيلاً.
نظمه (بسيط)
ما في البسيطة من عبد ولا ملك ... إلا حليف عناءٍ يخدم الأملا
يحث نفساً عن الإحسان عاجزة ... وقد أساء بعلم الواحد عملاً
فهل ترى الدهر أنثى أو ترى ذكراً ... يشابه امرأَة في الخلق أو رجلاً
يروم بالسيف رزقاً جاء في عنف ... ما كان يخطوه في خفض لو اتكلا
يبغي المعالي في أوفى مجاهدة ... فإن تخلف عنها لطف الحيلا
يا ساكني التراب ما عندي لكم خبر ... فليت شعري عن المقبور ما فعلا
لم تأتنا منكم رسل مخبرة ... ولا كتاب إلينا منكم وصلا
الياء الحي بعد العيشة رديء. وجاءه القدر فيما فدي. وشخصه بالقاضية ردي. لم يرزق النهل إن صدي. لكنه عن ذلك عدي. أظلته العاجلة فما هدي. وجادته الاسمية فما ندي. وقتلته الحادثات فما ودي.
نظمه (سريع)
المرء في أردية لونت ... ماش ولكن بعد هذا ردي
فدى الأسارى زمناً ذاهباً ... وجاءه الموت فألا فدي
فيا ردي العقل إن الفتى ... لم يدفع المقدور حتى ردي
ظل صداه في الثرى ساكناً ... ولم يصادف منهلاً إذ صدي
رنت له الأعداء إن عاينت ... صاحبها عن كل خير عدي
كان الهدى يهدى إلى قلبه ... من سمعه لو أنه يهتدي
جادت له اسمية برهة ... وعاد يبساً غصنه ما ندي
لا يطلب الثأر لميت ولا ... بودي لعمر الله فيمن ودى
نجزت والحمد لله وحده.