مجلة المقتبس/العدد 60/غابات سورية
→ في أرض الجليل | مجلة المقتبس - العدد 60 غابات سورية [[مؤلف:|]] |
النفس الانكليزية ← |
بتاريخ: 1 - 2 - 1911 |
تشجير أراضي السلطنة من أهم المسائل الاقتصادية المهمة التي يجب أن تصرف لها عناية العثمانيين وحكومتهم فقد جهل الناس منافع الغابات ولم تعن الحكومة بالهيمنة عليها حتى أتى السكان أو كادوا في أكثر الأقاليم على ما لقى لهم الأجداد من الغابات الغبياء فكاد الخطر يحدق بحياة البلاد الاقتصادية ويوشك أن يستفحل الخطب لهذا الإهمال.
قال العارفون أن في المحافظة على الغابات نجاح الزراعة والتجارة والمعامل والصناعات والملاحة البحرية والنهرية والمناجم وجميع أسباب الراحة في الحياة بل وحياتنا أيضاً، ودعا المحدثون من الاقتصاديين والمفكرين في الغرب إلى حفظ الغابات قائلين أن حفظها من أول مصالح المجتمعات وحفظها أول الواجبات على الحكومات وأثبتوا أنه كلما قطعت من بلد أشجاره يمسي فقيراً لأن في قطع الأشجار التي تغشى منحدرات الجبال وقتها ثلاثة مصائب لأبناء الأجيال المقبلة: قلة الوقود وقلة المياه واعداد البلاد الفيضانات المخربة فحياة البشر مناطة بالاشجار، والأمم التي تحب الغابات هي من الأمم العاملة التي تحسب للمستقبل حسابه وبقدر عراقة الأفراد في الأخلاق والتقاليد يجعلون لهم منها رؤوس أموال فيفلحون بها ويرتاشون.
إبادة الأشجار جائحة من جوائح الانسان ونذير اضمحلال الأمم فالاحتفاظ بالغابات والآجام هو تطبيق لمبدأ الدين الاجتماعي وقانون التكافل الذي يربط الأجيال بعضها ببعض قال الوزير كولبر الفرنسوي ذات يوم وقد رأى قلة عناية أمته بغاباتها: أن فرنسا ستهلك من قلة الحراج.
وليس معنى إبادة الغابات حرمان بلادنا من أجمل حليها بل انضاب ينابيع الأنهار وإخلال نظامها إخلالا فيه الهلاك والتخريب والإضرار بالصحة العامة وتغيير وضع الأرض التي تحملنا فتتآكل التربة الصالحة منها على الزمن بهجوم المياه عليها دفعة واحدة وهو من أعظم الأخطار على التربة المنحدرة، ومتى عري الجبل من أشجاره يهلك الزرع والضرع معاً فتجري السيول على التربة الجرداء تحمل معها أولاً التربة الصالحة للزراعة ثم تفرج ما بين الصخور وتجعل الأحجار ركاماً مشرفاً على الأودية ويصبح النهر مسيلاً تكثر مياهه فتفيض أيام الأمطار وتنهال بدون نظام مودية بكل مافي طريقها وتتزايد زيادة هائلة فيفيض في السهل وهناك الفيضان والطوفان وتقطع الأمواج بتيارها الأشجار والصخ وتخرب السدود وتودي بالدور والقصور وتدك المدن من أسسها، تجري مياه الأمطار على الصخر القاحل كأنها تمشي على سطح دار وتخرب المراعي وتفيض الأنهار حاملة تربة الجبال وحصاها وأحجارها فتطفح بها مجاري المياه وتسد مصابها وبعد أن تفيض المسايل كثيراً تصبح ولا ماء فيها ويختل نظام الاهوية ويكون من ذلك خراب رعاة الجبل وزراع السهل وتجار الثغور والمدن وصناعها، من أجل هذا ساغ لنا أن نقول أنهم كلهم متضامنون في منع جرد الأشجار وتعرية الجبال.
ولقد نشأت في كل عصر مضار كثيرة من جرد الجبال من أشجارها وغاباتها قال أحدهم: كانت صقلية وإفريقية الشمالية والمغرب الأقصى انبار رومية في القديم فأصبحت قاحلة ماحلة بما تواتر عليها من غارات الفندال والمغرب التي انتهت بتحطيم الغابات وكل ما يشاهد من الخرائب العظيمة في تونس والجزائر وبعض أعمال قسنطينة وفي غيرها شاهدة ناطقة بأن هذه الأقاليم القاحلة اليوم كانت زاهرة أمس وفيها المدن العامرة عراها السقوط كما عرا إسبانيا من إبادة أشجارها وكم من خرائب حفر فيها وهي رمال أو أنقاض فشوهدت تحتها مدن كانت عامرة بمياهها المطردة وحدائقها الغبياء وغاباتها الغناء فلم تؤت إلا من قطع غاباتها ونسفت الرياح الرمال على تلك المدن فأصبحت كأن لم تغن بالأمس.
ولقد ثبت أن فقر البلاد ولا سيما الجبلية منها ناشئ من قطعها الأشجار خاصة وكلما توغل المرء في دراسة التاريخ يجد الشواهد الكثيرة على تأثير الغابات في تكثير السكان فقد كان لبلاد اليونان وهي اليوم فقيرة قليلة السكان غابات وأنهار وإن اجداب الحقول الرومانية وخرابها ناشئان من تجرد جبال الابنين من أشجارها، وجبال الابنين تقطع ايطاليا إلى شطرين، وقد ناب اسبانيا انحطاط سريع من هذا الشأن فبعد أن كانت في القرن السادس عشر على عهد شارلكان وفيليب الثاني عامرة غنية محترمة انحط عمرانها في القرن السابع عشر من دون أن يضربها عدو أو تستبيح حماها أمة غازية فلم يمض عليها قرن إلا وقد رأت جميع علامات الانحطاط وقل سكانها على صورة مدهشة فنزل سكان مدريد من أربعمائة ألف إلى مائتي ألف في أوائل القرن الثامن عشر والسبب في نزوح السكان تلك المجاعة التي حدثت من الجفاف الذي دعا إليه تعرية البلاد من غاباتها تعرية أخلت بنظام الري، حتى أن نهر المانزاريس كان في القرن السادس عشر قابلاً لسير السفن في على مقربة من مدريد فأصبح اليوم جافاً، وأنهم ليمزجون في إقليم اراغون الرمل بالخمر بدل الماء عندما يريدون أن يجبلوا الطين، فنفوس البلاد وعظمتها على نسبة غناها بغاباتها، وبلاد روسيا أكثر أوروبا غابات فإن أربعين في المئة من أراضيها مغشى بالأشجار و16 في المئة من أرض فرنسا وأرض إيطاليا مغشاة بالأشجار و 24 في المئة من ارض المانيا و6 في المئة من أرض البرتغال و5 في المئة من أرض فارس و3 في المئة من ارض إسبانيا وبلاد اليابان أكثر بلاد الدنيا غابات، وتبلغ مساحة الغابات في الولايات المتحدة خمسة أضعاف مساحة فرنسا ويحرق منها ي السنة نحو ثلثمائة هكتار وكثيراً ما يلتهم قسم من غابة فتبقى الأيام مشتعلة وربما حرقت فيها قرى بسكانها كما حدث في حريق البحيرة العالية وحدث هذه السنة فدام الحريق أياماً ذهبت فيه مئات الألوف من الليرات.
ليس من جميع النباتات التي تنبتها الأرض ماعدا الحنطة التي هي أول المواد اللازمة لغذائنا نبات ضروري لنا كالغابات نافع يحمد اثره: فللشجرة منافع كثيرة وتأثير عظيم في الأنواء والحوادث الجوية في كل قطر فهي تصفي مياه الامطار وتعيدها ببطء إلى الينابيع والهواء وتحول بورقها وجذوعها دون جريتها سريعاً فالاشجار لا تمسك الماء فقط بل تجذبه ثم تنظم هطول الأمطار وتقلل من الفيضان وتبقى التربة في ظل الأشجار ندية خلال أيام القيظ، ونظام الغابات نظام للاهوية، فالشجرة تقي التربة من صدمات قطرات المطر والبرد فيكثر في الشتاء الثلج على قمم الجبال وتحول جذوع الأشجار وأغصانها دون سقوطها وتطيل مدتها وتذوب ببطء وتغسل القشرة الرقيقة تحت سطح الأرض وتمد الينابيع وتعطي مزروعات الأودية الرطوبة اللازمة لها، وإن جذوع الأشجار في العقاب والتلعات لتمسك التربة عن الانهيال وتقبض الصخور المفككة وتحول دون انهيار التراب.
وكم من أشجار هي مأوى الماشية منذ قرون وحامية حياة الإنسان كما هي حامية الهوام والحيوان وكثيراً ما تنبت الرياحين والورود في أطرافها كما أن الأشجار تمسك الحميات وتمتص رطوبة المستنقعات وتطهر هواء الاقليم بفضل حفيفها المنبعث من اكتظاظ الصخور الشجراء، ولقد صدق من قال من عشاق الأشجار تأتينا الشجرة بالماء ومن الماء يصير مرج والمرج يغذي الماشية ومن الماشية ينشأ السماد ومن السماد الحنطة.
لا جرم أن كل من جال جولة في أوروبا وأميركا يعرف مقدار حرص الفرنجة على الانتفاع بالغابات، فقد قامت الجرائد والجمعيات في فرنسا منذ مدة تدعو إلى تشجير الأراضي الوعرة أو غير الصالحة للمراعي وإلى تخضير الأراضي المنحدرة انحداراً قليلاً ولسان حالها ينادي أننا نرمي إلى إنقاذ أرض الوطن والمحافظة على ارث ثروتنا وبدائعنا الطبيعية ونريد تربية فكر الطفل منذ صغره على قدر حسنات الغابات قدرها فبهوائها يحسن الجو وتطرد مجاري الأنهار ويخضل العشب ويكثر غذاؤه للماشية والسائمة والجبال أجمل منظراً والسهول أكثر ابتساماً، وأقبلت الجمعيات وغيرها تنشر منشورات في فوائد التشجير وتوزعها على الفلاحين واشتغل مجلس النواب ومجلس الشيوخ بذلك مدة طويلة.
وقامت انكلترا تريد تشجير كل ما يمكنها تشجيره من ارضها ولا سيما في السواحل البحرية التي تسطو عليها مياه البحر تريد بذلك أن تجد عملاً للبطالين وقدرت اللجنة التي عهد إليها النظر في سطح الأرض التي تعطي إذا شجرت أكثر مما تعطي الآن من الدخل فكانت 3600000 هكتار من ثمانية ملايين بدون أن يمس السطح المغروس من الجزائر البريطانية وايرلاندا وتبين لهم أن غابات انكلترا أقل من غيرها من غابات البلاد الأوروبية وأن الحكومة لا تموت بتاتاً ولذلك يتيسر لها أن تكمل ما بدأت به من الأعمال إلى الغاية المطلوبة على خلاف الأفراد فإن الفرد يصعب عليه أن يصرف شيئاً ربما لا يأتيه في حياته فمن ثم كانت الحكومة أقدر على تشجير الغابات واستثمارها بعد سنين طويلة خصوصاً وأن بيع الأخشاب والأحطاب لا يصعب على حكومة وقد رأوا أن ما تصرفه الحكومة من المال وتنتظر الحصول عليه يأتيها من الواردات بفائدته مضاعفة وأنه ليس من العدل أن يصرف أبناء هذا الجيل ما يقتطف ثمرته أبناء الجيل القادم أي بعد ثمانين سنة وهي المدة التي لا يتأتى الانتفاع بالغابات في أقل منها فإذا شجرت الحكومة كل سنة ثلاثين ألف هكتار تدفع في السنة الأولى 1125000 فرنك وتكثر النفقة سنة عن سنة حتى السنة الأربعين فيكون قد بلغ ما صرفته 39 مليون فرنك وتعادل النفقات الدخل بعد هذه السنة إلى السنة السبعين وبعدها يزيد الدخل على الخرج فيبلغ الدخل الصافي نحو أربعة في المئة فتكون إذ ذاك 248 مليون فرنك وتساوي أملاك الحكومة من الغابات ثمانية مليارات فرنك أي أنها تبلغ ملياراً ونصفاً زيادة على كلفتها، وكل هذه النفقات والمداخيل محسوبة بأسعارها الحاضرة ولم ينظر فيها إلى غلاء أجور العملة وارتفاع أسعار المحاصيل ورأوا أن ما يعرض للغابات من التخريب الناشئ عن الحريق والحشرات والثلج والعواصف وغير ذلك يعادل ما تربحه الحكومة من ارتفاع الأسعار لأن ما ينفق من الغابات يزيد على ما يخرج منها الآن في البلاد المتمدنة، وهذا التشجير يشغل تسعين ألف رجل طول السنة عدا من يستخدمهم من أرباب الحقول مؤقتاً.
نعم إن تأثير الغابات في المناخ وأنباط المياه وتحسين الأرض وتطهيرها وجمالها وفائدتها الاقتصادية والوطنية لا ينكرها إلا أعمى البصر والبصيرة، ومما ذكروه من منافع الغابات للوطن إن غابة هو سنين وهي غابة صنوبر تمتد بين نهري الرين والفتول قد صدت كتائب الرومانيين عن التقدم، وهكذا حلت انكلترا مسألة الغابات وهي موطن الاستقلال الشخصي واحترام الأملاك الخاصة وتقسيم الادارة المركزية لعلمها بأن الأفراد في هذه المسائل لا صبر لهم بقدر الحكومة ولا عجب فهي الحكومة التي تغرس الغرسة اليوم وتنتظر جني ثمرها بعد قرن أو قرنين هذا في البلاد القاصية فما بالك بها في عقر دارها.
إليك أقل ما يجب أن يقال في وصف منافع الغابات والتشجير ويدل على مبلغ عناية الافرنج بها وهم أعرف الخلق بالانتفاع من هذا الوجود، وأن من يطوف المعالم والمجاهل من بلاد سورية ليستنتج أن عناية أجدادنا بالغابات لم تكن دون عناية الغربيين بها اليوم وإن كانت البقية الباقية منها لا تسد خلة ولا تغني أهلها، وإذا كانت الحكومة في القرون الأخيرة لا تهتم إلا لتكثير الجباية والعشر ولو باستنزاف دماء الفلاحين وكان الأمن إذا ارتفعت أعلامه في بعض الأقاليم فإنما يرتفع بالقرب من الحواضر والقصبات والدساكر كانت الغابات في الغالب نهب الناهبين وغرضاً لاسنان القطعان وفؤوس الحطابين ولم تؤسس في الدولة نظارة للغابات إلا منذ سنين قليلة وكأنها لم تكن إلا لتأتي أيضاً على ما أبقته طوارق الحدثان من غاباتنا الجميلة لأن عمالها يساعدون على تقليلها وكان الواجب عليهم أن يساعدوا على تكثيرها.
وكم من جبل في سورية اجرد امرد لا شجرة فيه كجبل قلمون الذي تمشي فيه ساعات ولا تجد أثراً للزرع ولا للشجر حتى قال أحد الأجانب ممن زاروه مؤخراً: كنت أتمنى في حياتي أن أشاهد جبلاً أجرد من الكلاء والشجر فيها قد قرت عيني في قلمون بمشاهدة ما كنت أريده من الجبال الجرداء.
وأكثر جبال سورية غابات فيما احسب جبل لبنان ففيه من الأشجار غير المثمرة الزان والسنديان والسرو والأرز، والأرز أهمها ومنه غابة بالقرب من قرية بشري قديمة والغالب هي التي كان يحمل من خشبها أيام الفراعنة إلى مصر لبناء سفنها والمعابد وغيرها فيؤتى به إلى جبيل أو إلى طرابلس ومنهما يحمل في سفن شراعية، ولعل غابات دير القمر والباروك وعين زحلتا كانت تحمل إلى صيدا ومنها تقل في المراكب، قالوا أن الحكومة في لبنان كانت تحتكر أربعة أشكال من الشجر تستثمرها لخزينتها وهي السرو والعرعر والأرز والصنوبر وتسمح بقطع غيرها واحتطابه، وقلت الغابات في لبنان منذ نحو خمسة قرون لاحتياج السكان إلى الاحتطاب وأخذ القوم يقلعون الغابات ويغرسون بدلاً منها أشجار التوت والكرم، وشجر الأرز مما تفرد به جبل لبنان من دون سائر جبال سورية ولا وجود له إلا في أعالي سير ببلاد الضنية في وادي النجاص ففيه كثير من شجر الأرز وبين سير ونبع السكر وفي الغابة الواقعة خلف وادي جهنم ويسمى تنوب.
ويكثر شجر الشوح في جرود الهرمل وعكار وهي في الغالب من الأملاك الأميرية ينتفع بها الأهلون خفية أو يدفعون ثمناً قليلاً للاحتطاب منها كما هو الحال في جبال عجلون، وفي جرود الهرمل وعكار صنوبر وسنديان وأنك لتمر في جبال طويلة عريضة لا ترى إلا السنديان وكذلك جرود الضنية وعكار من أعمال طرابلس كلها حراج تضمنها الحكومة.
وعلى مسيرة يوم من شرقي حماة غابات من شجر البطم وهي الفستق البري بعينه تسمى الثومرية والبلعاس وهي منازل للعربان يقطعون منها ما شاؤوا ويرعون فيها ماشيتهم وقد أضيفت إلى الأراضي المدورة أي الأراضي السنية فما زادت إلا خراباً على خلاف بعض الأراضي التي ضمت إلى الأراضي المدورة في العهد الحميدي فكان من حظها أنها عمرت وارتفع فيها علم الأمن.
وأخبرنا أحد أصحابنا أن في قرية حرمل من جبال النصيرية وسكانها تركمان غابة زرعها أهل تلك القرية منذ زهاء عشرين سنة فطالت كالرماح وحسن طلعها بعد ثلاث سنين من غرسها مما دل على أن جبال النصيرية كانت إلا قليلاً مغشاة بالغابات التي لم يبق منها اليوم إلا أثر ضئيل ورسم محيل، ولو توفرت عناية الأهلين في الجرود والجبال لغرسوا من الغابات ما يكون منه لأبنائهم وأحفادهم خير ثروة يخلفونها كما فعل أهالي الزبداني فغرسوا شجر البلوط في مكان يدعى قلعة السنديان في الجهة الغربية من الزبداني وإذا امتدت هذه الاغابات في سلسلة ذاك الجبل حتى تصل إلى نبع بردى تأتي منها فوائد كثيرة لوادي الزبداني ووادي بردى ثم لدمشق وغوطتها إذ تكثر بذلك الأمطار وتخزن المياه لنبع بردى المجاور لتلك الجبال ومن ورائها وادي القرن والحرير وفيها بعض الأشجار القليلة وهي ملك أصحابها لا الحكومة.
وفي الجبل الشرقي أي في بلاد حاصيا وراشيا غابات قليلة كما أنه تقل الغابات في جبال فلسطين وفي بلاد الصلت غابات غير قليلة ما برحت إلى الانقراض ومنها غابة قرب القصبة اقتلعها الأهلون وغرسوا منها كرماً يأتيهم بالعنب الجيد بلا بر كعنب ازمير إلا أنه بقي أثر منها دلالة على عظمة تلك الغابة العظيمة، وتقل الغابات في بلاد حوران واحسنها ما كان في جبل الدروز ولذلك كثرت مياهه أكثر من غيره من الأقاليم ومثل ذلك يقال عن غابة عجلون التي تبلغ مساحة المستعمل منها خمس ساعات طولاً وثلاث ساعات عرضاً ولا يأتي عليها عشر سنين إلا وتنقرض عن آخرها.
وبعد كتابة ما تقدم رأينا أن نأتي على ذكر الغابات من المصادر الرسمية فعلمنا أن غابات ولاية سورية كثيرة وأهمها في قضاء بعلبك وتبلغ مساحتها عشرين ألف جريب، والجريب يقرب من عشرة دونمات، وشجرة من السنديان والعرعر ويقل فيه الصنوبر وأشجاره غير صالحة للأخشاب وهي معرضة للاحتطاب منها على الدوام فلم تتيسر لإدارة الغابات حراسته على ما تقضي به المادة الخامسة من نظام الحراج لقلة الموظفين وصارت إلى حالة مؤلمة وبعض هذه الغابات تدعي الأهالي ملكيته وإدارة الغابات تدافعهم في دعواهم، وأهم هذه الغابات غابة حلبئا ووادي نيرة وما عداهما فمتسلسل منهما وليس في قضاء البقاع غابات مهمة بل أن الأهلين يحنبطون من غابات الهرمل التابعة لمتصرفية جبل لبنان وهناك بعض غابات مهمة بل أن الأهلين يحنبطون من غابات الهرمل التابعة لمتصرفية جبل لبنان وهناك بعض غابات في سفوح لبنان بعضها مشترك بين البقاعيين واللبنانيين.
وحراج وادي العجم متفرقة وتبلغ مساحتها نحو ثلاثة آلاف هكتار وحراج اقضية حاصبيا وراشيا والقنيطرة مثل حراج بعلبك تسمى بأسماء القرى المجاورة لها وتقدر مساحتها بثلاثة آلاف جريب تكاد لا تكفي لاحتطاب السكان إلا على صورة ضئيلة، وليس في قضاء الزبداني حرج جدير بالذكر سوى حرج صغير أصيب بما أصيبت به سائر الحراج ولا سيما في وادي القرن ووادي الحرير فأصبح أكثره غير صالح للاحتطاب، وليس في قضاءي دوما والنبك ما يصح أن يسمى غابات سوى بعض أشجار من السنديان والبلوط متفرقة في الأودية والقمم من جبال قلمون هي ملك الأهالي يحتطبون منها فتقل سنة عن سنة.
هذا في الاقضية التسعة التي هي من عمل الولاية أو لوائها وفي لواء حوران أهم غابات في ولاية سورية وهي من عمل قضاء عجلون طولها 26 ساعة وعرضها 23 ساعة وفيها 23 قرية و1375 بيتاً ومزرعتان ومساحته من 30 إلى40 ألف جريب ونصفها اليوم غير صالح للقطع يحتاج للحراسة كل الاحتياج والنصف الآخر يصلح للاحتطاب منه وعمل الفحم إلا أنه بعيد في نجاد وعرة ولقلة العملة الذين يتوفرون على عمل الفحم منه أصبح كأنه لم يمس، ومدينتنا دمشق يأتيها الفحم اللازم لدفئها ووقودها من غابات عجلون وإذا لم تبذل العناية بوقاية الغابات مما يلحقها من المضار توشك أن تحترم بعد سنتين من الفحم فيباع قنطاره الذي يباع الآن بمئة وخمسين في الشتاء بثلاثة أضعاف ثمنه، فبسوء إدارة الحكومة لزمت قطعة من هذه الغابات لا يقل المستخرج منها عن خمسين ألف قنطار بيعت بالوسائط على أنه ليس فيها سوى ستة آلاف قنطار، وأشجار هذه الغابة لا تصلح للخشب والدفء وإن كان الفلاحون هناك يعتمدون عليه في سقوف بيوتهم فمنها الصنوبر والسنديان القطلب وفي غابات عجلون نوع من شجر الزيتون البري، هذا في غرب إقليم حوران وفي شرقه أي في جبل الدروز غابات قليلة للأهالي ينتفعون بها في وقودهم.
وفي لواء الكرك بعض الغابات وأهمها ما كان في الصلت ومساحتها نحو ستة آلاف جريب تحتاج للترك الآن والمحافظة عليها لكثرة ما لعبت فيها فأس الحطاب والفحام وفي قضاء الطفيلة غابات ولبعدها عن العمران لا يرغب في الاحتطاب منها فلا يستفيد منها القريبيون ولا البعيدون وجنسها من العرعر وفي بني حميدة من أعمال قضاء الكرك غابات جياد هي ملك بني حميدة.
إليك ما في لواءي حوران والكرك على الجملة أما لواء حماة فليس في مركزه ولا في حمص حراج والأهالي يجلبون أحطابهم وفحومهم من حراج الهرمل في لبنان ومن غابات بعلبك ومن حراج البلعاس التي كانت من أملاك السلطان السابق فأصبحت علامة.
وفي قضاء العمرانية حراج متفرقة تسمى بأسماء القرى المجاورة لها وكذلك الحال في غابات سلمية.
وقد بلغت واردات الغابات الأميرية سنة 322 شرقية 484، 481 غرشاً صحيحاً وسنة 1323 - 700189 وسنة 1324 - 650460 وسنة 1325 - 666989 وبلغت سنة 1326 إلى آخر شهر تشرين الثاني 648، 881 غرشاً.
هذا في ولاية سورية أما ولاية بيروت فالحراج موفورة في أكثر ألويتها وأقضيتها على ضيق مساحتها ففيها بعض الغابات الصغيرة وأكثرها فائدة في الانتفاع والاحتطاب ما كان منها داخل لواءي اللاذقية وطرابلس الشام ففي الجهة الجنوبية من مدينة بيروت في الرمل غابة من الصنوبر تقدر بألفي دونم وطول أشجارها نحو خمسة أو ستة أمتار ومحيطها من 40 إلى 50 سنتيماً ويعنى كل العناية بحفظها وقد ذكر التاريخ أن هذه الغابة غرست قبل سنة 767هـ - وقد خيف من انهيال الرمال على الأراضي الزراعية، وفي قضاءي صيدا ومرجعيون عدة غابات مبعثرة ينتفع بها السكان فقط.
وعلى ثماني ساعات من صور غابات في وادي النصارى وساحل علما ووادي الخنازير وهي واسعة في الجملة وشجرها من السنديان ومحيط أكبرها متر واحد وطولها خمسة أمتار لا تكفي للبناء بل تنفع في الحطب والفحم وقد جرى أهلها في اقتطاعها على الأصول فلم تقل أنواعها وكذلك تجد في الجهة الجنوبية من القضا غابات في وادي كركر ووادي البالون ووادي التهور.
وفي لواء عكا عدة غابات منها واحدة في الجهة الشمالية من ناحية شفا عمرو وهي على نحو خمس ساعات من المواني المجاورة وهي معروفة باسم الغربي ومرج وعاد والهوني والزيب وتقدر مساحتها بنحو أربعين ألف دونم وجميع أشجارها من السنديان ومعدل طولها من 4 إلى 6 أمتار ومعدل محيطها من خمسين سنتيمتراً إلى متر وإذ كانت هذه الأشجار لا تكفي الصناعات والبناء جعلها أهلها للاحتطاب وأخذوا يبعثون ببعضها إلى الخارج، وفي قضاء حيفا على أربعمائة أو خمسمائة متر عن سطح البحر غابات في جبل الكرمل ووادي العسل والعضامة والحاري والباخور تبلغ مساحة أرضها نحو 42 ألف دونم وهي قصيرة الطول والجسامة وهي كغابات صيدا وصور لا تنفع لغير الاحتطاب.
وأهم الغابات الموجودة في لواء طرابلس في عكار والضنية تقدر مساحتها بزهاء مئة وخمسين ألف دونم تمتد من قريتي غابات وتحفت إلى آخر حدود ناحية الضنية وهي منبثة على سطوح مائلة ويقدر معدل ارتفاعها بسبعة آلاف متر وأهمها القبايات وعنفت وارمون وعرض والحريق وروبر وجورديرين ووادي جهنم وقاطر وفريم والضنية وهذه الأشجار تنمو في سفوح الجبل والساحل وهي لا تطول وتنفع لخشب البناء وهي من نوع السنديان والصنوبر وشرابة الراعي والعرعر وعدا هذا تجد أشجار الصنوبر والشوح منبثة على خط مستقيم بين مسيل المياه والروابي تعلو من خمسة إلى عشرة أمتار ومحيطها من متر إلى متر ونصف وينتفع بأخشابها في جميع أنواع الصناعات وفي كل هكتار أي على حساب عشرة أمتار مكعبة تجد أشجاراً صالحة للبناء تعادل 136 ألف متر مكعب كما يوجد في كل هكتار من الأرض باعتبار عشرين متراً مكعباً وهي تعادل 660 ألف متر مكعب من سائر الأشجار والخشب الذي يقطع من هذه الغابات يحمل إلى حماة وحمص وطرابلس وأعمالها من القرى والدساكر.
والغابات الموجودة في لواء اللاذقية هي في أقضية جبلة والمرقب وصهيون وناحيتي باير وبوجاق وهي من الساحل على ساعة إلى إحدى عشرة ساعة وأهمها في باير وبوجاق وبوغده إلى نيقه وجبل حسن ايبت وجبل الملك وقزل حالتي وجورتلسم وبتالي ودربوي تبلغ مساحتها 170 ألف دونم والأشجار القريبة من الساحل يبلغ محيطها من ثلاثين سنتمتراً إلى متر وطولها من ثلاثة أمتار إلى أربعة ومنها يستخرج خشب للبناء ولصنع القوارب الصغيرة والصنوبر الأحمر والأبيض يستخدم في بعض المحال في الأبنية وأهم ما تقدم من الغابات غابات ناحيتي باير وبوجاق تقرب مساحتها من 32 كيلومتراً مربعاً والقسم الأعظم من أشجارها أي 90 في المئة منها يختلف محيطه بين 30 إلى 60 سنتمتراً وطولها أربعة أو خمسة أمتار، وندرت الادواح العظيمة وفي الاطراف والبلاد المجاورة تجد بعض الغابات يمكن تقديرها بثلاثة آلاف شجرة صنوبر أسود أكثرها يحتطب منه أهالي القرى ويحمل بعضه إلى بيروت وفي وسط هذه الغابات على تخوم اسكندرونة غابة اسمها قوز تحيط بها أشجار الصنوبر وتقدر مساحتها بألف هكتار من السنديان وقد بلغت مداخيل غابات ولاية بيروت 150600 غرش بيع منها 190000 اوقة من الفحم و9000 اوقة من الخشب وأكثر ما بيع منها في بيروت وجوارها وسواحل مصر.
هذا ما لقفناه من مصادر متنوعة ونختم هذا الفصل بتعريب ما كتبه شاكر بك مفتش غابات ولاية سورية السابق وقد سألناه أن ينشئ لنا شيئاً في حالتنا مع غاباتنا فكتب إلينا ما نعربه بما يأتي وهو يصدق على غابات سورية بأجمعها أي ولايات حلب وبيروت وسورية والوية القدس ولبنان والزور قال: الغابات إحدى منابع الثروة الطبيعية للدولة والأمة وربما كانت الأولى في بابها وما من ينكر استغناء أحد عما تأتي به من الحطب والفحم والخشب وغيره ولا سيما في ولاية سورية حيث تكثر حاجات الأهالي إلى الغابات أكثر من غيرها ومع هذا فلا نرى من يلتفت إلى هذا الشأن ويبحث في أسباب دفع هذه الحاجة مما يوجب الأسف الشديد.
ليس من ينكر أن الغابات تنقي الهواء وتجلب الأمطار وتمنع التربة الواقعة في الحقول المسطحة من الانهيار وفيها من المنافع العامة ما ينفع في رعية الأغنام والمواشي وغيرها وكلنا نسلم بأننا نطبخ كل حين طعامنا ونغسل ثيابنا وندفئ غرفنا بالفحم والحطب.
ولئن رأينا اليوم مواقد تحمى بالبترول ويستفاد منها بعض الشيء إلا أن هذا الطباخ لا يقوم في وقت من الأوقات بدل المنقل وكوانين المطبخ على الطرز القديم وذلك لأن الطعام إذا طبخ والغسيل متى غسل تطفأ تلك الموقدة وإذا فرضنا أننا أوقدناه مدة طويلة فمن البديهي أنه لا ينشر حرارة تشبه حرارة المنقل ولا الكانون بحال من الأحوال، ثم إن من وسائط التدفئة والتسخين أن نرى بعض المواقد التي يستعمل فيها زيت البترول وهذه لا تزيد الحرارة الطبيعية في الغرفة إلى أكثر من درجة إلى درجتين في الأكثر.
أما أخشاب البناء فإنه يؤتى بها إلى هنا من غابات اطنه وقونيه وآيدين فتباع بثلاث ليرات وأحياناً بأكثر من ذلك في حين أنه من الممكن زرع شجر الصنوبر والسنديان في هذه الديار من أجود الأجناس وكل من يشتغل بالزراعة يوافق على هذا الرأي.
ومع أن قنطار حطب الزيتون والمشمش يباع من خمسة وأربعين إلى خمسين قرشاً فقد كانت ترتفع أسعار قنطاره إلى نحو ليرة ونصف لو كان المعول في احماء الحمامات والأفران عليه.
وهنا لا أرى حاجة لبيان فوائد الغابات بل أقول على سبيل المثال أن ما حرق من الفحم من جزء صغير من غابات عجلون قد بلغ سنة 1324 (شرقية) 4132000 كيلو أخذ عنها رسم 514204 غروش صحيحة أو 672321 غرشاً بمعاملة دمشق الرائجة المتداولة.
ولو عني الفلاحون وفقيرهم قد يملك من ثلاثين إلى أربعين دونماً من الأرض وهو يتلكأ معظم السنين في استثمارها كلها بحجة أن ليس لديه بقر أو سكة أو بذار ويترك قسماً منها بوراً لو عني بزرع شطر من أرضه أو على حدودها ومجاري المياه إليها أشجاراً وحراجاً لاظلته ومواشيه وأبناء السبيل بظلها واستخرج من أغصانها ومن اليابس منها حطباً لدفئه ولو أكثر منها زيادة لاستطاع أن تخرج له خشباً وفحماً فيغنى بها بعض الشيء، وبالجملة فإن كل امرئ إذا ربى غابة فكأنه أسس لنفسه مصرفاً (بنكاً) دائمياً لأن الغابات رأس مال لا ينفد في الحقيقة.
بيد أن أهل القرى لا يفكرون في هذا الأمر ولا يلتفتون إلى ما ينصح لهم به من قطع الأشجار بل يقطعونها من أصولها وهناك الضرر الذي لا ينكره العقلاء.
ولقد جرت المداولة بشأن الحراج والغابات في المجلس العمومي هذه السنة والتي قبلها وتعهدت الحكومة أن تأتي الفلاحين ببذور الغابات لمساعدتهم ولكن لم يراجعها أحد في هذا الشأن والحكومة متكفلة بالقيام بكل أنواع المعونات، ورجائي أن يعمد الاهاون بدلاً من تخريب الغابات واستئصالها إلى إحيائها وتعهدها وبذلك يحفظون منافعهم ويحفظون على حقوق الخزينة والله الموفق.