الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 37/سير العلم والاجتماع

مجلة المقتبس/العدد 37/سير العلم والاجتماع

بتاريخ: 1 - 2 - 1909


حياة النبات

يرى أوسونسكي أحد كبار علماء روسيا أن حياة النبات تشبه بجملتها حياة الإنسان فلها مزاج وشهوات وميل وكراهة كالآدميين وكان علم الزراعة من قبل يرى أن النباتات عارية من هذه القوى فيكتفي الزارعون بزرعها وسقيها أو بتغذيتها وذلك بوقايتها من أخطار رداءة الهواء وتحسين ما يلائم طبيعتها من الأجواء ولكن هذا العالم رأي الآن أن لا سبيل إلى الانتفاع من النباتات واستنبات الجيد منها إلا بمعاملتها معاملة من يعقل ويحس وقد مثل لذلك بنبات البطارس (الخنثار) والفطر والطحلب وقال أنها تنقبض إذا أخذت ووضعت على قطعة من خشب مغشاة بالجلاتين واستدل من تأثر هذه النباتات على أنها حساسة كالحيوان ومن رأيه أن النباتات تتأثر بالنور والهواء أكثر من جميع الحيوانات فمنها ما يتجه نحو الشمس ومنها ما يوجه وجهه قبل المشرق ومنها ما يغلق نفسه عند الغروب ومنها ما يسهر في الليل وينام في النهار نوماً أشبه بالموت. ومن أنواع البقول ما ينام على سوقه ومنها ما يقي نفسه من حرارة أشعة الشمس بأن تجعل أوراقها على صورة لا تتعرض بها للنور مباشرة وأنا لنرى الأزاهير في الأصاصي (أواني الزهور) توجه وجهها نحو النافذة كما نرى الهندباء تتنبأ بسقوط المطر ولا تفتح ونبات المسحية تخاف من الضجة بل قد يغشى عليها متى أطلق أمامها مدفع. ومعظم النباتات تتأثر بالأثير والمورفين والكوكايين. وعلى هذا فقد استنتج العالم بأن أرسطو كان على صواب في قوله أن للنباتات روحاً فقال أن معرفة ذلك من حال النبات يدعو إلى إحسان تربيته وتعهده فإذا فعل المزارعون الفلاحون وأرباب الحدائق ذلك فهناك الغلات الجيدة في الكمية والكيفية.

المجموع العصبي

يحثوا في المؤتمر الطبي في جنيف مؤخراً في ضعف المجموع العصبي (نوراستينيا) والحمر فقال بعضهم أن المكثرين من تناول الماء أكثر عرضة لهذا الضعف من غيرهم ومعلوم أن هذا الضعف لا يتناول القوى الطبيعية فقط بل يتناول القوى العقلية والحماسة الأدبية ويشعر المصابون باضطراب في الوظائف العضوية وجميع هذه الأسباب تؤثر تأثيراً مضعفاً في الجسم والعقل. وجرى البحث فيما إذا كان الاعتماد على المنعشات ف مثل هذه الحال لا يفيد المصاب بهذا الداء إذا شفعها بتحسين أصول غذائه لا شك أن المصاب بضعف الأعصاب يشكو من سوء الهضم في الغالب فمن الاحتياط أن لا يعطى من الأطعمة المائعة والسائلة ما يهيج معدته وليس معنى هذا أنه ينبغي حذف جميع المنعشات من طعامه وقد تبين أن الخمور على أنواعها تضر بالمصاب بهذا الضعف كما ثبت أن المكثرين من تناول الماء مصابون بالسوداء وسريعو الانفعال والسخط.

الماء المقدس

لفت راهب إيطالي من المشتغلين بعلم الجراثيم والطب الأنظار للأخطار التي تحدث من أجران الماء المقدس في الكنائس فثبت لديه أن في كل مئة سنتمتر من الماء المقدس في كنيسة القديس كروس في تورين مئة وخمسين ألف جرثومة إذا أخذ الماءُ من سطح الجرن وإذا اغترف من داخله يحتوي على ستة ملايين جرثومة. وقد حقن بهذا الماء حيوانات فكان سبباً في قتلها بالسل أو الخناق أو غيرهما من الأمراض العضالة وقد بين الطرق الواقية من تناول الماء على الصورة المألوفة وأخذ رجال الدين هناك يبحثون في واسطة تدفع الجراثيم عن الماء لا بغسل الأجران بالسليماني فقط بل بالنظر في كيفية تناول الماء.

طهارة برلين

أصبحت مدينة برلين بالنظر للارتقاء الذي ما زال متواصلاً فيها وفضل العناية في تطهيرها ووقايتها من أطهر مدن العالم إن لم نقل أنها أطهر مدينة في العالم فأصاب الصحة من هذه الطهارة حظ وافر فقد كان معدل الموت فيها سنة 1876ـ29 فأصبح سنة 1900ـ35 وصار هذه السنة 38.

الحكم بالإعدام

نسمع الكثيرين من أصحاب الرأي يقولون حينما يبلغهم أن الأشقياء كمنوا لفلان فسلبوه متاعه وقتلوه شر قتلة لو نفذ الحكم بالإعدام لوقف الأشقياء عند حدهم ولما تجرأوا تلك الجرأة على قتل النفوس التي حرم الله قتلها قال أحد نواب الفرنسيس ما جعل الأسافل يغتالون الكرام إلا عدم الشدة في العقوبات وها نحن أولاً نعربه بالحرف الواحد: كل جمعية لها الحق أن تتخذ جميع الوسائل الضرورية لحفظ كيانها وإني لا أظن أنه يمكن أن تعاقب المجرمين كافة لأنه يوجد منهم من يستحيل وجود عقاب يناسب فظاعة جرمهم وإني لست من الذين يقولون أن السبب في كل الجرائم البؤس فلا محل لتلك الأعذار التي ينتحلها لهم بعضهم قبل أن نلغي حكم الإعدام يجب أن نتحقق من أمر العقاب الذي يحل محله. قد لطف قانون السجون ولكل الجرائم لم تخفف بل لا تزال في ازدياد وزاد على ذلك أن الجرائم التي ترتكب اليوم أفظع من التي كانت ترتكب أمس نعم إن البشر ليسوا بمعصومين وقد يغلطون ولكن طرق التحقيق المتبعة اليوم بفرنسا والمرافعات القضائية تجعلنا نقول أن الخطأ أقل من القليل.

وأرجو من زملائي أن يشملوا بنظرهم القوم الصالحين أكثر من أن يشملوا به المجرمين. فالجاني الذي يدخل تحت جنح الليل إلى بيت فيه أسرة آمنة مطمئنة شاهراً بيده مسدساً لا شك أنه يستحق عقاباً على هذه الجريمة الفظيعة بالأشغال الشاقة المؤبدة فإذا لم يجر عليه الحكم بالإعدام فلا شك أن هذا الأثيم يقتل كل من يقع تحت يديه كي لا يكون شاهداً عليه. الحكم بالإعدام وحده كفيل بغل أيدي سفاكي الدماء فأرجو من زملائي أن يزنوا هذه الفكرة بميزان النصفة ولا يسلبوا الهيئة الاجتماعية سلاحها.

مزرعة المستقبل

جربوا الكهربائية على شواطئ البحر المحيط الهادي بأميركا في تعهد المزارع وحرثها وزرعها وحصادها فاستعملوا لذلك أدوات دافعة ورافعة لتحرك بشلالات مجاورة فتحدث منها القوة المطلوبة فأتى ذلك بنتائج مهمة. ولئن كانت النفقة على هذا العمل تستدعي صرف مئات من الريالات إلا أنه يتوفر بها ثلاثة أرباع ما ينفق في العادة على مثل هذه المزارع لاستثمارها واستنباتها فضلاً عما في ذلك من الاقتصاد في الوقت والذين يتبرمون من المزارعين من كثرة النفقات والأيدي العاملة في مزارعهم يعلقون الآمال الكبيرة على أن تكون الكهربائية أعظم عاملة في مزارع المستقبل.

الصحة في السويد

اتفقت المجتمعات كلها على أن الرياضة البدنية من أسلم الرياضات النافعة حتى أن بلاد السويد تعتبر هذه الرياضة اعتبارها للفروض الدينية وتقضي على السكان عامة أن يعمدوا إليها فالرياضة البدنية إجبارية في المدارس على كل طفل منذ صغره فتبعث الحكومة بأساتذة من قبلها إلى كل مدرسة ليشرفوا فيها على تعاطي هذه الرياضة كما أنها تقضي على كل تلميذ أن يسبح سواء خاف من الماء أم لم يخف كمدرسة تكره على. والحكومة هناك تدفع للأطباء المنتشرين في الأقاليم المختلفة من البلاد رواتب من خزانتها لأن ما يتناوله الطبيب في القرى من زبنه لا يكتفيه في معاشه. ومن العادة في البلدان المأهولة بالسكان أن لا يتناول الطبيب أجرة عيادته بل يترك معاشه لذمة زبنه فيدفع له كل زبون بقدر طاقته بحيث يسمن كيسه بدون طلب ولا إبرام ويعيش كالأغنياء أو أحسن.

اللبن الحليب

استبان لأرباب الإحصاء أن الغرام باللبن الحليب في العالم يزيد ولا ينقص فقد بلغ ما يصرف كل يوم منه في العالم كله مليوناً وثلاثمائة وثمانين ألفاً وخمسمائة طن منها خمسمائة ألف طن في الولايات المتحدة. واللبن هو الغذاء الطبيعي المغذي والشافي واللذيذ والبسيط.

احترام الآراء

خطب أرنست لافيس في إحدى المدارس الفرنسوية في معنى احترام الآراء والمذاهب فقال أن القضاء والشرطة لم يجعلا إلالدفع الناس بعضهم عن بعض وإن الأسباب التي تدعوا كبار الرجال إلى أن يتباغضوا بغضة شديدة جداً ترجع إلى أمر واحد ألا وهو الاختلاف في الآراء السياسية والدينية وينشأ عن هذا الاختلاف أحياناً بغض وكراهية. فالناس يختلفون في العقائد فمنهم الملحد ومنهم المحافظ الذي يرى بقاء القديم على قدمه في السياسة وأن الاحتفاظ بالتقاليد من الضروريات في الحياة العامة ومن دافع عنها فيقوم بالواجب عليه وكأنه يدافع عن مصلحة الوطن نفسه ومنهم الثوري الذي لا يرى السعادة في غير إهراق الدماء وأن الخير معقود بنواصي الفتن ولا تستقيم الأمور بدونها أما أنا فأقول أنه من الممكن أن يتخالف الناس بدون أن تسوء حالهم وأنه قد يتأتى للخصوم أن يحب بعضهم بعضاً ويحترم بعضهم بعضاً فإذا قدروا على ذلك فإنه يجب عليهم ولا سبيل إلى أن يعيش الناس بعضهم مع بعض في سلام إلا إذا جعلوا التسامح رائدهم وإذا قضي على أحد الرجلين أن يحكم عليه فمن يفصل بينهما؟ لا شك أن القوة هي الحكم ولكن استعمال القوة في مصادرة الأفكار هو من الأغلاط التي نلوم المستقبل عليها ولكم حكموا بإسقاط بعض الآراء في القدم فما زالت على انتشارها إلى اليوم ولكم حكم القضاة في الأمور الذهنية فعدنا نحن اليوم نحكم عليهم بل ننقم عليهم سوء حكومتهم ولكم أقيمت التماثيل اليوم لرجال ذهبوا بيد الغدر والقهر ورموا في النار فأضحت الساحات التي أعدموا فيها مزدانة اليوم بتماثيلهم التي نصبت لتمجيدهم.

يقول قوم ليس أشق من إرادة المرء أن لا يعمل مع غيره ما لا يريد أن يعملوه معه وأن أنصار الحرية إذا قبضوا على القياد يمنعونها غيرهم فيخالفون بذلك قاعدة الحرية كما يقولون أن الحكم بين المتناقضات ليس له إلا حاكم واحد يخضع له العالم بأسرهم صاغرين ونعني به العالم ولكن من يدعون إلى العلم يجهلون ماهيته فإن الفضيلة الكبرى في العالم هو أنه يبحث على الدوام وربما ضلَّ في أبحاثه ضلالاً بعيداً ولكن من فضيلة العالم هو أنه يجد بنفسه الأغلاط التي ارتكبها وأنه يرجع عن الأوهام التي جاء عليه زمن فأعجبته وأخذت بمجامع قلبه ثم يعود إلى البحث وما موضوع بحثه إلا الحوادث ففي الحوادث التي اكتشفها يتخذها الناس حججاً وبراهين فهم ينظرون مثلاً في حوادث تاريخ الأرض والإنسان التي أبرزها العلماء إلى عالم الوجود خلال القرنين الأخيرين ويتناقشون بما تجدد لهم من هذه الحوادث في معتقداتهم الموروثة ويعزمون إما على رفضها أو على قبولها ولكن العلم لا يكتب الغلبة لدين على آخر بل يأخذ في سبيله باحثاً مستقصياً ولا يعرف أحد إلى أي طريق ينتهي به البحث وما عظمته وجماله وإنسانيته إلا بما يبدو على معاطفه من الشك والريبة. ولا أرى مخلصاً للناس من تعليل فيها للمباحث الدينية صوتاً وأن الحرية إذا لم تكن متأصلة في الأخلاق لا تجدي بنيها نفعاً.

النوم

كتب أحد الباحثين في المجلة الباريزية بحثاً في النوم وما ينبغي للإنسان منه حتى تجود صحته فقال أن النوم هو أحد نواميس الكون وجميع البشر على اختلاف في أعمارهم خاضعون له وأن الرجل العادي يموت من قلة الهواء في خمس دقائق ومن قلة الماء في أسبوع ومن قلة النوم في عشرة أيام أما الإكثار من النوم فيجعل في الرأس ثقلاً وفي الجسم كسلاً. قالت لعقيلة مريم ماناسين في كتاب لها نشرته حديثاً أنه لا ينام نوماً طويلاً إلا من فرغ ذهنه وقلّ فكره وأن أناساً يسترسلون إلى النوم عندما يتفرغون من مشاغلهم لأن طبائعهم مفتقرة بحيث يتعذر عليهم أن يجدوا من أفكارهم الخاصة مادة يهتمون بها وقد أكد سارس من علماء الأخلاق أن أرباب السخافة ينامون طويلاً.

وقد سأل صاحب المبحث جلة من كبار أرباب العلم والفنون في فرنسا في معنى ما يلزم للرجل المفكر من النوم فكانت أجوبتهم متفقة في الجوهر وإن اختلفت في العرض فقال أحدهم: إني متى تعبت يستحيل عليَّ أن أتعاطى أي عمل كان فأراني مفتقراً إلى الراحة. وعليه فالواجب أن ينام المرء ليعيش لا أن يعيش لينام وقال آخر: إنني في حاجة لأن أنام ثماني ساعات على الأقل ولكن كيفية النوم تهم أكثر من كميته ومن رأيي أن لا يعمد طالب النوم إلى استعمال المنومات والمخدرات وقال جول كلارسي أحد أعضاء المجمع العلمي: إني في حاجة إلى النوم كثيراً ويقلُّ تعي عندما أنام وأنام سبع ساعات على الأقل على أني أعمل بلذة إن نمت قليلاً أو كثيراً وأنا لا أشكو إلا من الأرق فإن التفكر في أشغال الغد هي التي تؤرقني حتى السحر. وقال كورمون من مجمع العلوم: أنام من ثماني ساعات إلى تسع ساعات وأتأثر لأقل حركة تحدث أمامي وكثيراً ما أقضي الليل ساهراً كأني ملسوع فإن نمت ليلتي أتعاطى عملي من الغد وإذا أفرطت في نومي لا أحسن العمل أيضاً ومتى تمت لي ثماني ساعات تكون صحتي إلى الاعتدال وقال الأستاذ ديولافوا: أن النوم كالغذاء فبعض الناس يحتاجون لطعام كثير وبعضهم يتبلغون بالقليل كما أن بعضهم ينامون طويلاً وبعضهم يكتفون بقليل من السهاد ومن القواعد العامة أن قلة النوم والأرق يجلبان التعب ويقللان الميل للأشغال العقلية وعلى العكس في النوم الكافي والسهاد المصلح المعوض فإنهما من شروط العمل أما أنا فأنام سبع ساعات. وذكر آخر أنه إذا نام يتضاعف عمله ويجود عشر مرات عما إذا لم ينم وتسهل أموره وأنه على ثقة من أن بلزاك الشاعر لو كان نام القدر اللازم له لجاد شعره أكثر وخلدت آثاره فقد ظن أنه بسهره يقتصد وقتاً وفي الحقيقة أنه أضاعه ويقال أن نابوليون لما أنهك السهر قواه نام في معركة واترلو وهو واقف.

وذكر الكاتب أسباب الأرق فقال أنها قد تكون أدبية مثل الاهتمام بالأشغال والقلق للمستقبل والتعب العقلي وتعب الوجدان والحزن وتبكيت القلب وقد ينشأ الأرق من أمراض طبيعية صرفة وفي الغالب أن المرء يحرم النوم بتساهله لأنه يحسن الاضطجاع على فراشه ولا يتخذ الأسباب اللازمة فلقد اهتدينا إلى أفضل الطرق في الأكل وأفضلها في الشرب ولم نهتد إلى الطريقة المثلى في النوم فإن أردت يا هذا أن تنام فعليك أن تتخذ لك غرفة بعيدة عن الضجة خالية من الأنوار الصناعية والحيوانات والزهور والأثاث والبسط وأن تكون معرضة كل التعرض للتهوية حتى في الشتاء وأن يكون الفراش منحنياً قليلاً من الرأس إلى الأقدام بحيث ترتاح فيها الأعضاء جيداً وأن يتخذ الفراش من الصوف وتكون المخدة لا رخوة ولا يابسة وأن يختار من الغطاء الخفيف ومن الوسائد القليلة التضاعيف والنعومة وعليك أن تنام بعد الأكل بساعتين أو ثلاث فالأولى أن لا تغفي الجفون إلا بعد أن يتم الهضم على أن الأستاذ هالوبو ينصح للمشتغلين بالأشغال العقلية أن يناموا بعد الأكل ومن رأيه أن الواجب ترك الدماغ يستريح خلال الهضم. وخير طريقة يعمد إليها الفيلسوف والشاعر في نومهما هو أن يقطعا الليل شطرين وذلك بأن يناما بعد العشاء حتى الساعة الواحدة صباحاً (بعد نصف الليل) ثم يأخذان في الاشتغال ثلاث ساعات قبل أن يعاودا النوم وينبغي لهما أن لا يتخليا عن القيلولة في خلال أيام القيظ ويفضل النوم منفرداً وعلى النائم أن يختار وسط الفراش لينام هنيئاً وترتاح أعصابه وتنبسط وأن لا ينهض وذراعاه فوق رأسه كما يفعل بعض النساء تدللاً لأن ذلك مما يخالف نواميس الفسيولوجيا فإذا صدر النائم صفحة وجهه كثيراً يتعب أعصاب ذراعيه وأعصاب صدره وينقبض عنقه ويهز تنفسه فلا يمتد طويلاً وعليه فالواجب أن يكون الرأس واطئاً ما أمكن حتى يتسرب الدم إلى الدماغ على صورة منتظمة وأن يتمدد الجسم كل التمدد وأن لا ينثني الساقان وأن لا يشبك أحدهما مع الآخر وأن لا ترفع الركبتان ولا ينفع النوم مستلقياً على الظهر ويؤكد بعض الأطباء أن هذا الضرب من النوم بالاستلقاء يحدث أرقاً مضنياً أو كابوساً أو أضغاث أحلام والنوم على الشق الأيسر أصعب حالاً من الاستلقاء أيضاً لأنه يوقف الهضم ويؤدي إلى ضيق التنفس والاختناق وإلى حدوث حركات في القلب تضغط عليه وتؤذيه. وعلى النائم أن لا ينام وبطنه منبسط فالأفضل أن ينام المرء على جانبه الأيمن لما في ذلك من النفع للحواس وعلى هذه الطريقة ينبغي لنا تعويد أولادنا وأن نقتصر نحن أيضاً أن ننام مثلهم.

وإذا حدث لنا أرق فالواجب علينا أن نعمد إلى الطرق البسيطة لجلب الكرى إلى العيون وذلك بالمشي والاستحمام قبل النوم ولا ينبغي أخذ شيءٍ من العقاقير والمخدرات لأنها ضارة وتأثيرها مؤقت لا يلبث أن يزول هذا وعلى كل إنسان أن لا يغفل أمر النوم فقد قال ليبسول أن في النوم لصحيحي الجسم قوة وفرحاً وللمريض شفاء وهناء.

البنون والبنات

خطب المسيو أرنست لافيس أحد أعضاء المجمع العلمي الباريزي في معنى وجوب المساواة بين البنين والبنات في إحدى مدارس البنات في فرنسا قال ما محصله: علمت المدرسة أنكن أيتها الفتيات لم تخلقن لتعشن عيشة أصحاب القناطير المقنطرة من المال بل هي تعلمكن استعمال أدوات العمل وأعني بها المقراض والإبرة وتعلمكن مبادئ الاقتصاد المنزلي أي تدبير المنزل وليس من منزل مهما كان صغيراً إلا هو محتاج إلى ربة تدبر أمره وتصلح شأنه وتقوم على تعهده. فالنظام والنظافة والذوق والراحة كلها تدعر المرء لأن يزيد المكث في داره ويحل منزله محلاً رفيعاً من سويداء قلبه ومن حسنت إدارة بيته وكان فيه اللطف والظرف يحسن هندام نفسه.

وحسن تدبير المنزل هو من أكبر الدواعي لإدخال النظام على ثروة البنت وإن قلت ومعنى القيام على تدبير المنزل التفكر للغد والنظر في المستقبل أبداً وحسن استعمال الوسائط التي تدفع اليوم عنا عوادي الحياة وتصرف عنا السوء. وهذه الذرائع هي التي تعلمنا المدرسة. إلا فاستمعن لقولي واليحط علمكن بأنه ما من بيت وإن صغر إلا وفي المكنة أن يكون كبيراً. فالأم المتوسطة الحال إذا قامت بالواجب عليها وراعت قواعد الاقتصاد في دخلها وخرجها ونظرت أبداً في لوح المستقبل يتأتى لها في البلاد الديمقراطية أن ترفع أبناءها مكاناً علياً وتنيلهم من الرغائب ما كان قصياً وعندها لا يلبث ذلك البيت الصغير أن يكبر بفضل السعي والانكماش.

لا تكتفي المدرسة اليوم كما كانت أمس بأن تعلمكن القراءة والكتابة والحساب فإن معرفة الإشارات وتقليدها وإتقان وضع الأرقام هو من الأمور التافهة البسيطة تود المدرسة أن تفهمن ما تقرأن وأن تتعلقن في ما تكتبن وأن تتلقن في حساباتكن حتى تفهمن في حياتكن بعد حين ما يقال لكن وما تقلن وما تعلمن.

فالمدرسة تعلمكن واجباتكن وهي تعتقد كما تعتقد الإنسانية منذ زمن طويل أن هناك شراً وخيراً فالخير هو نتيجة عمل العامل وهذا العمل شريف في ذاته والمدرسة تعلمكن الجمالي فهي تدرسكن تاريخ بلادكن وتملي عليكن بالتعليم الوطني ما هي معاهدنا وتقاليدنا وقوانيننا. ولقد رأى بعضهم أن تعليم البنات هذا القدر من التعليم ليس فيه لهن غناء ولكننا لو تابعناهم على آرائهم لظللنا بدل التقدم إلى الأمام متأخرين إلى الوراء. وأي بلاهة أعظم من أن نترك نصف الشعب الفرنسوي جاهلاً بلاده ونقضي بهذا الجهل على النساء والأمهات أن يخرجن من عداد أبناء الوطن.

المدرسة توسع دائرة أبصاركن بتعليمكن الجغرافيا فتدرسكن المبادئ اللازمة في تصور العالم والنواميس الكبرى في الطبيعة وهي تريد أن تعرفن مسكن الجنس البشري والتخوم الفاصلة بين أقطاره وعرضه وطوله وقرب البلاد من الحرارة والبرودة. تتوخى المدرسة بل تجعل من أهم واجباتها الضرورية أن ترفع الغشاوة عن ذكاء الفتيات وتشركهن ما أمكن بتسهيل طرق التعليم في معرفة الأعمال العظيمة التي يقوم بها الفكر في جميع ضروب المعرفة وأن تنبه فيهن الشعور بالآداب السامية وتعدهن إلى الاطلاع على حقائق الحياة كما هي الآن.

المدرسة هنا لا تميز بين البنات والبنين فقد رأيت في كلية السوربون في إحدى الأيام الآحاد في هذا الربيع مشهداً أخذ بمجامع قلبي. شهدت مئات من العذارى الأوانس وقد تزين وأخذن ينشدن الأناشيد وكن عبارة عن تلميذات المدارس العالية في باريز أقمن حفلة لأسراتهن ولعمري من كان يظن منذ خمسين سنة أن يكون لفرنسا مدارس عالية للبنات. كنت في سنة 1869 أمين سر المسيو دروي ناظر المعارف العمومية فحاول هذا الأستاذ الشهير العظيم وكانت آراؤه كلها صائبة سديدة أن يؤسس مدارسة ثانوية للبنات فوافقه بعضهم على ما ارتأى ولكن ما لبثت الفكرة أن انتشرت بين الناس بأن الأخوات لسن كالأخوة في التساوي وأن المذكر أفضل من المؤنث كما جاء في كتب النحو التي ألفها الرجال. فكان القوم يظنون أنه يكفي الإبنة قليل من التعليم وأن هذا التعليم من خصائص الكنيسة فقط أن تعلمه ولذلك قاوم رجال الدين في إنفاذ مشروع الناظر المشار إليه.

أتت أيام وأزمان فأصبح عدد المدارس العالية للبنات 42 مدرسة جامعة و5 مدرسة داخلية و69 مدسة ثانوية وبلغ عدد المتعلمات فيها 30831 بعد أن كان أقل من النصف قبل عشر سنين وهم يؤسسون هذه السنة أربع جامعات أخرى وربما خمساً وتسع مدارس داخلية وربما عشراً ولم يكن في أول سنة 1903 غير 30 مدرسة داخلية فزادت إلى هذه السنة ثلاثة أضعاف.

النساء فقط هن المعلمات في هذه المدارس يستعددن لهذا العمل الشريف بالدرس والتربية الكثيرة فيعملن ناصحات بإخلاص ونشأة وإنك لتجد مفتش المعارف والرؤساء ونظار المجامع العلمية يمتدحون بلسان واحد المعلمات والمتعلمات لأنهن يتوفرن على تعليم البنات أحسن تعليم بل أقول ولا أخشى من الحق أنهن يعلمن أحسن من تعليم المعلمين من الرجال وقد كان الناس يقولون من قبل أن النساء لا يستطعن أن يفهمن العلوم ولا أن يعلمنها وها هن اليوم يتبحرن في هذه العلوم ويعلمنها كأحسن معلم.

إلا وأن في منافسة البنات للرجال في مضمار العلم لأكبر دليل على صحة ما أقول فقد رأيناهن ينصرفن إلى الدراسة أكثر من الشبان فأصبحن بفضل السهر والدرس وصيفات في الكليات للأساتذة من الرجال وقد خلفت العقيلة كوري زوجها في كلية العلوم الباريزية وكانت شريكته في اختراع الراديوم. كل هذا يدل دلالة صريحة أن النساء مستعدات كل الاستعداد للتعلم وأن من حقهن أن يتعلمن. اعتقد صغار الفتيان منذ خلق العالم بأن البنات من جنس غير جنسهم وأن الرجال أسمى مقاماً وأكبر عقلاً وأقوى جناناً إذا قيسوا بالجنس اللطيف. وما قول الناس هذا من الجنس اللطيف أي النساء وهذا من الجنس القوي أي الرجال إلا من الأوهام في المرأة نشأت من التوحش وما كتب للرجال من قوة العضلات وكانت الأنانية والمصلحة هما المساعدتين على انتشار هذا الفكر.

وها قد ضعف اليوم هذا الوهم وانتشرت الحقيقة كالشمس الساطعة وما أسهلها وأبسطها ولكن الحقائق البسيطة هي التي يطول عهد اكتشافها. الحقيقة التي أعنيها هو أن للبنت كما للصبي ذكاء وإن كانت الكفاآت وأميال الذكاء في الذكور والإناث متفاوتة الدرجات فليس معنى ذلك أن الذكاء الأنثوي أضعف من الذكاء الرجلي بل إن معنى ذلك أن كلاً من ذكاء الفريقين متمم لصاحبه ليتألف من مجموعه ذكاء الإنسانية. والحقيقة بأن للابنة كما للصبي قلباً يحب ويفرح ويحزن بل أن حظ البنات من الأحزان في هذه الحياة أعظم وأشد وفي قلوب الزوجات والأمهات من بنات المستقبل مادة عظيمة من الدموع سيفرغونها في حياتهن المستقبلية. الحقيقة بأن معظم البنات كمعظم البنين مضطرات إلى الكدح لمعاشهن وأنهن يصعب عليهن السير في هذا السبيل ومعزى ذلك أن الواجب يقضي على البنات والبنين أن يجتمعن ذات يوم ليؤسسن معاً أسرة جديدة ويحدث من هذه الحقيقة البسيطة أن البنات كالبنين متساويان في حقوق الإنسانية فلا مسوغ والحالة هذه إلى أن يعاملن معاملة مختلفة في سبيل إعداد الجنسين لجهاد الحياة.

وبعد فإن النساء لا يصبحن كلهن عالمات كما لا يكون المتعجرفات فيهن بقدر المتعجرفين من الرجال والعجرفة من الأمور البشعة والنساء لا يحببن أن يكن بشعات كما أنهن لا يتولين الأعمال كلها لما يقوم في وجوههن من منافسة الرجال منافسة شديدة ولأن الطبيعة تقضي بأن تكون للنساء صناعات خاصة بهن وللرجال كذلك فإذا جاء فيهن النساء المخرفات تضطرهن الحال إلى الاعتدال بيد أن الحقوق المخولة للنساء اليوم لا تكفي لتغيير حالتهن الاجتماعية.

ولقد عنيت دائماً في حياتي الطويلة أن أشوق أفكار الشبان بل الأطفال إلى الحياة وأن أطلعهم على ما عساهم يطلعون عليه في حياتهم وأرى الآن أنه من الواجب أن ألقنهم محبة حب الوقت إذا كان للوقت ثمن عندهم. أنا مقتنع بأن الناشئة متى عرفوا بعد حين الوقت الذي عشنا فيه يعترفون له بالفضيلة الجميلة من أنه عمل على تقوية كل نوع من أنواع الضعف كضعف الولد وضعف المرأة وضعف الشيخ وضعف الفقير وضعف العاجز والزمن.

وهذا العمل الشريف الذي تممته الأزمان لا نلحظه كما أن المتحاربين لا يلحظون في معمعان الحرب كل ما يجري بينهم بل يرون من خلال التراب والدخان حركات لا يميزونها وهجمات وأناساً يفرون وآخرين يركضون وغيرهم يسقطون وهذا الاضطراب العظيم يبعدهم عن تصور ما تم ومع هذا يتم في ساحة الوغى ما انصرف إليه المقاتلة وتخفق أعلام النصر على من كتب لهم.

ولكن قوماً يقولون أن إنهاض الضعيف من كبوته يضعف من قوة الحاكم وسطوته ويرى ولاة الأمر أن هذه السطوة ضرورية مشروعة وأنها إذا فقدت فهناك القضاء على المجتمع وعلى العالم. ولكن الناس لم يسمعوا هذه النبوآت إلا عندما تمس آراءهم أو عاداتهم القديمة أما أنا فأعتقد بأن هذا المجتمع في تبدل ولن يزول فإذا ذهبت صورته يبرز في صورة أخرى.

لغة البلاد

كانت اللغة البلجيكية الشائعة هي الإفرنسية مع أن أكثر من نصف أهلها يتكلمون باللغة الفلامندية وقد علم من إحصاء أخير أن 2744000 من أهل البلجيك يتكلمون باللغة الفلامندية و2145000 يتكلمون بالإفرنسية و700000 يتكلمون بكلتيهما والسواد الأعظم من السكان يطلبون فقط أن تكون اللغة الفلامندية اللغة الرسمية للنصف الشمالي من البلجيك وقد صرح النائب الحر المسيو جورج لوراند بأنه يحق لكل فرد أن تدار شؤونه بلغته وأن الموظفين وهم خدمة الناس يجب عليهم أن يكلموا الأمة بلغتها. قالت المجلة التي نقلنا عنها هذا الخبر وهذا من المعقول بمكان وهو الذي سيكون عليه القرار.

الجامعة المصرية

افتتحت المدرسة الجامعة يوم 15 كانون الأول الماضي حساباً غربياً وهي المدرسة التي أنشأها بعض رجال النهضة المصرية وجمعوا لها الإعانات الطائلة من أرباب الخير لتعليم الناشئة تعليماً أوربياً عربياً وطنياً. والدروس التي تلقى فيها الآن محاضرات على الحضارة الإسلامية يلقيها الأستاذ أحمد زكي بك ومحاضرات على الحضارة القديمة في مصر والشرق إلى ظهور الإسلام يلقيها الأستاذ أحمد كمال بك ومحاضرات على آداب اللغتين الإنكليزية والإفرنسية يلقيها الأستاذان مللر وبوفيليه ومحاضرات على أدبيات الجغرافيا والتاريخ واللغة عند العرب وعلاقتها بأوربا يلقيها الأستاذ دي كوبه.

غرف القراءة

افتتح مساء 24 ذي القعدة الماضي بضعة عشر أديباً من شبان دمشق وأعضاء جمعية النهضة السورية غرفاً للقراءة مجانية ووضعوا فيها ما يلزم للمراجعة والمطالعة من الكتب والمجلات والجرائد. وهذه الغرف من أحسن المشاريع الأدبية في هذه الحاضرة بعد إعلان الحرية.

هجرة الإسبانيين

شغلت مسألة هجرة الإسبانيين رجال البحث فيها إذ رأوا أن عدد المهاجرين تضاعف في خمس سنين فكان الراحلون عنها سنة 1900 حسب الإحصاء الرسمي 62482 فغدوا سنة 1906 ـ 127000 وهذا القدر فيه نظر لأن كثيرين يفرون بدون أن يأخذوا جوازاً من الحكومة فيسافرون سراً فراراً من وجه رجال الشرطة والذين يعودون من المهاجرين إلى أميركا فقلما يرجعون إلى بلادهم وترى الآن 24 مليون هكتار من الأرض الإسبانية بوراً لا زرع فيها ولا ضرع لقاء 22 مليوناً قابلة للزراعة.

جرائد الهند

تصدر في أقطار الهند 774 جريدة يومية بتسع عشرة لغة مختلفة وأكثرها انتشاراً جريدة كورالدري تصدر في بومباي ويطبع منها كل يوم خمسة آلاف نسخة وفي كلكتا جريدة بازوموتي وهي أسبوعية يطبع منها خمسة عشر ألف نسخة.

الجنون في أميركا

يزداد فقد العقل في الولايات المتحدة بصورة مخيفة. ففي ولاية نيويورك ستة وعشرون ألف وثلاثمائة وسبعة وخمسون مجنوناً وذلك واحد في الثلاثمائة وأغلبهم من المهاجرين.

بيان وإيضاح

نبهت في كلامي عن الطالع السعيد على نوع من الزجل سماه المؤلف بالبليقة ولم أدر إن كان يراد به مطلق الزجل في ذلك العصر أو نوعاً مخصوماً منه ثم وقفت أخيراً على بيان وافٍ لهذا النوع في كتاب الأقصى القريب لأبي عبد الله محمد التنوخي وهو من مقتنياتي الحديثة أحببت أن أتحف به المقتبس الأغر. قال عند كلامه على الموشحات والأزجال ما ملخصه ومنها قرقيات المصريين وبليقاتهم والفرق بينهما وبين الزجل أن الزجل متى جاء فيه الكلام المعرب كان معيباً والبليقة ليست كذلك فيجيء فيها المعرب وغير المعرب ولذلك سميت بليقة من البلق وهو اختلاف الألوان وتفارق البليقة في أن البليقة لا تزيد على خمس حشوات غالباً وقد تنتهي إلى السبع قليلاً والقرقية تزيد كثيراً على حكم الزجل في ذلك وسميت القرقية قرقية من القرقة وهي لعبة يلعب بها صبيان الأعراب انتهى. قلت وهذه اللعبة ذكرها صاحب القاموس ورسم صورتها إلا أنه سماها قِرقاً لا قِرقةً والخطب سهل.

أحمد تيمور

قصيدة للمعري نشر المقتبس قصيدة لأبي العلاء المعري لا توجد بديوانه عثر عليها أحد علماء المشرقيات في كتاب الوافي للصفدي وقد عثرت له على أبيات لامية أيضاً لا توجد بالديوان في كتاب التذكرة لابن العديم وهو من كتب دار الكتب الخديوية وهذه النسخة بخط ابن العديم نفسه ونصها:

قرأت بخط الشيخ أبي الفضل عبد الواحد بن محمد بن العطار الربعي الحلبي على ظهر كتاب أنشد أبو العلاء المعري في من قتل وصلب.

أَبدْرَ دُجى غالته الغوائل ... فأصبح مفقوداً وليس بآفل

أتته المنايا وهو أعزل حاسر ... خفىَّ غرار السيف بادي المقاتل

غلام إذا عاينت عاتق ثوبه ... رأيتَ عليه شاهداً للحائل

يمسّح المسك الزكيّ مرَجلاً ... يرفّ على المتنين مثل السلاسل

سواءٌ عليه في السوابغ جرْأَةً ... ثنى عطفه أو في رقاق الغلائل

وعزّ عَلَيّ العلياءِ إن حيل بينه ... وبين ظبي أسيافه والعوامل

وعريّ من برديه والسيف لم يكن ... ليخضب إلا من دماءِ الأفاضل

أَحلوُّك من أعلى الفضاء محلةً ... نأَت بك عن ضنك الثرى والجنادل

وليس بعارٍ ما عراك وإنما ... حمال اتساع الصدر ضيق المنازل

انتهى

إلا أن قول ابن العديم أنشد أبو العلاء يحتمل أنه أنشدها لغيره وليست له ويتحمل عكسه على أني أرجح كونها له لما عليها من المسحة المعرية وقد عرضتها عَلَى الأستاذ الشيخ طاهر الجزائري فصوب رأيي فيها وزاد أنه لم يعهد في الغالب أن أبا العلاء ينشد لغير العرب فالراجح أنها من كلامه وقد أعجب بها كثيراً.

القاهرة ـ أحمد تيمور