مجلة المقتبس/العدد 26/الصديق المطاع
→ وقفة في الأجداث | مجلة المقتبس - العدد 26 الصديق المطاع [[مؤلف:|]] |
التربية والتعليم ← |
بتاريخ: 1 - 3 - 1908 |
علام حرمنا منذ حين تلاقيا أَفي سفرٍ أم كنت لاهيا
عهدناك لا تلهو عن الخلّ ساعةً ... فكيف علينا قد أطلت التجافيا
ومالي أراك اليوم وحدك جالساً ... بعيداً عن الخلان تأبى التدانيا
أنابك خطبٌ أم عراك تعشق ... فإني أرى حزناً بوجهك باديا
وما بال عينيك الاتين أراهما ... تُديران لحظاً يحمل الحزن وانيا
وأي جوىً قد عدت أصفر فاقعاً ... به بعد أن قد كنت أحمر قانيا
تكلم فما هذا الوجود فإنني ... عهدتك غرّيداً بشعرك شاديا
تجلد تجلد يا (سليم) ولا تكن ... بما ناب من صرف الزمان مباليا
ولا تبتئس بالدهر إن خطوبه ... سحابة صيف لا تدوم ثوانيا
فقال ولم يملك بوادر أدمع ... تناثرن حتى خلتهن لئاليا
لقد هجبتني يا (أحمد) اليوم بالأسى ... وذكرتني ما كنت بالأمس ناسيا
أتعجب من حزني وتعلم أنني ... قريع تباريج تشيب النواصيا
لقد عشت في الدنيا أسيفاً وليتني ... ترحلت عنها ولا عليّ ولا ليا
لقد كنت أشكو الكاشحين من العدا ... فأصبحت من جور الأخلاء شاكيا
وما رحت أستشفي القلوب مداوياً ... من الحقد إلا عدت عنها كما هيا
وداريت حتى قيل لي متملق ... وما كان من داء التملق دائيا
وحتى دعاني الحزم أن خلّ عنهم ... فإن صريح الرأي أن لا تداريا
وربّ أخٍ أوقرت قلبي بحبه ... فكنت على قلبي بحبيه جانيا
أراد انقيادي للهوان وما درى ... بأني حر النفس صعبٌ قياديا
إذا ما سمائي جاد بالذل غيثها ... أبيت عليها أن تكون سمائيا
ألا فابك لي يا (أحمد) اليوم رحمة ... ودعني وشأني والأسى وفؤاديا
فإن أحق الناس بالرحمة امرؤٌ ... أضاع وداداً عند من ليس وافيا
وما كان حظي وهو في الشعر ضاحكٌ ... ليظهر إلاّ في سوى الشعر باكيا
ركبت بحور الشعر رهواً ومائجاً ... وأقحمت منها كل هول يراعيا
وسيرت سفني في طلاب فنونه ... وألقيت في غير المديح المراس وقلت اعصني يا شعر في المدح إنني ... أرى الناس موتى تستحق المراثيا
ولو رضيت نفسي بأمرٍ يشينها ... لما نطقت بالشعر إلاّ أهاجيا
وكم قام ينعي حين أنشدت مادحاً ... إليّ الندى ناع فأنشدت راثيا
وكم بشرتني بالوفاء مقالةٌ ... فلما انتهت للفعل كانت مناعيا
فلما بكى أمسكت فضل رداءه ... وكفكفت دمعاً فوق خديه جاريا
وقلت له هون عليك فإنما ... تنوب دواهي الدهر من كان داهيا
وما ضر أن أصفيت ودك معشراً ... من الناس لم يجنوا لك الود صافيا
كفى مفخراً إن قد وفيت ولم يفوا ... فكنت الفتى الأعلى وكانوا الأدانيا
لعلَّ الذي أشجاك يعقب راحةً ... فقد يشكر الإنسان ما كان شاكيا
ألا رُبَّ شر جرَّ خيراً وربما ... يجر تجافينا إلينا التصافيا
فلو أن ماء البحر لم يك مالحاً ... لرحنا من الطوفان نشكو الغواديا
ولولا اختلاف الجذب والدفع لم تكن ... نجومٌ بأفلاكٍ لهن جواريا
وكيف ترى للكهرباء ظواهراً ... إذا هي في الإثبات لم تلق نافيا
تموت القرى إن لم تكن في تباين ... ويحيين ما دام التباين باقيا
فلا تعجبن من أننا في تنافر ... ألم تر في الكون التنافر ساريا
وهبهم جفوك اليوم بخلاً بودهم ... ألم تغن عنهم إن ملكت القوافيا
فطرْ في سموات القريض مرفرفاً ... واطلع لنا فيها النجوم الدراريا
فأنت امرؤٌ تعطي القوافي حقها ... فتبدو وإن أرخصتهن غواليا
يجيئك عفواً إن أمرت شرودها ... وتأتيك طوعاً إن دعوت العواصيا
فقال وقد ألقى على الصدر كفه ... فشدّ بها قلباً من الوجد هافيا
لقد جئتني بالقول رطباً ويابساً ... فداويت لي سقماً وهيجت ثانيا
فإني وإن أبدى لي القوم جفوة ... أُمني لهم مما أحب الأمانيا
وما أنا عن قومي غنياً وإن أكن ... أطاول في العز الجبال الرواسيا
إذا ناب قومي حادث الدهر نابني ... وإن كنت عنهم نازح الدار نائيا
وما ينفع الشعر الذي أنا قائلٌ ... إذا لم أكن للقوم في النفع ساعيا ولست على شعري أروم مثوبة ... ولكن نصح القوم جل مراميا
وما الشعر إلا أن يكون نصيحة ... تنشط كسلاناً وتنهض ثاويا
وليس سري القوم من كان شاعراً ... ولكن سري القوم من قام هاديا
فعلمهم كيف التقدم في العلى ... ومن أي طرق يبتغون المعاليا
وأبلى جديد الغي منهم يرشده ... وجدد رشداً عندهم كان باليا
وسافر عنهم رائداً خصب نفعهم ... يشق الطوامي أو يجوب المواميا
وإن أفسدتهم خطة قام مصلحاً ... وإن لدغتهم فتنة قام راقيا
بغداد
معروف الرصافي