مجلة المقتبس/العدد 22/اليونان
→ الميكروب | مجلة المقتبس - العدد 22 اليونان [[مؤلف:|]] |
حرب المورة ← |
بتاريخ: 15 - 11 - 1907 |
الصنائع اليونانية
المعابد اليونانية - قامت أجمل المباني في اليونان تعظيماً للأرباب فمتى ذكرت هندسة اليونأن فلا يذهب الفكر الا معابدهم. وليس المعبد اليوناني كالبيعة النصرانية خاصاً بقبول المؤمنين الذين يهرعون إلى الصلاة فيها بل هو قصر ينزله الرب وتمثالاً يمثله قصر تحفة الابهة والجلالة ولا يلجه جمهور المؤمنين بل يظلون خارجه حوالي مذبح تحت السماء وقد قامت مقصورة الرب في وسط المعبد وهو مزار سري لا نافذه له ولا ضوء ينفذ إليه الأماكن من كوى في الاعالي. وقام الصنم في داخله معمولا من خشب او رخام او عاج لابساً ذهباً محلى بالثياب والحلي وكثيراً ما يكون هيكلاً عظيماً.
وقد مثل زيوس في معبد الأولمبيا قاعداً ويكاد يصل رأسه إلى القمة ولذا قيل أن الرب لو تمثل قائماً لخرق السقف وقد حجب هذا المزار عن الانظار من كل ناحية وهو عبارة عن مستودع ذخائر الصنم ويجتاز من يروم دخله ضرباً من الرواق مؤلفاً من صفوف من السواري. ووراء الغرفة غرفة ثانية معلقة فيها الاعلاق الثمنية الخاصة بالرب وجميع قنياته وربما جعل فيها ذهب المدينه وفضتها.
وهكذا كان المعبد صواناً وكنزاً ومتحفاً وتحيط بالمعبد صفوف من السواري من أطرافه الأربعة مؤلفة حوالي جدار المزار عشاء ثانياً للرب وكنوزه والسواري على ثلاثة أنواع تختلف باختلاف أساسها ورأسها او تاجها وعلى كل منها اسم الأمة التي اخترعها او اكترث من استعمالها وهي بحسب اختلافها في القدم السواري الدورية والسواري الايونية والسواري الكورنتية.
ويدعى المعبد باسم السواري التي بنى عليها. وفوق الاعمدة حوالي البناء صفائح من رخام منقوشة على شكل اللوحة تتناوب على قطع من رخام منظمة ومنها يتألف الافريز. ويعلو المعبد بنية مثلثة في أعلى مقدم البناء مزدانة بتماثيل وقد صورت المعابد اليونانية بألوان عديدة من أصفر وازرق وأحمر وبقي أهل التمدن الحديث زمناً وهم يأتون تصديق ذلك. وكان من الوأهم العام أن لأبناء اليونان ذوقاً معتدلاً جداً في نقش البناء. بيد أنه اكتشف في كثير من المعابد أثار نقوش لا تبقى مجالاً للشك حتى ادت الحال أن علموا بالتأمل فيها أ تلك الألوأن اللامعة لم تحسن اخراج الخطوط وكان عليها أن تحسنه أكثر من ذلك.
صنعة النقش اليوناني - يتراءى المعبد اليوناني بادئ بدء أنه ساذج لا زينة فيه وما هو الا علبة مستطيلة من حجر موضوع على صخر أما الواجهى فتحوي على شكل مربع تعلوه زاوية. فلا ترى لأول نظرة غير خطوط مستقيمة وأسطوانات حتى إذا نظرت فيها عن أمم تنكشف لك أنه ليس من هذه الخطوط المستقيمة العديدة الا خط واحد مستقيم في الحقيقة. فالسواري منتفخة نحو الوسط والخطوط القائمة منحنية قليلاً نحو المركز والخطوط الأفقية محدبة في الوسط.
وكان هذا من الدقة بحيث اقتضى قياسه بالتدقيق لاكتشاف الصنعة فيه. وقد لحظ النقاشون اليونان أن اخراج مثل هذا المجموع المتطابق من البناء يقتضى تجنب الخطوط الهندسية التي تظهر منحدرة وتوفير العناية بظواهر المناظر البعيدة. قال كاتب يوناني إن غاية النقاش أن يخترع طرقاً يسحر بها اعين ناس. ولقد كان أهل الصنائع في يونان يعملون باخلاص لأنهم يعتقدون عملهم قربى من أحد الأرباب لذلك كانت صنائعهم معتنى بها في كل أطرافها حتى فيما لا يرى منها وهي من المتانة بحيث بطول امد بقائها بعد لولم يعاجلها التخريب بشدة. ودام البارتينون إلى القرن السابع عشر سليماً وانشق شطرين بانفجار مخزن من البارود كان بقربه وقد جمعت النقش اليوناني إلى المتانة حسن ذوق وإلى السذاجة علماً ومهارة.
زالت معابد اليونان كلها تقريباً ويكاد يبقى بعضها مبعثراً مخدوشاً مهدماً متداعي الاركان وربما كانت طبقات من سوار على أنها تكفي على علاتها أن تفلت نظر من يراها.
النقش - لم يكن النقش عند المصريين والاشوريين الا زينة من توابع الابنية أما اليونأن فقد احلوه محل صناعة رئيسية. وأشهر أرباب الصنائع عندهم النقاشون فيدياس وبرا كسيتيل وليزيب. فينقشون التارز دون النصف من البناء ليزينوا جدران معبد وواجهته والبنية المثلثة في أعلى البناء. ومن هذا النوع الافريز الشهير في الباناتينيه المحيط بالبارتينون وهو يمثل تطواف شابات أثينة يوم الاحتفال بعيد الربة الكبيرة. وكان هؤلاء النقاشون ينقشون هياكل وتماثيل خاصة بعضها يمثل رباً ويستخدم صنماً وبعضها يمثل مصارعاً ظافراً في الالعاب الاحتفالية أقيمت له هذه التماثيل جزاء نصرته.
واقدم التماثيل اليونانية منحدرة عوجاء تشبه النقوش الاشورية ثم غدت لدنة ظريفة وكانت أعظم الأعمال من صنع فيدياس في القرن الخامس وبراكسيتيل في القرن الرابع اما تماثيل القرون التالية فإنها على التأنق فيها أقل شرفاً وعظمة. وكان في نونأن الوف من التماثيل اذ أن لكل مدينة تماثيلها وقد تابع النقاشون عمل التماثيل بلا أنقطاع مدة خمسة قرون ولم يبق منها على كثرتها غير خمسة عشر تمثالاً لم تعبث به الايدي. ولم تنقل الينا طرفة من الطرق الشهيرة بين اليونان وأشهر تماثيلنا اليونانية اما أن تكون نسخة من الأصل مثل تمثال الزهرة في ميلوا او أعمالا أثرت عن عصر الانحطاط مثل تمثال ابولون في البلفيدير.
ومع هذا فقد بقي منها ما يكفي إذا أضيفت إليها قطع التماثيل والصور البارزة التي ما زالت تستخرج بالحفر لان يتصور المرء حالة النقش اليوناني ويكون له فكر اجمالي عنها المهندسون اليونأن فكروا أولاً في تمثيل أجمل الأجسام في مظهر وقور شريف. وما اضاعوا الفرص كلما سنحت ليشهدوا أجمل الرجال في أجمل الهيآت من محل الرياضة والجيش والمراقص والاجواق المقدسة فيدرسونها ويحسنون نقلها. وما ضاهأهم احد في محاكاة الجسم البشري ومن العادة أن يكون الرأس صغيراً في تمثال يوناني والوجه ساكناً كامداً ولم يعن اليونان مثلنا بمعاني الوجه بل يعتنون بجمال التخاطيط ولم يراعوا التناسب بين الأعضاء والرأس والجسم برمته مثال الجمال في التماثيل اليونانية.
صناعة الخزف - عرف اليونان أن يتخذوا من الفخار صناعة حقيقة دعوها سيراميك بقي منها اسمها فقط فالخزف أو الفخار لم يعتبر في يونان مساوياً لسائر الصناعات ولكن له منفعة عظيمة لنا وذلك اننا نعرفه أحسن من معرفتنا غيره فقد تداعت المعابد والتماثيل اما أعمال الخزافين اليونأن فقد حفظت بحالها في المدافن التي يعثر فيها عليها اليوم.
وقد جمع منها إلى الآن زهاء عشرين الف خزفة في متاحف أوروبا وهي نوعان: الأواني المنقوشة بنقوش سوداء او حمراء على اختلاف الحجم والشكل. والتماثيل الصغيرة المعمولة من التراب المطبوخ التي عرفت منذ خمس عشرة سنة وقد اشتهرت الآن او كادت منذ اكتشف الدمى البديعة في تاناكار من يبوسيا ومعظمها انصاب صغيرة وبعضها يمثل أولاداً او نساء.
التصوير - اشتهرت في يونان عصابة من المصورين مثل زوكسيس وفارانيوس وايبل وكل ما اتصل بنا عنهم يرجع إلى بضع اقاصيص وربما كانت مبهمة في الاحايين أو إلى بعض أوصاف ذات صور. وانا للوقوف على حالة التصوير اليوناني قد اقتصرنا على ماعثر عليه من تصاوير الحوائط في بيوت إحدى المدن الايطالية وهي من القرن الأول للميلاد وكانها تقول بلسان الحال اننا لم نعرف عنها شيئا.
التجارة الأثينية - أصبحت أثينة في القرن الخامس مدينة كبرى على حين كانت اتيكيا أقليما مجدبا لا تغل ما يكفي لاعالة سكانها فتضطر إلى حلب الحنطة والخمر والسمن والسمك من الخارج. وقد كان عبيد أثينة على العكس يعملون الثياب والخزف والسلاح والأثاث مما يباع خارج بلادهم. فمن ثم كثرت أساليب التجارة. فكأنت البضائع ترد إلى مرفأ بيرا او تصدر منها وكانت أنشئت فيها ارصفة ومخازن وقد سماها احد الخطباء في القرن السادس بانها سوق بلاد اليونان بأسرها. وكانت تأتيها حأصلات بلاد الشمال خاصة ويحمل إليها من الداخلية في مواني البحر الاسود وتراسيا الحنطة والخشب والجلود والعبيد وكانت أثينة تتجر مع اليونأن النازلين في جنوبي إيطاليا إلى نابولي. وإذ كان لكل مدينة يونانية نقودها الخاصة بها فقد كان يأتي أثينة دراهم من ضروب مختلفة فاقتضى لذلك صيارفة يبدلونها وكانوا يدعونهم (ترأبيزيت) لأنهم كانوا يجلسون في الساحة وراء منضدة وكانوا كلهم تقريباً من الغرباء الذين أصبحوا ميتيكيين ثم انهم كانوا اتخذا مهنة اضافوها إلى مهنتهم تلك وهي اقراض النقود فيخزنون الدراهم ويقرضونها بفائدة فاحشة بنحو (20 في المئة).