مجلة الرسالة/العدد 999/ميلاد أمة
→ الولاة والعمال في عصر الرسول | مجلة الرسالة - العدد 999 ميلاد أمة [[مؤلف:|]] |
أبو هلال العسكري ← |
بتاريخ: 25 - 08 - 1952 |
للأستاذ حامد بدر
كنا نريد الكلام ولا نتكلم. ولنا ألسن؛ لأن على الأفواه أقفالا. وكنا نظلم ويبطش بنا، فلا نستطيع أن نرد الظلم، أو ندفع البطش. ولنا أيد؛ لأن في الأيدي أغلالا؟ وكنا نؤخذ في كل شيء قسرا. فلا نجد مفرا. لأن الحرية ضائعة. والطغيان بالغ منتهاه!
فإذا فاض الإناء. ونفد الصبر. لم يجد الكاتب ما يخفف به من بلائه سوى زفرة حارة يرسلها على القرطاس. في عبارة مقنعة لا يفهمها إلا من يعرف أسرار الرموز. ويفك عقد التعابير. ولا يعرف أسرار الرموز. ويفك عقد التعابير إلا من نزل به هم كهم هذا الكتاب المحزون، أو أصابه جرح كجرح ذلك الفصيح الأبكم!
ولا شك في أن للمظلوم الذي لاذ بالصمت كارها شكاة تسمع ولو لم نطق بها. فليس بين الإله وبين قلوب عباده حجاب. وهو بالمظلومين والظالمين خبير بصير. كما لا شك في أن للظالم جزاء يلاحقه أينما كان. فإن لم يلحقه عاجلا. فلابد أن يلتقي به يوم ما. وإن يوم الفصل الذي أعد له لأبشع وأشنع وأفظع من كل انتقام عاجل يصيبه في الدنيا!
كنت بالأمس لا أستطيع الكلام الصريح. ولي لسان عليه غل. وفي يدي قلم عليه. غل أيضا. فإن حاولت الكتابة لأنفس عن نفسي. وأخفف عن آلامها. أخذت أدور حول الغرض ولا أقربه. ولأني أمقت الدوران. كنت كثيراً ما أطوي الكتاب قبل إتمامه. وأعرض عن الموضوع قبل استيعابه.
كنت أقول في نفسي: إن كل شيء في الصدر مخطوط. وفي الإفضاء بما في الصدر راحة. ولكن كف أسجل شكاتي التي أريدها صريحة ناصعة ولا سبيل إلى ما أردت؟ لن أكتبها مشوهة مبتورة! فالسكوت السكوت!
هكذا كنت أوثر السكوت وأنا مكره. والآن وقد انطلقت الألسن والأقلام. . فما عذري إن لم أتكلم؟
بالأمس كنت مكرها على السكوت. واليوم زالت الأسباب التي من أجلها أردت الكلام. فلا كلام بالأمس. ولا كلام اليوم! والفرق واضح بين سكوت الأسير العاجز، وسكوت الحر القادر، وليس أدل على الرضا من سمت المرء وهو قادر على الإفصاح.
كنت بالأمس أريد التحدث عن الحرية المسلوبة. والحق الضائع. والظلم القائم. واليوم وقد ردت الحرية. وجاء الحق. وذهب الظلم. لا أجد ما يدعوني إلى الكلام.
إن العبرة تذهل من يفكر تفكيراً عميقاً في هذا الحلم الذي حققه بمشيئة الله وقدرته - جيشنا الأمين. وقائده النجيب. وإن نشوة الانتصار تغمر قلب كل مصري، يفيض من الحمد والشكران.
لا أريد اليوم أن أقول شيئاً. فإن الرضا بالحاضر أسكتني. والثقة بأن الزمام في أيدي الأمناء المخلصين الذين خرجوا بنا من الهوة. إنما هي ثقة من يتطلع إلى القمة، فلا شك في أن الخروج من الهوة صعود. والوصول إلى القمة منتظر (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم).
إن كل دقيقة ينفقها الرجل في كلام ضائع. وهو قادر على إنفاقها في عمل نافع. لهي فرصة ضائعة. وإضاعة الفرص المتاحة خيانة وسرقة ومماطلة في حقوق البلاد.
وإنه ليغمرني شعور بالرضا. وراحة الضمير. والشكر لله سبحانه. عندما ينهض الرئيس علي ماهر ليتكلم فيقول: عملنا وفعلنا وقررنا. . وكان غيره يقول: سنعمل وسنفعل. . والفرق كبير جدا بين الوقت الذي أنفقه الرئيس علي ماهر في العمل. والوقت الذي أضاعه غيره في إنشاء الخطب وإذاعتها ونشرها. هذا وقت قليل جدا في حساب الساعات والدقائق. لكنه كثير مبارك. في نتائجه السريعة الناجحة. وذاك وقت كبير جدا في حساب الأيام والسنين. لكنه صغير وتافه. في نتائجه البطيئة الفاشلة.
لو قيل لي: ماذا تتمنى؟ لتمنيت للبلاد رئيسا حكيما مخلصا. وجيشا قويا أمينا يقوده قوي أمين
لو قيل لي: ماذا تتمنى؟ لتمنيت ما كان. فحمداً لله على أن حقق ما تمنيت. فأعطى البلاد خيرا كثيرا يعقد الألسن من العجز عن تصوير معاني الرضا والشكران.
وهب الله البرد الرئيس والقائد اللذين أعدهم لحماية المظلومين من الظالمين. وإقامة الحكم الصحيح المنقذ للبلاد.
فاليوم لا كلام إن لم يكن مسبوقا بالعمل أو مقرونا به. لا كلام إن لم يكن توجيها صالحا أو تشريعا طيبا نافذا.
إن الوقت أصبح غاليا جدا. وكم بذلناه وأفنيناه رخيصا. بل من غير ثمن!
وإذا حق لنشوة النصر أن تدفع القلم ليكتب. فإني أسجل هذه العبارة الموجزة:
ليمض كل مصري في واجبه أمينا مخلصا، فقد أتيح لكل مصري أن يؤدي واجبه من غير التواء ولا انحراف.
حامد بدر