الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 992/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 992/الكتب

بتاريخ: 07 - 07 - 1952


فن المقابلة. . . مبادئه وطرقه

تأليف آنيت جاريت

للأستاذ محمد عثمان محمد

كثيراً ما يتوقف نجاح الفرد في حياته العامة على قوة شخصيته ومدى تفهمه وإتقانه لفن المقابلة.

فقد يستقبلك شخص يستحوذ عليك أدبه ورقة حديثه فتنجز له في الحال طلبه، وتقدم له ما استطعت من مساعدات، وقد يستقبلك آخر بأسلوب السوقة والدعماء فتنفر منه ولا تحقق له أملا، أو تنجز له طلبا.

كما أن الأخصائي أو القائم بالمقابلة في أية هيئة أو مؤسسة أو منظمة اجتماعية يتوقف نجاحه في عمله إلى حد كبير على هذه الشخصية وعلى مدى تمكنه وإدراكه لهذا الفن كذلك.

ولذا كان ولا يزال للمقابلة شأن عظيم في الدوائر السياسية والمجالات الدولية وفي المنظمات الإنسانية المختلفة التي تقوم بتأدية الخدمات الاجتماعية للأفراد والجماعات وفي مكاتب الاستعلامات وفي المصالح الحكومية وفي البنوك والشركات العديدة وفي المستشفيات العامة وفي المصحات وفي عيادات الأطباء وفي مكاتب المحامين والمحاسبي وفي دور النشر والصحافة وفي غيرها وغيرها.

وقد قام أخيراً المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالإسكندرية مشكورا بترجمة مؤلف قيم يدور حول هذا الموضوع إلى اللغة العربية اسمه (فن المقابلة - مبادئه وطرقة) بقلم الأخصائية الأمريكية آنيت جاريت.

والكتاب من الحجم الصغير، ويقع في مائة وثماني عشر صفحة، وقد تناولت المؤلفة في فصوله السبعة فهم الطبيعة البشرية والحالات النفسية للقائم بالمقابلة وأغراض المقابلة وكيفية القيام بها والأشياء التي نبحث عنها فيها، وأخيرا الظروف الضرورية للمقابلة الحسنة، ثم اختتمت بحثها الممتع هذا بكلمة عابرة موجزة عن (ثقافة الأخصائي) وما يج أن يتزود به من معلومات عامة وخاصة حتى يقوم بما وكل إليه من عمل في المؤسسة التي ينتمي إليها على الوجه الأكمل.

وقد يتصفح المتصفح الكتاب فيرى لأول وهلة أن بحثه يدور حول المقابلة من ناحيتها (المهنية) فقط، وأنه ما نشر إلا لينتفع به الأخصائيون والقائمون بالمقابلة في مختلف المنظمات والمؤسسات، ولكنه لو تفكر حقا لوجد أن كل ما جاء في تضاعيفه ما هو إلا دراسة مستفيضة وافية مفيدة للجميع، للأخصائي ولغير الأخصائي.

ومن الملاحظ أن المؤلفة لا تعرض بحثها فيه عرضا سطحيا سهلا، ولكنها تلجأ في أسلوب سلس إلى التركيز فالمناقشة والشرح والتبيين.

أسمعها حين تتكلم عن حوافز السلوك الإنساني (ص 17) فتقرر أن الكثير من سلوك الإنسان يصعب علينا تعليلة، وأننا (. . . قد نفلح في تقديم تبريرات بارعة ولكنها قد لا تجد القبول حتى منا أنفسنا. . .) ثم تعمد إلى الشرح والإيضاح بقولها (. . . أمثال ذلك كيف تستبد بنا ثورة الغضب إذا كان علينا أن ننتظر دقيقة واحدة، على حين أننا نقف في أوقات أخرى في الصف ننتظر دورنا هادئين مدة نصف ساعة!؟ ولم ننزل عقوبة صارمة بطفل ما لأنه ارتكب هفوة يسيرة على حين نتجاوز عن أخطاء له أشد شناعة؟)

ثم اسمعها حين تتحدث في موضوع آخر عن الصراع بين الدوافع (ص 28) قائلة (إننا كثيرا ما نشك فيما قد يصدر عنا من أحكام، وكثيرا ما نعيد النظر كرات فيما اخترناه متحسرين على سابق اختيارنا الذي قد يبدو لنا أننا كنا فيه غير موفقين) ضاربة المثل بالطالب الذي يتخلى عن إخوانه في حفل بهيج ليعود إلى استذكار دروسه استعدادا لامتحان مقبل من أنه (. . . يشعر شعورا قويا أثناء الاستذكار أن هناك قوة تجذبه إلى الحفل، وفي بعض الأحيان قد تكون هذه القوة من السلطان بحيث تغير اختياره فإذا هو مسرع إلى إخوانه، وعندئذ فقط يشعر بصوت الضمير محاولا في يأس أن يجذبه إلى عمله. . . وأيا كانت الرغبة التي تنتصر في النهاية والتي نفسح السبيل لها في حياتنا. . . فإن الرغبة المهزومة لا تموت، ولكنها تثور بين وقت وآخر. . .)

وهكذا لا تتناول نقطة من نقاط الكتاب إلا وتستوفيها شرحاً وتمحيصاً ولقد لفت نظري واستوقفني طويلا قولها في صفحة 46 (. . . وهنك خطأ يسهل الوقوع فيه وهو أن تعرض على - عميلك - توكيدات غير حقيقية كأن تقول: أنا واثق أنك ستتحسن قريبا أو ستحصل على عمل في القريب العاجل أو سيتهيأ كل شيء على خير ما يرام، فمثل هذه الملاحظات فضلا عن أنها لا تطمئن - العميل - فإنها تسبب له شعورا بالشك في إمكان فهم القائم بالمقابلة للموقف وبالتالي قدرته على المساعدة)

فهل على الطبيب المعالج مثلا أن يصارح مريضه الطريح الفراش المعاني بحقيقة علته إذا كانت مستعصية ولا أمل له في الشفاء منها؟! أليس من الأفضل أن يتذرع بالحكمة فيطرد الوهم القاتل ما استطاع من فكره وأن يوهمه بأن علته هذه التي يشكو منها غير مزمنة ولا هي غير مستعصية. وأنه واثق الوثوق كله من أن حالته بأذن الله ستتحسن قريبا؟!

نعم، ليس من الحكمة ولا من الخير أن يكون المرء في جميع أحواله صادقا، ولا أن يكون في جميع ظروفه كاذبا، ولكنه يجب أن يكون للصدق موضعه، وأن يكون للكذب موقفه ومبرره

ورحم الله شيخ المعرة كم كان صادقا موفقا حين قال في لزومياته:

أصدق إلى أن تظن الصدق مهلكة ... وبعد ذلك فاقعد كاذبا وقم

محمد عثمان محمد