مجلة الرسالة/العدد 989/الأدب والفنّ في أسبوع
→ رسالة الشعر | مجلة الرسالة - العدد 989 الأدب والفنّ في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 16 - 06 - 1952 |
للأستاذ عباس خضر
حول محنة الأدب:
أثار الدكتور طه حسين باشا في (الأهرام) موضوع الركود الذي اعترى حياتنا الأدبية في السنوات الأخيرة، وذكر لهذا الركود ثلاث أسباب قال أنه يقصر الكلام عليها وإن كان هناك غيرها، أولها الظروف السياسية وما تأتي به من فرض الرقابة على النشر، وقد استغرقت هذه الرقابة أكثر من خمس عشرة سنة في أقل من ربع قرن، والحرية قوام الحياة الأدبية الخصبة فإذا ذهبت أجدب الأدب وعقم التفكير
أما السبب الثاني فيسأل عنه الأدباء والشيوخ أنفسهم ويسأل عنه الناشرون معهم، فكثير من الشباب يكتبون فلا يجدون قبولا من الناشرين ولا تشجيعا من شيوخ الأدب
وأما السبب الثالث فهو ضعف التعليم الأدبي في مصر، فالأدب يدرس في المدارس والمعاهد والجامعات على نحو يحزن أكثر مما يسر، وإنتاج الأساتذة ضعيف، والمتخرجون في أقسام اللغة العربية بالجامعات لا يعرف بعضهم كيف يبحثون في كتاب الأغاني لأنهم لم يسمعوا بفهرست الأغاني الذي وضعه جويدي
وعندي أن أهم الأسباب في محنة الأدب هذه الطبقة من رؤساء التحرير البعداء عن الأدب، فقد كان يشرف على تحرير الصحف في الأيام التي ترحم عليها العميد إذ كانت تتنافس فيها الصحف أيها يكون أشد عناية بالأدب - كان يشرف عليها أدباء أمثال أنطون الجميل وعبد القادر حمزة وحافظ عوض وأمين الرافعي، ثم خلف من بعدهم (شعيط ومعيط و. . .) ممن حرموا نعمة الطبع الأدبي وبعدوا كل البعد عن الثقافة الأدبية
وزعم هؤلاء أن القراء لا يريدون أدبا. . لأنهم أنفسهم لا يريدون أدبا. . والقراء مظلومون، ففيهم الأدباء والمتأدبون ومن يحبون القراءة الأدبية ولو لم يكونوا أدباء ولا متأدبين
وتقدم إلى أولئك المشرفين على الصحف صنف من الشباب الأدعياء ببضاعة أقلها تافه، وأكثرها قشور منزوعة من الآداب الأجنبية مع معالجتها بالتحوير والتشويه. . وهم يختارون لها العناوين المثيرة والصور المغرية، ويتقبل رؤساء التحرير هذه البضاعة ليجتذبوا بها القراء
وهم في ذلك كمنتجي الأفلام والقصص التي يقدمونها، بعضها كلام فارغ يؤلف هنا، وكثير منها ممسوخ مما هناك. والمنتجون كرؤساء التحرير يبهر البريق أبصارهم، وليس لهم بصائر ينفذون بها إلى جوهر الأدب والفن
ووراء كل ذلك أدب أصيل وملكات كامنة أشار إليها عميدنا في مقاله الثاني إذ استدل بما كتب الكاتبون تعقيبا على مقال الأول على أن في أدبنا حياة كامنة تريد أن تظهر وخصبا مستترا يريد أن يملأ الجو العقلي سعة ورخاء، مستشهدا بقول ابن الرومي:
وكمين الحريق في العود مخفي ... وكمين الرحيق في العنقود
ولا يحتاج ذلك الأدب المستتر إلا إلى من يبرزه ويثيب عليه وينظم العلاقات بين أصحابه وبين طلابه من القراء
(كتاب فن الأدب):
المؤلفات التي تتناول دراسة فن الأدب تستمد أصولها وقواعدها من أدبنا العربي الموروث في منثوره ومنظومه، وتتحدث عن بلاغته بما رسمه الجاحظ وعبد القاهر
فأما أدبنا الحديث، أدب القصة والمقالة وخطرات النفس في استجابتها للحياة، فما زلنا نستمد أصوله ونتعرف ملامحه فيما كتبه أدباء الغرب ونقاده، إذ نحن نقتبس تلك الألوان الأدبية من الفكر الغربي في نهضتنا الحاضرة، ونعالج تجربتها وتمثيلها في طابعنا الشرقي وأدبنا العربي
وقد تجلت تلك التجربة وذلك التمثيل في بضعة كتب ظهرت من قبل، منها (أصول الأدب) و (دفاع عن البلاغة) للأستاذ أحمد حسن الزيات بك، و (فن القصص) للأستاذ محمود تيمور بك، و (النقد الأدبي) للأستاذ سيد قطب، ولعل هذه الأربعة هي المؤلفات التي يعتد بها في هذا المجال، فما أعرف كذلك غيرها
وهذا هو الأستاذ توفيق الحكيم بك يخرج لنا اليوم كتاب (فن الأدب) حافلا بالآراء والأفكار والاتجاهات التي تصور لنا معالم فن الأدب، أو الأدب الفني، بوحي مزاولته الخاصة، وبطابعه الخاص
في هذا الكتاب أكثر من سبعين فصلا في اثني عشر بابا، مثل باب الأدب والفن، والأدب والدين، والأدب والمسرح، والأدب والصحافة، وهكذا إلى آخر الأبواب، ولعل المتتبعين بما يجري به قلم الحكيم يعرفون أن كثيرا من هذه الفصول سبق نشره، على أنها في هذا الكتاب الحافل ملتئمة الشمل، مستكملة الجوانب، منسقة تنسيق طاقات الأزاهير
وقد أجمل المؤلف رأيه في الفن والأدب، في تلك الكلمة التي صدر به كتابه إذ يقول: (الأدب هو الكاشف الحافظ للقيم الثابتة في الإنسان والأمة، الحامل الناقل لمفاتيح الوعي في شخصية الأمة والإنسان، تلك الشخصية التي تتصل فيها حلقات الماضي والحاضر والمستقبل. والفن هو المطية الحية القوية التي تحمل الأدب خلال الزمان والمكان. والأدب بغير فن رسول بغير جواد في رحلة الخلود، والفن بغير أدب مطية سائبة بغير حمل ولا هدف. ولقد كان همي دائما محاولة الجمع بين الرسول وجواده. ولقد رأيت دائما الأدب مع الفن، والفن مع الأدب، لهذا سميت هذا الكتاب: فن الأدب)
وهذا الكتاب يجلو لنا شخصية الأستاذ (توفيق الحكيم) وانعكاس نظرته على الأدب والفن، ولكن الميزة الكبرى فيه أن هذه الشخصية تعبير رائع عن روح شرقية صميمة في نظرتها إلى مشكلات الحياة وقضايا الفن والأدب. وهو بهذه الميزة يرتفع عن أن يكون تكراراً أو اقتباساً لتلك الدراسات الأدبية المقررة بين الكتاب والنقاد الغربيين وغير الغربيين. وكثير من فصول هذا الكتاب لو ترجم إلى أية لغة أجنبية لبقيت له طرافته وجدته، ولبقيت له دلالته على شخصية صاحبه (الحكيم) الأديب الشرقي الفنان
وقد حوى الكتاب - على ما فيه من جد كثير - فصولا هي إلى التفكيه والترفيه أقرب، ولكنها تطوي الحكمة والعبرة، ومن أجمل هذه الفصول ذاك الفصل الذي تمثل فيه الأستاذ (الحكيم) أن (شكسبير) ظهر في (مصر) اليوم، مصريا، لغته العربية، وتراثه الأدبي العربي، ثم أخذ يفرش طريقه بالعوائق والمثبطات التي تعترض طريق الكاتب المصري العربي الآن، وختم ذلك الخيال اللطيف بقوله: (حقا لو ظهر (شكسبير) اليوم لكان فكره تبلبل، وعقله تحير، ولكان عمله أعسر، وواجبه أكبر، وعقباته أضخم، ومجهوداته أضنى. من حسن حظه أنه ولد في (إنجلترا) في القرن السابع عشر. . .)
عباس خضر