الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 988/فضل المدنية العربية على المدنية الغربية

مجلة الرسالة/العدد 988/فضل المدنية العربية على المدنية الغربية

مجلة الرسالة - العدد 988
فضل المدنية العربية على المدنية الغربية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 09 - 06 - 1952


للدكتور فيليب حتي

أستاذ التاريخ بجامعة برنجستون بالولايات المتحدة

خلاصة موجزة لسبع محاضرات ألقاها الأستاذ باللغة

الإنجليزية في جامعة سان باولو

3 - في الفلسفة

كان للعرب قبل الإسلام أمثال وأقوال حكيمة يتداولونها على الألسنة ويتناقلونها من جيل إلى جيل، وكان لابد من الانتظار إلى ما بعد الفتح كيما يحكموا الاتصال بالفلسفة اليونانية عن طريق الترجمة بواسطة العلماء السوريين واللبنانيين قبل أن تغتني اللغة العربية بنظام فلسفي

وكان حنين بن إسحق (توفي 873) السوري المسيحي شيخ المترجمين في أيام الخليفة العباسي المأمون في بغداد؛ وهو الذي نقل مع تلاميذه فلسفة أرسطو والأفلاطونيين الجديدين من اليونانية إلى الآرامية لغة البلاد السورية ومن هذه إلى العربية. وللحال أصبح أرسطو (المعلم الأول) في الإسلام، وكان لابد من التوفيق بين تعاليمه وتعاليم القرآن، وهو المشكل الذي شغل أفكار فلاسفة العرب الأولين

وأول فيلسوف عربي عنى بهذا الموضوع هو الكندي الذي زها في أواسط القرن التاسع. وكان الكندي فيلسوفا ورياضيا وموسيقيا. وتبعه الفارابي من مواليد تركستان ودفين دمشق (950) الذي أصبح (المعلم الثاني) بعد أرسطو ووضع كتابا بعنوان (المدينة الفاضلة) على منوال (جمهورية أفلاطون)

كذلك فلاسفة العرب في الغرب فإن جهودهم العقلية تتوجت بالتوفيق بين الإسلام وفلسفة اليونان. وكان نجاحهم موفورا لأن الإسلام لم يكن فيه من العقائد والأسرار ما في المسيحية، ولم يكن له رجال دين لهم رأس ونظام شامل. ومن المعلوم أن الفلسفة اليونانية هي أعظم تراث من الفكر الأوربي القديم، والإيمان بوحدة الله هو أعظم تراث من الفكر السامي القديم. وهذان المجريان الفكريان التقيا في إسبانيا المسلمة وسارا جنباً إلى ج متسالمين متصافيين

إن مشاكل التوفيق بين المسيحية والفلسفة اليونانية هو نفسه اعتراض العلماء السكولاستيكيين، ولكنهم لم يوقفوا إلى حله لما في العقائد المسيحية من التعقيد ولما في الكنيسة من الأنظمة الأكليركية

والفضل الأكبر في شرح أرسطو وجعله مقبولا لدى الإسلام أولا والمسيحية ثانياً يعود إلى ابن رشد القرطبي (توفي 1189) الذي ترجمت شروحه في طليطلة في أواخر القرن الثاني عشر إلى اللاتينية وترجمت أيضاً في صقلية إلى هذه اللغة، لغة العلم في تلك الأيام وما لبثت أن أصبحت كتب التدريس الفلسفية في جامعات إيطاليا ومنها نابولي، وإسبانيا ومنها قرطبة، وفرنسا ومنها باريس؛ وغيرها من البلدان الأوربية

وابن ميمون اليهودي (توفي 1204) معاصر ابن رشد قام في سبيل الفلسفة اليهودية بالخدمة التي قام بها ابن رشد في سبيل الفلسفة الإسلامية. وكانت طريقه في التوفيق تفسير بعض آيات الكتاب المقدس تفسيراً مجازيا استعاريا. ومن الواضح أن البيرت ماغنونس وسبينوزا وكانت وغيرهم من فلاسفة أوربا المتأخرين من مسيحيين ويهود تأثروا بأفكار ابن ميمون

ونشأ في غرناطة فيلسوف مسلم لم يسبق له مثيل في تاريخ الفلسفة وهو ابن طفيل (توفي 1185) الذي وضع رواية (حي ابن يقظان) حاول فيها إثبات أن المرء إذا ترك لنفسه ولم يتأثر بعوامل خارجية من تربوية أو غيرها يستطيع أن يدرك حقيقة الخالق وواجباته نحوه، وبذلك أزال الحائط الفاصل بين ما هو طبيعي وما هو فوق الطبيعة. وترجم هذا الكتاب البديع إلى اللاتينية أحد أساتذة أكسفرد عام 1671. ومما لا ريب أن (قصة روبنسون كروسو) الطريفة منسوجة على منواله

4 - في الفن

ذهب المسلمون إلى أن تمثيل الإنسان أو الحيوان بواسطة التصوير أو النحت أو الحفر إنما هو نوع من الخلق. والخلق هو ميزة إلهية فلا يجوز للإنسان أن يحاوله. وذلك كله نتيجة الاعتقاد بوحدة الله وأثر العبرانية القائلة بمنع عمل الأصنام

لذلك اقتضى أن يظهر الإسلام ميله الفني بوسائل جديدة من الزخرفة واستخدام الألوان الزاهية المتناسبة والأساليب الهندسية والنباتية

أما الفرس الذي كان لهم تقليد فني عريق فإنهم بعد دخولهم في الإسلام استنبطوا التصوير المصغر، وأول كتب ظهرت فيه هذه التصاوير هي (كليلة ودمنة) و (المقامات). وفي إسبانيا تأثر المسلمون بالتقليد المسيحي، فلم يتردد عبد الرحمن الثالث الذي أعلن نفسه خليفة عام 929 عن وضع تماثيل إحدى سراريه في قصر الزهراء الذي شاده على اسمها. كذلك أقام بنو نصر الذين بنو الحمراء تماثيل للأسود فيها

برع العرب في الشرق والغرب في الفنون الصناعية. فالقرميد الملون لم يزل في الإسبانية والبرتغالية معروفا باسمه العربي (الزيجي). وبفضل العرب أصبحت طليطلة وقرطبة ومالقة مراكز هامة للخزف. وأصبحت طليطلة مركزا للقواطع والسيوف كما كانت دمشق. ولم تزل صناديق عاجية كثيرة من صنع قرطبة معروضة في متاحف أوربا وأميركا للآن. واشتهرت بلنسيه بصناعة الزجاج التي امتازت بها سورية ولبنان من العهد الفينيقي، ومن إسبانيا انتقلت هذه الصناعة إلى فرنسا وغيرها فتمركزت صناعة الخزف في بواتيه وقلدها عملة أولئك حتى القرن الخامس عشر

ومن الفنون التي رقاها أبناء العرب فن الخط الذي تقلده الصنعة المسيحيون على الأواني دون أن يفهموا فحواه

وبلغت الأقمشة حدا من الانتشار لم تبلغه قبل الفتح الإسباني والحروب الصليبية. ومن الكلمات العربية التي أخذها الإفرنج من العربية (مصلن) من الموصل و (بلدكن) من بغداد و (ديوان)

وفي البناء أسلوب معروف يدعى الأسلوب المغربي الذي امتزجت فيه عناصر إسلامية وغوطية مسيحية. ومن مميزات هذا الأسلوب القنطرة المشابهة لنعل الحصان والتي كان ظهورها للمرة الأولى في المسجد الأموي بدمشق في أوائل القرن الثامن. وقصور طليطلة وإشبيلية وقرطبة هي من أهم الآثار البنائية العربية وأجمل أثر هو الحمراء. أما المسجد الذي بناه عبد الرحمن الأول (توفي 788) وفيه 1293 عموداً فإنه الآن كاتدرائية. والزهراء لم يبق منها أثر مذكور

والكلمات التي يستعملها البناء والنجار في الإسبانية والبرتغالية معظمها عربية الأصل.

ومن أمثلة ذلك (الخزانة) و (القبة) و (الدعامة) و (الشطيحة) و (الطاقة)

ومن آثار الموسيقى كلمات عربية كثيرة لم تزل إلى يومنا الحاضر دارجة في اللغات الغربية. ومنها (العود) و (القيثارة) و (الصنوج) و (النفير) و (البوق)

البقية في العدد القادم

فيليب حتي