الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 98/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 98/الكتب

بتاريخ: 20 - 05 - 1935


قصة الفلسفة اليونانية

تصنيف الأستاذين أحمد أمين وزكي نجيب محمود

للدكتور عبد الوهاب عزام

أستاذنا أحمد الأمين رجل بارك الله عليه، فرزقه من الفكر السليم، والعلم الواسع، والدأب على الأعمال وتأديتها في أوقاتها، وترتيبها ما أتاح الله للتأليف القيم النافع. فاخرج للناس في بضع سنين كتابيه فجر الإسلام وضحى الإسلام

والأستاذ منذ عهد بعيد معنى بالفلسفة، ترجم في مبادئها كتابا عن الإنجليزية، قبل خمسة عشر عاما، ودرس نواحي منها في درسه علم الإخلاف والتأليف فيه. وقد أحس، وهو يألف ضحى الإسلام، حاجة إلى الاستزادة من الفلسفة اليونانية ليستعين بها على فهم الفلسفة الإسلامية. يقول الأستاذ: (حتى إذا عرضت لوصف الحياة العقلية عند العرب وألفت في ذلك فجر الإسلام وضحاه، ووصلت في التأليف إلى المعتزلة والمتكلمين في العصر العباسي، رأيت أنهم تعرضوا لمسائل هي من صميم الفلسفة اليونانية، ورأيت أن لابد لفهمها من الرجوع إلى منابعها لأعرف كيف فهموها وكيف نقلوها وما الذي زادوا عليها، فاضطرت إلى العودة إلى كتب الفلسفة استعرض مسائلها، وأتفهم غوامضها الخ)

قرأ الأستاذ ودون خلاصة ما قراء، فأخرج بمعونة شريكه الكتاب الذي سماه (قصة الفلسفة اليونانية). يقول الأستاذ: (فلما عاودت القراءة في الفلسفة بدت مني رغبة في أن اكتب خلاصة ما أقرأ فذلك أدعى إلى وضوح الفكرة في ذهني، وإذا أن ينتفع بما انتفعت به غيري. وكان من حسن حظي أن رأيت أخي وزميلي الأستاذ زكي نجيب محمود يرغب رغبتي ويتمنى أمنيتي، فتعاونا معا على إخراج هذا الكتاب وتقديمه للقراء)

من هنا تم التصليح

- 2 -

وكنت وعدت أن أكتب في مجلة الرسالة عن (ضحى الإسلام)، وحالت حوائل دون المبادرة بإنجاز الوعد؛ ثم تيسر لي الفراغ لكتابة المقال الأول، وبنا أن في شغل به مرر على لجنة التأليف والترجمة والنشر فأخذت الكتاب الجديد (قصة الفلسفة اليونانية): ولما أخذت مكاني في قطار حلوان فتحت الكتاب لأقراه مقدمته وفهرسه، ثم أطبقه إلى أن تتاح فرصة لقراءته. فلما قرأت المقدمة شاقني ما بعدها، وقادني حسن البيان، وسلاسة العبارة، وسهولة الشرح من صفحة إلى أخرى حتى عبرت من الكتاب صفحات كثيرة، فآثرت أن أتمة، وبدا لي أن اكتب عنه إذا أتمته، ناقداً حاسباً ما للكتاب وما عليه. فلما انتهت بي القراءة إلى فصل سقراط قولت: هنا فاصلة يحسن الوقوف عندها فقد كان سقراط فصلا في تاريخ الفلسفة تغيرت به سيرتها، فوقفت القراءة لأكتب عما قرأت، وأجعل بقية الكتاب موضوع مقال آخر. وهكذا يأبى الأستاّذ احمد الأمين إلا أن يعمل ويشغلنا بعمله عن أعمالنا.

- 3 -

أراد المصنفان أن يعرضا على القارئ العربي الذي لا علم له بالفلسفة اليونانية قصة هذه الفلسفة في نشأتها وتطورها في إيجاز وإيضاح، وتسهيل وتيسير، وبعد عن التعمق والتفصيل، والتقصي في البحث. وقد تسنى لهمه ما أرادا فجاء الكتاب كما ابتغيا (قصة) يسيرة شائقة، كفيله بتقريب الفلسفة اليونانية إلى المبتدئين. ولا يحتاج الناقد إلى تبيين هذا، فكل صفحة في الكتاب شاهدة به. يبدأ المصنفان كل فصل ببيان ما يريدان، حتى إذا بلغا ما أرادا أجملا ما قد ما، فإذا بدأ الفصل التالي ذكرا القارئ بما قدماه. حتى إذا جاوزا عهدا من عهود الفلسفة إلى عهد آخر وفقا بالقارئ يلفتانه إلى ما أوضحا من قبل ليتعرف فرق ما بينه وبين ما يستقبله في العهد التالي، وهلم جرا وقد قرأت ما قرأت من الكتاب مثنيا على المصنفين مسرورا راضيا إلا هنات يسيرة منها ما يلي:

1ـ قال المصنفان إن من الفروق بين العلم والفلسفة أن كل علم يبحث في ظواهر محدودة من العالم، وأن الفلسفة تحاول النفاذ إلى بواطن الأشياء كلها واستكناه حقائقها. وقد أوضحا هذا إيضاحا حسنا وساقا الأمثلة، ولكن فرطت في أثناء ذلك عبارات تثبث أن العلوم تقنع بالظن وأن الفلسفة لا تقف دون اليقين. فقالا في صفحة 10: (ولكن هذا الذي أقنع العلم لن يرضى الفلسفة. هي لا تطمئن إلى هذا الركون والركود، ولا تستقر إلا إذا وجدت لكل ظاهرة ما يؤيدها تأييداً تاماً.) وقالا في صفحه 13: (وهي (الفلسفة) لا تجيز لنفسها أن تركن إلى حكم من الأحكام بالغا ما بلغ من القوة والذيوع إلا إذا أيداه الدليل القاطع) وفي الصفحة نفسها (كذلك لا ترضى الفلسفة أن تسلم بصحة مبدأ أو فكرة إلا إذا ثبتث لديها ثبوتاً لا يدع مجالا للريب والشك. فهاتان صفتان تستطيع بهما أن تفرق بين العلم والفلسفة:) وهذا كلام يفهم القارئ أن الفلسفة قائمة على اليقينيات وأن العلوم قائمة على الظمنيات، والمعروف غير هذا. فقد كانت الفلسفة نظراً عاماً في الكون ظاهره وباطنه، ثم تحددت مواضع النظر وأدرك الباحثون قوانين في العالم نشأت بها العلوم المختلفة يؤيدها التجربة والاستقراء والبرهان العقلي. وكلما خرجت طائفة من ظواهر الكون من الحدس إلى اليقين خرجت من حضانة الفلسفة حتى لم يبقى للفلسفة في العصر الحاضر إلا موضوعات لم تحط بها التجارب ولم تضبطها البراهين وهي ما وراء الطبيعة، والنفس، والأخلاق، والنطق، والجمال الخ

نحن نعترف بأن العلم لا يبحث في حقيقة موضوعه ولكن في خصائصه. فهو لا يبالي بحقيقة الزمان والمكان والمادة، بل يبحث في خصائصها ومظاهرها، ولكن هذا لا يستلزم أن تكون العلوم الظنية والفلسفة يقينية، بل مجال الظن والغرض أوسع في الفلسفة منه في العلم. وقصارى القول أنه ينبغي التفريق بين غاية العلم والفلسفة ومباحثهما، فغاية العلم بحث ظواهر ولكن مباحثاته قائمة على الحس والتجربة، وغاية الفلسفة النفاذ إلى حقائق الأشياء ولكن مباحثهما مليئة بالحدس والظن

2 - أين بدأت الفلسفة؟

قال المصنفان تحت هذا العنوان: (لعلك الآن في ضوء هذا التحليل الذي تقدمنا به إليك تدرك معنا أن هذا الضرب من التفكير الذي يحاول أن يوحد بين ظواهر الكون المتنافرة والذي يرفض التسليم الساذج رفضاً تاماً، والذي يسمو بالعقل فوق المستوى المادي من حيث أسلوب التفكير وصور الفكر - نقول لعلك تذهب إلى ما ذهبنا إليه من أن هذا التفكير الفلسفي الصحيح لم ينشأ ولم يتم إلا عند شعب واحد دون الشعوب القديمة جميعاً هم اليونان القدماء:)

وقالا في الصفحة 16: (لم تستمد الفلسفة اليونانية أصولها من تلك الأمم القديمة ولكن خلقها اليونان خلقاً وأنشئوها إنشاء. فهي وليدتهم وربيتهم ليس في ذلك ريب ولا شك:) فأما ادعاء أن الفلسفة على هذا النحو لم تنشأ إلا عند اليونان فهو مجازفة. ولو اطلعا على فلسفة الهند مثلاً لاقتصدا في هذه الدعوى. ولعلهما يسمعان عما قليل بقصة الفلسفة الشرقية كما أسمعا الناس قصة الفلسفة اليونانية. وقد ذكرا في أول الفصل الثاني أن فيثاغورس رحل إلى مصر وبلاد الشرق، وقالا في آخره: (وأنت ترى من ذلك أنهم (الفيثاغوربين) خطوا بالفلسفة خطوة جديدة نحو التفكير المجرد، فبدأت الفلسفة منذ ذلك الحين تتحلل بعض الشيء من تلك النزعة الطبيعية التي سادت عند فلاسفة يونيا لتستقبل صبغة جديدة - هي صبغة الفلسفة في أصح معانيها - أعنى التفكير المحض فيما وراء الطبيعة وظواهرها. الخ) وقالا في الفصل السادس إن ديمقريطيس (كان واسع العلم، راغباً في تحصيله رغبة حارة. . . . وقد حفزته تلك الرغبة الملحة في التحصيل إلى الرحلة في أقطار الأرض، فزار مصر وجاس خلالها، وعرج على بابل وطوف في أنحائها.) فإن يكن فيثاغورس الذي تعلم في مصر ورحل إلى الشرق قد نحا في الفلسفة نحواً جديداً، وارتقى بها إلى التفكير المجرد الذي هو أقرب إلى الشرقيين، فلم نجزم جزماً أن فلاسفة اليونان لم يستمدوا قط من الأمم الأخرى؟ وإن يكون ديمقريطيس وهو إمام مذهب في الفلسفة رحل إلى مصر وبابل في طلب العلم فكيف نجزم بأن اليونان لم يأخذوا عنهم (ليس في ذلك ريب ولا شك)

3 - وقالا ص33 أثناء الكلام على آراء الفيثاغوريين:

(أي انك تستطيع أن تتخيل في غير عسر كوناً يخلو من اللون والطعم والحرارة). وقد جهدت أن أتخيل عالماً لا لون له فلم يتيسر لي

4 - في الكلام على هرقليطس ص56 (بعد أن عمر نحو ستين عاماً كان فيها معاصراً لبارمنيدز.) والعبارة توهم أنه عاصر بارمنيدز ستين عاماً، وليس هذا مقصوداً كما يعرف من تاريخ الرجلين

5 - في الكلام على السوفسطائيين ص99: (ومن أجل ذلك سمي اللعب بالألفاظ والتهريج في الحجج سفسطة اشتقاقاً من السوفسطائيين.) وكان ينبغي هنا تفسير كلمة سوفسطائي في وضعها الأصلي حتى لا يتوهم القارئ أن فيها معنى السفسطة المعروف

6 - تكلم المصنفان على الأحوال السياسية والاجتماعية في بلاد اليونان عند ظهور السوفسطائيين ليبينا أثرها في فلسفتهم، ولم يذكر آثار الحروب الفارسية المتمادية، وكانت ذات أثر بليغ في اليونان

وهناك هنات لفظية كثيرة نتركها حتى نفرغ من نقد الآراء والمعاني