مجلة الرسالة/العدد 98/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 98 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 20 - 05 - 1935 |
عيد الأكاديمية الفرنسية
سبق أن تحدثنا عن الظروف التي نشأت فيها الأكاديمية الفرنسية منذ ثلاثة قرون في عهد لويس الثالث عشر ووزيره الكاردينال ريشيلو، وعما تعتزمه الحكومة الفرنسية والأكاديمية من إحياء هذا العيد والاحتفال به. وقد صدر أخيراً أول بيان رسمي عن برنامج هذا الاحتفال؛ وسيبدأ تنفيذه منذ 17 يونيه القادم؛ ففي هذا اليوم قداس رسمي في كنيسة جامعة السوربون؛ ويفتتح معرض الأكاديمية في المكتبة الوطنية؛ ويستقبل رئيس الجمهورية أعضاء الأكاديمية؛ وفي اليوم الثاني (يوم 18)، تعقد جلسة رسمية للأكاديمية في قصر اللوفر في بهو (الكارياتيد)، وتلقى الخطب، وتقام حفلة تمثيلية، ثم تقام مأدبة عشاء يعقبها استقبال في دار البلدية. وفي يوم 19، تقام مأدبة للأكاديميين في حدائق شانتيلي، ويزار متحف كوندي؛ وفي يوم20 منه تعقد الأكاديمية جلسة رسمية في دارها (تحت القبة)؛ ثم تولم في المساء وليمة رسمية كبرى. هذا وستصدر الأكاديمية بهذه المناسبة كتاباً ذهبياً يشترك فيه كل عضو بكتابة فصل من فصوله، وستقدم نسخة من القاموس الجديد في جلد فخم إلى رئيس الجمهورية (وهو النصير الرسمي) للأكاديمية
ذكرى الفرد دي موسبه
عنيت جمعية أصدقاء الشاعر الأشهر الفرددي موسيه بإقامة معرض لكتبه ورسائله وآثاره في السابع من مايو الجاري، وذلك لمناسبة مرور مائة عام على نظمه (ليالي مايو)، وأقيم هذا المعرض في نفس المنزل الذي كان يعيش فيه دي موسيه حين ألف هذا الكتاب وهو يقع في شارع جرنيل رقم 59. وقد رأت جمعية أصدقاء الشاعر بهذه المناسبة أيضاً أن تصدر كتاباً يحتوي على طائفة من الوثائق والرسائل التي تتعلق بحياة الشاعر ولم تنشر بعد
الفكرة الاشتراكية - شرح جديد لها
صدر أخيراً كتاب عنوانه (الفكرة الاشتراكية) بقلم العلامة الاقتصادي البلجيكي هنري دي مان أحد وزراء بلجيكا اليوم. ولهذا الكتاب أهمية خاصة من الوجه الاقتصادية والعملية لأن مؤلفه يشترك اليوم في حكم مع وزارة مسيوفان زيلند التي تحكم البلجيك على قواعد اقتصادية. ونظرية دي مان في الاشتراكية هي أنه يجب التفريق بين المركسية وبين المركسيين (والمركسية هي الاشتراكية طبقاً لمبادئ، كارل ماركس)، كما أنه يجب التفريق بين المعارك الحزبية وبين العمل لتغيير المجتمع. وما هي الاشتراكية؟ هي أن يسحق النظام الرأسمالي؟ يجيب هنري دي مان أن نعم وأن لا، ذلك أن الغاية هي أن نجعل الإنسان ينعم بقسط أوفر من السعادة، وذلك بتحسين الانتاج، وأن نقلل جهد الاستطاعة من تبديد الجهود البشرية في العمل، وأن نقسم ثمرات الإنتاج بطرق أكثر عدالة؛ ومن أجل هذا يرى دي مان أنه يجب تغيير الوسائل الاقتصادية والاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع الحاضر، وهذه مسالة في الواقع يكاد يتفق عليها العالم؛ وما يقع اليوم في إيطاليا الفاشستية، وألمانيا الهتلرية، وروسيا السوفيتية، وأمريكا في عهد روزفلت إنما هي محاولات من هذا النوع وفي سبيل نفس الغاية. كذلك تسير الأمم القديمة الحرة إلى تحقيق هذا المثل وإن كانت تسير بطيئة كسير الشيوخ.
ويقول مسيو دي مان أن المسالة كلها تتوقف على الوسائل التي تكفل النجاح. ومن رأيه أن الثورة تنجح بالعنف والسفك، والواقع أن (الماركسية) هي التي هزمت سنة 1917 وليست الرأسمالية، ولم تهزم الرأسمالية إلا فيما بعد، حين بدئ بتطبيق الوسائل والنظريات الاقتصادية الجديدة. بيد أن مسيو دي مان يرى أن أنصار فكرة الإصلاح لقوا نفس الفشل الذي لقيه أنصار الوسائل الثورية؛ ففي ألمانيا، وفي إيطاليا وفي غيرهما من الأمم الغربية قد فشلوا، إما في الوصول إلى الحكم كما حدث في فرنسا، والسبب في ذلك هو أنه في ظل البرلمان وهو نظام رأسمالي، لا تملك الدولة إلا قوة محدودة، ولا يتم النصر إلا إذا كان العمل مباشراً وسريعاً لا يحد منه شيء
مارك توين لمناسبة عيده المئوي
تحتفل الدوائر الأدبية الأمريكية بذكرى العيد المئوي لمولد الكاتب القصصي الفكه (مارك توين) الذي يعتبر أمير الدعابة والفكاهة في الأدب الأمريكي. ويجب أن نعرف بادئ بدء أن (مارك توين) ليس هو اسم الكاتب الحقيقي، وإنما هو اسمه القلمي؛ وأما اسمه فهو صامويل لانجهورن كليمنس؛ ولد منذ مائة عام (سنة 1835) في فلوريدا من أعمال ميسوري (بالولايات المتحدة) من أبوين فقيرين، وتلقى تربية مدرسية عادية في هذه المدينة، واضطر منذ حداثته أن يحترف أعمال الطباعة ليكسب قوته، واشتغل بهذه الحرفة مدى حين في سان لوي وفي نيويورك وفي غيرهما من العواصم. وفي سنة 1851، حينما بلغ السادسة عشرة، ترك أعمال الطباعة واشتغل بحاراً نوتياً في قارب بخاري يعمل في نهر المسيسيبي، وفي أثناء عمله في النهر راقت له صيحة بحرية مما يستعمل حين سبر أغوار الماء: (مارك توين)، فاتخذها فيما بعد اسما رمزياً للتوقيع على كتاباته. وقد أثارت حياة النهر خياله، وأمدته بطائفة من التأملات والملاحظات اتخذها فيما بعد مادة لبعض صوره وأقاصيصه، ولما نشبت الحرب الأهلية الأمريكية كان (مارتن توين) في نحو السادسة والعشرين من عمره، فترك حياة النهر، وذهب إلى ولاية نيفادا وأشتغل بالصحافة، وتولى تحرير جريدة (انتربرايز) في فرجنيا سيتي. واشتغل في نفس الوقت بهندسة المناجم وإلقاء المحاضرات. وفي سنة 1867 أصدر أول كتبه محتوياً على عدة أقاصيص وصور فكاهية بعنوان (الضفدعة الوثابة) وغيرها، فلفت الأنظار بطرافته وخفة روحه وفكاهته الفياضة، وكان نجاحاً عظيماً. وربح مارك توين من كتابه الأول مبلغاً حسناً أنفقه على رحلة إلى أوربا، طاف خلالها ثغور البحر الأبيض، واتخذها مادة لكتاب أصدره سنة 1869 بعنوان (الأبرياء في الخارج)، فزاد هذا الكتاب في شهرته الأدبية وبالأخص في شهرته كأستاذ للفكاهة والأدب المرح. وفي هذا العام تولى تحرير جريدة جديدة هي (اكسبريس بافالو)، واستمر في تحريرها مدى عامين. وفي سنة 1872، أصدر كتابه (كيف تخشن) وفيه صور وملاحظات عن الحيات في الولايات الغربية، وفي العام التالي أصدر كتاباً بالاشتراك مع صديقه وارنر عنوانه (العهد المذهب)، وظهرت له بعد ذلك تباعاً عدة قصص ومجموعات نقدية وقصصية نذكر منها (سائل في الخارج) (1880)، (الأمير والحقير) (1882) (الحياة في نهر المسيسيبي) (1883) (مخاطرات هكلبري فن) (1885) (الورقة ذات المليون جنيه) (1893) (مأساة بدهد ولسون) (1894) (ذكريات جان دارك) (96) (سائلون آخرون في الخارج) (97) (الرجل الذي أفسد هدلبرج) (1900) (مذكرات ايف) (1906) (العلم المسيحي) (1907) وغيرها.
ومما يذكر في حياة مارك توين أنه في سن 1884 اشترك مع صديقه تشارلس وبستر وشركائه في إنشاء دار نشر كبيرة، وازدهرت أعمال الشركة بادئ بدء، ولكنها ساءت بعد ذلك وأفلست سنة 1895، وتحمل مارك توين بسبب هذه النكبة أعباء مالية فادحة، ولم ير مارك توين وسيلة للاقلة من هذه العثرة سوى الطواف حول العالم وإلقاء المحاضرات الفكهة. وقد نجحت رحلته نجاحاً عظيما وجمع مبلغاً كبيراً من المال، واستطاع أن يسدد ديونه. وكان مثله في ذلك مثل الكاتب الفرنسي يلزاك الذي أراد أن يحقق الغنى من الاشتغال بنشر الكتب فباء بالخسارة والإفلاس.
ومن ذلك الحين كان مارك توين يقضي معظم أوقاته في أوربا، وفي سنة 1901 عاد إلى الولايات المتحدة وتابع الكتابة، وفي سنة 1907 زار إنكلترا فاستقبل بحماسة عظيمة، وأنعم عليه بدرجة فخرية من جامعة أكسفورد. وتوفي 1910 في الخامسة والسبعين.
ومارك توين من أقطاب الأدب الفكه، وهو أستاذ هذا الفن في الأدب الأمريكي، كما أن جورج كورتلين هو أستاذ هذا الفن في الأدب الفرنسي، وفكاهة مارك توين مرسلة ليس فيها تكلف، وقد تكون أحياناً خشنة يطبعها الاغراق، ولكنها على أي حال ممتعة مؤثرة؛ وأحياناً تبدو دقيقة تقوم على بعض المبادئ الجدية. وما يزال تراث مارك توين فريداً في الأدب الأمريكي.
تكريم الدكتور محمد حسين هيكل بك
في مساء الأربعاء الماضي أقامت لجنة ممتازة رئيسها الأستاذ الجليل مدير الجامعة المصرية، حفلة تكريمية في فندق الكونتننتال، للأستاذ الكاتب النابغ محمد حسين هيكل بك، بمناسبة إصداره كتابه القيم (حياة محمد)، شهدها صفوة متخيرة من رجال الفكر، وتكلم فيها نخبة متميزة من رجال البيان، وكان الكلام الجاهر على المنصة، والحديث الخافت حول الموائد، يدور على هذا الجهاد المنصور المبرور الذي جاهده الأستاذ هيكل في الأدب والسياسة هذه الحقبة الطويلة. والأستاذ هيكل في الأدب أحد الأساطين الرواسي التي قام عليها أدبنا الحديث ما في ذلك خلاف؛ توفر بحكم دراسته على الثقافة الغربية، ومال يحكم قراءته إلى الآداب الفرنسية، وتعصب بحكم مصريته للفنون الفرعونية، وهو كاتب بالاستعداد، فنان بالفطرة، فلابد أن يكتب، ولابد أن يكتب بالعربية؛ والعربية لم يعطها بعد نصيباً جدياً من ذكائه، فظهر في الثمرات الأولى ضعف الائتلاف بين المعنى القوي والتفكير المهذب، وبين اللفظ الضعيف والأسلوب المهمل، ولكن النفوس الفنية تهتدي بغرائزها إلى الطريق، وتسير وراء إحساسها إلى القاعدة، فلم يلبث الأستاذ هيكل أن فرض أسلوبه الغني بالصور، وأدبه القوي بالمنطق، على أبناء الأدب العربي؛ ولم يلبث الدكتور هيكل الذي خضع لأثر الفرنسية والفرعونية وبدأ (بزينب)، أن يسمو إلى العربية والإسلامية وينتهي بـ (حياة محمد).
فوز مبين للإسلام والعرب والشرق أن يصدر عن الأستاذ هيكل هذا الكتاب الروحي الخالد؛ فهو يدل فيما يدل على أن أدبنا الأصيل العريق أخذ يرتد إلى منبعه، ويستمد من وحيه، ويتمتع باستقلاله. والاحتفال بالدكتور هيكل هو احتفال ضمني بهذا التطور الأصيل المحمود الذي سما بالفكر المصري إلى رتبة الخلق، وبالأدب العربي إلى مقام الأصالة.
من رونسار إلى بودلير
صدر أخيراً في باريس كتاب عنوانه (من رونسار إلى بودلير) بقلم مسيو فرنان فليريه، ورونسار هو شاعر فرنسا الأكبر في القرن السادس عشر؛ وبودلير هو شاعرها الأكبر في القرن التاسع عشر. وقد تناول مسيو فليريه فبي كتابه تطور الشعر الفرنسي؛ وحياة أقطابه منذ القرن السادس عشر؛ وتحدث عن الأساليب الأدبية التي توالت على الأدب الفرنسي في هذه العصور؛ وخص الأسلوب التهكمي منها بفصل بديع. ومسيو فليريه ناقد قدير؛ وقد سبق أن نشر معظم فصول كتابه في بعض الصحف والمجلات الأدبية فأثارت تقديراً واهتماماً.
وفاة كاتب روماني
من أنباء بوخارست أن الكاتب الشاعر الروماني الشهير بنايت استراني قد توفي في سن الحادية والخمسين بعد مرض طويل. وقد بدأ هذا الكاتب حياته العامة عاملاً؛ ولكنه ظهر بمواهبه الفكرية، وجذبه المعترك السياسي منذ حداثته، فكان زعيم حركة اشتراكية قوية. ولما أعلنت الحرب الكبرى هاجر إلى سويسرا اتقاد الاضطهاد، وهناك كتب عدة قصص قيمة؛ منها: (العم انجل) و (كيرالينا)؛ ولفتت قصصه أنظار الدوائر الأدبية، ولا سيما الدوائر الفرنسية؛ وترجمت إلى معظم اللغات، ووصفه الكاتب الفرنسي رومان رولان بأنه (جوركي البلقان)
وبعد الحرب زار استراتي روسيا السوفيتية ليدرس التجربة الاشتراكية ولكن عاد بخيبة أمل، وانهارت عقيدته الاشتراكية وتحول إلى مبادئ الوطنية البرجوازية (الرأسمالية) وكان في أعوامه الأخيرة يشترك في المعترك السياسي بحماسة ونشاط، وكان يقارع خصومه السياسيين بحملات صحفية شديدة كانت تثير كثيراً من الجدل والاضطراب.
العيد المئوي لبلليني
من الأعياد الفنية الشهيرة التي تتأهب إيطاليا للاحتفال بها بعد بضعة أشهر؛ العيد المئوي لوفاة الفنان المؤلف الموسيقي الأشهر فنشتر بلليني الذي توفي شاباً في عنفوان فتوته وفنه منذ مائة عام. وقد ولد هذا الفنان البارع في مدينة قطانية من أعمال صقلية في أواخر سنة 1801؛ وكان أبوه معلماً للموسيقى. فنشأ الطفل موهوبا في الفن. وأخذ يؤلف القطع الموسيقية منذ السادسة من عمره. وفي سن الثانية عشرة ذهب إلى نابولي والتحق بمعهدها الفني؛ وكان أستاذه هنالك تسنجار يللي المؤلف الموسيقي المشهور وملحن رواية (روميو وجولييت). ولم تمض بضعة أشهر حتى وضع الطالب بلليني أول (أوبرا ته) وعنوانها (أدلسون وسالفيني)، ومثلت في قاعة المعهد ونالت نجاحاً عظيماً حتى أنها كانت تمثل كل يوم أحد. ولما رأى الفتى نجاحه السريع وضع قطعة أخرى عنوانها (بيانكا وفرناندو)، ومثلت في مسرح سان كارلو، فنالت نجاحاً أعظم، وذاع صيت الفتى الفنان حتى أن دومنيكو بارباجا أعظم مخرجي العصر دعاه إلى وضع قطعة جديدة تمثل في مسرح (سكالا) بميلانو وهو أعظم مسارح إيطاليا يومئذ؛ فسافر بلليني إلى ميلانو ووضع قطعته الشهيرة (القرصان) (سنة 1827)، فكان ظفره بتمثيلها عظيماً، وارتفع في الحال إلى وصف أعظم فناني العصر؛ وأتبعها بقطعة جديدة عنوانها (الأجنبية) ثم بأخرى عنوانها (جولة الليل) ثم (نورما) وهي قطعة موسيقية بلغ بها ذروة مجده، وبعدئذ وضع بلليني قطعاً خاصة لمسارح إيطاليا الشهيرة في البندقية ونابولي وغيرها، ثم سافر إلى باريس ووضع هناك قطعة (البورتانيين) فنالت نجاحاً عظيماً، ولكن المرض كان قد أخذ يسري إلى الفنان الفتى وأخذت صحته تسوء بسرعة؛ ولم يلبث أن توفي في باريس في سبتمبر سنة 1835 ودفن بمقبرة (بير لاشيز) ثم نقلت رفاته بعد ذلك إلى مسقط رأسه (قطانية) سنة 1876 وقد احتفلت الأوبرا النمساوية (بمدينة فينا) بذكرى بلليني احتفالاً خاصاً مؤثراً، فأحيت ذكرى روايته (جولة الليل) بتمثيلها مدى أسبوع لأنها في هذا الشهر شهر مايو مثلت بالأوبرا النمساوية من مائة عام