الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 976/شعراء من أشعارهم

مجلة الرسالة/العدد 976/شعراء من أشعارهم

بتاريخ: 17 - 03 - 1952


عدي بن زيد العبادي - 3

للأستاذ محمود عبد العزيز محرم

بين عدي بن زيد وعدى بن مر بنا - الأسباب التي أدت إلى وقيعة النعمان بعدي - شعر عدي بن زيد فيما قدم للنعمان من خير، والصلة بينهما، وأعدائه

وثمة شخص آخر لم أقدمه إليك، وهو عدي بن مرينا، من أشراف الحيرة، وأظنك تذكر أنني حدثتك أن المنذر قد دفع بابنه النعمان إلى عدي بن زيد، ودفع بابنه الأسود إلى بني مرينا.

وبنو مرينا هؤلاء منهم عدي. وعدي بن مرينا لم يعجبه ما فعل عدي بن زيد؛ فقد كان يرى الأسود أفضل وأوفق لأن يكون ملك الحيرة خلفاً لأبيه المنذر، ولكن عدي بن زيد كتبه وغلبه على أمره وتدبيره؛ فاختار كسرى النعمان ولم يختر الأسود.

ثم إن عدي بن زيد صنع طعاماً في بيعة، وأرسل إلى عدي ابن صنع طعاماً في بيعه، وأرسل إلى عدي ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت فإن لي حاجة، فأتى في ناس فتغدوا في البيعة؛ فقال عدي بن زيد لابن مرينا: يا عدي، إن أحق من عرف الحق ثم لم يلم عليه من كان مثلك، وإني قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان، فلا تلمني على شيء كنت على مثله، وأنا لا أحب أن تحقد على شيئاً لو قدرت عليه ركبته، وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيك من نفسي، فإن نصيبي في هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك. وقام إلى البيعة، فحلف ألا يهجوه أبدأ، ولا يبغيه غائلة، ولا يزوي عنه خيراً ابدأ. فلما فرغ عدي بن زيد، قام عدي بن مرينا، فحلف مثل يمينه: ألا يزال يهجوه أبداً، ويبغيه الغوائل ما بقى. ثم قال:

ألا أبلغ عديا عن عدي ... فلا تجزع وإن رئت قوكا

هيا كلنا تبر لغير فقر ... لتحمد أو يتم بها غناكا

فإن تظفر فلم تظفر حميدا ... وإن تعطب فلا يبعد سواكا

ندمت ندامة الكسعي لما ... رأت عيناك ما صنعت يداكا

وتقرب عدي بن مرينا من النعمان بالهدايا وغيرها، حتى أصبح من خاصته، وأصبح ل بطانة يثق فيهم ويتشيعون له، وكلما عرض ذكر عدي بن زيد دسوا له قليلا أو كثير لدى الملك النعمان، وبلغ بهم أن يدسوا على عدي بن زيد أنه يقول إن الملك عامله وأنه هو الذي ولاه ما ولاه.

وحقيق بدسيسة كهذه أن تؤتى أكلها؛ فالنعمان ربيب عدي لا شك، وهو صنيعه لا شك، وبيت عدي مناوح لبيب النعمان لا شك؛ إذاً فعدى رجل يخاف ويخشى، وقد يقول مثل ما قال، وهي كلمة ثقيلة على أذن الملوك وإن كانوا يعرفون أنها حق لا مرية فيه.

وقد ذكر أن عدياً صنع ذات يوم طعاماً للنعمان، وسأله أن يركب إليه ويتغذى عنده هو وأصحابه، فركب النعمان إليه. فاعترضه عدي بن مرينا، فاحتبسه حتى تغدي عنده هو وأصحابه، وشربوا حتى ثملوا. ثم ركب النعمان إلى عدي بن زيد ولا فضل فيه، فأحفظ هذا عديا، وظهرت الكراهية في وجهه، فقام النعمان فركب ورجع إلى منزله؛ فقال عدي بن زيد في ذلك:

أحسبت مجلسنا وحسن حديثنا يودي بمالك

فالمال والأهلون مصرعة لأمرك أو نكالك

ما تأمرن فينا فأمرك في يمينك أو شمالك

وعلى هذا فعدي بن زيد هو الذي شبب بهند وتعزل فيها، وهو الذي تزوجها على غير رغبة أبيها، وهو يزعم أن الملك عاملة وأنه ولاه ما ولاه، ثم أخيراً يعتب على الملك ولا يرضى أن أحتبسه أحد رعيته وأخره عنه، حتى يرجع الملك من لدنه غاضبا.

وفي يوم شرب النعمان، فأرسل إلى عدي بن زيد فأبى أن يأتيه، ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه، فغضب وأمر بعدي فسحب من منزله حتى انتهى به إليه، فحبسه في الصنين. ولج في حبسه.

قد مكث عدي في السجن مدة طويلة. وأرسل أشعاراً تصف ما يلاقيه في سجنه من أذى وضر، وأنه ما كان يليق مجازاته بمثل هذا، وأنه عومل معاملة الأعداء. مع إخلاصه للملك وتفانيه في خدمته، ومع أنه رمى عن الملك ونافح عنه. وذكر فيها مصاهرته الملك وزواجه من أهل بيته. وذكر فيها انه دبر له حتى فاز بالتاج وملك الحيرة. ولكن الأعداء قد غلبوه، وحلوا محلهم، وصرعوه.

ليت شعري عن الهمام ويأتيك بخبر الأنباء عطف السؤال

أبن عنا إخطارنا المال والأنفس إذ ناهدوك يوم المحال

ونضالي في جنبك الناس يرمو ... ن وأرمى وكلنا غير آلي

فأصيب الذي تريد بلا غش وأربى عليهمو وأوالي

ليت أني أخذت حتفي بكفي ولم ألق ميتة الأقتال

محلوا محلهم لصرعتنا العا ... م فقد أوقعوا الرحا بالثفال

فهو في هذه الأبيات يذكر الملك بما قدمه له، وأنه عرض نفسه وماله للمخاطر حين نهض لرد كيد الأعداء، وأنه كان يناضل أعداء أقوياء، وأنه كان ظافراً بهم عليهم، ثم يتمنى أن لو كان أخذ حتفه بكفه بدل أن يموت ميتة الأعداء، ولكن هؤلاء الأعداء كادوا كيدهم ونجحوا فيه.

ثم ها هو ذا عدي يذكر للملك النعمان دخوله على كسرى يوم أراد أن يختبرهم ويعقد لأحدهم على الحيرة، وكيف أنه كان يعالن إخوته يقول ويبطن غيره، وكيف أنه لم ينكل ولم يحجم حين دخل النعمان على كسرى في هذا اليوم العصيب:

وكنت لزاز خصمك لم أعرد ... وقد سلكوك في يوم عصيب

أعالنهم وأبطن كل سر ... كما بين اللحاء إلى العسيب

ففزت عليهموا لما التقينا ... بتاجك فوزة القدح الأريب

وهذه أبيات يذكر فيها عدي النعمان بسعيه له وجهاده من أجله، ويحذره أن يكون كالذي يداوي نفسه، وبعد أن بريء، عاد فأوهن نفسه وأمرضها. ومعنى هذا أن للنعمان بعدي قوة، فلا يضغفن نفسه بحبس عدي أو قتله:

لا تكونن كآسى عظمه ... بأساً حتى إذا العظم جبر

عاد بعد الجبر يبغي وهنه ... ينحون المشي منه، فانكسر

واذكر النعمى التي لم أنسها ... لك في السعي، إذا العبد كفر

وما كان عدي يتوقع الشر من النعمان، صهره، وصديقه، وشريكه في السراء والضراء. وإذا كان الشر منه، فإنه لا يجد له دفعا، كالشرق بالماء، فإنه لا يجد ما يعتصر به، لأن الاعتصار يكون بالماء، فإذا شرق الإنسان به، فإنه يكون قد أتى من حيث يأمن ويرجو السلامة. وعدي صهر النعمان، وقد كان حماد كاتباً للنعمان الأكبر، وكان زيد ملكاً على الحيرة قبل المنذر:

أبلغ النعمان عنى مألكاً ... أنه قد طال حبسي وانتظاري

لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري

ليت شعري عن دخيل يفتري ... حيثما أدراك ليلي ونهاري

قاعداً يكرب نفسي بثها ... وحراماً كان سجني واحتصاري

أجل نعمي ربها أولكم ... ودنوي كان منكم واصطهاري

نحن كنا - قد علمتم - قبلكم ... عمد البيت وأوتاد الإصار

وأنت قد عرفت ما بين عدي بن زيد وعدي بن مرينا من شنآن وبغضاء، وأن ابن مرينا ناصب ابن زيد العداوة وعالنه بها، وظل كذلك حتى أفلح في كيده وشيع خصمه إلى السجن، وعاش هو في رغد من العيش وعز وبحبوحة:

ألا من مبلغ النعمان عني ... فبينا المرء أغرب إذ أراحا

أطعت بني بقيلة في وثاقي ... وكنا في حلوقهم ذباحا

منحتهم الفرات وجانبيه ... وتسقينا الأواجن والملاحا

للبحث بقية

محمود عبد العزيز محرم