مجلة الرسالة/العدد 973/الأدب والفن في أسبوع
→ رسالة شعر | مجلة الرسالة - العدد 973 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 25 - 02 - 1952 |
للأستاذ عباس خضر
عميد الأدباء في الهواء الطلق
قضى في الوزارة عامين قدم فيهما العلم إلى جيل بأكمله من الناشئين، ويسر مصاعب الحياة لجمع كبير من خيار المواطنين هم الأساتذة والمربون، ولقي هو في سبيل ذلك من المتاعب والعناء ما لا ثمن له عند مثله إلا انتعاش النفس لما ينال المجموع من خير.
كان طه حسين قبل أن يلي الوزارة كاتبا بيدي الرأي ويدعو إلى العمل، ثم ولى الوزارة فأشفقنا عليه مما كتب، إذ خشينا أن يكون من العوامين على البر، وإذا هو في البحر يضرب أمواجه بذراعي جبار. . كان طه حسين الكاتب الناقد رقيبا على طه حسين الوزير العامل. . ويخيل إلى أن الوزير كان يخشى في نفسه الكاتب ويفرق منه أشد الفرق حين أوغل في القسوة على نفسه ومنع تقرير كتبه في المدارس وكان كثيرا منها مقرراً من قبل.
يكتب طه حسين ويحاضر فينفع الناس، ويتولى المناصب فينفع الناس، حتى حين يقصد إلى شيء من الترويح عن نفسه بالسفر إلى الخارج نراه ويراه العالم سفير مصر الأدبي ونديد الأساطين في إشعاع الفكر فينفع الناس.
قال لي مرة وقد أقبلت عليه لأتزود منه بحديث لقراء (الرسالة): أتريد حديثا يطرف القراء أم تريد كلام جد؟ قلت له أريد حديثا يطرف القراء! فابتسم، ثم تحدث إلى فلم يكن في حديثه غير الصدق وغير الإمتاع. . فحين قلت له ما قلت كنت أعلم أن كل ما يقوله طه حسين طريف لا يخرج عن الجدو والصدق، وكل ما يجد فيه من القول لا يتجرد من الطرفة والإمتاع.
إن من خصائص عميدنا الاندماج الكلي فيما يتعرض له، وقد اندمج هذين العاملين في التيسير على المتعلمين والمعلمين، ولم يعبا بقلة (الأوكسجين) في هواء الوزارة، ثم ترك الوزارة فأحس بهبوب الهواء الطلق على نفسه، وسندعه يشبع رئتيه من هذا الهواء، ندعه قليلا لنتوقع منه بعد ذلك الكثير. . .
الثقافة تنتقل إلى المتخلفين: أنشئت الجامعة الشعبية كي تنتج الفرص لمن تخلفوا عن قطار التعليم في إحدى المحطات. . ومدت يدها إليهم تعينهم على السير واللحاق بالركب. ومضت بهم قليلا وهم فرحون بانتسابهم إلى الجامعة ثم هب عليهم غبار من نوع معوقاتهم الأولى. إذ قيل: جامعة! وما الفرق إذن بين الجامعيين وبين الشعبيين؟ حتى الاسم استكثروه عليهم. . فليكن أسمها (مؤسسة الثقافة الشعبية) كما أطلق عليها منذ سنوات.
لا يهم الاسم ما دامت القافلة تسير، وقطعت القافلة أشواطا وأخيرا تلفتت. . قطعت أشواطا بمن جاءوا إليها، ولكن هل هؤلاء كل من فاتهم القطار؟ تلفتت تنظر فإذا محطات التخلف لا تزال عامرة، فما كل من فيها يستطيع أن يقصد إلى المراكز الثقافية، وقد يستطيع ولكن يتكاسل. فكرت المؤسسة بأمر هذه الآلاف المتخلفة القاعدة، فرأت أن تنتقل هي إليهم في قراهم بالأقاليم وفي أحيائهم بالمدن. فوضعت مشروعا لذلك يعتمد على وسيلتين:
الأولى مكتبات متنقلة تحملها سيارات تعد أعدادا خاصا بحيث تصبح - بفتح بابها حيثما وقفت - مكتبة مفتوحة، فيستعير منها من يشاء لقاء (تأمين) زهيد لا يبلغ نصف ثمن الكتاب، وقد تغري المستعير قلة ما يدفعه ويروق في عينه الكتاب وليكن، وتحتمل المؤسسة الفرق بين الثمن والتأمين في سبيل تأدية الرسالة الثقافية. .
وتستمد المكتبات الطوافة من المكتبات مركزية تقام في قواعد تختار لها، وتؤدي هي أيضاً رسالتها كمكتبة عامة في مكانها، وتحتمل المكتبات الطوافة إلى كل جهة ما يناسبها من الكتب، وتصحبها آلت للعرض السينمائي الثقافي لتكون وسيلة اجتذاب الجمهور، إلى جانب الغرض الأساسي من موضوعها.
أما الوسيلة الثانية فهي كتب دورية (شهرية أو أسبوعية أو غير ذلك قدر الإمكان) تعهد المؤسسة في تأليفها إلى مؤلفين من غير موظفيها تكلفهم بتأليفها في موضوعات حيوية على أن يقصد بهذه الموضوعات أما تنمية المعلومات الثقافية العامة، أو الإرشاد والتوجيه في ناحية من نواحي الحياة العملية، وتوزع هذه الكتب على من يطلبها بثمن أسمى يغري بطلبها.
ذلك هو مشروع مؤسسة الثقافة الشعبية التي تريد أن تنقل به الثقافة إلى الناس في بيوتهم وفي مقار أعمالهم والذي يشتغل الآن بوضع خططه الأستاذ علي عزت الأنصاري بك المدير العام للمؤسسة.
إلى رفعت علي ماهر باشا
وأريد أن أسوق الحديث بعد ذلك عن الموضوع السابق إلى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس الوزراء:
قرأنا ما أدليتم به إلى الصحف في الماضي من إنكم توجهون اهتماما كبيرا إلى مسألة التربية الشعبية، التي هي القاعدة الرئيسية للعمل المنتج والصالح لخير البلد وأهله، والتي تبعث في كل شخص روح الكبرياء القومي. . . إلى أن قلتم إنكم أصدرتم إلى محطة الإذاعة اللاسلكية المصرية تعليمات مشددة بأن تساهم بنصيب كبير في تربية الذوق السليم وإنماء الروح المعنوية القومية.
ليس هذا جديدا علينا منكم يا رفعة الباشا، فنحن نذكر جهودكم في إنماء الثقافة في مختلف العهود التي توليتم فيها الوزارة، نذكر من تلك الجهود ما قمتم به في سنة 937 - على ما أذكر - من تنظيم المسابقات للنشيد القومي، وللكتابة في موضوعات أدبية فكرية كرسالة الجامعة والأزهر وغيرهما في القرن العشرين.
فنحن إذن نعلم إنكم مؤمنون كل الإيمان بأثر الثقافة في التربية الشعبية، ولعلكم ترون الموضوع الذي عرضته قبل هذا، وخاصة ما تقترحه مؤسسة الثقافة الشعبية من إصدار كتب دورية يمكن اتخاذه وسيلة إلى التربية الشعبية التي توجهون إليها عنايتكم، فلا تكون المسألة قاصرة على الإذاعة، بل تتناول هذه المؤلفات التي تفكر المؤسسة بموضوعها، فتولونها عنايتكم وإرشادكم لكي تقوم بنصيبها في تحقيق هذا الغرض.
الإعداد للمؤتمر الثقافي الثالث
كان المؤتمر الثقافي العربي الثاني الذي انعقد بالإسكندرية في صيف سنة 950 - قد قرر أن تؤلف لجنة برئاسة معالي الدكتور طه حسين باشا. . . بصفته الشخصية. . . للإعداد للمؤتمر الثقافي العربي الثالث، وكان معاليه قد تحدث في ختام ذلك المؤتمر إلى الوفود العربية محييا لهم معتذراً من تقصير مصر في إكرامهم، معربا عن رغبته في أن يكون اجتماع المؤتمر الثالث بمصر أيضاً كي تستطيع أن تقوم بما ينبغي عليها نحو أبناء الشقيقات.
ومنذ أسابيع أخذ معالي الدكتور طه حسين باسا في العمل وإعداد ما ينبغي لتنظيم المؤتمر الثالث، ثم استقالت الوزارة السالفة وجاءت الوزارة الحالية التي ولي فيها وزارة المعارف معالي الأستاذ محمد عبد الخالق حسونة باشا، فكتب إلى معالي الدكتور طه حسين باشا ليمضي في الإعداد للمؤتمر.
وأستأنف العميد العمل في هذا السبيل، فدعا اللجنة التي ألفت للإعداد للمؤتمر إلى الاجتماع، فاجتمعت يوم السبت بدار مجمع فؤاد الأول للغة العربية برآسة معاليه، وحضرها مندوبو مصر وباقي الدول العربية، وهم الأستاذ محمد سعيد العريان والدكتور سلمان حزين بك (عن مصر) والدكتور بديع شريف (عن العراق) والدكتور مدحت جمعة بك (عن المملكة الأردنية) والأستاذ مدحت فتفت (عن لبنان) والدكتور زكي المحاسني (عن سوريا) والسيد علي الآنسي (عن اليمن)، ولم يحضر مندوب المملكة العربية السعودية، ومثل الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية الأستاذان سعيد فهيم وعلي عبدة.
ونظرت اللجنة في الزمان والمكان الذي يجتمع فيهما المؤتمر، وتناول البحث الوقت الصالح لمجيء الوفود إلى مصر من حيث ملاءمة الجو، فتقرر أن ينعقد المؤتمر بدار الجمعية الجغرافية في القاهرة في الأسبوع الثالث من شهر ديسمبر سنة1952، وهو وقت ملائم من عدة وجوه، منها أنه أوان العمل والنشاط في المعاهد والهيئات الثقافية وغيرها، ويستطيع الضيوف أن يطلعوا على مختلف النواحي وتنظم لهم الرحلات إلى هنا وهناك فيطالعوا أوجه النشاط المختلفة في أحسن أحوالها.
ونظرت اللجنة بعد ذلك في الموضوعات التي قرر المؤتمر الثاني أن تكون موضع دراسة المؤتمر الثالث، وهي - بعد أن نظمتها وصفتها اللجنة الثقافية التي عقدت في الصيف الماضي بالإسكندرية: -
1 - طبع التعليم في مختلف البلاد العربية بالطابع القومي الذي يقوم على خصائص الثقافة العربية وخير ما في الثقافات الغربية. وقد تقرر تكوين لجنة من الأستاذة سعيد العريان وبديع شريف ومدحت فتفت والملحق الثقافي بمفوضية المملكة الأردنية - لبحث مناهج التعليم والكتب الدراسية المقررة في الدول الأعضاء لمواد اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية لبيان مدى ملاءمتها لتحقيق الغرض من هذا الموضوع وهو طبع التعليم بالطابع القومي. . الخ، وبيان صلة ذلك بما قرر المؤتمر الثقافي العربي الأول من القدر المشترك الواجب تدريسه لكل تلميذ من تلاميذ البلاد العربية في هذه المواد. ولوحظ في أثناء بحث هذا الموضوع إن مصر في الوقت الحاضر بصدد وضع مناهج جديدة تطبيقا لقوانين التعليم الأخيرة، وفي ضوء ما يسفر عنه تقرير اللجنة بعد استيفاء وسائل الاتصال بوزارات المعارف يكون بحث المؤتمر في هذه المسألة.
2 - تحقيق الوحدة اللغوية في المجتمع العربي حتى تصبح اللغة الفصحى لغة العلم والحياة معا، ورؤى أن هذا الموضوع يستحق أن يلقي فيه بعض الأعضاء بحثا يتتبع فيه مدى رقي الفصحى في البلاد العربية وتطورها تبعا لانتشار التعليم، مع القصد إلى بحث موضوع تيسير تعليم العربية في ضوء المشروع الذي أعده مجمع فؤاد الأول للغة العربية من نحو عشر سنوات لتيسير تعليم قواعد العربية.
3 - نشر الثقافة بين الكبار. تألفت لجنة هذا الموضوع من الأساتذة سعيد العريان وبديع شريف وزكي المحاسني، واقترح معالي الرئيس أن ينظم إليها الأستاذ محمد فريد أبو حديد بك باعتبار تخصصه وتجربته في هذا الموضوع.
4 - تعميم التعليم الأساسي كوسيلة من وسائل مكافحة الأمية وقد رؤى أرجاء النظر في هذا الموضوع إلى أن تتبين نتائج التجارب المختلفة التي تجريها فيه (اليونسكو) بمصر.
5 - بحث موضوع الكتاب المدرسي: يدخل بعض هذا الموضوع في نطاق البحث الذي تقوم به اللجنة المؤلفة للموضوع الأول
6 - النظر في مدى تنفيذ ما اتخذ في المؤتمرين السابقين من قرارات، وسيدلي كل وفد من وفود الدول الأعضاء بموقف وزارة المعارف في بلاده من هذه القرارات.
وستوالي اللجان التي ألفت لبحث بعض موضوعات المؤتمر اجتماعاتها على أن تفرغ من عملها قبل أول مايو القادم، ثم تجتمع اللجنة الإعدادية للنظر في أعمال اللجان الفرعية.
عباس خضر