الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 963/المسرح والسينما

مجلة الرسالة/العدد 963/المسرح والسينما

مجلة الرسالة - العدد 963
المسرح والسينما
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 17 - 12 - 1951


المسرح المصري في خدمة العقيدة الوطنية

للأستاذ على متولي صلاح

كتب الأستاذ زكى طليمات في العدد الفائت من (الرسالة) فصلا عقده على الموازنة بين نظريتين من النظريات التي توضح أهداف الأدب والفن وما ينبغي أن يتجها إليها، وموقف المسرح المصري الآن من هاتين النظريتين والأحداث تغمر البلاد، والنفوس تغلى بالثورة والغضبة الكبرى؛ إذا المسرح - كما لا يخفى - جماع الأدب والفن معا.

أما النظرية الأولى فهي أن يكون الأدب والفن (لمجرد الأدب والفن، إشراقات تصفى الذوق وتصقل الروح وتنمى حاسة إدراك الجمال. وسبحات في آفاق المعاني والخيال المشتهى ولمعات ترقى بالنفس إلى أعلى مدارك النور.) كما يقول الأستاذ.

وأما النظرية الثانية فهي أن الأدب والفن لابد أن يكون كل منهما (أولا وأخيرا لمعالجة ما يشغل أذهان الناس تبعا لمشكلات حياتهم، ولتناول ما يعنيهم في كفاحهم مع العناصر التي تحيط بهم؛ ابتغاء تيسير أسباب الحياة الاجتماعية في ناحيتها الإيجابية ومعاونة الشعوب على التقدم والارتقاء.)

أي أن الأستاذ وازن بين النظريتين المعروفتين من نظريات الأدب وهما: - نظرية (الفن للفن) التي ظهرت في القرن الماضي، والنظرية (الوجودية) التي ظهرت خلال هذا القرن بل خلال أيامنا هذه، والتي أخذت براعمها تتفتح هذه الأيام وأخذت فكرتها تنتشر هنا وهناك وتلقى القبول عند الكثير من الناس في مختلف البلاد ويوشك المستقبل أن يكون لها دون سواها من نظريات الأدب الأخرى.

ثم خلص الأستاذ بعد ذلك إلى ترجيح النظرية الثانية ولكن في فترات من حياة الشعوب يكون لزاما فيها على الأدب والفن أن يكونا (خالصين متوفرين لخدمة المجتمع في أهم ما يشغله سواء كان هذا الشاغل عرضا إلى زوال، أو مبدأ قد يغير من جوهره على مر الأيام)

وكان هذا منه تمهيدا للمسرحية التي يقدمها للناس في هذه الأيام باسم (دنشواي الحمراء) والتي يقدمها كما يقول (صفعة من جانب المسرح المصري في وجه الاستعمار) أما المقارنة والموازنة التي أقامها الأستاذ بين هاتين النظريتين فعندي أنه لم يبق محل لها وقد ماتت نهائيا نظرية (الفن للفن) وأصبح هذا الفن الخالص - كما قلنا في كلمة سابقة - مرادفا للفن الفارغ! وأصبحت هذه الأبراج العاجية التي يقولون عنها بمثابة رفوف أو دواليب أو متاحف أو معارض للزينة والفرجة!

وليس من الأدب في شيء مالا يعالج قضايا الحياة التي يحياها الناس، لا في فترة من الفترات كما يقول الأستاذ بل في جميع الفترات على السواء، ولا في العظيم الجليل من أمور الحياة بل في الصغير الضئيل من أمورها، فليس الأدب وليس الفن حلية وزينة وزخرفا وبراقش تأخذ بالأبصار وتبهر العيون، ثم تخبو فلا أثرلها، وتذهب فلا صدى وراءها اللهم إلا نشوة ساعة!

هذه دولة قامت للأدب يوما ثم دالت ولا تحسبها تعود يوما، فالأدب الآن أشد الأشياء التصاقا بالحياة، والأدباء الآن مثلنا تماما يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، بل إن من أهم واجباتهم أن يمشوا في هذه الأسواق!

فلننظر ماذا كان عليه موقف المسرح المصري - والمسرح كما قلنا قبل هو جماع الأدب والفن - وهل استطاع حقا أن ينهض (بتغذية الوعي القومي ومساندة عقيدة النضال بتذكير الناس بما يجب أن يذكروه وبتبصيرهم بما يجب أن يكون مائلا في أذهانهم)؟؟

لقد اختارت فرقة المسرح المصري الحديث من أجل هذه الأغراض الوطنية روايتي (مسمار جحا) التي افتتحت بها الفرقة موسمها بدار الأوبرا الملكية واستمر تمثيلها بها طول موسمها بهذه الدار، ورواية (دنشواي الحمراء) التي تقوم هذه الفرقة بتمثيلها الآن على مسرح حديقة الأزبكية. فهل استطاعت هاتان الروايتان أن تحققا هذه الأغراض التي ينوه بذكرها مدير الفرقة؟ أشهد أن الحق - وهو فوق كل اعتبار - يقتضي أن أقول (لا). فلو أريد بقضية (مسمار جحا) هو (قناة السويس) في قضية وطننا كما يذهب إلى ذلك الأستاذ زكى طليمات فيما يكتب وفيما يقول. . لو أريد بها ذلك لكان إضعافا للقضية الوطنية وتهوينا من شأنها وتوهينا لقوتها وعدالتها ووضوح حجتها! فالدار كانت ملكا حلالا لصاحبها فباعها بالثمن المقبوض وبالعقد الشرعي واشترط بقاء المسمار ليجعل منه ذريعة لغشيان الدار في إلحاح وإثقال، فهل كانت مصر ملكا حلالا للإنجليز فباعونا إياها بالثمن المقبوض وبالعقد الشرعي واشترطوا بقاء قناة السويس ليجعلوا منها ذريعة لاحتلال مصر؟ والغريب أن الأستاذ المؤلف لم يذهب هذا المذهب الذي ذهب إليه الأستاذ المخرج ولم يعقد هذا القياس بين القضيتين!

. . . أما مسرحية (دنشواي الحمراء) فالأمر فيها أدهى وأمر، فما دنشواي - في نظر الحق والصدق - إلا صفحة مخزية للخيانة الوطنية من كبار المصريين!! وهيهات أن يتجه الذهن عند ذكر دنشواي إلا هذه الخيانات العظمى التي ارتكبها فريق من المصريين والتي كانت المبرر لما ارتكبته الإنجليز من فظائع وويلات اقترحها عليهم المصريون بل قضى بها المصريون قضاء له صورة الحق وإطار العدالة!!

على أن المسرحية امتدت إلى تصوير ما يجرى الآن من حوادث في القنال على أنه (دنشواي الحديثة) فقصرت تقصيرا شديدا في إبراز جوانب الوطنية المصرية المتأججة في الصدور هذه الأيام، وليس أدل على ذلك من إنها أغفلت أهم مظهر وطني بل أهم حدث وطني رائع جليل وأعني به موقف العمال المصريين هناك!! هؤلاء العمال الذين كانوا أول مسمار في نعش الإنجليز؛ هؤلاء الذين طووا بطونهم على الجوع وتركوا موارد أرزاقهم وأبوا أن يكونوا مع الغاصبين والبلاد جميعها تنادى بنبذهم وطردهم!!

وأغفلت كذلك موقف الجنود المصريين وقد انقلبوا بين عشية وضحاها إلى صفوف الشعب وفي كتائب الشعب يرمون أعداءه ويحمون أبناءه، وقد كانوا من قبل سواعد الإنجليز فيما ينزلون بأبناء البلاد من عسف واضطهاد. .

وأغفلت كذلك موقف (الحكومة) وقد صارت إليها قيادة الثورة في البلاد! حتى أصبح الوزراء يقومون وهم في دست الحكم بما لم يكونوا يقومون به إلا يوم يعتزلون هذا الحكم ويمشون في ركاب الشعب كالجبان الذي إذا ما خلا بأرض طلب الطعن وحده والنزالا!

إن هذه المسرحية لم تستطيع أن تصور هذه الظواهر الجديدة الهامة، ولا أفهم أن تذكر حوادث القنال دون أن تذكر هذه الأشياء.

والذي يبدو، أنها كتبت على عجل، وأنه أريد لها أن تسبق إلى الظهور قبل أن تمتد إلى موضوعها يد أخرى! وما يمثل هذا يكون الفن، فالفن أناة ومهل وتأمل. والفن ليس سابقا في ميدان ينال فيه الفائز الأول الجائزة الكبرى! على متولي صلاح