الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 960/الثورة المصرية

مجلة الرسالة/العدد 960/الثورة المصرية

بتاريخ: 26 - 11 - 1951

5 - الثورة المصرية 1919

الأستاذ أبو الفتوح عطيفه

من1 - 8 نوفمبر 1951:

شهدت هذه الفترة عدة حوادث هامة: ففيها واصل الإنجليز عدوانهم على العزل من المصريين وزادوا فاعتدوا بالقبض والاعتقال على ضباط البوليس المصري بمنطقة القنال، وكذلك اعتدوا على رجال التعليم العائدين إلى أعمالهم بمنطقة القناة، فاعتقلوا بعض الأساتذة دون مبرر ثم أفرجوا عنهم والقوهم في الصحراء ليلا!! وكذلك تكون المدنية ويكون احترام الإنجليز للحرية!!

وفيها أيضاً اعتدى الإنجليز على رجال القضاء المصري الكرام وهم في طريقهم إلى عملهم بمنطقة القناة والعريش!! ثم عمدوا إلى تسخير العمال بالقوة. وبدأت كتائب التحرير المصري نشاطها وعمدت (الفرق الخفية) إلى تجريد الجند البريطانيين من سلاحهم وهو عمل يدل على شجاعة المصري التي لا تحتاج إلى دليل، ودب الذعر في صفوف الإنجليز إذ بلغت حوادث خطف الأسلحة نحو 20 حادثة واتهموا رجال البوليس المصري بالتقصير في منع هذه الحوادث، وهدد القائد العام للقوات البريطانية الجنرال أرسكين بإعلان الأحكام العرفية في منطقة القنال وتعيين حاكم عسكري لها. وهكذا وقف الرجل المسلح، يخشى عدوان الرجل الأعزل إن الحق هو الذي أعطي الأعزل قوته، وهو الذي نزع من الرجل المسلح سطوته وهيبته. إن الحق منتصر، وإن مصر لا تطلب إلا حريتها ووحدة الوادي، وهي بالغة إن شاء الله ما تصبو إليه

وتشرشل أيضا:

في 25 أكتوبر 1951 أجريت الانتخابات البريطانية وفاز حزب المحافظين وتولى رئيسه ونستَون تشرشل الحكم. ولم تكن مصر تهتم كبيرا بنتائج الانتخابات لأنها تعرف أن الإنجليز هم الإنجليز، سواء كان تشرشل يرأس حكومتهم أم كان أتلي؛ فالسياسة البريطانية لا تتغير بتغير الوزراء، وإنجلترا هي العدو الأول لمصر لأنها تحتل أراضيها بالقوة، وتمنع وحدة الوادي وتقف سدا حائلا بين سكان الشمال وسكان الجنوب، ألا ساء ما تفعل! وفي 6 نوفمبر بدأ مجلس العموم الجديد جلساته وألقى خطاب العرش الذي جاء فيه: (إن حكومتي تعد ما عمدت إليه الحكومة المصرية من إلغاء معاهدة التحالف المبرمة في عام1936 واتفاقيتي الحكم الثنائي في السودان المعقودين 1899 أمرا غير مشروع ولا يجيزه القانون) ولسنا ندري أي قانون أباح لإنجليز أن تحتل مصر؛ وأن تفصم الوحدة الطبيعية بيد مصر والسودان، وأن تحكم السودان على رغم إرادة أهله

وألمح إلى أن بريطانيا إذا دعا الأمر إلى ذلك للبقاء في منطقة القنال، وأشار إلى أنها (ستحفظ بموقفها في منطقة قناة السويس طبقا لنصوص معاهدة 1936 وتؤمن سلامة هذا الطريق الدولي دون أن تستخدم القوة أكثر من اللازم.) وبهذا يهدد تشرشل باستخدام القوة ضد مصر لأنها تطلب حريتها وإنهاء احتلال أراضيها، ولسنا ندري هل غاب عن تشرشل الماكر العجوز أن مصر قد فكرت قبل إلغاء المعاهدة وقدرت أنها مقبلة على فترة من فترات الجهاد الشاق والنضال العنيف!! وأنها ستتعرض لتهديد إنجلترا وربما لتهديد أمريكا وفرنسا أيضا!! وهل يعتقد تشرشل أن الإنجليز سيخرجون من مصر دون نضال ودون تضحية!! ليعلم تشرشل أن مصر قد فكرت وقدرت وأنها قد آثرت الجهاد والنضال في سبيل الحرية على الحياة والعبودية. . فليهدد كما يشاء فمصر قد وقفت صفا واحدا تدافع عن حريتها ووحدتها. . ولن يرهبها تهديده أو يخيفها وعيده

هيئة الأمم ومؤتمر السلام:

وفي 6 نوفمبر اجتمع أعضاء مجلس السلام في جميع أنحاء العالم في فينا عاصمة النمسا، وألقى كامل البنداوي باشا خطابا مستفيضا عن مصر وعن موقفها من الدول الاستعمارية استهله بقوله (إن مصر قد بدأت مرحلة جديدة في تاريخها. . ذلك أنها فرغت من عهد التوقيع والإمضاء وبدأت القتال والكفاح. إن الشعب الآن يريق دمه في سبيل الحرية غير متردد ولا يهاب، كل ذلك من أجل الحرية ومن أجل السلام العالمي.)

وقال: (إن هذه الحوادث الدامية التي تجري في مصر ستكون نقطة تحول في التاريخ) واختتم الخطاب قائلا: (سيكون لهذا الصراع ضد الإنجليز والانتصار عليهم نتائج بعيدة المدى) وقد خطبت السيدة سيزا نبراوي في المؤتمر. ونددت بالأعمال الوحشية التي تقوم بها بريطانيا في مصر. . وتحدثت عن أعمال البطولة التي يقوم بها عمال الموانئ الذين أضربوا عن التعاون مع الإنجليز وأعلنت أن وجود القوات البريطانية ضد إرادة الشعب المصري يهدد السلام العالمي

وتحدث مندوب الاتحاد السوفييتي فطالب بضرورة تأييد مصر واتخاذ قرارات إيجابية لشد أزر الشعب المصري في كفاحه ضد الاستعمار، وأن الاتحاد السوفييتي يؤيد مصر تمام التأييد في كفاحها ضد الغاصب وصراعها من أجل الحرية

وفي 7 نوفمبر أصدر المؤتمر قرارا يدعو بريطانيا إلى سحب قواتها من مصر والسودان فورا لكي يتسني تقرير مصيرهما بحرية تامة، وقرر إيفاد وفد لهيئة الأمم المتحدة لمطالبتها بتوحيد الاهتمام إلى ما يتعرض له المسلم من تهديد بسبب وجود قوات أجنبية في مصر والسودان

وفي باريس اجتمعت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في 6 نوفمبر وحضر الاجتماع وفد مصر برياسة الوطني العظيم الدكتور محمد صلاح الدين باشا، وكذلك حضر الوفد البريطاني برياسة المستر إيدن وزير خارجية بريطانيا، وبدأ صلاح الدين نشاطه فأرسل إلى السكرتير العام للأمم المتحدة مذكرة ندد فيها بالأعمال الوحشية التي تقوم بها القوات البريطانية في مصر، وأعلن ثقته من أن الضمير العالمي وشعوب الأمم المتحدة ستقف إلى جانب مصر وشعبها في كفاحها في سبيل الحق والحرية، وفي سبيل السلام العالمي. وهكذا بدأ النضال بين مصر وبريطانيا في أروقة هيئة الأمم

لا مناقشة:

لجأت بريطانيا إلى التهديد باستخدام العنف والقسوة إذا لم يكف زعماء مصر عن نشاطاتهم، وفي 6 مارس سنة 1919 استدعى قائد القوات البريطانية زعماء الوفد وأعضاءه وأنذرهم (أن أي عمل منكم يرمي إلى عرقلة سير الإدارة يجعلكم عرضة إلى المعاملة الشديدة بمقتضى الأحكام العرفية)

لقد دار بخلد الإنجليز 1919 كما يدور بخلدهم الآن أن التهديد باستخدام القوة كفيل بالقضاء على الروح الوطنية في وادي النيل، وكفيل بإيقاع الرعب في قلوب المصريين مما يقضي على حركتهم وآمالهم، ولكن خاب أملهم، ففي 1919 واجهوا شعبا يقف صفا واحدا خلف زعمائه، فلما هددوا سعدا وزملاءه لم يجبن سعد ولم يجبن زملاءه وقابلوا الإنذار بعدم الاكتراث، ولم يعبئوا به بل زادوا تمسكا بمطالب الأمة، لقد كان القائد العام البريطاني مسنودا بالحراب والمدافع البرطانية، وأما سعد ورفاقه فقد كانت تحرسه قلوب شعب مصر الأعزل، ولكنه شعب مؤمن بحقه وعدالة قضيته

لم يعبأ سعد بالإنذار البريطاني ومضى في طريقه قدما، ففي نفس اليوم أبرق إلى رئيس الحكومة البريطانية يقول: (تعلمون ضرورة أن وزارة رشدي باشا لما علقت سحب استقالتها على سفر الوفد قبلت استقالتها نهائيا. وليس لذلك معنى إلا الحيلولة بيننا وبين عرض قضيتنا على مؤتمر السلام. وقد نتج فعلا من هذه السياسة أن أعظم رجال مصر. . . قد بدءوا يرفضون بتاتا تأليف وزارة تعارض مشيئة الأمة التي هي مجمعة على طلب الاستقلال. . .

إن السلطة العسكرية أنذرتنا اليوم نضع الحماية موضع البحث وتعرقل تأليف الوزارة الجديدة وتوعدتنا بأشد العقاب العسكري، على أنها لا تجهل أننا نطلب الاستقلال التام ونرى الحماية غير مشروعة كما تعلم بالضرورة أننا قد أخذنا لي عاتقنا واجبا وطنيا لا نتأخر عن أدائه بالطرق المشروعة مهما كلفنا ذلك. وحسبنا أن نذكر لكم هذا التصرف الجائر الذي يجر سخط العالم المتمدن حتى تفكروا في حل هذه الأزمة بسفر الوفد فيرتاح بال الشعب

القبض على زعماء الوفد:

اتخذت السلطة من رفع الوفد هذه الشكوى إلى رئيس الحكومة البريطانية مبررا لتنفيذ ما هددت به، ففي يوم 8 مارس قبضت على رئيس الوفد سعد زغلول وعلى ثلاثة من كبار صحبه وهم محمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي واعتقلتهم في ثكنة قصر النيل ثم نقلوا تحت الحراسة إلى بور سعيد ومنها أبحروا إلى مالطة حيث وضعوا قيد الاعتقال

اعتقد رجال الشرطة العسكرية أنهم بهذا العمل قد قضوا على الحركة الوطنية في مصر وأنهم قد استراحوا وأمنوا واطمأنوا، ولكن خاب ظنهم فإن هذا النبأ قد سرى في مصر كما تسري النار في الهشيم وكان بمثابة شرارة ألقيت على مستودع من البارود مما أدى إلى حدوث انفجار عظيم

بدء الثورة: نهض المصريون جميعا على بكرة أبيهم دفعة واحدة وفي يوم واحد لإعلان سخطهم وغضبهم على هذا العدوان الغاشم، وكانت للمصريين في احتقار الموت الذي كان يتحداهم في ثورتهم من أفواه مدافع العدو وبنادقه روعة وجلال

وأما رجال الوفد فقد بادروا في نفس اليوم إلى إرسال برقية احتجاج على اعتقال الزعماء إلى المستر لويد جورج رئيس الوزارة البريطانية، وأعلنوا أنهم سيستمرون على الدفاع بكل الطرق المشروعة عن قضية البلاد العادلة

وكذلك أرسلوا برقيات احتجاج إلى معتمدي الدول الأجنبية

وفي 9 مارس وجه على شعراوي باشا بصفته وكيل الوفد كتابا إلى عظمة السلطان يشكو فيه من تصرف السلطة العسكرية مع رجال الوفد جاء فيه:

(. . استدعتنا السلطة العسكرية في 6 مارس. . وأنذرتنا بالعقاب العسكري الشديد إن أتينا عملا يرمي إلى تعطيل سير الوزارة ثم منعتنا من مناقشتها في هذا البلاغ. لم تصب السلطة في رأيها فإن هذه الحماية باطلة ولكل إنسان الحق المطلق في أن يضعها تحت البحث والمناقشة القانونية. .

لم يقف الأمر عند هذا الإنذار بل قبضت السلطة أمس على رئيسنا سعد زغلول باشا وزملائنا محمد محمود باشا وحمد الباسل باشا وإسماعيل صدقي باشا وزجوهم في قصر النيل ثم سيق بهم إلى بور سعيد فإلى حيث لا نعلم. وذنبنا في ذلك أننا نطلب حريتنا السياسية طبقا للمبادئ الشريفة التي اتخذت قاعدة للسياسة المالية الجديدة. . . وبينا أننا لم نتعد حدود القانون، فلم نهج في البلاد طائرا ولم نحرك ساكنا بل قبلنا توكيل الشعب إيانا أن نصدع بأمره ونسعى لتحقيق مشيئته. . .

على هذه الاعتبارات يصعب علينا يا مولاي أن نفهم مبررا لهذه الخطة القاسية التي جرت عليها السياسة الإنجليزية. .

إليكم يا صاحب العظمة وأنتم تتبوءون أكبر مقام في مصر وعليكم أكبر مسئولية فيها. نرفع باسم الأمة أمر هذا التصرف القاسي؛ فإن شعبكم الآن يحق له أن يعتبر هذه الطريقة باردة تخيفه على مستقبله كما يحق له أن يكرر الضراعة لديكم العلية أن تقفوا في صفه مدافعين عن قضيته العادلة) قويسنا

أبو الفتوح عطيفة