مجلة الرسالة/العدد 960/أدب الثورة والكفاح
→ الثورة المصرية | مجلة الرسالة - العدد 960 أدب الثورة والكفاح [[مؤلف:|]] |
4. على ضفاف القناة: ← |
بتاريخ: 26 - 11 - 1951 |
للأستاذ كامل السوافيري
في اليوم الثامن من أكتوبر من العام الحالي أعلنت مصر إلغاء معاهدة الظلم والاستعباد؛ وقالت كلمتها الخالدة مدوية في آفاق المعمورة فرددت الشعوب العربية والدول الإسلامية صرخة مصر، وقامت المظاهرات في دمشق وبغداد وبيروت وطهران والدار البيضاء تضامنها مع مصر المجاهدة، صارخة صرخة الحق في وجه المستعمر الغاصب بأن يجلو عن وادي النيل، ويعترف بحق مصر في الحرية والاستقلال
ثم صدمت مصر الاستعمار مرة ثانية حين أعلنت رفضها لما أسموه مقترحات الدول الأربع للدفاع عن الشرق الأوسط؛ فحطمت آمال المستعمرين وقلبت خططهم رأسا على عقب
ووقفت الشقيقات العربيات أيضاً من مصر المجاهدة موقف التأييد التام والتضامن الكامل ضد أقطاب الاستعمار، كما وقف العالم الإسلامي ينادي بحق مصر في سيادتها على القناة، وحقها في جلاء الجيوش المحتلة عن أراضيها، وحقها في الوحدة، وكان ذلك الموقف الرائع من العالمين العربي ولإسلامي دليلا واضحا على أن العرب والمسلمين قد أكتمل وعيهم، واستوى نضجهم السياسي ولم تعد تنطلي عليهم حيل الدول المستعمرة، بعد أن أخلصوا لها الود، وقدموا المعونة في حربين عالميين فقوبلوا بالتنكر لأمانيهم القومية. والاعتداء على حقوقهم السياسية
وليست الحرب بين الإسلام والاستعمار وليدة اليوم. وليس الصراع بين الشرق والغرب ابن عامة هذا، ولكنه صراع بدا بعد الحرب العالمية الأولى منذ انتصر الحلفاء، فقسموا الشرق العربي بينهم، وجزءوه إلى دويلات ضعيفة لا تستطيع النهوض حتى يتمكنوا بذلك من استعمارها أكبر مدة من الزمن. ولكن الصراع ليس صراعا سياسيا فحسب، بل هو صراع ديني واجتماعي قبل أن يكون صراعا سياسيا، أنه صراع المبادئ ولأفكار، وصراع النفوس والقلوب. ولابد أن تتضافر الجهود وتتعاون القوى ليخرج الشرق من هذا الصراع مرفوع الرأس وضاح الجبين
ولقد راعني أن يكون الأدب بمنأى عن هذا الصراع الحاد الذي يندلع لهيبه يوما بعد يوم.
وكم أسفت حين تطلعت فرأيت الفن لا يسهم في هذه المعركة بين الشرق الإسلامي والغرب، أو بين المسلمين والمستعمرين، وللأدب نفوذه وسلطانه، وللفن عرشه وصولجانه، وللأدباء في الأمة المكانة السامية، والمنزلة العالية، هم النجوم التي ترشد السارين إذا كفهر الجو وأظلم الأفق، وهم المصابيح اللامعة التي تهدي الضالين إذا تشعبت السبل، وتعددت المسالك
إني لا أريد أن أتهم الأدباء بأنهم تنكروا لأمتهم، وتجافوا عن مجتمعهم، حين عاشوا منطوين على أنفسهم، في أبراجهم العاجية، لا يحسون بإحساس أمتهم، ولا يشاركون مجتمعهم آلامه وآماله، فكان إنتاجهم في الكثير الغالب مرآة انعكست عليها حياتهم الخاصة، مما دعا الأمة والمجتمع إلى الانصراف عن هذا الأدب الذي لم تجد شخصيتها، ولم يحس فيها المجتمع بوجوده
وكان الأدباء مسئولين عن هذه الجناية، لأنهم الذين أتاحوا للقراء الانصراف عن إنتاجهم إلى الأدب الرخيص الماجن الذي يغذي الجانب الهابط في النفس
وإلا فما بالنا لا نقرأ - والمحن تتوالى على العروبة، والضربات تتابع على أقطار الإسلام - إلا أدب الضعف والانحدار!! أدب التدهور والانحلال!! كأننا لسنا في صراع مع الاستعمار!!
ألم تكن مأساة فلسطين الدامية، وتشريد مليون من أبنائها من إخواننا وأبناء عمومتنا وهيامهم على وجوههم في المهامه والقفار، يفتك بهم البرد والجوع. . كافية في أن تهز منا القلوب، وتشعل الأفئدة، وتضرم الجوانح؟
لقد نظرت إلى الأدب قبل المأساة وبعدها فلم أجد تغيرا واضحا إلا عند قلة من الأدباء يعدون على أصابع اليد الواحدة
إن المعركة القائمة اليوم بين حق مصر وباطل بريطانيا ليست معركة مصر وحدها، وبريطانيا وحدها، ولكنها معركة الشرق العربي بأسره ضد الدول المستعمرة التي تظاهر بريطانيا في باطلها.
وتناصرها في عدوانها على الشعوب الضعيفة
إنها المعركة التي تغذي القرائح عند أدباء العرب والإسلام، فتدفعهم دفعا إلى المساهمة فيها قد يقال إن هذا أدب مناسب في كارثة لا يلبث أن يزول. أنه كغمامة صيف عما قليل تكشف. والإجابة عن ذلك أن هذا ليس أدب مناسبات، ولكنه أدب خالد فأدب القوة والكفاح أدب خالد. . لأن الأمة الضعيفة لا وجود لها في عالم تسوده الذئاب والأسود
إن كثيرا من الشعراء الأوربيين قد خلدوا بأسفارهم الوطنية التي أيقنت في نفوس أممهم روح التضحية، وأوقدت في قلوبهم النخوة والحمية، فهذا أرنت في ألمانيا في القرن التاسع عشر يقول لقومه بعد موقعة (يه نا)
(أعطوني وطنا حرا وأنا أرضي عندئذ أن أفقد كل شهرتي فيصبح اسمي منسيا لا يذكر في غير داري ودار جاري
أعطوني بقعة من أرض جرمانية يستطيع فيها العندليب أن يغرد دون أن يرمي بسهم فرنسي
أعطوني كوخا حقيرا يستطيع أن يصبح ديكي فوق حاجزه دون أن يقع فريسة يد فرنسي، وأنا أصيح عندئذ مثل الديك، وأغرد مثل العندليب بكل فرح وسرور، ولو أفقد كل ما ملكته يداي فلم يبق لي شيء يستر جسمي غير قميص بال)
نريد أدبا بعد وثبة مصر الجبارة يختلف عنه قبلها، نريد من أدباء وادي النيل وهم كثر والحمد لله ومن أدباء البلاد العربية أن يشنفوا آذاننا بالأغاني والأهازيج الحماسية الوطنية التي تبعث الثقة في النفوس وتملؤها قوة وبطولة
نريد من الشعراء المشهورين أن يطربونا بشعر القوة والعزة، ومن كتابنا وناثرينا أن يدبجوا لنا المقالات الطويلة عن الإيمان القومي، والوطنية الصادقة، والاستشهاد في سبيل الوطن. . . وبوجه عام نريد من الأدباء والشعراء والمؤلفين وكتاب القصة والمسرحية أن يتخذوا من أقلامهم سيوفا تسل في وجه الظلم، وحرابا تصوب إلى صدور الأعداء
ونريد منهم أن يثيروا أحقادنا الدفينة لدي الدول الاستعمارية، وأن يذكوا جذوة الوطنية في نفوس هذا الجيل والأجيال القادمة، ويشعلوها حربا مستعرة الأوار على الاستعمار الظالم في كل مكان
ولست أريد أن أمنعهم من الأدب الذاتي. . أدب العاطفة والوجدان، ولكني أرى أنه لابد لهم مع أدبهم في الدمعة والابتسامة، والهجر والوصل، والفراق واللقاء. . من الأدب الذي يمجد الوطن، ويؤجج الوطنية، وينفخ في الشباب روح الرجولة والقوة، والعزة والكرامة، والحرية والاستقلال، ولا نريد أن يقف الأمر عند أدب الوهم والخيال. . أدب الهمهمات والشطحات بل يضيفوا إليه أدب البطولة والمجد والرفعة والعلاء
هذه صرختي أوجهها إلى الأدباء، وأنا وطيد الأمل في أنها ستجد منهم آذانا صاغية. وأختتم هذه الكلمة بأبيات للشاعر المهجري ميخائيل نعيمة:
أخي ما الصبر؟ إن الصبر كفران وخذلان
أخي ما نحن بالأحرار لكن نحن عبدان
لقد ضاقت بنا الأوطان ما للعبد أوطان
أخي ما السجن هل في السجن آلام حرمان؟
وهل يجدي مع الأحرار قضبان وسجان؟
سوانا يرهب القضبان أو تثنيه جدران
إذا كنا شرارات فنحن اليوم بركان
كامل السوافيري