مجلة الرسالة/العدد 958/رسالة المربي
→ عن الظرفاء | مجلة الرسالة - العدد 958 رسالة المربي [[مؤلف:|]] |
على ضفاف القناة: ← |
بتاريخ: 12 - 11 - 1951 |
أهمية العلوم - المدرسة والمجتمع - المجتمع العالمي ورسالة
المربي
للأستاذ كمال السيد درويش
يحتاج التوافق الاجتماعي إلى جانب الإعداد التربوي - الخلقي والبدني - إلى الإعداد العقلي أيضاً. وذلك عن طريق العلوم فقد كانت ولا تزال من أهم الوسائل التي يستعين بها الإنسان على إشباع حاجته إلى المعرفة وتوفير حاجته إلى الأمن. والعلوم من أهم الوسائل الإنسان في تذليل ما يصادفه من عقبات وبها يستطيع الحياة في جو مطمئن يساعده على الابتكار والتجديد والتقدم.
ولسنا الآن بسبيل سرد تلك العلوم ولا بسبيل الإشارة إلى أهمية كل منها على انفراد أو الحاجة الإنسانية إليها فذلك كله من الأمور البديهية، وما على الإنسان إلا أن يفكر قليلا ليدرك مدى الخدمات التي تؤديها مختلف العلوم والتي لولاها لما تقدمت الإنسانية في طريقها ولما خطت خطواتها السريعة في سبيل التقدم. وإنما الذي يهمنا الإشارة إليه هو كيفية تدريس هذه العلوم المختلفة بحيث تصبح فعلاً مفيدة للإنسان؛ أي بحيث يستطيع استغلالها واستخدامها كوسائل فعالة، حية، نامية، لا أن تصبح مجرد أدوات لا قيمة لها أو كجثث محنطة لا نفع فيها ولا حياة. وهنا نستطيع أن نتبين أهمية رسالة المربي. إنها تظهرنا على الموقف الذي يجب أن نقفه كمربين من تدريس العلوم على اختلافها؛ من كيفية تعلمها وكيفية تعليمها أيضاً. يجب أن يشعر المتعلم بفائدة العلوم التي يتعلمها؛ يجب أن يشعر أن العلوم وإن كانت قيوداً تزيد في ثروته العلمية وتعاونه على التآلف مع بيئته وتزيد في قدرته على التعامل معها. وما لم يحدث ذلك فعلاً كان المتعلم قد خسر كل شيء ولم يستفد سوى حشو ذهنه بالمعلومات الميتة فلا هو سينتفع من معرفتها ولا سيضره جهله بها، بل سينفعه تركها والتخلص منها
إن للعلوم جميعها أهمية كبرى في تحقيق رسالة المربي، ولعلم النفس من بينها أهمية خاصة لم نشعر بها بعد، لذلك يجب الإشارة إلى الأهمية خاصة لم نشعر بها بعد، لذلك يجب الإشارة إلى الأهمية الكبرى التي اكتسبها. لقد أصبح علم النفس ضرورة من ضرورات المجتمع الحديث، فبه يمكن حل الكثير من المشاكل الاجتماعية وعلى ضوئه يمكن تفسير السلوك الإنساني المعقد، وبدون ذلك لا يتيسر للإنسان الحياة في وئام. علم النفس الآن هو طبيب، الإنسانية بل خادمها الأول. وهو ينفع المعلم كما ينفع الطبيب وينفع صاحب المصنع كما ينفع العامل. هو علم الإنسان. بل علم النفس الإنسانية، ولذلك يجب علينا معشر الشرقيين أن نحله مكانه الممتاز بين سائر العلوم
ومن بين العلوم التي أخذت تحتل مكانها الممتاز إلى جانب علم النفس بفروعه المختلفة نجد علم الاقتصاد. إن المجتمع الناهض القوي يجب أن يبنى على أسس اقتصادية سليمة، وإلا ذهب الكلام عن إصلاحه وتقدمه أدراج الرياح، وهل يتيسر ذلك إلا بالسير وفق سياسة اقتصادية مرسومة وفق أحدث نظريات الاقتصاد؟! ألم يشترك الكتاب الاقتصاديون مع غيرهم في تقديم الوقود لإشعال نار الثورة الفرنسية وبناء مجتمع جديد على أنقاض الملكية المتهدمة؟!
والكلام عن علم الاقتصاد يقودنا إلى الكلام عن النظم الاقتصادية وما انبنى عليها من مذاهب سياسية يحاول كل منها تنظيم المجتمع أحسن تنظيم. ولقد طبقت هذه النظم في بعض الدول الأوربية مثل الروسيا أو ألمانيا أو إنجلترا حيث نجد الشيوعية والاشتراكية والديمقراطية. ولهذه المذاهب - وإن كانت سياسية - مثلها التربوية وفلسفتها التعليمية. . ولذلك لا يمكننا إغفالها دون التحدث عن موقف رسالة المربي منها. إننا ننظر إليها جميعها كوسائل ضمن الوسائل التي نستفيد بها لتحقيق هدفنا التربوي، فإذا كانت عاملا من عوامل النمو الاجتماعي استخدمناها وإذا سلبتنا حريتنا وشخصيتنا ووقفت عائقا دون تقدمنا تركناها ونبذناها. فليست العبرة لدينا بالأسماء بقدر ما نهتم بحقائق الأشياء. ونحن نقول لأصحابها: (وهي إلا أسماء سميتموها.)
إن لكل مذهب سياسي ظروفه الخاصة التي أدت إلى ظهوره وانتشاره وبخاصة وله بيئته المحلية التي لا يترعرع إلا فيها ولا يزدهر إلا في أحضانها. ولكل بيئة تراثها التاريخي فكيف يصلح في مصر ما يصلح في إنجلترا أو الروسيا؟!
ولماذا لا تكون لنا رسالتنا الخاصة نستمدها من تراثنا القديم والوسيط والحديث، ومن خيراتنا وتجاربنا، فنحن أدرى بأحوالنا وبما يلزمنا؛ نقتبس من المذاهب شيوعية كانت أو ديمقراطية أحسن ما فيها مما يتمشى مع مقوماتنا ونخرج من ذلك كله بفلسفتنا الخاصة فتكون لنا أكبر البعث والحياة
وفي ميدان المدرسة يجب أن تتركز جهود المربى لتحقيق رسالته، ذلك لأن المدرسة تقوم بدور رئيسي في تربية أفراد المجتمع. وموضوع المدرسة وما يجب أن تكون عليه حتى تنجح في تحقيق رسالة المربي موضوع قد استحق التأليف فيه من كبار فلاسفة التربية في الغرب، وسوف نفرد له بحثا خاصا بإذن الله
وكما يجب أن تتجه همة المربي إلى المدرسة يجب أن تتجه إلى سائر الميادين الاجتماعية الأخرى. . إلى السينما والمسرح وإلى الصحافة والإذاعة، فكل ميدان من هذه الميادين يحتاج إلى نفس الإشراف والتوجيه الذي يكفل ضمان نمو الروح الاجتماعية التقدمية بين جميع أفراد المجتمع. يجب أن يقف المربي من إصلاح المجتمع موقفا إيجابيا بشتى الوسائل كإنشاء المراكز الاجتماعية حتى يشع كل منها الروح الاجتماعية فيمن حوله من السكان. حقا إن إنشاء المراكز الاجتماعية بخبرائها وأطبائها وميادينها وملاعبها ومسارحها وصالات محاضراتها كفيل بتوجيه المجتمع الوجهة الصحيحة التي يجب أن يتجه إليها. إن اهتمامنا لا يزال ينصب على المدارس فقط، وهذا خطأ كبير. حقيقة إن المدارس وإن كانت تعد الإنسان فترة كبيرة من حياته إلا أن ذلك ليس معناه الاعتماد عليها فقط، لأن الفرد قبل التحاقه بالمدرسة يكون إلى حد كبير صورة مصغرة للمجتمع المنزلي الذي عاش فيه، ثم هو بعد التحاقه بالمدرسة لا يقطع صلته أبدا سواء بالمنزل أو الشارع ويكون أثناء ذلك شأن كل صحيح البدن عرضة للإصابة بجراثيم الأمراض لاجتماعية المعدية. وهنا تتبين لنا أهمية رسالة المراكز الاجتماعية. عليها مهمة الوقاية والحماية والتأييد والتعضيد. هي الناصح المخلص والمرشد الأمين والطبيب الذي يأخذ بيد المصابين وقبل أن يزمن الداء يقدم إليهم الدواء فالشفاء
ولكن عن أي مجتمع نتحدث؟! إن المجتمع الذي نقصده ليس المجتمع المصري أو العراقي أو الشامي أو الإنجليزي، وإنما هو المجتمع العالمي. . أي المجتمع الذي يضم أفراد العالم جميعا. وما فائدة إصلاح مجتمع محلي مع إهمال سائر المجتمعات؟ أليس هذا هو سر التعارض بيد الأمم وبالتالي سبب قيام الحروب وانهيار كل دولة وتأخرها إلى الوراء. إن من بين الأسباب الرئيسية للحروب بين دول العالم هو اختلاف الإعداد التربوي في دولة، عنه في الأخرى، هو في التعصب القومي الأعمى البغيض، هو في اختلاف الاتجاهات العقلية والخلقية بين الدول، حقاً إن الإعداد الاجتماعي كفيل بإيجاد التقارب والتفاهم بين أفراد المجتمع العالمي. إن الأسر على ما بينها من اختلاف تعيش في وتام وسلام داخل حدود الدولة الواحدة، ذلك لأنها تخضع لإعداد اجتماعي واحد يهدف إلى تقوية عوامل الوحدة في الدولة، فلماذا لا ننظر إلى الدول على أنها أسر صغيرة في المجتمع العالمي، ونعمل على إيجاد روابط اجتماعية عالمية تؤدي إلى جعل التعاون العالمي حقيقة ملموسة لا حلما في الخيال؟ إن رسالة المربي تنظر إلى الوحدة العالمية كهدف قريب الوصول سهل التحقيق وهي تراها لازمة لها لزوم الروح للحياة. ورسالة المربى بهذا المعنى تحقق نمو المجتمع الإنساني ورقي العالم وبها يتحقق أكبر قسط ممكن من السعادة الذاتية للإنسان
وهذه النظرة العالمية تؤكد لنا حاجة أمم العالم إن التعاون فيما بينها شأنها في ذلك شأن الإنسان. فكما أن الإنسان مضطر إلى أن يحيا ضمن المجتمع، فكذلك الدول مضطرة هي الأخرى إلى أن تحيى ضمن المجتمع العالمي. وكما أن كل إنسان ينعزل عن المجتمع يكتب على نفسه الفناء والزوال، فكذلك كل أمة تبتعد بنفسها عن غيرها من الأمم تكتب على نفسها - بانعزالها وجمودها - الفناء والزوال. وكما يجب أن تسود الروح الاجتماعية بين أفراد المجتمع يجب أن تسود بين دول العالم جميعها.
وعلى ضوء هذه النظرة العالمية يجب أن تسود بين دول العالم جميعها، وعلى ضوء هذه النظرة العالمية يجب أن تتكيف التربية داخل المدرسة وخارجها فيكون هدفها هو العمل على إيجاد التوافق الاجتماعي بمعناه الخاص وبمعناه العام أيضاً. ولنضرب لذلك مثلاً تدريسنا لعلم التاريخ. هل غرضنا من تدريسه تقديم أداة فعاله تمكن المتعلم من الاندماج مع مجتمعه هو والعمل على رفع شأنه دون الاهتمام بغيره، والتعصف لوطنه والحط من شأن غيره من الأوطان؟! لو فعلنا ذلك لأغفلنا أهم جانب في رسالة المربي. إن التاريخ بهذه الصورة هو سر التعصب القومي. . . هو الزيت المصبوب على حطام العالم لتشتعل فيه الحروب من جديد حتى لا يخمد لها أوار. أما إذا قمنا بتدريس التاريخ على أنه توضيح لما بين الأفراد والمجتمعات من علاقات عدائية أحيانا وسلمية أحياناً أخرى وما كان لهذه وتلك من أثر في تقدم الإنسانية أو تأخرها؛ فإننا في الحقيقة نكون قد سرنا في الطريق التي توصلنا إلى تحقيق رسالة المربي
كمال السيد درويش
ليسانس الآداب بامتياز - دبلوم معهد التربية العالي
مدرس بالرمل الثانوية