الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 956/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 956/الكتب

بتاريخ: 29 - 10 - 1951


من وحي البلد الأمين

163 صفحة من القطع المتوسط - الناشر مكتبة الخانجي

تأليف الشيخ محمد الطيب النجار

للدكتور محمد يوسف موسى

هذا هو الكتاب الثاني الذي نقدمه في هذا المكان من الرسالة الغراء، رسالة الثقافة الرفيعة بين الناطقين بالضاد، ومؤلفه هو الأستاذ الشيخ محمد الطيب النجار، والكتاب الأول هو: (الموالي في العصر الأموي) وقد نال به درجة العالمية مع لقب أستاذ في التاريخ الإسلامي من قسم تخصص الأستاذية بالأزهر.

والأستاذ النجار من علماء الأزهر النابهين، وقد ضم إلى التواضع المطبوع الذي حببه إلى كل إخوانه وعار فيه، العلم الجم وحبه الدرس والتماس المزيد من العرفان، فكان بذا وذاك قدوة طيبة لإخوانه الشبان العاملين على نهضة الأزهر الحقة.

هذا، وللأزهر منذ سنوات مبعوثون إلى كثير من البلاد الإسلامية، يحملون إليها رسالته، ويفيضون فيها من علمه وثقافته تمام الإدراك أن رسالة المبعوث الأزهري إلى أي بلد إسلامي ليست فقط تدريس العلم الذي أوفد من أجله، بل هي قبل كل شيء عامل من عوامل الإحياء والبعث للعالم الإسلامي الذي طال نومه، حتى ليكاد يكون موتاً، وأن يدرس البلد الذي يحل به ويكتب عنه كتاباً يكون مرجعاً عنه في عامة أحواله كما يعمل الغربيون حين يتفرقون في بلاد الشرق باحثين منقبين دارسين.

ويسرنا أن نقرر هنا بأن الأستاذ الشيخ النجار قد فهم رسالته على هذا الوجه، وقد حقق جانباً كبيراً منها بكتابه هذا الكتاب الذي نقدمه الآن للقراء.

والكتاب مجموعة من الأحاديث والمقالات الاجتماعية التاريخية الإسلامية، وكلها تتسم بسعة النقد والتوجيه، وكلها يهدف إلى التمكين للإيمان في القلوب وتحبيب الفضيلة إلى النفوس وإصلاح المجتمع الإسلامي. ويلمس القارئ، وهو يتنقل في الكتاب من موضوع إلى موضوع، أن الكاتب يكتب من كل قلبه، فهو لذا ينفعل ويثور ثورة المصلح الصادق، حين يدعو الأمر إلى الانفعال والثورة.

ولنسمع له حين يتحدث (85 - 86) عن الذين يقومون بما أمر الله من شعائر لا تكلفهم شيئاً من المال، فإذا جاء من يطالبهم ببعض ما عليهم للفقير ولوا فرارا:

(وترى الرجل منهم وهو يمشي على الذهب، ويتبختر ويختال بين الحرير والفراش الوثير، ويبعثر الأموال لإشباع الشهوات الدنيا، ومع ذلك يضن بالمال اليسير على البائس الفقير؛ وإذا ما حاولت أن تستصرخ همته الوانية نحو إغاثة المعوزين، أجابك في تبجيح واستهتار (وما من دابة إلا على الله رزقها) وكأنما يظن أولئك السفهاء أن الله سينزل على الفقراء مائدة من السماء! فيا للعجب، ويا لله لهذا المنطق السقيم والطبع الخبيث اللئيم!).

ونرى الكاتب الثائر في أمثال هذا الموطن، يعود إلى طبعه من الأناة والتريث والهدوء حين يتناول موضوعاً من الموضوعات التاريخية، فيبحثه من أصوله بحث العالم العميق النظرة، ومن باب التمثيل لهذا، نذكر من حديثه عن توزيع العطاء بين المسلمين في عهد الرسول والخلفاء الراشدين (ص76 وما بعدها) إشارته إلى نظرية أبي بكر في التسوية بين المسلمين جميعاً، ورده على من كان يؤثر تفضيل أهل الفضل والسابقة في الإسلام بقوله:

(أما ما ذكرتم بين الفضل والسوابق والقدم، فما اعرفني بذلك، وغنما ذلك شيء ثوابه على الله جل ثناؤه. وهذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة)، ثم يعقب بنظرية الفاروق التي تقوم على تفضيل أهل السابقة في الإسلام، وفي هذا يقول قولته المأثورة: (لا أجعل من قاتل رسول الله ﷺ كمن قاتل معه)، وقد سار على هذه النظرية عثمان وعلي بعد الفاروق رضوان الله عليهم أجمعين.

على أني بعد هذا كله، أختلف تماماً مع الأستاذ الكاتب في بعض ما ذكره في موضوع: بين العلماء والملوك ص91 وما بعدها، إنه يقرر أن علماء الدين ورجاله قائمون حق القيام بما عليهم، ما داموا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فيما يكتبون ويتحدثون؛ وما داموا ليس لهم شيء من السلطان التشريعي والتنفيذي. لا، يا أخي!

يستطيع العلماء ورجال الدين أن يغيروا إلى حد كبير جداً مما نحن عليه من آثام دينية ومظالم اجتماعية؛ لو تجردوا من طلب الدنيا وآثروا ما عند الله على ما عند أولي الأمر وأصحاب الجاه من الدنيا وزينتها؛ ولنا فيما صنع ويصنع آية الله الكاشاني في إيران دليل أي دليل! بل لنا فيما صنع بعض أسلافنا من رجالات الأزهر الذين لم يبعد بهم الزمن، الدليل الحاسم على قوة أثر الدين ورجاله إن تجردوا حقاً لله وباعوا أنفسهم في سبيله ابتغاء رضوانه!

وبعد! فالكتاب أثر طيب للكاتب الفاضل؛ يحسب له عند الله وعند الأمة؛ وهو دليل على فهمه لرسالته وعلى عمله للخير والإصلاح، وهو مع هذا ينضح بالإخلاص وحب الخير والعمل له، ولا عجب فهو من وحي البلد الأمين!

نفع الله به وبكاتبه، وجزاه خير الجزاء.

محمد يوسف موسى

أستاذ المدرسة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول

الصلاة وطرق التقدم الثلاثة

تأليف: مولانا محمد علي - بلاهور - باكستان

للأستاذ أحمد عبد اللطيف بدر

إن الشرق في حاجة إلى موقظات روحية تدفعه إلى الانتباه من غفوته التي أذهلته عن وجوده؛ فعاش في كنف المستعمر، ورضى عن حياته المهينة، وقنع بالدون حتى آده الاستعمار، وأذاه الاستعباد، وكادت أن تئده الذلة!

وليس أجمل من الاتجاه إلى الروح في إصلاح ما أشكل من أمور الشرق حتى يعرف القوم مدى صلتهم بخالقهم، وهو المعز المذل القوي المتين.

ولقد حمل إلى البريد من بغداد رسالة صغيرة في مرأى العين، لكنها كبيرة قيمة في تبصر البصيرة، بعث بها مشكوراً (السيد تصدق حسين القادري)؛ فأثار انتباهي جمال وضعها، ودقة تحريرها، ومتانة تركيزها؛ فهي تعرض الصلاة - للعاصين - عرضاً جليلاً، فيه اجتذاب للقلوب النائية عن المصلحة الروحية بينهم وبين الخالق، لأن ثمة بدعة عجيبة ابتدعها المارقون في أن الاتصال القلبي ذو كفاء عن الصلاة بأقوالها وأفعالها، حتى انصرف من أوتوا ظاهراً من العلم وقد تبطنوا الجهالة، وساروا بطانة الشيطان! ومن المفيد أن نعرض إلى ما جاء في هذه الرسالة، فقد وردت في ثناياها قواعد في التربية الروحية يمكن أن تفيد أولئك المتكبرين على خالقهم، فقد قال المؤلف: (إن الصلاة تعتبر علاجاً شاملاً لكل شرور البشر) ويعلل هذا بقوله: (في الصلاة كل الفضائل والوسائل لبلوغ الغاية العالية حيث تمضي الأفعال والأقوال جنب جنب لمعاونة قوة الإيمان وللشعور بوجود الله). ويقول: (يستحيل تقدم الجماعة دون تقدم الفرد) وهذه قاعدة سليمة في الحكم على الشعوب المرباة تربية بعيدة عن التقليد، والاندفاع، وعدم احترام التقليد الأصيل في بناء الحياة، و (إن الإسلام يهتم بتقدم الذات الإنسانية الحقيقية).

ونرى المؤلف أن الخطوة الأولى في تقدم الإنسان الروحي (هي التجرد من أي فعل رديء) وتزكية النفس لا تكون إلا بإبعادها عن أدران الظلم، والقسوة، والكذب والمخادعة، وجماع ما يطارد هذه الأدران في (القتال المقدس ضد الشيطان) ويدفع الرقي الروحي إلى الذات العلية إحساس عميق في النفس الآمنة المؤمنة الأمينة، هذا الإحساس الذي يشعر المرء بأنه كلما زاد سجوده لربه زاد سمواً روحياً وخلقياً.

وفي الرسالة لمحات مشرقة رائعة على وجازة ألفاظها؛ فالمؤلف يقول: (إن العظمة المادية شيء سهل، ولكن الرفعة الروحية شيء شاق)، وترمز نهاية الصلاة إلى النجاح الفردي (رب اجعلني مقيم الصلاة)، كما ترمز إلى رجاء النجاح الجماعي (اللهم اغفر لي، ولوالدي، وللمؤمنين).

ويعرض مولانا المؤلف إلى قوله تعالى: (إياك نعبد)؛ ثم يعرض لعبادة المسلمين الآلية، ويعرض بالسلوك المتنافي مع أخذ العهد عند الوقوف بين يدي الخالق ويتساءل: (أيكفي أن تؤدى الفريضة في كل يوم؛ ثم نستتبع بما لا يتفق مع أوامر الله وناهيه؟).

وبعد أن يحقق طرق التقدم الفردي، والجماعي، يتجه إلى التقدم الثالث وهو (نشر الإسلام) ويرى أن التقدمين الأولين لا ينفعان إذا لم يؤديا إلى العمل على إذاعة العقيدة الصحيحة في مدلولها السليم.

هذه نظرة فيما جاء بتلك الرسالة الجديرة بالتقدير، ولا ننس التنويه بهذا الشعور الطيب البادي من السيد تصدق القادري؛ فقد دل على تقديره لمعنى التبادل الثقافي بين أبناء العروبة التي نرجو لها الحرية الكاملة في ظل الإسلام وتعاليمه القويمة! بور سعيد

أحمد عبد اللطيف بدر

المدرس بالثانوية