مجلة الرسالة/العدد 949/القصص
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 949 القصص المؤلف: أنطون تشيخوف المترجم: حسين أحمد أمين |
في مضار التدخين О вреде табака هي مسرحية في فصل واحد بقلم أنطون تشيخوف نشرت عام 1886. نشرت هذه الترجمة في العدد 949 من مجلة الرسالة الذي صدر بتاريخ 10 سبتمبر 1951 |
مسرحية في فصل واحد
في مضار التدخين
لأنطون تشيكوف
للأديب حسين أحمد أمين
شخصية الرواية: إيفان أفانوفيتش. . وهو زوج ضعيف تحكمه
زوجته أما هي فمديرة لمدرسة للموسيقى، ومدرسة داخلية
للبنات. .
المنظر: منصة في إحدى الجمعيات. . إيفان قائم يخطب وهو
في معطف قديم. . ينحني للحاضرين. . .
إيفان إيفانوفيتش: سيداتي، سادتي: عرض البعض على زوجتي أن ألقي محاضرة هنا في موضوع خيري مفيد بهم الناس. وما دام من المحتم على أن أحاضر، فإني لا أجد لنفسي حيلة إزاء ذلك. . وأنا - بالطبع - لست بالأستاذ المتفقه، ولا بالحاصل على درجات علمية، غير أني قضيت الثلاثين عاما الأخيرة في دراسة موضوعات علمية بحتة دون توقف ولا انقطاع، ودون مراعاة لقواعد الصحة. . إنني رجل مفكر وأقوم أحيانا بتجارب علمية ليست علمية تماما ولكنها - وأرجو المعذرة - تحمل الطابع العلمي. . وبهذه المناسبة أذكر أني كتبت منذ أيام مقالة طويلة تحت عنوان (في مضار الحشرات!!) وقد أعجبت بناتي بالمقالة كثيرا وخاصة الفقرات الخاصة بالبق. غير أني مزقتها بعد قراءتها. . إن بيتنا يعج بالبق، وحتى البيانو تراه مليئا به. . والمقالة الجيدة لا تغني في مكافحة البق عن مسحوق من الصيدلي.
أما عن موضوعا محاضرة اليوم، فقد اخترته عن المضار التي يسببها التدخين لبني الإنسان. . وأنا نفسي أدخن، ولكن زوجتي أمرتني أن أحاضر اليوم في مضار التدخين. .
فلم يكن لي في ذلك خيار. .
حسنا - لتكن المحاضرة عن التدخين. . وهو موضوع لا أهمية له عندي. . غير أني أرى أن تعيروه أنتم كل الأهمية كي لا يحدث شئ لا نتوقعه. وعلى من يكره الموضوعات العلمية الجافة، ومن لا يعبأ بمثل هذه الأشياء ألا ينصت إلي ومن الخير أن يغادر المكان. . (يعتدل في وقفته).
وإني أطلب بصفة خاصة من المشتغلين بالطب الحاضرين الآن أن يعطوا المحاضرة كل انتباههم حتى يمكنهم أن يحصلوا منها على أفيد المعلومات. . فالطباق - إلى جانب مضاره للمدخنين - يستعمل في الطب. فإذا وضعنا ذبابة - في صندوق به طباق، قد نجدها بعد حين ميتة بسبب اختلال جهازها العصبي. . وبهذه المناسبة أذكر أنني كلما ألقيت محاضرة، أجد نفسي أغمز بعيني اليمنى. . فارجوا ألا تعيروا ذلك أهميته. . إنه مجرد تعب في الأعصاب. . وأنا - بصفة عامة - عصبي جدا. . وقد بدأت عادة الغمز منذ سنة 1889 - في 13 سبتمبر إذا أردتم الدقة. . وهو اليوم الذي وضعت فيه زوجتي ابنتنا الرابعة بربارا. . . ومع ذلك (ينظر في ساعته) فالوقت ضيق، ولا ينبغي الخروج عن الموضوع. . على أنه من اللازم أخبركم أن زوجتي تدير مدرسة للموسيقى ومدرسة داخلية. . . لست أعني مدرسة داخلية تماما. . . ولكنها تشبه المدارس الداخلية.
وزوجتي تحب دائما أن تشكو من الحالة المالية. . مع أن لديها في البنك - مما وفرته - المال الكثير. . . أما أنا فليس عند درهم واحد. . . ولكن لنترك هذا الموضوع فهو لا يهم أحدا. . .
وأنا اعمل في مدرسة زوجتي الداخلية. . فأشرف على التموين والخدم والمصروفات وأجمع الكراسات، وأكافح البق والفئران وأخرج بكلب زوجتي الصغيرة للنزهة. . .
وبالأمس كان على أن أعطي للطاهي خبزا وزبدا كي يعد لنا اليوم بعض الفطائر. . وبالاختصار دخلت زوجتي اليوم في المطبخ بعد أن انتهى الطاهي من إعداد الفطائر وقالت إن ثلاثة من تلاميذها لن يأخذوا نصيبهم منها لأنهم ابتلعوا نباتات سامة. . وعلى ذلك أصبحت لدينا ثلاث فطائر زائدة عن الحاجة. . فماذا كنتم تصنعون بها؟ أمرت زوجتي الطاهي بأن يضعها في المخزن ثم عادت ففكرت برهة وقالت: - لك أن تأخذها لنفسك أيها الصنم. . إنها دائما تناديني بمثل هذه الأسماء عندما تكون غاضبة. . (أيها الصنم) (أيها الشرير) (أيها الشيطان). وهكذا. . ولعلكم ترون معها أنني أبدو كالشيطان. . إنها دائما غاضبة ثائرة متأففة. . ولكني لا امضغ شتائمها بل أبلعها. . فأنا دائما جوعان. . فبالأمس مثلا لم ترد أن تمنحني عشاء وقالت: (إن من العبث أن أمنحك طعاما ما دمت تجوع بسرعة. .) ومع ذلك (ينظر إلى ساعته) فأراني قد خرجت عن الموضوع. . ولكن لنستمر. . ولو أني أشعر بأنكم تفضلون سماع قصة أو سمفونية أو أغنية. . وعلى ذكر الموسيقى، نسيت أن أخبركم أني أدرس في مدرسة زوجتي الموسيقة، الرياضة والطبيعة والكيمياء والجغرافيا والتاريخ والأدب وأني أعلم التلاميذ الرقص والغناء والرسم بينما تتقاضى زوجتي رسوما إضافية لنفسها عن هذه الدروس. . وعنوان المدرسة هو شارع الكلاب الخمسة رقم 13
وربما كان هذا الرقم المشئوم هو سبب تعاستي. . فبناتي كلهن ولدن في الأيام الثلاثة عشرة من أشهر السنة. . ونوافذ منزلنا عددها 13. ولكن ما الفائدة في ذكر ذلك؟ إن زوجتي بالمنزل تستقبل الضيوف وتدير الأعمال. . وقد سألتني أن أبيع لمن يريد منكم برنامج مدرستها بثلاثة قروش فقط. هل يرغب بعضكم في نسخة؟ (فترة صمت) لا أحد؟ حسنا. . لنجعل ثمنها قرشين. (فترة صمت) يا للضيق! نعم. . إن رقم منزلنا 13. وقد فشلت في كل شئ. لقد تقدم بي العمر وصرت غبيا. إنني أحاضر الآن وقد أبدو وجيه المنظر ولكن بي رغبة جامحة في الصراخ بأعلى صوتي والهرب إلى أقصى المعمورة. ليس هناك من يسمع لشكواي وأنا أريد أن أبكي قد تقولون عندك بناتك. . بناتي! إنني أكلمهن فيضحكن غن زوجتي لديها سبع بنات. . لا. . إني آسف ست فقط. . (بقوة) بل سبعة. الكبرى في السابعة والعشرين والصغرى في السابعة عشرة. أيها السادة (ينظر حوله) إنني يائس لقد أصبحت أحمق. . أصبحت عبثا لا قيمة لي. . ولكن أسعد الآباء. أو على الأصح يجب أن أكون كذلك ولا أجرؤ على القول بأني لست كذلك. . ولكن. آه لو تعلمون. . لقد عشت مع زوجتي ثلاثة وثلاثين عاما وباستطاعتي القول أنها كانت أجمل سنوات حياتي. . لست أقصد أجملها تماما ولكن أتكلم على وجه العموم. . لقد مرت كلحظة سعيدة واحدة. . لعنها الله ولعن من يعيشها. . (يتلفت حوله) أعتقد أنها لم تحضر بعد. .
أني - لذلك - أستطيع أن أقول ما أريد. . إنني خائف. . أخاف نظرتها إلي. . ولكن لنعد إلى الموضوع. . كنت أقول إن بناتي لم يتزوجن بعد. . ربما كان السبب هو خجلهن ولكن السبب الرئيسي هو أن الرجال لم تتح لهم الفرصة لرؤيتهن. . فزوجتي لا تحب إقامة الحفلات ولا تحب دعوة أحد إلى العشاء. . إنها لاذعة عصبية تحب الشجار ولذلك لا يقرب منزلنا أحد. ولكن. . . سأسر لكم أمرا (يميل بجسمه نحو السامعين) باستطاعتكم رؤية بناتي في أيام الأعياد الكبرى في منزل عمتهن نانالي سيميونوفا التي تشكر دائما من الروماتيزم. هناك باستطاعتكم تناول أطيب الأطعمة. فإذا لم تحضر زوجتي هناك كان باستطاعتكم أيضا أن. . (يرفع ذراعه) يجب أن أخبركم أنني أسكر من كأس واحدة. وأني عندما أسكر أكون سعيدا جدا وتعسا جدا بصورة لا أستطيع وصفها لكم. . عندئذ استعيد شبابي ولسبب ما أجد نفسي تريد الفرار. . الفرار إلى أية جهة. . آه لو علمتم كم أريد الفرار (بحماس) أريد أن أهرب مخالفا كل شئ ورائي ودون أن انظر خلفي. . إلى أين؟ أي مكان، ما دمت سأطرح عن كاهلي تلك الحياة التافهة، الحقيرة، التي جعلت مني غبيا تعسا أحمق وما دمت سأطرح عن كاهلي تلك الزوجة الغبية الحقيرة الثائرة العصبية البخيلة التي لم تكف لحظة عن تعذيبي طوال الثلاثة والثلاثين عاما التي عشتها معها. أريد أن أهرب من الموسيقى. . من كشف حساب زوجتي. . من كل تفاهاتها وحماقاتها. أريد أن أهرب ثم اقف في مكان بعيد. في حقل. ساكنا لا أتحرك كالشجرة أو العمود أو الصنم. تحت السماء الواسعة. . وانظر طوال الليل إلى القمر الساطع فوق رأسي. وأنسى. وأنسى. . . آه. . كم أريد ألا أتذكر. . كم أريد أنا أمزق هذا المعطف القديم الذي ألبسه منذ حفلة الزواج (يمزق المعطف) والذي ألبسه دائما عندما ألقى محاضراتي في الموضوعات الخيرية. . خذوه (يدوس بقدمه على المعطف) خذوه إنني كهل مسكين محطم كهذا المعطف الذي رقع ظهره. . (يدير ظهره للحاضرين) لا أريد شيئا. إنني أحسن وأنظف من ذلك. لقد كنت شابا في وقت من الأوقات وكنت أدرس في الجامعة. . كانت لي آمال وأحلام وكنت أعتبر نفسي رجلا. أما الآن فلا أريد شيئا. . لا أريد إلا الراحة. . الراحة. . (ينظر خلفه ثم يلبس معطفه بسرعة) إن زوجتي خلف المنصة تنتظرني (ينظر إلى ساعته) لقد انتهى الوقت. إذا سألتكم فأخبروها أن المحاضر. . الصنم. . أقصد نفسي. . تصرف بوقار. .
أتوسل إليكم أن تخبروها ذلك. (يلتفت حوله ويتنحنح) إنها تنظر إلى. . (يرفع صوته) وبناء على ذلك، وبعد أن شرحت لكم ذلك السم الفظيع الذي يحتويه الدخان أرجو أن يمنع التدخين قطعيا وأتمنى أن تكون لهذه المحاضرة في مضمار التدخين بعض النفع لكم.
انتهت المحاضرة. . (ينحني ويسير في وقار)
(ستار)
حسين أحمد أمين
-