مجلة الرسالة/العدد 945/الكتب
→ الأدب والفن في أسبوع | مجلة الرسالة - العدد 945 الكتب [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 13 - 08 - 1951 |
الإسلام المفترى عليه
تأليف الأستاذ محمد الغرالي
للأستاذ محمد رجب البيومي
الإسلام في حاجة ماسة غلى الدفاع عنه، فقد نسجت حوله المفتريات من أعدائه، وأظهره المغرضون في صورة لا تتفق مع إنصافه ورحمته، بينما نشط أصحاب المذاهب الإلحادية في ترويحها وإظهارها في معرض براق أخاذ، فاتجهت إليها الأنظار ووقف الإسلام صامتا لا يجد من يفصح عن مبادئه ومثله، حتى قيض الله له أقلاما تنصره، وتعلن كلمته، وفي طليعتها قلم الأستاذ محمد الغزالي الذي يحارب به جوار الأستاذ قطب في معركة الحق والإصلاح!
وكتاب (الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين: حلقة من تلك السلسلة التي يوالي الأستاذ الغزالي إصدارها منذ سنوات دفاعا عن دينه وعقيدته، ولكل كتاب ناجح فكرة تدور عليها صفحاتخ، وتنطق بها أبوابه، وقد جاءت فكرة هذا الكتاب واضحة صريحة تعلن عن نفسها في كل سطر من سطوره، فالمؤلف ينظر غلى المذاهب الاقتصادية المعاصرة نظرة دراسة، ثم يقرنها بالمذهب الإسلامي نطق به القرآن وطبقه الرسول وصحابته، وقد انتهى من ذلك إلى أن الإسلام ينظر إلى الرأسمالية والشيوعية معا نظرة عداء واحتقار، فهو لا يعترف بقوانينها المتداولة، بل يقيم مذهبه العادل على أساس من الإخاء والمساواة
وقد ناقش الأستاذ الغزالي الرأسمالية مناقشة منصفة تستمد عناصرها من الواقع الملموس، كما اقتحم على الشيوعية معاقلها معقلا معقلا، وقد أسهب في مناقشة الأولى إسهابا يتطلبه الوضع الحاضر للمجتمع الإسلامي، ويعلل ذلك بأنها تقيم بين ظهرانينا داخل الحدود فهي أولى بالمحاربة من الشيوعية التي لم تقتحم بعد علينا السبيل، وذلك لم يحل دون منازلتها هي الثانية والتجهيز عليها بسيف الإسلام
ومحاربة الرأسمالية الحاضرة تتطلب إيمانا صادقا، وعقلا راجحا، والمؤلف بحمد الله منهم على أتم نصي، وقد سلك في نزاله الطريق المنطقي الذي يستعصم بالحجة والبرهان، ويمهد للنتائج بمقدمات مقبولة، فهو أولا يفصح عن معنى الرأسمالية وبين جنايتها على الشرق الإسلامي في شتى حواضره، وقد أحال إليها ما يفشو لدى السواد الأعظم من تأخر وانحطاط، وما يقع على الكواهل الكادحة من عنت وإرهاق، وكانت في نظره المنبع الأول الذي تفجرت منه روافد الجهل والفقر والمرض، ولم يفته بعد أن أوضح اعتداءها المادي الصارخ، أن يلفت النظر إلى أضرارها المعنوية العريقة، وقد اختار لها أبو بارزة في كتابه فتحدث عن الشلل العقلي الذي يطمس إفهام المعوزين فيدورون وراء سادتهم كالآلة في الصنع، ولا يناقشونهم الرأي أو يقاسمونهم الربح، كما يهبط بنفوسهم إلى مستوى العبيد، فهم كما قال المؤلف يهدءون ويتحركون مرضاة لأشخاص يعملون لهم ويعيشون في دائرتهم، وتكون أصواتهم النيابية لهم في النهاية دون كفاءة واستحقاق
وقد عجب الأستاذ الغزالي بقاء هذا الوضع الظالم قروناً متوالية وتساءل عن أسلحة الرأسمالية التي مهدت لها البقاء في هذا الجو النهم الفاجع، وكم كان اليماً أن يكون الدين المستغل المشوه أفتك أسلحتها في هذا المضمار، فالدعوة إلى الزهد الصوفي، وتحوير النصوص الصريحة، وذم الدنيا في بعض الأحاديث النبوية، كل أولئك كان مادة وافرة للمحترفين من رجال الدين، فطفقوا يخدمن الرأسمالية عن قصد وغير قصد بما وه محاسن الإسلام وجلب عليه النوائب من كل باب!! وهو في هذه المعركة بريء شهيد وقد أردف المؤلف تشخيصه الصادق لعلاج ناجع يستمد أصوله من الدين الحنيف، وقد عرض نماذج مختلفة من نصوص القرآن وآحاديث الرسول، ومواقف الصحابة والخلفاء الراشدين، لتكون دعامة ثابتة في إقامة مجتمع نظيف يدين بالإخاء والمساواة، وكانت أعمال محمد وعلي وأبي بكر وعمر وأبي ذر عمادا يرتكز عليه الإصلاح المنشود، هذا إلى الواعد الأصولية المقررة في الفقه الإسلامي، كسد الذرائع، ورفع الضرر ومنع الحرج وتقييد المباحات، وكان موفقا كل التوفيق في قوله (واستنباط الحكم ما من أحكام الإسلام، ليس سبيله أن نعثر على نص من النصوص، فنطير به ونبني عليه القصور، كلا! فلابد أن نرجع إلى جميع النصوص الواردة في موضوعه، وأن نفهم روح الإسلام العامة التي يصدر عنها قوانينه، ثم لنا بعدئذ أن نقارن وأن نرجح عند تعارض الأدلة ما ينقدح في آذاننا ترجيحه (وهو بذلك يسد السبيل على من يعثرون على نص غير متواتر، أو أثر منسوخ ثم يبنون عليه من الفتاوي الزائفة ما يشوه محاسن الإسلام ويهوى به من القمة إلى الحضيض.
وقد دار في هن المؤلف ما ستقابل به آراؤه الصريحة لدى المغرين من افتيات وإجحاف، وأيقن أنها ستنسب إلى الشيوعية الحمراء كما جرت العادة في الشرق المستضعف، فكر على الشيوعية الإلحادية، ونازلها بسلاح المنطق والدين، وهو في كتابه يندد بتعصب الشيوعية لآرائها تعصبا لا يستمع معه إلى الحجة الصادقة، والدفاع البريء، كما ينقم منها هجومها الآثم على ما قدسه الدين من مثل وأفكار، بل هجومها الآثم على ما قدسه الدين من مثل وأفكار، بل هجومها على الدين نفسه وما يشيع في مباحاته من روحانية وإيمان. وقد فضح الرأسماليين فضيحة قاصمة حين أعلن أنهم يفرون من الشيوعية فرارا سريعا لا لإلحادها العنيف - كما يفر المؤمنون الصادقون - بل خشية منها على أموالهم المحتكرة، وأوضاعهم المغلة (ولو كانت الشيوعية هدما للآداب والأعراض لتقبلها هؤلاء، بل لوجدوا فيها متنفسهم العميق، أما وهي هدم لما ملك ويقتني، فيجب أن تحارب باسم الدين!! فإن حدث أن ناقشهم الدين الحساب، وسألهم كيف ملكتم؟ وأين حق الله وحق الناس فيما أخذتم؟ فالويل كذلك للدين والعاملين عليه! إنهم إذن شر من الشيوعيين مكانا وأسوأ قليلا) وفي الكتاب - فوق هذا - آراء صريحة لأعلام الشريعة الإسلامية كابن حزم وأبي حامد الغزالي ومحي الدين النووي وغيرهم من أئمة السلف تبين رأي الشريعة في الاشتراكية الإسلامية، والإرث الشرعي، ومدى الملكية الفردية، وللقارئ أن يوازنها بما تورط فيه الشيخ محمد حسنين مخلوف من آراء يقابلها المخلصون بالحسرة ولأشفاق!! وقد أماط الأستاذ الغزالي عنها اللثام، كما قطع السبيل على كل محاولة يراد بها الشعوب باسم الدين، وتستخيرها لمطامع الاستعباد!!
لقد فهم الأستاذ محمد الغزالي الفقه الإسلامي، وأدرك أصوله ومنازعه إدراكا يمده الذكاء الناقد والنقد البصير، كما ألم بمشكلات عصره، وعلل مجتمعه، وأخذ يستلهم السماء في إصلاح الأرض، ويضمد بالوحي الإلهي والهدى النبوي جراح الأمة الناغرة، فكثر قراؤه، وتشعب إنتاجه وتعددت طبعات مؤلفاته، كما ترجم بعضها إلى لغة يهتم قراؤها بالإسلام والمسلمين، وفي هذا دليل على أن الحق لن يعدم أنصاره في كل مكان، بل يزحف إلى غايته النبيلة ساخراً بما يعترضه من الحواجز والسدود
محمد رجب البيومي
الكفر الجديد