مجلة الرسالة/العدد 928/القصص
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 928 القصص [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 16 - 04 - 1951 |
مكتب البريد
للقصص الروسي تشيكوف
بقلم الأستاذ حسين أحمد أمين
ذهبنا بالأمس نشيع جنازة زوجة وكيل مكتب البريد، سلادكوبرزوف؛ وبعد أن دفنا المتوفاة قصدنا جميعا - كما هي عادة آبائنا وأجدادنا من قبل - إلى مكتب البريد، نتذاكر محاسن السيدة
وعندما وضعت الفطيرة أمامنا على المائدة صاح وكيل المكتب العجوز بمرارة: ألا ترون كيف يشبه هذا اللون الأحمر للفطيرة خدي زوجتي الحبيبة؟
وأمنت الجماعة على قوله: (أجل. . هذا حق. . لقد كانت جميلة فاتنة!) قال: (نعم لقد ذهل كل من رآها لجمالها. . ولكن، أيها السادة، لا تحسبوا أنني أحببتها لجمالها أو لرقة شمائلها؛ فهذه الصفات تعلق دائما بطبيعة المرأة؛ وكثيرا ما نجدها واضحة في أكثر النساء. . إنني أحببتها لصفة أخرى فيها. . أحببتها - رحمها الله - لأنها على رغم حيويتها ومرحها وعبثها - ظلت مخلصة لي. . مخلصة لي وأنا في الستين وكانت هي في العشرين.
وتنحنح الحانوتي - وهو جالس إلى الطعام معنا - حين سمع هذا القول. . فاستدار إليه وكيل المكتب العجوز وقال: (أخالك لا تصدق ما أقول. .) فأجاب الحانوتي في اضطراب وتلعثم: معاذ الله يا سيدي أن أكذب قولك. . غير أن النساء الصغيرات كما تعلمون - قد أصبحن ولاهم لهن إلا اجتذاب العاشقين إليهن)
قال الأرمل: إنك لا تصدق. . ولكني سأثبت لك صحة قولي. . لقد ضمنت وفاءها لي بطرق استراتيجية مختلفة. . فبسلوكي وحيري أصبحت زوجتي غير قادرة على خيانتي. . والحيلة هي الوسيلة التي اتبعتها لكي أصون فراش الزوجية من الدنس.
ففي جعبتي بضع كلمات إذا تفوهت بها كان لي أن أنام هانئا مطمئنا إلى أن زوجتي لا تخونني. .)
(وما هي هذه الكلمات؟) في منتهى البساطة. . لقد نشرت بنفسي إشاعة خبيثة في لبلد - وأنا موقن أنكم تعلمونها - فكنت كلما قابلت مخلوقا قلت له: (إن زوجتي أليونا عشيقة إفان ألكسيفيتش رئيس البوليس.! وكانت هذه الكلمات كافية لأن تبعد الرجال أجمعين عن مغازلة أليونا خوفا من غضب رئيس البوليس. . وكلما كان يلمحها رجل في الطريق كان يجري خوفا على حياته كي لا يشك فيه الكسيفيتش. . ها. . ها. . ها. . وأنتم تعرفون ما يحدث لمن يشك فيه الكسيفيتش. إنه إذا ما رأى قطة لكم في الطريق كتب عنها تقريرا للسلطات وكأنما هي قطيع ضال من الغنم. .)
قلنا جميعا في صوت منخفض وقد ملكنا العجب. (إذن فزوجتك لم تكن عشيقة إيفان ألكسيفيتش؟.)
(كلا. . لقد كان هذا من وحي خيالي. . ها. . ها. . ها. . لقد سخرت منكم أيها الشبان.)
ومضت ثلاث دقائق ونحن في صمت، وشعرنا جميعا بالخدعة المهينة التي وقعنا فيها بمهارة ذلك الرجل العجوز الأحمر الأنف.
وتمتم الحانوتي قائلا: أرجو من الله أن يتزوج هذا الرجل مرة أخرى. .)
حسين أحمد أمين