مجلة الرسالة/العدد 927/رسالة الشعر
→ فن القيادة | مجلة الرسالة - العدد 927 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
الأدب والفن في أسبوع ← |
بتاريخ: 09 - 04 - 1951 |
فلسطين الضائعة
للأستاذ كمال النجمي
خلت فلسطين من سادتها ... وأقفرت من بنى آبائها الشهب
طارت عن الشاطئ الخالي حمائمه ... وأقلعت سفن الإسلام العرب!
يا أخت أندلس بذلا وتضحية ... وطول صبر على الأرزاء والنوب
ذهبت في لجة الأيام ضائعة ... ضياع أندلس من قبل في الحقب
وطوحت بينك الصيد نازلة ... بمثلها أمة القرآن لم تصب
ذادوا عن الدار حتى ذادهم قدر ... عدا على الدار والأسوار والرحب
يا أخت غرناطة عزا وقرطبة ... في مواق من شباب الدهر مختلب
سلبت من يد أهل الحق مثلهما ... بسيف منهك للحق مستلب!
أهلوك أين همو؟ شطت مهاجرهم ... وأسلموا كخماص الطير للعطب
عاشوا جياعا فلما حان حينهمو ... جادوا بأنفسهم حري من السغب
باتوا رماماً جفاه الذئب من شفق ... ورحمة وعداه الصقر من أدب
تجوزه ساريات الريح معولة ... عويل ثاكلة مرت علي الترب
اللاجئون بأهليهم وصبيتهم ... والتائهون بهم في كل مضطرب
والنازحون عن الأوطان شتتهم ... بطش العدو وبأس الحادث والحزب
نأوا بأطفالهم خوفا كأنهمو ... حمائم هاجرت بالأفرخ الزغب
ويقتل النفس من غم ومن كمد ... فناؤهم وهمو منا على عثب
ديارهم كيف باتت بعدما نزحوا ... عنهاوباتوا على الأحجار والكثب؟
منازل خفتت أضواؤها ونأت ... أطلاؤها وخلت لليوم والغرب!
يحلق الشهداء الأوفياء على ... ركامها نحبا في ربعه االخرب
كم مسجد بعدهم عاث اليهود به ... نشوى رءوسهم من سكرة الطرب
وبيعة سكرت فيها بناتهمو ... وما خجلن وأخجلن أبنة العنب
معابد لا الدعاء السمح منطلق ... منها ولا لغة القرآن والأدب آضت طلولا يلم الرسل من جزع ... برسمها وينوح الصحب من حرب!
وكم كعاب أذيلت في طهارتها ... وطفلة فجعت في عرضها وصبى
ورب طفل بكى اهتزت لدمعته ... وصائل البيت ذي الأستار والحجب
بكت له الملة الغراء وإلهة ... وأجهشت ملة الرهبان والصلب
يا آل يعرب في مصر وجيرانها ... ملأتمو سمع هذا الكون بالصخب
لما تكلم صهيون بلهذمه ... جاوبتم السيف بالأسجاع والخطب
أضعتمو بلدا عاش الخليل به ... وأنزل الله فيه أول الكتب
مشى البراق على بطحائه وسرى ... بأحمد فوق مسرى الريح والسحب
فليهنأ العرب بالنصر الذي غنموا ... وليغمد القضب الأبطال في القرب
ضحية الغدر، اسلبنا مدامعنا ... بريئة كدموع المزن لم تشب
أجرت عليك مآق غير كاذبة ... دمعا تنزه مسفوحا عن الكذب
إن لم يعنك على عاد فمعذرة ... لأخوة لم يضنوا بالدم السرب
فقد تحكم فيهم أجنب شرس ... مسيطر فوقهم بالقهر والغلب
يمينه سامة عرب أبالسة ... أزرى بهم كلف بالحكم واللقب
مافيهمو غير خوان لأمته ... مضيع لحقوق الشعب مغتصب
يسير في خيلة الأبطال منتفخا ... يهز في يده سيفا من الخشب
يجر أذيال ألقاب منمقة ... يختال فيهن كالطاووس ذي الذنب
أخيذة الغرب هل في الشرق من رجل ... مثوب في سبيل الحق معتصب
ذي مرة لم يشب أخلاقه دنس ... ولا أطباء هوى اللذات واللعب
يقود يعرب نحو المجد منطلقا ... في مهيع واضح عالي الصوى اللحب
لا تيئسي فرحاب الصبر واسعة ... والحظ في صعد آنا وفي صببي
ولن تكوني لصهيون ودعوته ... إلا جهنم فاضت منه بالحطب
هل بين هارون أو موسى وبينهمو ... من واشج يصل الأرحام أو نسب؟
ما قوم موسى كليم الله شرذمة ... تبيع أعراضها للناس بالذهب!
يا فلذة من فؤاد الحق قد قطعت ... بصارم من دم الأعزال مختضب لم يبق غير رماد منك محترق ... مبدد كرماد النار منتهب
هنا إليك صلاح الدين مدكرا ... خالي الوقائع من تاريخك العجب
أطل فوقك شوقا وانثنى ولها ... بدمع غارق في الدمع منتحب
يدعو إليك أسود الله ضاربة ... تعدو على مهج الأبطال والقصب
دعاء ليث له في كل معترك ... طعن القنا وزئير الضغيم الغضب
ماض على سنة الآباء مقترب ... لله مقترب في الله محترب
بما أدرت لبوءات الفلاة غذا ... أعراقه ونما في خيسها وربى
يا بوم حطين عد للشرق ثانية ... واخلع على العرب من أثوابك القشب
أعد إلينا صلاح الدين في أجم ... من القنا وخميس زاخر لجب
كائن للجن في حطين مزدحما ... منه يمس قلوب الجن بالرعب
ساورا كتائب للرحمن داعية ... بالبيض تغمر وجه الأرض واليلب
يفرجون عن الإسلام كربته ... ويمنعون كريم المجد والحسب
ويقهرون العدا إما التقوا بهم ... في ساحة رحبة أو معقل أشب
القاحمون على الآساد معقلها ... والواثبون وثوب الجن في اللهب
والقارئون كتاب الله في رهب ... والواردون حياض الموت في رغب
سادوا الدنيا في ظلال الله راضية ... وغادروها فنالوا أجر محتسب
إيه فلسطين والأيام راكضة ... بنا تقطع قلب الدهر بالخبب
ماذا سقتك يد الأيام من غصص ... أليمة ورماك الدهر من كرب
لما سقطت بكى القرطاس من وله ... عليك وأنشق صدر السيف من غضب
يبكى عليك بنو الإسلام من عدن ... إلى الرياض إلى مصر إلى حلب
قد ذاب كل فؤاد حرق وجوى ... وانشق كل جماد منك لم يذب
بي منك جرح فتى ضيمت عروبته ... ومسلم حيز منه عرضه وسبي
ولم أزل كأبي أهفو إليك أسى ... وينثنى لا عج الأشواق نحوك بي
قاسمت فيك الأسى شعري فقاسمني ... حتى وهيت وضج الشعر من لغب
(القاهرة) كمال النجمي
الرجوع إلى النيل
للدكتور زكي المحاسني
ماذا تركت من الهوى لفؤادي ... من بعد تسهادي وطول ودادي
خل التواصل للأحبة كلهم ... كان الهوى أقوى على الأبعاد
خالفت في أهل الصبابة حكمهم ... فهمو أرادوا الحب في الآحاد
لكنني أبغي الغرام شراكة ... فاحمل معي عبء الهوى المنآد
كل يحب الشمس فاسكب ضوءها ... في العين والأضلاع والأكباد
إنا نزلنا مصر، لا في زورة ... محسوبة الأيام والميعاد
فسل الزمان يجبك: هذي دا ... رنا أيام كان الفتح بالأجداد
فإذا عشقنا أرضها وسمائها ... وهفا النخيل بنا على الآباد
فلقد رأيناها مرايا عزنا ... عكست دمشق وملتقى بغداد
فأعذر حبيبك إن أتاك مكاثرا ... يحدوه نحوك باشتياق حادي
خلق الجميل لكي يحب ويشتهي ... ويقول من يلقاه ذاك مرادي
يا مصر يا بنت الخلود جديدة ... وقديمة، يا كعبة القصاد
هذي وفود الشام أقبل جمعها ... ليراك بين مطارف الأبراد
مهد الكنانة أنت بل دار الندى ... شهد الوفاء عليك هذا النادي
فأعجب بكل معلم من أهله ... نذر الحياة لحكمه وسداد
وأشرب كؤوسك من رحيق نيله ... يشفي من الأدواء والأحقاد
وإذا رجعت إليه يوما مثلما ... رجع الطيور صدى إلى الأوراد
فقل الذي أسكرتموه بنيلكم ... أنتم كتبتم عوده لمعاد
زكى المحاسني
الملحق الثقافي السوري بمصر