الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 921/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 921/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 921
الأدب والفن في أسبوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 26 - 02 - 1951


للأستاذ عباس خضر

طه حسين الوزير يتحكم في طه حسين المؤلف:

(كان شعاري منذ ولية وزارة المعارف ألا تشتري الوزارة كتبي حتى أخرج منها، وتقدمت في ذلك إلى أعواني فأنكروه ولكنهم أذعنوا له. حتى إذا سافرت إلى أوربا في إبريل الماضي وناب عني في الوزارة زميلي معالي عبد الفتاح الطويل باشا اشترت الوزارة بعض النسخ من طائفة من كتبي لمكتبات المدارس وأعدت قراراً بشراء كتابي (الوعد الحق) و (رحلة الربيع) ليوزعا على التلاميذ، فلما رجعت من أوربا أثناء الصيف عرفت ذلك فغضبت منه أشد الغضب. وكانت إجراءات كتابي (الوعد الحق) و (رحلة الربيع) لم تتم، فأمرت بوقفها وألغيت قرار الزميل عبد الفتاح باشا. أما صفقة الكتب التي اشتريت للمكتبات فكانت قد تمت، ولم أجد غلى إلغائها سبيلاً إلا أن أرد ثمنها إلى الوزارة وأعتبرها تبرعاً مني للمكتبات. وأقسم لو ملكت ثمنها ما ترددت في ذلك؛ ولكني أعيش بمرتبي راضياً بما قسم الله لي، وأقسم لو كان لي في ثمن هذه الكتب نصيب ما ترددت في اقتراضه ورده إلى الوزارة، ولكني أبيع حقوق الطبع للناشر وأقبض ثمنها مقدماً، وأترك الناشر يوزع كتبه كما يشاء أو كما يستطيع. وإن آسف لشيء لأن عملي في الوزارة يمنعني من تأليف الكتب وبيع حقي فيها مقدماً للناشرين. ومع ذلك كله فما أظن أن وجود هذه الكتب في المكتبات في متناول المدرسين والطلاب، يضر أولئك أو هؤلاء، أو لا ينفعهم).

ذلك جزء من حديث معالي الدكتور طه حسين باشا الذي أفضى به إلى الأستاذ كامل الشناوي فنشرته (الأهرام) يوم الأحد الماضي، وهو يلخص لنا القصة التي أثيرت حولها عجاجات ملونة بالحزبية السياسية، ولهذا أتجنب الخوض فيها. إنما يعنيني هنا الظلم الصارخ الذي يصبه الدكتور طه حسين باشا وزير المعارف على مؤلف الأيام وعلى هامش السيرة وذكرى أبي العلاء وحديث الأربعاء والوعد الحق و. . . الخ. بل أقول إن هذا الظلم لا يقف عند ذلك المؤلف، بل يمتد إلى آلاف الناشئين في المدارس إذ يحرمهم تلك الوجبات العقلية وما تحتويه من فيتامينات الأدب والفن.

لقد أجمع الناس على أن كتب طه حسين من خير ما يقرأ وأنفس ما يقدم للتلاميذ وأنفعه، وتوالت كتابات الكتاب في هذه الحقيقة منذ ذلك الصيف الذي أصدر فيه معالي الدكتور طه حسين قراره بوقف شراء كتبه. وأقول (أجمع الناس) ولا أستثني من كتب معارضاً، فقد لاحظت أن المعارضة قصرت أمر الاعتراض - من حيث مؤلفات معاليه - على الشكل دون الموضوع، أعني أنها قالت في ذلك إن وزير المعارف اصدر قراراً بعدم شراء كتبه ثم اشترت الوزارة كتبه. وقد جاء في حديث معاليه أن صفقة الكتب التي اشتريت كانت قد تمت قبل ذلك القرار. وبهذا لم يبق للاعتراض محل. ولكن المعارضة نفسها لم تعترض ولم يكن ينبغي لها أن تعترض علة مجرد الشراء.

ولم يكن ينبغي ولا ينبغي لأي كان ممن ولوا أمر تقدير كتب المطالعة الإضافية أن يغفل كتب طه حسين لمكانة هذا المؤلف - المسلم بها من الجميع - في عالم الفكر والأدب في هذا العصر.

ذلك إجماع الناس - يا معالي الباشا - على تقدير ذلك المؤلف والاعتراف بنفع كتبه، فبأي حق تظلمه. . وبأي حق تمنع حق إشراقه على عقول التلاميذ؟ ألأنك وزير؟ لا، فأنت وزير ديمقراطي، وهذا حكم الرأي العام. . . لو كنت عضواً في البرلمان لاقترحت على المجلس أن يقرر تلك الكتب أو يعتبر تقريرها رغبة برلمانية ويبعث بها إلى وزارة المعارف للعمل على تحقيقها ولو عارض معالي الوزير. . .

مناقشة في (الموقف الدولي في آسيا)

افتتح قسم الخدمة العامة بالجامعة الأمريكية يوم الجمعة الماضي سلسلة للبحث والمناقشة موضوعها (مصر بين الشرق والغرب) وكان الموضوع الأول في هذه السلسلة (الموقف الدولي في آسيا) وقد تألف رواق المناقشة من الأساتذة والدكاترة محمود عزمي ومحمد زكي عبد القادر وفؤاد صروف وسليمان حزين بك وحسين كامل سليم بك.

بدأت المناقشة بتحديد آسيا، فاشتد الخلاف في هذا التحديد بين الدكتور عزمي والدكتور حزين، إذ حدها الأول بالحدود الجغرافية المشهورة ورأى أن يخرج من موضوع البحث البلاد العربية لارتباطها بمصر، وهذه في إفريقية. فانبرى الدكتور حزين بك يقول إن الرأي الحديث في تحديد آسيا يجعلها تشمل شمال إفريقية ويعتبر أوربا شبه جزيرة من آسيا، وتسمى هذه القارة الكبيرة (أورفراسيا) وعزز ذلك ببيان وجه الشبه في الموقف السياسي في كوريا وفي أوربا ففي كوريا الشيوعية شمالاً والديمقراطية جنوباً، وكذلك في أوربا الشرقية.

ونشب الخلاف مرة ثانية بين الأستاذ زكي عبد القادر والدكتور سليمان حزين بك، عندما قال الأول إن آسيا ليست إلا مسرحاً لسياسة الأمم الغربية فهي تتكون من أمم ضعيفة تتنازع النفوذ فيها دول الغرب القوية، فقال الدكتور حزين: إن في آسيا حيوية كامنة، وقد برزت قوتها في الصين، وفي صراع إندونيسيا لهولندا، والقارة تتكون من نحو نصف سكان العالم وتسودها الآن اليقظة الوطنية. قال الأستاذ زكي: نحن نتكلم عن الحاضر لا عن المستقبل. فقال الدكتور حزين: إن الحاضر يدل على مستقبل قريب.

وفي خلاف ثالث اشتبك الدكتور محمود عزمي وحسين كامل سليم بك، إذ رأى الأول أن زحف كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية ليس اعتداء وإنما هو التجاء إلى العنف لتحقيق غرض سياسي هو توحيد البلاد وإخراج المحتلين منها، وبين الفرق بين العدوان والالتجاء إلى العنف وضرب مثلاً لذلك مصر والسودان مفترضاً أن مصر رأت أو استطاعت أن ترسل جيشها إلى الخرطوم لتحقيق وحدة الوادي. . . وهنا دوت القاعة بتصفيق الحاضرين. ثم تحدث حسين كامل سليم ذاهباً إلى وصف ذلك الزحف بأنه عدوان، وقال إن كوريا تعتبر خط دفاع للديمقراطية في آسيا أمام الشيوعية، وتدخل في هذا الدكتور سليمان الحزين فأيد الدكتور عزمي في أنه من حق الشعب الكوري أن يعمل على توحيد جزئيه، ثم قال إن الذي حدث أن المصلحة الوطنية الكورية ضحى بها في سبيل التنافس بين الكتلتين الغربية والشرقية، وقد نجحت روسيا في خطتها العسكرية إذ استدرجت الغرب إلى هذه الحرب التي جشمته خسائر فادحة على حين لم تخسر روسيا جندياً واحداً، ولذلك كان من الخير للغرب ألا يتدخل.

وتناول الرواق بالمناقشة مسألة انتشار الشيوعية في آسيا، وعزوا ذلك إلى متاخمة روسيا للقارة وسوء حال المعيشة وفساد الحكم في البلاد الآسيوية التي انتشرت فيها الشيوعية. ولخص الأستاذ صروف الملاحظات التي اتفق عليها الجميع في ثلاثة أمور: (1) يقظة الآسيويين وثورتهم على الاستعمار وعلى النظم القائمة في بلادهم. (2) انحسار النفوذ الأوربي عن أكثر البلاد الآسيوية. (3) انتشار الشيوعية.

واختتم الأستاذ زكي عبد القادر المناقشة قائلاً: قد تصبح دول آسيا هي المسيطرة على العالم ولكنها الآن مسرح للنزاع بين الكتلتين، وقد شاعت فيها الشيوعية ونشأت بها دولة شيوعية قوية، ولكن كيف يكون المصير؟ هل تستبدل هذه الشعوب سيداً بسيد أو تكون لها قوتها الذاتية؟ وهل تظل نظم الصين مطابقة لنظم روسيا أو تصبح أفكارها مغايرة؟ يتوقف جواب ذلك كله على سير الأمور في العالم وعلى مدى اليقظة في الأمم الآسيوية.

حول محاضرة الدكتور ناجي:

. . . وبعد، فقد كنت أو أود أن أسبق الأديب (أسامة) في الرد على ما عقبت به حول محاضرة (الدكتور إبراهيم ناجي) ولكن شواغل حياتي الخاصة التي لا شك أنك عرفت طرفاً غير يسير منها - وفضل ذلك راجع إلى أخينا الأستاذ المعداوي - صرفتني عن الكتابة إليك في حينه. والآن وبعد أن هدأت العاصفة واستقر كل شيء يسرني أن أرسل كلمة عتاب هادئة لشاعر (ليالي القاهرة) الذي تجنى كثيراً على الرسالة وشعرائها. وهي تهمة أعيذ كبار كتاب مصر الشيوخ منها.

لماذا يريد الدكتور ناجي أن تتخلص الرسالة من الشعراء الذين تنشر لهم منذ سنوات؟ الأجل أن يحتكرها هو؟ أم أن هناك سبباً لا يدركه إلا هو والراسخون في علم الطب؟! وبأي حق يلقب هؤلاء الشاعرين بـ (التافهين) هل هو اشعر منهم أم هو أعلم أهل زمانه بقواعد اللغة؟

صدقني يا سيدي أنني كلما راجعت العدد الذي عقبت فيه على محاضرته عجبت من سكوت الشعراء على هذا التجني الشنيع والوقف الذي وقفه الدكتور من زملائه وفيهم من هو أعلم بأسرار البلاغة. وخصوصاً حين أرجع إلى ذاكرتي فأردد بيني وبين نفسي قوله:

(أجرجر) وحدتي في كل حشد ... وأحمل غربتي في كل جمع

وأقول: مرحى مرحى يا دكتور، من قال لك إن لفظة (أجرجر) تستعمل بمعنى (أجر) وفي أي قاموس وجدتها وأنت قد بلغت الآن الستين من عمرك المديد.

تصور يا صاحب (الأدب والفن في أسبوع) حال شاعر لا يعرف كيف تستعمل الكلمات في محلها، وقل لي بحق العلم والفن والأدب هل يجوز له نعت إخوان بـ (التافهين).

لقد كنت في (باريس) إبان أخرجت المطابع المصرية ديوان الدكتور وعند مروري بالإسكندرية وبيروت ودمشق لم أحصل على نسخة منه، وفي بغداد أكد لي أصحاب المكاتب أنه لم يرد حتى الآن لأقرأه وأعيه حقه من النقد. فهل يتكرم أصدقائي في القاهرة بإهدائي نسخة من (ليالي القاهرة) فأكون لهم من الشاكرين وأحبذ لو يتفضل الدكتور إبراهيم ناجي فيحمل عنهم هذا العبء. .

وختاماً يا صديقي الأستاذ عباس أود أن أحيل إليك هذا السؤال لترد أو تعقب أنت بدلاً من صديقك الدكتور فأقول سائلاً ومعاتباً:

من هم الشعراء التافهون الذين يعنيهم الشاعر ناجي؟ أهم كانوا من العراق، أم من سوريا ولبنان، أم من مصر والسودان؟ إن كانوا من العراق وأنا منهم طبعاً فهل لك أن تبين لنا عيوبنا لنتجنبها في المستقبل القريب؟! هذه جناية كبرى لا تغتفر للدكتور ناجي آمل أن تداركوها عسى أن تخفف ما علق بنفوسنا من أشجان.

واسلم لأخيك

بغداد - أمانة العاصمة

عبد القادر رشيد الناصري

عندما علقت على محاضرة الدكتور إبراهيم ناجي (الشعر العربي المعاصر) لم أقصد إلى انتقاص قدره ومكانته في عالم الشعر، إنما لاحظت أنه أراد أن يخلي المكان ويمسح كل من يشغله ليجلس فيه وحده، وقد أشفقت عليه لأنه يجشم نفسه هذا العناء وهو يستطيع أن يأخذ مكانه - وهو آخذه بالفعل - مستريحاً فسيحاً.

والذي ألحظه في رسالة الأستاذ عبد القادر رشيد الناصري - ويسرني أن حالته قد استقرت - أنه قد غضب من وصف الدكتور ناجي شعراء الرسالة بأنهم تافهون، لأنه منهم، وهو يعجب من سكوت بقية الشعراء. . ولكني أرى الأمر أتفه من أن يثير هذا الغضب، فقد رويت ذلك الوصف وأنا أعتقد أنه يحمل في تضاعيفه السخرية به. . فالرسالة تنشر لشعراء معروفين وغير معروفين مقدرة ما تنشره، وليس قول أحد بضائره. . . فالناس تعرف ما ينكره. . .

وقد نقدت محاضرة الدكتور ناجي، ولم أتعرض لشعره، وأقول الآن إن ما يقوله يعجبني، ومنه هذا البيت الذي أورده الأستاذ الناصري في رسالته:

أجرجر وحدتي في كل حشد ... وأحمل غربتي في كل جمع

فأنا أشاركه هذا الإحساس، وأراه موفقاً في التعبير عنه، هذا الشاعر الذي يعيش وحيداً وغريباً بين الناس لأنه يحيا بمشاعره في عالم غير عالمهم - جدير بالأنس إليه - وهو لا يترك تلك المشاعر عندما ينتقل إلى الناس بل ينقلها معه فتجر عليه الوحدة والغربة. أما (أجرجر) فلا أرى بها بأساً، بل أرى فيها بلاغة؛ فالجرجرة - كما نفهم من الأمثلة الواردة فيها - التحريك مع الصوت وهو نفس المعنى الذي يستعمل في العامية، واستعمال الفعل (أجرجر) في البيت، فيه تجسيم للوحدة إذ يشبه بالجسم الثقيل الذي يحدث جره صوتاً مزعجاً، وهذا يلائم المعنى، إذ يزيد الإحساس بالوحدة ضيقاً وثقلاً.

وتحياتي وأطيب تمنياتي للأستاذ الناصري، وأرجو ألا يضن عليه الدكتور ناجي بنسخة من (ليالي القاهرة)

عباس خضر